تحديد الحدود الغربية لمصر في المتوسط.. خطوة إضافية نحو “المركز الإقليمي للطاقة”
خطوة إضافية نحو تحقيق أحد أهم الأهداف الاستراتيجية لمصر على المستوى الاقتصادي خطتها القاهرة في الحادي عشر من الشهر الجاري، بعد أن أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي قرارًا جمهوريًا بشأن تحديد الحدود البحرية الغربية لجمهورية مصر العربية في البحر المتوسط، بهذا بات شكل الحدود البحرية المعلنة من جانب مصر مكتملًا بشكل شبه كامل، وهو ما يحمل في طياته ارتباطًا مهمًا بأهداف مصرية على المستوى الإقليمي والدولي، تتعلق في الأساس بالاقتصاد والطاقة، لكنها في نفس الوقت على تماس لا يمكن إغفاله بالجوانب الجيوسياسية في هذا النطاق الجغرافي الحيوي.
مجريات الأحداث خلال الفترة الماضية في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط بشكل عام كانت من دواعي جنوح القاهرة للتعامل مع تفاعلات هذه المنطقة من منطلق “شامل”، لا يرى هذه المنطقة من زاوية أنها “شرق المتوسط”، بل من زاوية أوسع تؤكد فيها مصر على حدود سيادتها الاقتصادية، والتي أصبحت تمتد على طول الحدود البحرية المصرية، وبالتالي لم تعد البؤرة المصرية مركزة على منطقة شرق المتوسط -التي تم تثبيت المعادلة المصرية فيها- بل اتسعت هذه البؤرة لتشكل كامل النطاقات البحرية ذات الأهمية الاقتصادية بالنسبة لمصر.
خطوة جديدة ضمن خطة “تثبيت الحقوق المصرية في مجال الطاقة”
للنظر بشكل معمق إلى خطوة إعلان الحدود البحرية المصرية غربًا، لابد من أن نضع في الحسبان السياقات الأساسية التي جاءت ضمنها هذه الخطوة، وتحديدًا سياقين أساسيين أحدهما اقتصادي والآخر جيوسياسي. السياق الاقتصادي -ذو الأهمية المركبة بالنظر إلى الظروف الدولية الحالية- يجعل من الجائز أن نعد الخطوة المصرية الأخيرة جزءًا من خطة طموحة شرعت بها القاهرة تستهدف بشكل أولي السيطرة الكاملة على مقدراتها الاقتصادية فيما يتعلق بالطاقة في نطاقي البحر المتوسط والأحمر -خاصة الغاز والنفط- ومن ثم التحول لتصبح مصر “مركزًا إقليميًا للطاقة”.
بداية هذه الخطة كانت عمليًا عام 2016، تحت عنوان أساسي وهو تنمية وتحديث قطاع البترول والغاز المصري، بحيث تكتمل الأهداف المطلوبة من هذه الخطة بحلول عام 2040، وكان من أهم هذه الأهداف الوصول إلى حالة الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي، عبر عدة إجراءات داخلية وخارجية؛ أهمها على المستوى الداخلي التوسع في عمليات التنقيب عن الغاز في المياه الاقتصادية المصرية، وهي نقطة مهمة يمكن ربطها -بشكل أو بأخر- مع إعلان مصر الأخير حول حدودها البحرية الغربية، فتحديد المناطق الاقتصادية والحدود البحرية بشكل معلن ورسمي ومعترف به دوليًا هو الطريق الوحيد الذي يمكن من خلاله تمكين الشركات النفطية والغازية من البدء في التنقيب والحفر والاستخراج.
لهذا السبب قامت مصر على مدار عدة مراحل، بترسيم الحدود البحرية مع الدول المقابلة لها في البحر المتوسط والأحمر، وتحديدًا المملكة العربية السعودية واليونان وقبرص، وهو ما تم فعليًا عبر ترسيم الحدود البحرية مع الجمهورية القبرصية عام 2013، ومع المملكة العربية السعودية عام 2016، ومع اليونان عام 2020. نتيجة لهذا، تمكنت مصر من اكتشاف مجموعة جديدة من الحقول الغازية، على رأسها حقل “ظهر” الغازي، الذي تم اكتشافه عام 2014، ويعد من أكبر الحقول الغازية في البحر المتوسط، باحتياطيات مؤكدة تبلغ 30 تريليون متر مكعب من الغاز، ومعدل إنتاج يومي بلغ 3.2 مليار متر مكعب.
هذا الحقل يعد سببًا أساسيًا في وصول مصر إلى الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي، وبدء عمليات التصدير في سبتمبر 2019، حيث يشكل إنتاج هذا الحقل ما نسبته 40% من إنتاج مصر الكلي من الغاز، وقد أضيف إلى هذا الحقل عدة حقول أخرى، منها حقل “نورس” في دلتا النيل (نحو مليار قدم مكعبة من الغاز يوميًا)، وحقل “أتول” شمالي مدينة دمياط (350 مليون قدم مكعبة من الغاز يوميًا)، وحقل “نور” شمال مدينة العريش، بجانب مشاريع تنمية الحقول الموجودة بالفعل، مثل حقول شمال الإسكندرية وغرب الدلتا، وحقول دسوق وغرب بلطيم.
هذه الحقول أضيف إليها خلال الفترة الأخيرة اكتشافات جديدة، مثل حقل “نرجس-1” قبالة ساحل مدينة العريش شمالي سيناء، والذي يحتوي على احتياطيات مبدئية من الغاز تصل إلى 3.5 تريليون متر مكعب، وتستهدف مصر حفر نحو 45 بئرًا خلال الـ3 سنوات المقبلة، غالبيتها في البحر المتوسط، مع التركيز على زيادة الاستثمارات في قطاع الغاز، وتسريع وضع الحقول على خطوط الإنتاج.
التعاون المصري مع دول الإقليم لتثبيت وضعها كـ “مركز للطاقة”
الشق الثاني من الخطة المصرية اهتم بشكل كبير بتعميق تعاون القاهرة وعلاقاتها مع دول المتوسط بشكل عام، بحيث تكون كافة الخطوات المصرية فيما يتعلق بقطاع الطاقة متوافقة مع هذه الدول ولا تستهدف الإضرار بها أو التعدي على حقوقها، وهذا ظهر بجلاء في عدة إجراءات تمت خلال الفترة الماضية، بداية من الحرص على ترسيم الحدود البحرية والاتفاق على المناطق الاقتصادية مع دول مثل المملكة العربية السعودية واليونان وقبرص. استهدفت مصر أيضًا من تعاونها مع محيطها الخارجي في مجال الطاقة الاستفادة من فائض الإنتاج الذي بدأ يتشكل لديها، وكذا حجم الإمكانيات اللوجيستية المتوفرة على الأراضي المصرية؛ للفوز في المنافسة الإقليمية التي دارت رحاها في شرق المتوسط حول ماهية الدولة التي ستتبوأ موقع “مركز الطاقة الإقليمي”.
بداية هذا المسار كان توقيع القاهرة في فبراير 2018، اتفاقية مع تل أبيب، لتصدير الغاز الطبيعي إلى مصر لإسالته وتصديره، ضمن عقد بلغت قيمته 15 مليار دولار، وقد تم تفعيل هذا العقد بالفعل أوائل عام 2020، ويمكن اعتباره من الأسباب الأساسية لاقتناع المفوضية الأوروبية بقدرة مصر على تصدير الغاز إلى أوروبا؛ نظرًا إلى استدامة عمليات الإسالة والتصدير ضمن العقد السالف ذكره، للدرجة التي دفعت وزارة الطاقة الإسرائيلية في أكتوبر 2021 إلى الإعلان عن بحثها إمكانية إنشاء خط أنابيب بري جديد لتعزيز إمدادات الغاز الطبيعي لمصر، لرفع حجم الغاز الذي يتم نقله لمحطات الإسالة المصرية إلى نحو 5 مليارات متر مكعب، وهنا تجب ملاحظة أن هذا الخط قد يكون من ضمن البنود التي سيتضمنها الاتفاق الثلاثي بين مصر والاتحاد الأوروبي وإسرائيل.
كثفت مصر أيضًا في هذا الإطار من تعاونها مع قبرص واليونان، كبوابات محتملة لتصدير الغاز إلى أوروبا، فوقعت مصر في سبتمبر 2018 اتفاقًا مع الحكومة القبرصية لإقامة خط أنابيب بحري مباشر؛ من أجل نقل الغاز الطبيعي من حقل “أفروديت” القبرصي إلى محطات الإسالة والتصدير المصرية، بهدف تصديره إلى الأسواق العالمية، بدءًا من عام 2024، بتكلفة تصل إلى نحو مليار دولار.
تم اعتبار هذا الاتفاق بمثابة تدشين إضافي لمصر كمركز إقليمي للطاقة، وظهرت إيجابياته بشكل أكبر في الوقت الحالي؛ بالنظر إلى أن أوروبا ستعتمد على هذا الخط كمصدر للغاز الذي سيتم إسالته في مصر قبل تصديره إلى أوروبا، حيث تصل الطاقة الاستيعابية المقدرة لهذا الخط إلى 700 مليون قدم مكعبة سنويًا.
التعاون المصري مع دول شرق المتوسط وضعته القاهرة في إطار تنفيذي فعال في يناير 2019 عبر تأسيسها “منتدى غاز شرق المتوسط”، مع ست دول أخرى، هي الأردن وإسرائيل وقبرص واليونان وإيطاليا وفلسطين، ليكون بمثابة سوق إقليمية تعمل على استغلال الثروات الغازية، وتأمين احتياجات الدول الأعضاء، وتفعيل التعاون بينهم في كافة المجالات.
وُقّع الميثاق المؤسس لهذا المنتدى في سبتمبر 2020، ودخل حيز التنفيذ الفعلي في مارس 2021، ليصبح مثالًا حيًا على التعاون بين الدول في مجال الطاقة، وتتويجًا لمصر كمركز إقليمي للطاقة، يحرص بالتعاون مع الدول الأخرى على تحسين تطوير الموارد، وتأمين التسعير التنافسي وتفعيل التعاون التجاري، مع الحرص على احترام حقوق الدول الأعضاء فيما يخص مواردها من الغاز الطبيعي.
القدرات اللوجيستية المصرية وفائض الإنتاج الغازي الذي بدأ في التكون أعطى لمصر القدرة على دخول مجال تصدير الغاز بخطوات ثابتة، خاصة بعد الاحتياطيات والحقول الغازية الضخمة التي تم الكشف عنها خلال السنوات الأخيرة في المنطقة الاقتصادية المصرية، وكذا إعادة تفعيل منشآت الإسالة المصرية وعودتها للتشغيل والتصدير بشكل كامل منتصف عام 2021.
اكتفاء مصر غازيًا ودخولها مجال تصدير الغاز منذ سبتمبر 2018 شكّل نقطة نجاح أساسية للخطة المصرية فيما يتعلق بالطاقة، حيث ارتفعت مصر من المركز الـ19 عالميًا في إنتاج الغاز الطبيعي عام 2015، إلى المركز الـ13 عالميًا والثاني أفريقيًا عام 2021، وحققت زيادة في قيمة الصادرات من الغاز الطبيعي والمسال لتصل إلى 8 مليارات دولار خلال العام المالي 2021/2022.
نقطة النجاح هذه جعلت أوروبا لا ترى في نطاق البحر المتوسط سوى مصر من أجل سد حاجتها من الإمدادات الغازية، فحرصت في يونيو الماضي على توقيع اتفاقية ثلاثية مع إسرائيل ومصر لتوريد الغاز، سيتم بموجبها نقل الغاز من إسرائيل إلى الاتحاد الأوروبي بعد إسالته في مصر التي يراها الاتحاد الأوروبي بمثابة مورد موثوق للطاقة إلى الدول الأوروبية، التي تحتاج لاستيراد ما لا يقل عن 17 مليار متر مكعب من الغاز خلال الفترة المقبلة”. وبهذا ستدخل مصر بقوة إلى سوق تصدير الغاز إلى أوروبا، علما بأن كميات محدودة من الغاز المصري تصل بالفعل حاليًا إلى دول أوروبية مثل فرنسا وإيطاليا، بجانب تصدير مصر سابقًا الغاز لدول عدة منها الهند وبنجلاديش وكوريا الجنوبية وسنغافورة والصين وتركيا.
الدور يأتي على الحقوق المصرية غربي ساحلها الشمالي
انطلاقًا مما سبق، يمكن -بشكل واضح ودقيق- فهم دواعي وأسباب الخطوة المصرية الأخيرة فيما يتعلق بتحديد حدودها البحرية الغربية، وهي في القراءة الأولية أسباب اقتصادية وإجرائية بحتة، حيث تستهدف القاهرة حسم حدودها البحرية التي يمكن من خلالها أن تطرح المناطق المقابلة لها أمام شركات النفط العالمية للتنقيب عن النفط والغاز، وبالتالي الحفاظ على ثرواتها في هذه المناطق، خاصة أن الجانب الغربي من الساحل الشمالي المصري توجد به مناطق عديدة ذات احتياطيات غازية محتملة ضخمة، لا يمكن التنقيب فيها إلا بعد تحديد معلن ورسمي للحدود البحرية لجمهورية مصر العربية.
الملاحظ في هذا التحديد من حيث الشكل أن مادته الأولى نصت على أن تبدأ حدود البحر الإقليمي لجمهورية مصر العربية من نقطة الحدود البرية المصرية الليبية النقطة رقم (1) ولمسافة (12) ميلًا بحريًا وصولا إلى النقطة رقم (8)، ومن ثم ينطلق خط الحدود البحرية الغربية لجمهورية مصر العربية من النقطة رقم (8) في اتجاه الشمال موازيًا لخط الزوال (25) شرق، وصولًا إلى النقطة رقم (9)، وهو ما يتوافق مع خطوط الأساس الخاصة بترسيم الحدود البحرية الذي تم مع اليونان، ولهذا كان ترحيب اليونان بالقرار المصري على لسان وزير خارجيتها نيكوس دندياس، ما يثبت التنسيق المصري مع اليونان في هذا الصدد.
في نفس الوقت يتوافق التحديد البحري المصري مع القانون البحري الدولي، خاصة اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، المعلنة عام 1982، والتي دخلت حيز التنفيذ عام 1993، ولهذا نصت المادة الثانية من القرار الجمهوري الخاص بتحديد الحدود البحرية على أن تعلن قوائم الإحداثيات وفقًا للقواعد المعمول بها، ويخطر بها الأمين العام للأمم المتحدة بشكل فوري.
التحديد البحري المصري جاء أيضًا مطابقًا لنقاط التماس والخطوط التي تضمنتها المذكرات المتبادلة بين وزير المستعمرات البريطاني الڤايكونت ملنر ووزير الخارجية الإيطالي ڤيتوريو شالويا، خلال أبريل 1920، والتي من خلالها تم الاتفاق على خط الحدود بين الأراضي الليبية والأراضي المصرية، وبالتالي كان التحديد المصري للحدود البحرية مراعيًا بشكل كامل للحقوق الليبية.
هنا لابد من التذكير بفكرة الحدود البحرية والمناطق الاقتصادية الخالصة؛ فالبلاد التي لديها سواحل على البحار أو المحيطات يكون لديها مياه إقليمية، وهي مساحة من مياه البحر تبلغ (12 ميل بحري) أمام سواحلها تعد وكأنها أرض تابعة للدولة ولها حق السيادة عليها، وحدود المياه الإقليمية تعد كأنها حدود الدولة وللدولة الحق في التعامل مع أي اختراق لهذه الحدود.
مع مرور الوقت ظهرت اكتشافات للبترول والغاز في المياه العميقة، بمعنى آخر في أماكن تتخطى المياه الإقليمية وتبعد مئات الكيلو مترات عن سواحل الدول بالإضافة إلى الثروة السمكية الضخمة الموجودة في هذه المساحات من البحار والمحيطات. سابقًا لم تكن هناك أي قوانين لضبط استغلال هذه الثروات وإثبات أحقية ملكيتها للدول، إلى أن جاء عام 1982 وتمت صياغة اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار.
هذه الاتفاقية وضعت ضوابط لتقسيم مساحات المياه في البحار والمحيطات التي تتخطى حدود المياه الإقليمية وسميت هذه المناطق بالمناطق الاقتصادية الخالصة، وتم تحديد هذه المناطق بـ 200 ميل طولي من سواحل الدول، وبالتالي أي دولة لها سواحل على البحار أو المحيطات تبدأ المنطقة الاقتصادية الخالصة لها من بعد نهاية المياه الإقليمية (بعد 12 ميل من الساحل) وتمتد بطول 188 ميل (المجموع الكلي 200 ميل من الساحل) ويكون للدولة في المناطق الخالصة حق استغلال الثروات وحق التنقيب والاستكشاف عن البترول والغاز.
في ضوء هذه البنود، يمكن أن نفهم أن مصر قامت بترسيم حدودها البحرية الغربية وليس منطقتها الاقتصادية في الجانب الغربي، وهو ما لا يحتاج -عمليًا- إذنًا أو تفاهمًا مع أي دولة أخرى؛ نظرًا إلى أن هذا النطاق هو نطاق ذو سيادة كاملة لمصر، على عكس المناطق الاقتصادية الخاصة التي تكون السيادة فيها متعلقة بشكل أساسي باستغلال الموارد فقط.
فيما يتعلق بالقراءة السياسية لخطوة ترسيم الحدود البحرية المصرية في نطاقها الغربي، يمكن النظر إلى هذه الخطوة في ضوء التوترات التي شابت حوض البحر المتوسط -خاصة في ما يتعلق بالطاقة-، بداية من التوترات المتعلقة بالتنقيب على الغاز في المنطقة الاقتصادية القبرصية بين اليونان وتركيا، أو الاتفاقية غير القانونية الخاصة بالحدود البحرية التي تم توقيعها عام 2019 بين حكومة السراج في ليبيا والحكومة التركية، والتي تبعها في الثالث من شهر أكتوبر الماضي توقيع اتفاقية -على شكل “مذكرة تفاهم”- في مجال الموارد الهيدروكربونية “النفط والغاز الطبيعي”، بين حكومة الدبيبة في ليبيا وتركيا، وهي جميعها اتفاقيات لا تتوافق مع قانون الأمم المتحدة للبحار، ولا تتمتع بأي توافق إقليمي حولها، ناهيك عن إعراب كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي عن مواقف غير متماشية مع توقيع هذه الاتفاقيات.
القاهرة انتظرت طويلًا استقرار الأوضاع في ليبيا لحسم ملف حدودها البحرية الغربية، وعملت بجهد مخلص لتحقيق هذا الاستقرار؛ لكن تسير الأمور في ليبيا بشكل أكبر نحو الانقسام، وتزايدت أعداد الاتفاقيات المنفردة التي توقعها بعض الأطراف الليبية -منتهية الولاية- مع أطراف خارجية في ما يتعلق بالتنقيب عن الغاز، وهو ما دفع مصر إلى العمل على حفظ حقوقها ورسم النطاق الذي لا يجب على أي طرف إقليمي مهما كانت مطامعه تعديه في ما يتعلق بالتنقيب عن النفط.
وهو وضع لا علاقة له بالاعتبارات السياسية بقدر ما له اعتبارات لها علاقة بالسيادة وبالثروة الوطنية المصرية. وهنا لابد من التذكير أن كافة الخطوات المصرية كانت دومًا تضع في حسبانها فتح نوافذ للتواصل اللاحق مع الدول التي لا تتفق مع هذه الخطوات، ومن أمثلة هذا ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان الذي كان جزئيًا وليس كليًا، حيث تفادى ترسيم الجزء المشترك بين مصر وتركيا واليونان، حتى يكون الباب مفتوح مستقبلًا للتوافق الثلاثي، وفي نفس الوقت لا يتم التعدي على حقوق دول أخرى.