الاقتصاد الدولي

قضايا ملحة: ماذا تنتظر الاقتصادات الناشئة من قمة “بريكس” 2023؟

تستضيف جنوب أفريقيا يوم الثلاثاء 22 أغسطس 2023 قمة مجموعة دول “بريكس”، بحضور أكثر من 40 رئيس دولة وحكومة، بالإضافة إلى قادة دول المجموعة التي تضم كلًا منك البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. وتتمثل أهمية تلك القمة بالنسبة للاقتصادات الناشئة في جملة الموضوعات التي ستناقشها الدول الأعضاء والتي تعد ملفات حيوية بالنسبة لها، مثل: مواجهة الهيمنة الدولارية، والأمن الغذائي، وانضمام أعضاء جدد للمجموعة.

ملفات على طاولة النقاش

من المرجح أن تركز القمة الحالية على عدد من الملفات المحورية لاقتصادات المجموعة وللاقتصاد العالمي في الوقت الحالي، ليأتي على رأسها ملف التوسع في عضوية المجموعة بعدما تم تجاهل هذا البند في القمم السابقة، كما يتبين تاليًا:

1. توسيع دائرة العضوية: تسعى حاليًا حوالي 40 دولة إلى الانضمام إلى مجموعة “البريكس” –كالسعودية وإندونيسيا ومصر وإيران- التي تشكلت في عام 2009 وانضمت إليها جنوب أفريقيا عام 2010، حيث تواصلت 22 دولة رسميًا مع “البريكس”، وتواصل عدد متساوٍ تقريبًا من الدول بشكل غير رسمي. إلا أن هذا المسعى يواجه عددًا من التحديات مثل: الانقسامات الداخلية بين الدول الأعضاء، والافتقار إلى رؤية متماسكة حول وضع معايير صارمة وواضحة للانضمام؛ فبعض الدول ترى أن تظل “بريكس” مجموعة لكبرى الاقتصادات الناشئة بدلًا من التحول إلى تحالف جيوسياسي مناهض للغرب، فيما ترفض دول أخرى الانسياق وراء رغبة الصين في التوسع السريع دون معايير واضحة؛ خشية أن تصبح المتحدث الرسمي باسم الدول الأعضاء.

2. إطلاق عملة مشتركة: لطالما أكد التكتل في الكثير من المناسبات على أهمية الحد من الهيمنة الدولارية على الاقتصاد العالمي ونظم الدفع الدولية، عبر إطلاق عملات ناشئة تكون قادرة على خلق محور توازني أمام الدولار الأمريكي. ولهذا، سيستغل قادة الدول الأعضاء بالمجموعة القمة من أجل إحياء هذه الفكرة، خاصة في ظل محاولة الولايات المتحدة “تسليح الدولار” –على حد وصفهم- من خلال فرض عقوبات على روسيا وإقصائها من نظام الدفع العالمي “سويفت”. 

ومن هنا، يقترح القادة الأعضاء زيادة استخدام العملات الوطنية للدول الأعضاء في التجارة، وإنشاء نظام دفع مشترك، وإنشاء عملة مشتركة في المستقبل البعيد انطلاقًا من مبادرة “R5” الهادفة إلى إنشاء عملة احتياطية جديدة مكونة من سلة من عملات دول البريكس (الروبل الروسي- الروبية الهندي- الراند الجنوب أفريقي-  الريال البرازيلي- اليوان الصيني).

والجدير بالذكر، أن هناك عددًا من الدول الأعضاء قام باستخدام العملات المحلية في التبادلات التجارية؛ إذ اتفقت الهند مع ماليزيا لزيادة استخدام الروبية في الأعمال التجارية عبر الحدود، وأبرمت البرازيل والصين في وقت سابق من العام الجاري صفقة لتسوية التجارة بعملتيهما المحليتين، وتواصلت الهند وروسيا مع جنوب أفريقيا بشأن ربط تسوية المدفوعات بالعملات المحلية.

3. الأمن الغذائي: وذلك في وقت تتفاقم فيه أزمة انعدام الأمن الغذائي عالميًا؛ نظرًا لارتفاع درجات الحرارة أو انسحاب روسيا من اتفاقية الحبوب، أو إجراءات الحماية الغذائية التي اتخذتها الهند عن طريق فرض قيود تصديرية على الأرز –الذي يعد عنصرًا حيويًا للوجبات الغذائية للآسيويين والأفارقة- مما أسهم في رفع أسعار الغذاء العالمية، وهو ما قد يلحق الضرر بالاقتصادات الأكثر هشاشة.

والجدير بالذكر أن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة “الفاو” أعلنت أن مؤشر أسعار الأرز ارتفع بنسبة 2.8% خلال يوليو 2023 على أساس شهري ليبلغ أعلى مستوياته في نحو 12 عامًا عند 129.7 نقطة، مرتفعًا بنحو 20% على أساس سنوي في ظل قفزة الأسعار التي تشهدها الدول المصدرة الرئيسة. وبشكل عام، ارتفع مؤشر أسعار الأغذية العالمية من أدنى مستوياته في عامين، ماحيًا بعض المكاسب التي حققها بالشهور الماضية، حيث بلغ متوسط المؤشر نحو 123.9 نقطة بزيادة تبلغ نحو 1.5 نقطة مقارنة بالشهر السابق.

4. بنك التنمية الجديد: من المقرر أن تقدم رئيسة بنك التنمية الجديد “ديلما روسيف” آخر التحديثات بشأن خطط تنويع مصادر تمويله، مع إبداء رغبة في توسيع سلة الإقراض لدى البنك، وهناك العديد من الدول في الشرق الأوسط وأماكن أخرى في آسيا مهتمة بالمساهمة في رأسمال البنك التنمية الجديد في ظل وجود تطلعات لدى 12 دولة لأن تصبح لديها عضوية كاملة.

5. الحرب الروسية- الأوكرانية: ستكون الحرب الأوكرانية على جدول أعمال القمة، حيث صوّتت البرازيل فقط لصالح قرار للأمم المتحدة في فبراير يدعو إلى إنهاء الصراع ويطالب روسيا بالانسحاب، فيما امتنعت الصين والهند وجنوب أفريقيا عن التصويت. 

أهمية مجموعة “البريكس” للاقتصاد العالمي

تستحوذ دول مجموعة “بريكس” الخمس على 26% من الاقتصاد العالمي؛ إذ نمت حصتها في الناتج المحلي الإجمالي العالمي من 18% في عام 2010 إلى 26% في عام 2021، مع زيادات مسجلة في جميع السنوات خلال هذه الفترة. وهي تسيطر على 20.2% من التجارة العالمية و40.7% من سكان الكرة الأرضية. وتضم مجموعة بريكس ثلاث دول بين أكبر عشرة اقتصادات في العالم، تتصدر الصين -ثاني أكبر اقتصاد في العالم- دول المجموعة في الناتج المحلي لعام 2022، ثم الهند، خامس أكبر اقتصاد في العالم.

وشهدت مجموعة “البريكس” زيادة بأكثر من أربعة أضعاف في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر السنوية، من 84 مليار دولار في عام 2001 إلى 355 مليار دولار في عام 2021، وتضاعفت حصتها في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر العالمية من 11% في عام 2001 إلى 22% في عام 2021.

وفي عام 2020، كانت الولايات المتحدة أكبر مستثمر نهائي في التكتل من حيث الاستثمار الأجنبي المباشر، فيما جاءت المملكة المتحدة في المرتبة الثانية، والصين في المرتبة الثالثة، لتأتي في المراتب الأخرى اليابان وهونج كونج وألمانيا وهولندا وفرنسا وسويسرا وإسبانيا. أما عن التجارة العالمية، فتتصدر الصين -أكبر مُصدر في العالم- دول المجموعة بصادرات 3.6 تريليونات دولار خلال 2022، ثم روسيا -الـ 14 عالميًا- بصادرات 532 مليار دولار، والهند -الـ 18 عالميًا- بصادرات 453 مليار دولار، والبرازيل -الـ 26 عالميًا- بصادرات 334 مليار دولار، وأخيرًا جنوب أفريقيا بـ 124 مليار دولار. بالتالي فهناك أربع دول ضمن تكتل بريكس من بين أكبر 30 دولة مصدرة عالميًا. وفيما يخص السكان، فإن المجموعة تستحوذ على نصيب الأسد من سكان العالم، حيث لديها أربع دول من بين أكبر عشر دول سكانًا في العالم وتضم أكبر دولتين سكانًا. 

ختامًا، يتبين من التحليل السابق أن أنظار العالم تتجه غدًا إلى قمة مجموعة “بريكس”؛ نظرًا إلى توقيت انعقادها الذي يأتي بالتزامن مع خطط العديد من الدول النامية التي تستهدف الخروج من قبضة الدولار على الاقتصاد العالمي، حيث تسعى دول المجموعة إلى البت في العديد من الملفات كتعزيز إمكانات بنك التنمية الجديد، ومجمع احتياطيات النقد الأجنبي، وتطوير آليات الدفع، وزيادة دور العملات الوطنية في التسويات المتبادلة.

كاتب

بسنت جمال

باحثة ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى