
الاقتصاد المصري
دوافع اقتصادية.. أبعاد افتتاح قاعدة “٣ يوليو البحرية”
افتُتحت أمس (٣ يوليو ٢٠٢١) قاعدة ٣ يوليو تيمُنًا باليوم المجيد الذي أزاح الشعب فيه جماعة الإخوان المُسلمين عن حكم البلاد، لكن الافتتاح أثار العديد من التساؤلات عن فائدة القاعدة وقيمتها وتوقيت افتتاحها، خاصة مع افتتاح قاعدة محمد نجيب العسكرية في ٢٠١٧ على شاطئ البحر المُتوسط، وهنا يجب التأكيد على أن افتتاح القاعدة جاء ليخدم المصالح الاقتصادية المصرية، ومواردها الطبيعية، ويؤمن موقعها كمركر إقليمي لتداول الطاقة، وهو ما نستعرضه تفصيلًا فيما يلي:
أولًا – اتفاقية ترسيم الحدود المصرية اليونانية:
- بداية تجب الإشارة إلى أن قاعدة ٣ يوليو تقع على بُعد نحو ٣٢٠ كم من قاعدة محمد نجيب العسكرية، وأنها أساسًا قاعدة بحرية أي أن نشاطها الأساسي يكمن في تأمين الخدمات اللوجستية واستيعاب المُعدات البحرية بعكس قاعدة نجيب التي تُعد بشكل أساسي قاعدة برية، وتوضح الخريطة التالية المسافة بين القاعدتين:

- حاولت تُركيا قطع الاتصال الجغرافي بين كُلًا من مصر واليونان عبر توقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية مع حكومة السراج في ليبيا عام نوفمبر ٢٠١٩، وذلك لأغراض ثلاثة رئيسية:
- تهديد مشروع مصر القومي في التحول لمركز إقليمي لتداول الطاقة، وذلك عن طريق منع الكابلات الكهربية البحرية سواء الذي يربط مصر وقبرص، ثم اليونان الجاري تنفيذه في الوقت الحالي والمتوقع الانتهاء منه بحلول ٢٠٢٣، أو ذلك الذي يربط مصر مُباشرة مع اليونان والمتوقع العمل عليه في المُستقبل.
- استحواذ تُركيا على مساحات ضخمة من المنطقتين الاقتصاديتين القبرصية واليونانية، بما يرفع من احتمالية عثورها على النفط والغاز.
- قطع الطريق على خط غاز East-med الذي تجري دراسته بين كُلًا من إسرائيل وقبرص واليونان.
- كان من المُفترض أن يُحقق ذلك لتُركيا مكاسب اقتصادية ضخمة عبر مُشاركة الدول الأربعة أرباحها من بيع الغاز والنفط الذي يمر عبر منطقتها الاقتصادية كما توضح الخريطة التالية:

- واجهت مصر واليونان هذا التحرك عبر توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية المصرية اليونانية وفقًا لقانون البحار، كما توضحها الخريطة التالية:

- وبمُقتضى هذه الاتفاقية تحققت النتائج التالية:
- قضت الدولتين على الأطماع التُركية في الاستحواذ على أية مساحات من المناطق الاقتصادية القبرصية واليونانية الخالصة.
- حمت الدولتين الاتصال الجغرافي بينهما، وبالتالي أصبح من المُمكن الاستمرار في تدشين خط الربط الكهربائي المصري القبرصي اليوناني والذي يُطلق عليه EuroAfrica Interconnector كما توضحه الخريطة التالية:

- بالإضافة إلى ما سبق أصبح مُتاحًا التنقيب عن الغاز في المنطقة الغربية من البحر المتوسط، حيث لا تعمل شركات النفط والغاز في مناطق مُتنازع عليها أو غير مُرسمة الحدود، بما يُهدد أرباحها ومكاسبها في حال وجدت ثروات نفطية.
- الأمر الذي كان قد أبقى المنطقة الغربية من البحر المُتوسط دون أية امتيازات تنقيب نفطية طوال السنوات الماضية، بينما اكتظت المنطقة الشرقية بهذه الحقوق، وهو ما أسفر عن اكتشاف حقل غاز ظُهر، كما توضح الخريطة التالية:

- تُظهر الخريطة المنطقة الشرقية من البحر المتوسط مُقسمة إلى امتيازات تنقيب لشركات النفط والغاز، بينما المنطقة الغربية من البحر المتوسط خالية من أي ترسيم، على عكس الصحراء الغربية كذلك المُكتظة بامتيازات الحفر والتنقيب.
ثانيًا: امتيازات تنقيب وخطوط كهرباء بلا حماية بحرية:
- أعطت الاتفاقية لمصر حق عرض امتيازات تنقيب في المنطقة الغربية عمومًا وخاصة قرب خط الترسيم مع اليونان.
- بالفعل استغلت مصر حقوقها الجديدة وطرحت أول مزايدة للتنقيب عن البترول والغاز الطبيعي في عام 2021، بحيث تُغطي ٢٤ منطقة، تتوزع على خليج السويس، الصحراء الغربية، غرب البحر المتوسط، ولأول مرة شرق البحر المتوسط، كما توضح الخريطة التالية:

- توضح الخريطة وجود ثلاث امتيازات كبداية للتنقيب في أقصى شمال المنطقة المصرية الاقتصادية الخالصة المُلامسة للحدود المصرية المُرسمة حديثًا مع اليونان، هي المناطق:
- EGY-MED-W11: يقع على بُعد ٢١٠: ٢١٣ كم متر شمال شرق السلوم على مساحة ٥٨٨٢ كم٢، بعمق من ٢٥٠٠ إلي ٣٠٠٠م.
- EGY-MED-W17: يقع على بُعد ٢٢٠ كم متر غرب مدينة مطروح، على مساحة ٤٦١٩ كم٢، بعمق من ٢٥٠٠ إلي ٣٠٠٠م.
- EGY-MED-W18: يقع على بُعد ٢٥٠ كم شمال شرق الضبعة، بمساحة ٤٢٢٢ كم٢، بعمق ٢٥٠٠-٣٠٠٠م.
- يبعد الامتياز Med-W11 وهو الأكثر بُعدًا نحو ٤٢٦كم عن قاعدة محمد نجيب، مما سيؤخر الاستجابة في حال وجود أية تهديدات حالة ويرفع تكلفة الحماية الدائمة والدورية للقطع المُقيمة قرب الامتيازات الجديدة.
- · لذلك جرى إقامة قاعدة ٣ يوليو العسكرية التي تبعد نحو أقل من ٢٠٠كم عن الامتياز Med-W1، مما يُخفض سرعة الاستجابة والرد إلي النصف من تلك التي تخرج من قاعدة محمد نجيب، بالإضافة إلى خفض تكلفة الوقود والإعاشة للسُن الحارسة كذلك إلي النصف، كما توضح الخريطة التالية:

- أخيرًا تقضى القاعدة بشكل تام -لقُربها الشديد من مناطق الحدود المصرية اليونانية- على الآمال التُركية التي كانت مازالت تتعلق بقشة في الاتفاقية مع السراج في قطع الاتصال الجغرافي تحت أي ظرف، ذلك أن القوات المصرية ستكون سريعة الوصول، مؤمنة بوسائل الدفاع الجوي، الدعم الجوي، والحرب الإلكترونية والدفاع الساحلي التي توفرها القاعدة في حالة الاشتباك بالقرب من الامتيازات الجديدة أو حتى السواحل الليبية الغربية.
- ختامًا، فإن الإدارة المصرية على عادتها، لا تقوم بأي تحركات عشوائية، أو استعراضية، إنما تأتي خطواتها دائمًا في إطار مُرتب ومُنظم لحماية حقوقها وخاصة مشروعها القومي في التحول لمركز إقليمي لتداول الطاقة.