
تمثل العلاقات المصرية- التركية واحدة من أهم العلاقات التي تعطي مؤشرات وقراءات حقيقية للأوضاع وتطوراتها في منطقة الشرق الأوسط، ولذلك فإن مدى قوة هذه العلاقات يحقق نوع من التوازن الإقليمي الناجم عن المقاربات الجدية بين قوتين تقليديتين متنافستين في منطقة الشرق الأوسط في عدد من الملفات.
على الرغم من أن الاختلاف الأساسي بين الدولتين كان يتسم بطابع أيديولوجي بطبيعة الحال، إلا أن المقاربة الاقتصادية شكلت على الدوام واحدة من أهم محددات العلاقات بين البلدين، ويعزى ذلك بدرجة كبيرة إلى أنه يمكن وصف التغيرات الكبرى في السياسات الخارجية لتركيا على الأقل بأنها غالبًا ما تكون مقرونة باتجاهات اقتصادية يستدعيها الظرف الراهن، فيما يشبه مفهوم الدولة التجارية التي أرست أركانها منذ وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة في تركيا. ولفهم طبيعة العلاقات بين البلدين ينبغي بداية قراءة محددات هذه العلاقات الدائم منها والمؤقت، وفهم طبيعة ودرجة تأثير هذه المحددات على العلاقات بين البلدين، إضافة لدوافع التقارب في الفترة الراهنة.
أولًا) محددات العلاقات المصرية- التركية ودوافع التقارب:
1-الثقل الديموغرافي والسياسي والعسكري والجيوسياسي: تشكل مصر وتركيا نصف تعداد السكان في منطقة الشرق الأوسط، وإضافة لذلك تمتلك القاهرة وأنقرة قدرات عسكرية ضخمة لا يمكن إغفالها على المستويين الإقليمي والدولي، مما يجعل التقارب بينهما يكتسب أهمية خاصة لما له من تأثير على التوازنات الإقليمية، خصوصًا إذا ما وضعنا بالاعتبار أن البلدين تعتبران قبلة للمذهب السني، تجعل منهما بالشراكة مع المملكة العربية السعودية قبلة للعالم السني مع ميزة نسبية لمصر باحتضانها للجامع الأزهر، والتي تعد أحد محركات قوتها الناعمة، وللسعودية كذلك باعتبارها أرض الحرمين.
وعلى المستوى الجيوسياسي فإنه يضطلع بأهمية خاصة بالنظر لمصر، والتي تتمتع بدور سياسي مركزي في الشمال الأفريقي وتربطها علاقات قوية بمحيطها نظرًا لانتمائها العربي والإسلامي، وتتماهى معها الحالة التركية بموقعها في آسيا وأوروبا وإطلالتها على ثلاثة مسطحات مائية، وكذلك وجود مضايق ملاحية مهمة بها، وهي البسفور والدردنيل، مما يفرض عليها علاقات قوية مع الشرق والغرب على حد سواء.
2-الجوانب الاقتصادية: شهدت العلاقات بين البلدين فترات من التباعد نتيجة لخلافات أيديولوجية عميقة، إلا ان العلاقات الاقتصادية ظلت دومًا مستمرة، وإن تفاوتت بين فترات التقارب والخلاف إلا أنها لم تنقطع في أي وقت من الأوقات، حيث استمرت اتفاقية التجارة الحرة التي تم توقيعها بين البلدين في عام 2005 مع تضاعف حجم التجارة ثلاث مرات بين عامي 2007 و2020، مما يدل على أن الدولتين قد نجحتا في الخروج بمقاربة نموذجية تفصل الخلافات الأيديولوجية والسياسية عن العلاقات الاقتصادية.
وبعد عام 2011 زار الرئيس التركي مصر على رأس وفد رفيع المستوى ضم حوالي 250 رجل أعمال، في تمهيد لمضاعفة التعاون التجاري بين البلدين من 3 مليار دولار إلى حوالي 5 مليار، واستمرت العلاقات على مستوى جيد حتى سقوط نظام جماعة الإخوان المسلمين الذي حظي بالدعم الكبير في ضوء دعم أنقرة لقوى الإسلام السياسي، والذي أثر فيما بعد سلبًا سواء على نفوذ أنقرة الإقليمي أو علاقاتها الاقتصادية مع الدول، حيث تراجع حجم التبادل التجاري بين تركيا وعدد من الدول العربية التي لفظت قوى الإسلام السياسي.
ومن زاوية أخرى، تعتبر تركيا أن مصر بوابة عبور لأفريقيا خصوصًا أن الصناعات التركية في مصر متغلغلة في مجالات الكهرباء والصناعة والخدمات، ومن ثم أدركت أنقرة أن خلافاتها مع مصر ترفع من تكلفة الخسائر المادية الواقعة على عاتقها، وتفوت عليها العديد من الفرص في أفريقيا.
3-ملف شرق المتوسط وأمن الطاقة: منذ فترة ليست بالقصيرة شكلت المناطق الغنية بمصادر الطاقة محطًا للأطماع والتنافس الإقليمي والدولي، وكان من الطبيعي أن تنسحب هذه المنافسة على منطقة شرق المتوسط باعتبارها من المناطق الطاقوية الغنية.
حيث أصبحت الدول على قناعات بأن صيانة مصالحها طويلة الأمد تتطلب التقارب أكثر من فترات ماضية، وقد أدت الاكتشافات الضخمة لمصر من احتياطات الغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط إلى اكتسابها لنفوذ جيواستراتيجي واقتصادي في هذه المنطقة، ونجحت في تعزيزه عندما أسست منتدى غاز شرق المتوسط الذي ضم عددًا من دول المنطقة ثم انضمت له إسرائيل ولاحقًا الإمارات بصفة مراقب، مما جعل أنقرة تشعل بالعزلة في منطقة كانت تعتبرها منطقة نفوذ تقليدي، باعتبارها إحدى الدول المطلة على حوض البحر الأبيض المتوسط.
وكانت البوادر الإيجابية لإمكانية التقارب بين البلدين في ملف المتوسط، قد ظهرت بعد إعلان وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية عن طرح مزايدة عالمية للتنقيب عن البترول والغاز لما يقرب من 24 منطقة، والتي تشمل تسع مناطق للبحث والتنقيب في البحر المتوسط. واثنتي عشر منطقة في الصحراء الغربية، وثلاث مناطق في خليج السويس. وكانت مصر قد أعلنت عن احترامها الجرف القاري التركي خلال أنشطتها للتنقيب شرق المتوسط، ولكن في عالم السياسة من الصعب استقرار الضمانات.
4-التوجهات الأيديولوجية: تعد من أهم العوامل والمحددات التي رسمت شكل العلاقة بين البلدين على مدى فترات زمنية ليست بالقصيرة على الرغم من تباعد هذه الأيدولوجية إلى حد كبير، فقد سعت تركيا لتعزيز نفوذها في المنطقة العربية عن طريق التحالف مع جماعات الإسلام السياسي، وهي المقاربة التي أثبتت فشلًا منقطع النظير في الوقت، الذي تتمتع فيه مصر بميزة نسبية تنعكس في كونها أبرز لاعب إقليمي يتبنى الحفاظ على مفهوم الدولة الوطنية، باعتبارها المخرج الوحيد للحفاظ على الاستقرار في المنطقة، حيث ثبت في كل مرة أن وجود أية فواعل من غير الدول داخل الدولة الواحدة، يؤدي إلى إسقاط الدولة الوطنية في كل السيناريوهات المتفائلة، وإلى الحرب الأهلية في السيناريوهات المتشائمة.
5-الأوضاع الداخلية في الدولتين: عانت تركيا منذ عام 2016 من أوضاع داخلية مأزومة بعد محاولة الانقلاب، كذلك أدت الأوضاع الاقتصادية المتردية إلى تراجع قيمة عملتها ووصول التضخم إلى مستويات قياسية زادت بعد جائحة كورونا، وكان أحد المؤثرات على تدهور الاقتصاد تراجع علاقات أنقرة مع عدد من الدول العربية وعلى رأسها مصر والسعودية، وكان ذلك مصحوبًا بتزايد التباعد بين تركيا والاتحاد الأوروبي، مما جعل أنقرة أكثر اهتمامًا بدائرة الشرق الأوسط، في الوقت الذي استطاعت فيه مصر ومنذ عام 2014 في تحقيق طفرة هائلة في البنية التحتية، وتطوير قدارتها العسكرية بشكل غير مسبوق جعل منها رقمًا مهمًا في أية معادلة إقليمية، بالإضافة لنجاحها في موازنة علاقتها مع الدول الكبرى ولم تقع فريسة لاتجاه مركزي واحد، فاستعادت قوتها وتأثيرها بعد عام 2011 كما نجح النظام السياسي في مصر من تثبيت أركانه – من زاوية الشرعية السياسية – إلى حد كبير وظهور حالة عامة من القبول الدولي للنظام السياسي المصري، من خلال التعامل معه ودعوته لعدة دول أوروبية، وهو ما أكد لأنقرة أن التباعد مع مصر يفوت عليها فرصًا مهمة في المنطقة والإقليم.
6- المحددات الإنسانية ودبلوماسية الكوارث: شكل الزلزال الذي ضرب المدن التركية مطلع العام الماضي، عاملًا حيويًا في إصلاح علاقة تركيا ليس مع مصر فقط ولكن مع دول أخرى، ومرة أخرى تحركت مصر من منطلق إنساني تبلور عندما أجرى الرئيس عبد الفتاح السيسي اتصالًا هاتفيًا بنظيره التركي، لتقديم التعازي في ضحايا الزلزال، فضلًا عن إرسال مصر أطنانًا من المساعدات لسوريا وتركيا، حتى أن بعض الدول حذت حذوها على المستويين الإقليمي والدولي.
7- تراجع علاقات تركيا مع حلفائها: تأثرت علاقات تركيا سلبًا مع الولايات المتحدة نتيجة عوامل مختلفة، كان أبرزها شراء أنقرة لمنظومة الدفاع الجوي الروسية إس 400، فضلًا عن التنافر الكبير بين واشنطن وأنقرة في ملف الأكراد، ومن ناحية أخرى لم تكن علاقات تركيا مع إيران أفضل حالًا بسبب الملف الخلافي في ” سوريا” ومنطقة ” آسيا الوسطى والقوقاز”، حيث تعتبرها الدولتان منطقة نفوذ حيوي، وقد برزت هذه الخلافات بشدة خلال حرب أرمينيا وأذربيجان، وفي الملف الإيراني أيضًا شكل الاتفاق الذي رعته الصين بين السعودية وطهران، محركًا مهمًا دفع بتركيا للنظر بجدية لتطبيع العلاقات مع مصر.
8- الانتخابات المحلية في تركيا: يسعى أردوغان لتسجيل النقاط وتحقيق تفوق على المعارضة، ومن الواضح أن حزب العدالة والتنمية يعمل في هذا الاتجاه لتحقيق مكاسب انتخابية كبيرة، تحت مسمى تصفير المشكلات في الفترة المقبلة، وإسكات المعارضة التركية التي ترى أن أردوغان أضر بنمط العلاقات التركية مع مصر وإسرائيل، وأن عليه تصويب مسار ما يجري من دون إبطاء، وعليه التفاعل مع المتطلبات السياسية والدبلوماسية لكل الأطراف من الدول المجاورة وليس تجاه مصر أو إسرائيل فقط، وهو ما يشير إلى وجود بعدين سياسي واستراتيجي فيما تطمح له تركيا.
ثانيًا) أثر التقارب المصري – التركي وآفاقه:
تتقاطع العلاقات المصرية- التركية مع العديد من الملفات في المنطقة، ومن هنا فإن تطبيع العلاقات بينهما يلقي بظلاله وتأثيراته على عدد من القضايا، كما أن له آفاق ممتدة من المهم الإشارة إليها على النحو التالي:
1 -القضية الفلسطينية: تنظر الدول الأوروبية على وجه التحديد لعودة العلاقات المصرية- التركية بنظرة ارتياح، لأنها تدرك أن هذا التقارب يمكن أن تمتد آثاره إلى توحيد جهود التهدئة فيما يتعلق بملف الحرب في غزة. خصوصًا أن الموقف التركي يتسم بالتقارب من الموقف الرسمي المصري من حرب غزة، وإن كانت مصر تتخذ خطوات أكثر فاعلية وتأثيرًا، فضلًا عن ذلك تمتلك أنقرة اتصالات مع حركة حماس، في الوقت الذي تتمتع فيه مصر بعلاقات وثيقة مع كل الفصائل الفلسطينية، علاوة على ثقلها وضغطها الذي تمارسه على إسرائيل انطلاقًا من اتفاقية السلام الموقعة بين الجانبين في عام 1979.وهو ما يمكن توحيده أيضًا مع جهود المملكة العربية السعودية للتأكيد على أن التوجه العربي والإسلامي ينطلق من مبدأ إعلان الدولة الفلسطينية.
2 -حلحلة الأوضاع في شرق المتوسط: مثل هذا الملف خلافًا أساسيًا بين القاهرة وأنقرة على الجانب الآخر، فإن مصر وباعتبارها وسيطًا موثوقًا من قبل قبرص واليونان، يمكن أن تكون طرفًا يساهم في تقريب وجهات النظر بين الدول الثلاث ” تركيا- قبرص- اليونان”.
3 -التهدئة في الملفات الإقليمية: وفي مقدمتها التوصل لحل عادل وسلمي للأزمة الليبية، حيث أثبت الوضع الراهن في ليبيا بأن الحل بات أكثر صعوبة من ذي قبل، علاوة على ذلك فإن للبلدين خبرة كبيرة في مجال الإنشاءات والبناء مما قد يعني الشراكة في جهود إعادة الإعمار، وهي مرحلة تحتاجها ليبيا بشكل كبير لإعادة بناء وتأهيل البنية الأساسية، كما يمكن تخفيف حالة عدم الاستقرار الناجمة عن المشاكل القائمة في سوريا ولبنان.
4 -رفع وتيرة التعاون العسكري: تهدف الدولتان للتعاون المشترك بغية فتح آفاق للتعاون بينهما في عدد من مجالات التصنيع العسكري، والتعاون لتصنيع أحد المنتجات التي يتم الاتفاق عليها، لتكون نقطة انطلاق لتعاون مستقبلي بين الشركات العسكرية التركية ونظيرتها المصرية، ومن شأن تنظيم مبادرات بحثية مشتركة حول التكنولوجيا العسكرية والتدريبات العسكرية المشتركة أن يزيد من قابلية التشغيل البيني بين قواتهما المسلحة. وسوف تستفيد مصر بشكل كبير من تجربة تركيا كعضو في حلف شمال الأطلسي، في حين ستستفيد تركيا من القدرات البحرية والمستوى المتميز للجيش المصري، ويشير الإعلان التركي عن شراء مصر طائرات مسيرة بالمزيد من التعاون مستقبلًا.
5-عودة العمل لخط الرورو: من خلال قرار حكومتي مصر وتركيا ببدء دراسة إمكانية إنشاء خط للنقل البحري الـ RO- RO للربط بين البلدين، والذي من شأنه تعزيز التعاون في المجالات التجارية والاقتصادية والاستثمارية. كما أنه سيساهم في زيادة حجم الاستثمارات التركية في مصر وخاصة بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، ويساعد على استغلال المزايا التي تتمتع بها مصر للنفاد إلى الأسواق الإفريقية، حيث تعد مصر بوابة العبور لتلك الأسواق والاستفادة من الاتفاقيات التجارية التي وقعتها مصر.
وفي هذا السياق فإن أي قرار من شأنه المساعدة في إزالة العوائق الفنية أمام التجارة TBT، والإجراءات الجمركية وتسهيل التجارة، سيساعد في تحقيق عودة العمل لخط الرورو لدوره في استعاده حركة النشاط التجاري بين مصر والدول الخارجية ومنها (تركيا وإيطاليا).
وهو الأمر الذي يسهم في خطة مصر الإجمالية لتطوير وإعادة تأهيل منظومة النقل البحري، خاصة وأن مصر تتمتع بمساحة كبيرة من السواحل البحرية على شاطئ البحر المتوسط والبحر الأحمر، بالإضافة إلى عدد كبير من الموانئ المتطورة، والتي يجب استغلالها على أكمل وجه لمضاعفة الصادرات وتيسير حركة الواردات التي تتم عبر الموانئ البحرية، وذلك في إطار توجيهات القيادة السياسية بجعل مصر مركزًا عالميًا للتجارة واللوجيستيات.
6 -تعزيز التبادل التجاري: هناك توافق مصري تركي على ضرورة تسريع خطوات تعزيز التبادل التجاري بين البلدين، حيث تخطط الحكومتان المصرية والتركية للوصول بحجم التجارة الثنائية إلى 15 مليار دولار خلال 5 أعوام، مقابل 10 مليارات دولار قيمة التجارة بين البلدين خلال الفترة الحالية. خاصة أنه أمام مصر كذلك فرصة لزيادة النفاد للأسواق التركية بسلع تناسب الأجواء الدافئة مثل الموالح والزيتون والرمان والتمور التي لا تتم زراعتها في الجو البارد، كما تتوافر فرصة لدى أنقرة لتعزيز الاستثمارات التركية في القاهرة بالنظر إلى ما تشهده مصر من تطورات، بداية من العوامل الخارجية المرتبطة بتوسع القاهرة في علاقاتها الخارجية إقليميًا ودوليًا، ووصولًا إلى العوامل الداخلية الخاصة بالتطور الواسع الذي يشهده قطاع البنية التحتية وتحديدًا في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، ويضاف إلى ما تقدم رغبة أنقرة في الحصول على مزيد من الشحنات الخاصة بالغاز المسال المصري سنويًا، وكذلك يمكن للشراكة مع تركيا تمهيد الطريق أمام الاستحواذ على مساحة جيدة بالسوق المصري للحديد والصلب، وحسب ما نشرته إحدى وسائل الإعلام التركية المتخصصة في الشأن الاقتصادي، فإن واحدة من كبرى الشركات التركية المتخصصة في حديد التسليح، ستدخل في شراكة قريبا مع طرف محلي بمصر لإنتاج حديد التسليح.
7 -التداول بالعملات المحلية: ضمن مساعي تقوية العلاقات الاقتصادية والسياسية، عرضت تركيا على مصر، استخدام العملات المحلية في تسوية المعاملات التجارية والمالية، وهي خطوة أقدمت عليها مصر وتركيا مع بلدان أخرى، ومن شأنها أن تخفف من حدة مشكلة النقد الأجنبي في مصر، وفي الوقت نفسه تعزز من موقف العملات المحلية للبلدين، حيث تعاني كل من الليرة التركية والجنيه المصري من تراجع قيمتهما على مدار الفترة الماضية، ومن شأن الدخول في هذه الخطوة أن تزيد من قيمة التبادل التجاري والمعاملات المالية بين البلدين. ولكن حسبما نقلت وسائل الإعلام عن مصادر مصرية، فإن مصر ترى تأجيل هذه الخطوة لمدة عامين على الأقل، لاعتبارات فنية ترتبط بالسياسات النقدية، وكذلك تمكين البنوك المركزية في البلدين من امتلاك آليات التعامل بالعملات المحلية.
8 -زيادة الطلب على الأمن الغذائي: خلقت الحرب الروسية – الأوكرانية طلبًا متناميًا على الأمن الغذائي باعتباره واحدًا من محددات الأمن القومي، وهو ما يمكن أن يؤدي للتعاون المصري – التركي في هذا الإطار انطلاقًا من كون مصر من الموردين الرئيسيين للمنتجات الزراعية إلى أوروبا والشرق الأوسط. وقد أبرزت هذه العوامل أيضًا أهمية الاستثمار في الطاقة المتجددة، وهو القطاع الذي أظهرت فيه مصر تقدمًا ملحوظًا من خلال إنشاء مجمع بنبان للطاقة الشمسية من بين مشاريع تطوير أخرى. وتشهد كل من الشركات التركية والمصرية عمليات تحول مستدامة لتحقيق أهدافها المناخية، والاندماج مع الأسواق الأوروبية بما يتماشى مع الصفقة الخضراء للاتحاد الأوروبي. وهذا يوفر فرصًا إضافية للتعاون بين البلدين في مجالات مثل الاستفادة من منح الاتحاد الأوروبي، وإنشاء منتديات الأعمال التجارية، وتدريب القطاع الزراعي على التكيف مع تغير المناخ، وخاصة في مجال الزراعة الإيكولوجية وأساليب الإنتاج المستدام.
9- الدبلوماسية الشعبية: لا يمكن تحقيق السلام من دون إشراك القاعدة الشعبية بشكل فعال. وتحتاج عملية التقارب الرسمية بين مصر وتركيا إلى استكمالها من خلال الجهود الرامية إلى تعزيز التفاعلات بين الشعبين، من خلال الفعاليات الثقافية، والدينية، وبرامج التبادل الأكاديمي، والمجتمع المدني.
ختامًا، يمكن القول إن السياسة تعلمنا أنه لا شيء مستبعد ولكن في نفس الوقت لا يوجد شيء بلا ثمن، ولذلك فإن النظرة إلى التقارب المصري- التركي الحالي باعتباره خطوة على طريق الشراكة الاستراتيجية، يعد سيناريو متفائل إلى حد كبير نظرًا لعدد الملفات الخلافية بين البلدين والصعوبة النظرية والعملية في تسويتها، ولكنه سيناريو لا يمكن استبعاده على المدى الطويل، مع الجزم بأن الدولتين ستكونان قد دفعتان مقدمًا ثمن هذه الشراكة الاستراتيجية، بتصفير الخلافات مع الحفاظ على المصالح الوطنية.
باحث أول بالمرصد المصري



