أفغانستان

كيف مولت طالبان قواتها التي سيطرت على أفغانستان تحت عيون الأمريكيين ؟

أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية إتمام انسحابها من كامل التراب الأفغاني اليوم (٣١ أغسطس ٢٠٢١)، وذلك حسب اتفاقها مع طالبان على مغادرة أفغانستان الذي جرى توقيعه خلال العام الماضي، تحت ضغوط النجاحات العسكرية التي أحرزتها الحركة خلال الأعوام القليلة الماضية، الأمر الذي آثار تساؤلات عديدة ليس فقط عن كيفية تحقيق هذه النجاحات رغم الإنفاق العسكري الأمريكي الضخم، بل عن كيفية تمويل طالبان لهذه الحملات ضد القوات الأمريكية، خلال فترة تزيد عن ٢٠ عامًا، حتى نجحت في اقتناص اتفاق الإجلاء، مما مكنها أخيرًا من إعادة بسط نفوذها على معظم أقاليم البلاد، وبالتالي يهدف هذا المقال للإجابة عن السؤال المتعلق بمصادر تمويل طالبان.

أولًا – ملجأ العرقيات:

ينقسم الشعب الأفغاني أساسًا إلى ستة عرقيات أهمها: البشتون بنسبة ٤٢٪، وينتشرون في الأقاليم الجنوبية الشرقية والغربية، الطاجيك ٢٧٪ وينتشرون في أقاليم الشمال، الهازارا بنسبة ٩٪ ويتركزون في الوسط، كما يوضح الشكل التالي:

Map

Description automatically generated

وقد استغلت طالبان انتمائها العرقي للبشتون لتتوسع في زراعة وتجارة الأفيون في أقاليم انتشارهم، لتنجح مساعيها في ذلك بشكل كبير، بسبب غياب التنمية الاقتصادية الحقيقية عن هذه المناطق، وفي ذات الوقت الحنق الذي ولده تواجد القوات الأمريكية في البلاد، وقد كان من أهم مظاهر ذلك أن تحولت طالبان عن سياستها لمقاومة زراعة الأفيون التي بدأتها عام ١٩٩٩ عندما بلغت المساحة المزروعة منه نحو ٩١ ألف هكتار، إلى تشجيع زراعته وحماية مزارعيه، وتنمية تجارته والإشراف على نقله خارج البلاد، لتبلغ هذه الزراعة أوجها في عام ٢٠١٧ عندما وصلت المساحة المزروعة إلى ٣٢٨ ألف هكتار، تحت سمع وبصر الولايات المتحدة الأمريكية وقواتها، ويوضح الشكل التالي تطور المساحة المنزرعة بالأفيون في أفغانستان خلال الفترة من ١٩٩٤ وحتى ٢٠٢٠:

Chart, line chart

Description automatically generated

ويوضح الشكل أن حملة طالبان على زراعة الأفيون كانت قد أتت نتائجها في ٢٠٠١ قبل الغزو الأمريكي عندما انخفضت المساحة المزروعة إلى ٨ آلاف هكتار فقط، لتتحول بعد ذلك إلى اتجاه تصاعدي، تحت حماية طالبان لتمويل حملاتها الحربية ضد الولايات المتحدة.

وقد كانت ولايات البشتون السابق الإشارة إليها هي الموطن الأساسي لهذه الزراعة، حيث تسيطر طالبان بشكل شبه كامل على هذه المناطق، فمن بين ال ٢٢٤ ألف هكتار السابق الإشارة إليها في ٢٠٢٠، احتفظت هلمند بحصة الأسد وذلك بنحو ١١٥٫٥ ألف هكتار، تلتها مباشرة قندهار بنحو ٢٠٫٥ ألف هكتار، كما توضح الخريطة التالية:

Map

Description automatically generated

يضاف إلى ما سبق ارتفاع إنتاج الأقاليم الثلاثة لمجاورتها لكل من باكستان التي تتعاطف بشكل كبير مع طالبان بحكم الاشتراك المذهبي والعرقي، وإيران التي تستفيد من هذه الزراعة لتمويل الميلشيات التابعة لها في المنطقة وبخاصة حزب الله والحوثيين، وبالتالي تعملان كممر لها للخارج، ويضاف إلى هاتين الدولتين تركيا -عبر تركمانستان- التي تعمل كمعبر لهذه البضائع إلى أوروبا، ويوضح الشكل التالي خريطة طرق تهريب الأفيون إلى العالم انطلاقًا من أفغانستان عبر الدول الثلاثة:

ويتضح منه أن أفغانستان تحولت إلى المصدر الأساسي لزراعة الأفيون وتهريبه للعالم، حتى خارج قارات العالم القديم أوروبا وأسيا وإفريقيا، ليصل إلى أمريكا الشمالية وأستراليا.

ثانيًا – اقتصاد الأفيون:

مع هذه القدرة على الانتاج أصبح الأفيون ذو المنشأ الأفغاني يتجاوز أكثر من ٨٠٪ من مجمل الإنتاج العالمي كما يوضح الشكل التالي:

Chart, bar chart

Description automatically generated

هذا وقد بلغ إنتاج أفغانستان من الهيروين في عام ٢٠٢٠ نحو ٦.٣: ٧٫٢ ألف طن، فيما بلغ متوسط سعر الكيلو جرام الجاف الواحد في وقت الحصاد نحو ٥٥ دولارًا، بما يعني أن قيمة منتج الهيروين في الحقل بلغ ما بين ٣٥٠: ٤٠٠ مليون دولار في عام ٢٠٢٠ وحده، فضلًا عن القيمة المضافة التي يكتبها جراء عمليات التصنيع والنقل حتى خارج حدود البلاد، ما يرفع قيمة المنتج في النهاية إلى نحو ٥٠٠: ٦٠٠ مليون دولار، تستفيد طالبان بنحو نصفها، في إطار عمليات الرعاية والحماية والنقل وشبكة التسهيل إلى إيران وباكستان.

وجهت هذه الأموال لتمويل الجهد العسكري الطالباني في مواجهة القوات الحكومية والأمريكية التي أنفقت بمعدلات أكبر بمئات الأضعاف لكن فقدت عنصرين مهمين جعلا من هذا الإنفاق بلا جدوى وهما التعاطف الشعبي الواسع، أو رعاية الطائفة العرقية الأكبر في البلد، وثانيًا كفاءة الإنفاق، فبدلًا من توجهيه لمكافحة زراعة الأفيون وجه لبناء قوات جيش مهلهلة بلا هوية أو عقيدة قتال حقيقية.

ثالثًا – إنفاق أمريكي معتل

يمكن تفسير ما سبق في ظل إجمالي تكلفة الحرب الأمريكية في أفغانستان التي وصلت ٨٣٧٫٣ مليار دولار أمريكي، مصحوبة بنفقات لإعادة الإعمار بلغت ١٣٢٫٩ مليار دولار بما مجموعه ٩٧٠٫٢ مليار دولار خلال ٢٠ عامًا وهو ما يقارب ثلاثة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي المصري، ويوضح الشكل التالي تطور تكلفة الحرب وإعادة الإعمار فيما بين عامي ٢٠٠٢ و٢٠٢١:

Chart

Description automatically generated

ويتضح من الشكل اتجاه التكلفة وإعادة الإعمار للانخفاض بداية من ٢٠١٢ حيث بدأت الولايات المتحدة تفقد زخم الانخراط في الحرب وإعادة الإعمار، مما أكسب طالبان اتجاهًا متزايدًا من التعاطف الشعبي في أقاليم الجنوب الشرقي وخاصة في قندهار وهلمند.

أما الإنفاق الأمريكي الموجه مباشرة لاستعادة الدولة الأفغانية فقد ما إجماليه ١٤٤٫٩٨ مليار دولار أمريكي، وهو ما يساوي أكثر ٣ أضعاف الاحتياطي النقدي المصري من العملات الأجنبية، وينقسم هذا الإنفاق أساسًا إلى ٨ أقسام يوضحها الجدول التالي:

#البندالمبلغ بالمليار دولار
١صندوق الدعم الاقتصادي لصندوق قوات الأمن الأفغانية (ASFF)٨٢٫٩
٢صندوق الدعم الاقتصادي (ESF)٢١٫٢٤
٣المراقبة الدولية للمخدرات وإنفاذ القانون (INCLE)٥٫٥٠
٤برنامج الاستجابة للطوارئ للقادة (CERP)٣٫٧١
٥أنشطة حظر ومكافحة المخدرات (DICDA)٣٫٢٨
٦مساعدة الهجرة واللاجئين (MRA)١٫٦
٧المساعدة الدولية في حالات الكوارث (IDA)١٫١٥
٨عدم الانتشار ومكافحة الإرهاب وإزالة الألغام وما يتصل بذلك (NADR)٠٫٩٣
٩بنود إعمار أخرى٨٫٧٥
١٠تكاليف عمل ١٥٫٩١
الإجمالي١٤٤٫٩٨

يتضح من الجدول أن الإنفاق الأمريكي الموجه لمقاومة المخدرات وزراعتها وعمليات تداولها توزع على بندين لا يتجاوز إجماليهما ٩ مليارات دولار خلال السنوات العشرين، بينما قد تصل عوائد التهريب في عام واحد إلى ٦٠٠ مليون دولار كما سبقت الإشارة.

في جزء لاحق من المقال سنربط بين التدفقات النقدية التي أحرزتها طالبان من تجارة الأفيون، الجهد العسكري، وكيف اشترت طالبان أسلحتها، ومن أي دول، وبالتالي سيوضح ذلك خريطة تحالفات طالبان في المستقبل، والانعكاسات الدولية والإقليمية لخروج القوات الأمريكية من البلاد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى