شرق المتوسط

العراقيل التُركية في البحر المتوسط خدمت المصالح المصرية

د.محمد شادي

بذلت تُركيا كل ما تستطيع من جهود لعرقلة الاستغلال الاقتصادي لاكتشافات الغاز في البحر المتوسط، بحيث فرضت نفسها على الإقليم بشكل عام، لتقتطع قدر ما تستطيع من ثرواته التي تستثنيها قواعد القانون الدولي من الاستفادة بها. فبدأت أولًا بالتنقيب في المياه الاقتصادية الخالصة القبرصية، تحت دعوى المحافظة على حقوق القبارصة الأتراك في جمهورية قُبرص الشمالية “التي لا يعترف بها في العالم سوى الأتراك”، وعلى الرغم من أن المنطقة القبرصية الشمالية الافتراضية تقع على الحدود مع تُركيا، إلا أن التنقيبات التُركية جاءت بعيدًا عنها، بحيث وقعت في المنطقة الاقتصادية الخالصة القبرصية الجنوبية، أو في الجزء الجنوبي من الجزيرة كما توضح الخريطة التالية:

ويتضح من الخريطة دخول سفينتي “فاتح وبربروس” المياه الاقتصادية القبرصية الجنوبية وإجرائها تنقيبات في بلوكات مُنحت امتيازات التنقيب فيها فعليًا لشركتي توتال وإيني، وعلى وجه الخصوص بلوكي 8 و9 القبرصيين. ولم تكتف بذلك بل منعت سُفن التنقيب التابعة لشركة إيني.

 كذلك اتجهت تُركيا لتوقيع اتفاق حدودي بحري مع حكومة السراج مُنتهية الولاية القانونية في ليبيا لتعيين الحدود البحرية بين الدولتين رغم عدم تشاطئهما، وقد جاءت الاتفاقية لتعتدي على المناطقتين الاقتصاديتين الخالصتين لكلٍ من قبرص واليونان، كما توضح الخريطة التالية:

وجاء “تصميم” المنطقة الاقتصادية التُركية بهذا الشكل لمنع دولتي الإنتاج إسرائيل وقبرص من إنشاء خط East med لنقل الغاز من مناطق إنتاجهما إلى اليونان ومنها إلى مناطق الاستهلاك في أوروبا، بالإضافة إلى منع مصر من تمديد خطوط الربط الكهربائي مع اليونان ومنها إلى أوروبا دونما مرور بالمنطقة الاقتصادية التُركية، بما يؤدي إلى عرقلة الاستفادة من الثروات المُنتجة بدون مُشاركة تُركية.

لكن هذه الجهود صبت في النهاية في الصالح المصري بشكل تام وتمثل ذلك فيما يلي:

  1. اتفاقيات مصرية مع قبرص وإسرائيل لتسييل الغاز في مصر:

فبسبب عدم وضوح الرؤية والعراقيل التُركية فيما يخص إقامة خط East Med، بالإضافة إلى عاملي التكلفة الباهظة والصعوبات الفنيةـ اتجهت كُلًا من قبرص وإسرائيل إلى توقيع اتفاقيات مع مصر لنقل غازهما المُنتج من حقول ليفثيان وتمار في إسرائيل وأفروديت في قبرص إلى الأراضي المصرية لتسيله في مُنشأتي التسييل المصريتين باهظتي الثمن في أدكو ودمياط ليُنقل بعد ذلك محمولًا في السُفن إلى أوروبا، كما توضح الخريطة التالية:

بحيث ارتبطت مصر مع إسرائيل: عبر شركة “دولفيونس المصرية” الخاصة من جانب وشركاتي “ديليك دريلينج” وشريكتها الأمريكية “نوبل إنرجي” باتفاق وقع أوائل العام الماضي لتصدير الغاز الطبيعي بقيمة 15 مليار دولار من حقلي “تمار” و”لفثيان”، جرى تعديله في أكتوبر 2019 بزيادة الكميات المُصدرة لتبلغ 60 مليار متر مكعب من الغاز إلى مصر على مدى 15 عاما من 32 مليار متر مكعب في الاتفاق الأصلي.

 ثم ارتبطت مصر مع قبرص: باتفاقية لإنشاء خط غاز يربط بين البلدين لنقل الغاز القبرصي إلى محطات الإسالة المصرية، وقعت في العاصمة القبرصية نيقوسيا بتاريخ 19 سبتمبر الماضي، وأصبحت هذه الاتفاقية سارية عقب نشرها في الجريدة الرسمية المصرية بتاريخ 5 يوليو 2019.

وتصُب هاتين الاتفاقيتين في صالح الاقتصاد المصري حيث تُشغل مُنشأتي التسييل المصرية والسُفن المصرية الناقلة للغاز من ناحية، ويرفع مصر من ناحية أخرى لمرتبة شريك استراتيجي لأوروبا بما يخدم التنمية بشكل عام في البلاد.

  • تعيين الحدود البحرية مع اليونان:

الضغوط التُركية واعتدائها على المنطقة الاقتصادية اليونانية دفعت الأخيرة إلى الإسراع في ضبط حدودها، بحيث تُضيع الفرصة على الأتراك، وهو ما بدأته بتوقيع اتفاقية ترسيم حدودها البحرية مع إيطاليا في 10 يونية، وهو ما شكل أول ضربة للاتفاقية بين تُركيا والسراج، ثم توجت اليونان جهودها بتوقيع اتفاقية الترسيم مع مصر وذلك في 6 أغسطس الجاري بما يسمح للدولتين في المستقبل القريب وفي غضون أشهر باستغلال المناطق الواعدة المتروكة منذ عشرات السنين دون استكشاف.

مما سبق يتضح أن العراقيل والإنفاق التُركي الكبيرين في شرق المتوسط لم تُسفر عن تحقيق المأرب التُركية من جانب، بل على العكس صبت بالكامل في الصالح المصري، وعلى الرغم من ذلك يجب على صانع ومُتخذ القرار المصري الانتباه بشدة لجميع التحركات التُركية في المُستقبل، وبذل المزيد من الجهود لتطويقها، بالاستعانة مُباشرة بدول الإقليم، وخاصة دول مُنتدى غاز شرق المتوسط.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى