
انعكاسات فورية: كيف تأثر الاقتصاد الإسرائيلي جراء عملية “طوفان الأقصى”؟
أعلنت كتائب القسّام، الجناح العسكري لحركة حماس، إطلاق نحو 5 آلاف صاروخ على إسرائيل خلال عملية “طوفان الأقصى” فيما ردت إسرائيل بعملية السيوف الحديدية بعد مرور أربع ساعات كاملة على الهجوم الفلسطيني. ومن شأن تصاعد الأحداث الأمنية مع اليوم الثالث للعمليات أن يعمق أزمات إسرائيل الاقتصادية التي تعاني منها في ظل الاحتجاجات الاجتماعية والاضطرابات السياسية على إثر قانون الإصلاح القضائي وهو ما ألقى بظلاله على توقعات النمو الاقتصادي ومعدل التضخم وسعر الصرف والتصنيف الائتماني لإسرائيل. وفي هذا السياق، سيناقش هذا المقال التداعيات المحتملة لعملية “طوفان الأقصى” على الاقتصاد الإسرائيلي على النحو الآتي:
• تراجع قيمة العملة الإسرائيلية: تُعد أسواق العملات من أسرع الأسواق المستجيبة للأزمات الأمنية والجيوسياسية حيث سرعان ما هبط الشيكل الإسرائيلي مقابل الدولار إلى أدنى مستوى في 7 أعوام تقريبًا مسجلًا نحو 3.92 شيكل لكل دولار في التاسع من أكتوبر 2023 مقابل المستوى المسجل في السادس من أكتوبر –أي قبل قيام العملية- عند 3.86 شيكل لكل دولار، بما يمثل نسبة انخفاض تبلغ حوالي 2%، كما يُبين الشكل الآتي:
ومن المرجح أن يؤدي المزيد من تراجع الشيكل أمام الدولار والعملات الأجنبية الأخرى إلى ارتفاع أسعار المنتجات المستوردة خلال الفترة المقبلة مما سيزيد من أعباء ارتفاع معدل التضخم الذي وصل إلى 5.3% خلال عام 2022، وهو المعدل الأعلى منذ أكتوبر 2008. وقد يحفز ارتفاع معدل التضخم البنك المركزي الإسرائيلي لرفع سعر الفائدة في اجتماعه المقبل والمزمع عقده في الثالث والعشرين من أكتوبر الجاري حيث كانت أخر زيادة أقرها البنك المركزي في مايو الماضي حين قرر رفع معدل الفائدة من 4.5% إلى 4.75% ليقرر عقب ذلك تثبيتها في اجتماعي يوليو وسبتمبر 2023.
• هبوط مؤشرات البورصة الرئيسية: تفاقمت خسائر مؤشرات بورصة تل أبيب إلى أكثر من 6% بعد أن فتحت على انخفاض 4%، أمس الأحد، فيما تراجعت أسعار السندات الحكومية بنسبة تصل إلى 3% بعد يوم من الهجوم. ووصلت خسائر مؤشر البورصة الرئيسي (TA-35) إلى نحو 7.5% حتى الساعة مسجلًا 1694 نقطة، لتعتبر هذه الخسائر الأكبر منذ أكثر من نحو 3 سنوات.
• بيع العملات الأجنبية: أعلن البنك المركزي الإسرائيلي عن خططه لبيع العملات الأجنبية لأول مرة في تاريخه، من أجل توفير السيولة الدولارية للبنوك المحلية، كجزء من برنامج غير مسبوق لدعم الأسواق. ووفقًا لبيان صدر اليوم الاثنين، سيبيع بنك إسرائيل ما يصل إلى 30 مليار دولار، مضيفًا أنه سيتدخل في السوق خلال الفترة المقبلة من أجل تخفيف التقلبات في سعر صرف الشيكل، وتوفير السيولة اللازمة. ويعد هذا هو التدخل الأول من قبل البنك المركزي في الأسواق منذ حوالي عامين، والمرة الأولى على الإطلاق التي يبيع فيها بنك إسرائيل دولارًا أمريكيًا من احتياطاته النقدية.
• تفاقم الأزمات الاقتصادية: خلال الأشهر الماضية، حذرت وكالات التصنيف الائتماني من إمكانية خفض التصنيف الائتماني والنظرة المستقبلية للاقتصاد الإسرائيلي بسبب عواقب الإصلاح القضائي التي تهدد النمو الاقتصادي في البلاد، حيث أشارت التوقعات أن يتباطأ النمو الاقتصادي الإسرائيلي إلى 1.5% في عام 2023 من 6.5% في عام 2022. وفي أبريل الماضي، خفضت وكالة “موديز” نظرتها المستقبلية لإسرائيل من “إيجابية” إلى “مستقرة” حيث شهدت البلاد احتجاجات حاشدة على مدى الشهور الماضية ضد خطط الحكومة للإصلاح القضائي، والتي تعتبرها المعارضة محاولة لتقليص صلاحيات السلطة القضائية لصالح السلطة التنفيذية. ومن شأن خفض التصنيف الائتماني أن يزيد التكلفة التي تتحملها إسرائيل لدفع خدمة ديونها.
• عدم استقرار القطاع السياحي: ألغت شركات طيران عدة رحلات إلى تل أبيب في نهاية هذا الأسبوع، ومن بين هذه الشركات التي أوقفت رحلاتها إلى مطار “بن جوريون” في تل أبيب؛ “لوفتهانزا” و”طيران الإمارات” و”راين إير” و”خطوط إيجه الجوية” إلى جانب الخطوط الجوية الفرنسية. وأبلغت الفنادق عن كثرة المكالمات إلى مراكز الخدمة، وإلغاء الحجوزات المستقبلية من قبل السياح. وقد يؤثر هذا الأمر على عائدات السياحة في إسرائيل التي تمثل نحو 2.8% من الناتج المحلي الإجمالي وحوالي 3.5% من إجمالي العمالة.
• تراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة: قد يشهد حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة تراجعًا كبيرًا في إسرائيل بعد عملية “طوفان الأقصى” والذي كان قد سجل تراجعًا كبيرًا خلال الربع الأول من 2023 بلغ 60%، مقارنة بالمتوسط في كل من الربعين الأولين لعامي 2020 و2022. والجدير بالذكر أن حجم الاستثمارات الأجنبية في إسرائيل قُدر بنحو 28 مليار دولار خلال عام 2022.
• ارتفاع تكلفة الحرب: تكلف الحرب الاقتصاد الإسرائيلي مليارات الشواكل تنقسم إلى التكاليف المباشرة المرتبطة بنفقات الجيش الإسرائيلي والأجهزة الأمنية، من دفع ثمن الذخيرة والمعدات اللوجستية، وتكلفة غير مباشرة تتمثل في خسائر الشركات التي تظل مغلقة، والأضرار التي تلحق بالسياحة وحركة التجارة وغيرها من القطاعات. وقد تفرض الأعباء الاقتصادية الناجمة عن العملية العسكرية الحالية مزيدًا من الضغوط السياسية على حكومة “نتنياهو” الحالية التي باتت أمام مأزق داخلي حيث يرى الشعب الإسرائيلي أنها انشغلت بالخلافات السياسية عن التركيز على التهديدات الخارجية التقليدية.
• إغلاق حقول الغاز: تلقت شركة “شيفرون” تعليمات من إسرائيل بإيقاف إنتاج الغاز الطبيعي في منصة “تمار”، بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة، وقد يؤدي توقف “تمار” إلى انخفاض الشحنات أو حتى تأخيرها بعد أن خططت مصر لاستئناف صادرات الغاز الطبيعي المسال هذا الشهر قبل حلول فصل الشتاء الأوروبي. ويقع حقل “تمار” البحري على بعد 24 كيلومترًا غرب عسقلان الواقعة شمال قطاع غزة والتي تعرضت لقصف صاروخي متكرر من جانب الفصائل الفلسطينية. ويتم إنتاج الغاز من ستة آبار في الحقل، ويبلغ إنتاج كل منها حوالي 7.1 إلى 8.5 مليون متر مكعب يوميًا.
حاصل ما سبق أن التداعيات الاقتصادية سالفة الذكر الناتجة عن عملية “طوفان الأقصى” تُعد انعكاسات فورية لما حدث في السابع من أكتوبر الجاري، ومن الممكن أن تتعمق تلك الخسائر حال استمرار الاشتباكات لمدة طويلة بما قد يعمق أزمات إسرائيل الاقتصادية.
باحثة ببرنامج السياسات العامة



