قمة “منظمة الدول الثماني الإسلامية” في القاهرة: الأهمية والدلالات
تشهد القاهرة يوم الخميس الموافق 19 ديسمبر القمة الحادية عشرة لأكبر تجمع اقتصادي للدول النامية الإسلامية، والتي تجتمع تحت مظلة “منظمة الدول الثمانية النامية للتعاون الاقتصادي “D8″، للتأكيد على التضامن في مواجهة المتغيرات العالمية الاقتصادية والسياسية المختلفة، وذلك تزامنًا مع ما تشهده المنطقة من توترات عدة. فما منظمة (D-8) للتعاون الاقتصادي؟ وما التحديات التي تواجه تفعيل دورها؟ وما الذي ستقدمه القاهرة لهذه القمة من أجل تجاوز هذه العقبات؟
ما هي منظمة الدول الثمانية الإسلامية؟
تأسست هذه المنظمة 15 يونيو من عام 1997، واتخذت من إسطنبول مقرًا لها، وتضم كلًا من مصر وبنجلاديش وإندونيسيا وإيران وماليزيا ونيجيريا وباكستان وتركيا، بمجموع سكان يبلغ حوالي 1.2 مليار نسمة أو 60% من مسلمي العالم ونسبة 15% تقريبًا من سكان العالم، وتغطى هذه الدول مساحة 7.6 ملايين كيلومتر مربع، أي ما يعادل 5% من مساحة الأرض، ويشكلون 14% من حجم التجارة العالمية بمقدار 700 مليار دولار.
وهذا يعني أن هذا التكتل يشكل قوة سياسية واقتصادية عالمية لا يستهان بها، وأن يشهد هذا التكتل توحدًا وتضامنًا حول موقف أو قضية ما يعني تأثير كبير في صنع القرار العالمي، خاصة وأن عددًا من الدول الأعضاء تتميز بتجربتها السياسية والاقتصادية الناجحة والتي تتمتع بقدرة على الصمود في مواجهة التحديات المعاصرة.
الأهداف: تهدف مجموعة دول الثمانية الإسلامية في المقام الأول إلى التنمية الاجتماعية والاقتصادية وفق مبادئ مشتركة: السلام بدلًا من الصراع، الحوار بدلًا من المواجهة، التعاون بدلًا من الاستغلال، العدالة بدلًا من الكيل بمكيالين، المساواة بدلًا من التمييز، الديمقراطية بدلًا من القمع. ومن شأن هذه المبادئ أن تؤدي بالتبعية إلى تحسين أوضاع الدول النامية في الاقتصاد العالمي، وخلق فرص جديدة في العلاقات التجارية بين الأعضاء، وتعزيز مشاركة الدول الأعضاء في صنع القرار على الصعيد الدولي، على أن يؤدي ما سبق إلى تحقيق مستويات معيشة أفضل للمواطنين في تلك الدول.
التشكيل: تتشكل الأجهزة الرئيسية لمجموعة الدول الثماني النامية من قمة رؤساء الدول أو الحكومات، ومجلس الوزراء والمفوضية والأمانة العامة. ويوجد لهذه الأجهزة هياكل تنظيمية تعمل من خلالها، حيث تعد “القمة” الجهاز الأعلى للمجموعة، وتتألف من رؤساء الدول والحكومات، وتعقد مرة كل عامين في أراضي إحدى الدول الأعضاء بالتناوب، ويتم من خلالها تداول وتقرير المبادئ التوجيهية للسياسة لتحقيق الأهداف.
أما “مجلس الوزراء”، وهو جهاز صنع القرار السياسي، فيتألف من وزراء الخارجية ويجتمع مرة واحدة على الأقل في السنة، ويقوم بعقد اجتماع قبل كل قمة. أما “المفوضية”، وهي الجهاز التنفيذي، فتتكون من كبار المسئولين المعينين من قبل الحكومات المعنية، وتعمل تحت توجيه مجلس الوزراء، وأخيرًا “الأمانة العامة” ومقرها إسطنبول، وهي المسؤولة عن تنسيق ومراقبة تنفيذ جميع الأنشطة والاجتماعات ويرأسها “الأمين العام” الذي يتم تعيينه لمدة أربع سنوات غير قابلة للتجديد.
آلية العمل: يتم تنفيذ التعاون داخل إطار مجموعة الدول الثماني النامية في المقام الأول على أساس قطاعي، حيث تكون كل دولة عضو مسؤولة عن تنسيق الأنشطة في قطاع واحد أو أكثر؛ فعلى سبيل المثال، تشرف مصر على التجارة، بينما تشرف تركيا على الأنشطة المتعلقة بالصناعة والصحة والبيئة، وتركز بنجلاديش على التنمية الريفية، وتعمل إندونيسيا على التخفيف من حدة الفقر وتنمية الموارد البشرية، وتتولى إيران مسؤولية العلوم والتكنولوجيا، وتدير ماليزيا التمويل والمصارف والخصخصة، فيما تتولى نيجيريا إدارة الطاقة، وتقود باكستان الجهود في الزراعة ومصايد الأسماك.
الإنجازات: ما يميز هذه المجموعة أنه ليس لها أي تأثير عكسي على التزامات الدول الأعضاء الثنائية والدولية تجاه عضويتها وتجاه المنظمات الدولية الأخرى، كما أن عضويتها مفتوحة أمام الدول النامية المختلفة التي تتفق مع الدول الأعضاء في الأهداف والمبادئ وترتبط معها بروابط مشتركة. ولعل هذا ما جعل الأمم المتحدة تعتمد قرارًا بشأن منح منظمة الدول الثماني النامية للتعاون الاقتصادي صفة المراقب في الجمعية العامة. وهو الأمر الذي من شأنه أن يمكنها من تعزيز حضورها العام، والاستفادة من الخبرات العالمية، بما في ذلك فرصة تعزيز عملية بناء القدرات، ومشاركة منصة مع المجتمع الدولي.
مصر ودول مجموعة الثمانية
ترتبط مصر والدول الثمانية الإسلامية النامية بعلاقات ثقافية وتاريخية قوية، هذا بجانب العلاقات السياسية والاقتصادية التي أسهمت في الارتقاء بالشراكة بين القاهرة وعواصم تلك الدول، فقد وصلت قيمة التبادل التجاري بين مصر والدول الأعضاء في المجموعة إلى 5.9 مليااتر دولار خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2024، وفقًا لأحدث الإحصائيات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وبلغت قيمة الصادرات المصرية إلى الدول الأعضاء حوالي 2.4 مليار دولار خلال نفس الفترة لعام 2024، فيما بلغت قيمة الواردات المصرية 3.5 مليار دولار. وتصدرت تركيا قائمة أعلى الدول الأعضاء استيرادًا من مصر بقيمة ملياري دولار، تليها نيجيريا 88.9 مليون دولار، ثم إندونيسيا 79.6 مليون دولار، ثم باكستان 67.7 مليون دولار، ثم ماليزيا 61.6 مليون دولار، ثم بنجلادش 57 مليون دولار، وأخيرًا إيران 2.3 مليون دولار.
كما جاءت تركيا على رأس قائمة الدول الأعضاء تصديرًا إلى مصر بقيمة 2.1 مليار دولار، تليها إندونيسيا 928.6 مليون دولار، ثم ماليزيا 404 ملايين دولار، ثم باكستان 67.3 مليون دولار، ثم بنجلادش 41 مليون دولار، ثم نيجيريا 6 ملايين دولار، فإيران 3.7 مليون دولار.
فيما يتعلق بحجم الاستثمارات داخل مصر بين دول المجموعة، فقد ارتفعت قيمة استثمارات دول مجموعة الثماني الإسلامية في مصر لتصل إلى 200.4 مليون دولار خلال العام المالي 2022 / 2023 مقابل 188.7 مليون دولار خلال العام المالي 2021 / 2022 بنسبة ارتفاع قدرها 6.2%.، واحتلت تركيا المرتبة الأولى بقائمة أعلى دول المجموعة استثمارًا في مصر خلال العام المالي 2022 / 2023، حيث سجلت قيمة استثماراتها في مصر 167.2 مليون دولار، تليها في المرتبة الثانية ماليزيا 24 مليون دولار، ثم نيجيريا 7.6 مليون دولار، ثم إندونيسيا 1.2 مليون دولار، ثم باكستان 400 ألف دولار.
ومن التجارب المصرية الناجحة التي عُدّت مصدرًا لإلهام باقي الدول في المجموعة هي تجربة “حياة كريمة” لإعادة بناء الإنسان المصري، والتي حظيت بإشادة دولية كبيرة لدورها في تحسين جودة حياة ملايين المصريين، وبخاصة في مناطق الريف، والفئات المجتمعية الأكثر احتياجًا في محافظات الجمهورية، إذ تعد المبادرة الأكبر على مستوى العالم من حيث عدد المستفيدين البالغ عددهم في المرحلة الأولى من تنفيذها 18 مليون مواطن.
تحديات متشابكة
بالنظر إلى ما حُقق عبر الدورات السابقة لهذه المجموعة، نجد أننا أمام تحديات عدة حالت دون تحقيق إنجازات ملموسة لأهداف المنظمة داخل الدول الأعضاء، خاصة الأهداف التي تتعلق بالشق الاقتصادي، ولعل أبرز هذه التحديات يتمحور حول تراجع النمو الاقتصادي للدول المؤسسة للمنظمة بسبب الأزمات الاقتصادية، فقد شهدت حصة البلدان الثمانية انخفاضًا في إجمالي الناتج المحلي للبلدان النامية، هذا بجانب التراجع للأداء الاقتصادي، نظرًا لاستمرار التحديات الداخلية كالزيادة السكانية وارتفاع البطالة وغيرها.
كما تواجه معظم الدول الثمانية النامية تحديات في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة بسبب نقص البنية التحتية التنظيمية والمادية، وصعوبة إجراء الأعمال، وعجز بعض الدول الأعضاء حتى الآن في وضع أطر اقتصادية مواتية. وبجانب هذه التحديات هناك تحديات تتعلق باستدانة الدول الأعضاء وزيادة الديون الخارجية، وكذلك ارتفاع المساعدات الإنمائية الرسمية “القروض” التي باتت نشكل مصدرًا مهمًّا لتمويل الدول الأعضاء.
وما سبق جعل حاجة الدول الأعضاء من خلال تكثيف الاجتماعات إلى العمل لتحسين التحديات السابقة من خلال إجراء تغييرات جوهرية في مختلف المجالات، مثل تسهيل الأعمال وتطوير البنية التحتية، وتقديم حوافز استثمارية جاذبة، وتعزيز نمو الصادرات، ودعم الابتكار، وتنويع الاقتصاد، وتكوين رأس مال ثقافي ومعرفي، وبالتأكيد توفير بيئة سياسية مستقرة وجذابة للمستثمرين.
وإذا تم الاتحاد لمجابهة التحديات عبر تقوية العلاقات، سنجد أن هذه المجموعة ستشكل قوة جماعية تستطيع توجيه إمكانياتها ومقوماتها التي تشمل الموارد الطبيعية، والقوى العاملة، والموقع الجغرافي الاستراتيجي، بما يجعلها قادرة على التأثير في الاقتصاد والسياسة العالمية. كما أن وحدة الجهود من شأنها أن تخلق منصة لعرض القضايا التي تهم الدول الإسلامية، مثل تعزيز العدالة الاقتصادية، ومحاربة الفقر، وتقليل التبعية للدول الكبرى وتقوية الاقتصادات المحلية.
قمة القاهرة.. الأهمية في السياق الإقليمي والدولي
تتولى مصر دور القيادة هذا العام، بعد أن اختيرت كرئيس للنسخة الحالية من القمة في مايو الماضي وحتى نهاية العام المقبل، وسوف تتصدر القاهرة تنسيق مواقف مجموعة الدول الثمانية النامية على الساحة الدولية، نظرًا لانعقاد هذه القمة في وقت استثنائي تتصاعد فيه التحديات العالمية والإقليمية الراهنة وفي ذلك الإطار يمكن تسليط الضوء على أهمية القمة من حيث:
أهمية التوقيت: تأتي القمة الحادية عشرة لمجموعة الدول الثماني النامية للتعاون الاقتصادي في توقيت بالغ الأهمية، حيث تشهد الساحة الدولية تطورات سياسية متسارعة تتطلب توحيد المواقف بين الدول الأعضاء لمواجهة التحديات المشتركة. ومع تصاعد الأزمات العالمية، تزداد الحاجة إلى تعزيز النفوذ الجماعي للمجموعة في المحافل الدولية الكبرى، مثل الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية، بما يتيح لها فرصة التأثير على القرارات الدولية لصالح الدول الإسلامية والنامية. ولذلك يعد انعقاد القمة في هذا التوقيت يعزز دور المجموعة كصوت قوي يعبر عن الدول الإسلامية على الساحة الدولية، كما يتيح توقيت القمة فرصة للمجموعة للتركيز على قضايا حساسة تؤثر على الدول الأعضاء مثل التحديات الاقتصادية المشتركة، والتحديات السياسية التي تواجه الدول الإسلامية، أبرزها مكافحة ظاهرة الإسلام وفوبيا وتعزيز التعليم والتنمية في المجتمعات الإسلامية.
قضايا القمة: تتجاوز المنظمة في القمة أجندتها الاقتصادية التقليدية لتتطرق إلى قضايا سياسية وإنسانية ذات أهمية كبيرة، وعلى رأس هذه القضايا ستكون القضية الفلسطينية حاضرة بقوة في ضوء العدوان الإسرائيلي المستمر على الأراضي الفلسطينية. ومن المرتقب أن تخصص القمة جلسة خاصة لمناقشة الأزمة الإنسانية في قطاع غزة ومسألة إعادة الإعمار، في إطار حرص المنظمة على دعم الشعب الفلسطيني ومساندته في مواجهة التحديات الراهنة.
كما تكتسب القمة زخمًا إضافيًا بدعوة رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي للمشاركة، حيث من المتوقع أن يتم تخصيص جزء كبير من المناقشات لبحث الأوضاع الإنسانية في لبنان التي تفاقمت نتيجة الأزمات الاقتصادية والسياسية، ومن المرتقب أيضًا أن تتناول القمة جهود إعادة الإعمار في لبنان، مما يعكس التزام الدول الأعضاء، بمعالجة الأزمات الإنسانية ودعم الاستقرار في المنطقة.
إلى جانب ذلك، تأتي التطورات في سوريا كقضية رئيسة مطروحة على طاولة النقاش، خاصة بعد سقوط نظام الأسد، وصعود الفصائل والتنظيمات المسلحة، وهو ما يعد تطورًا مهمًا يتطلب من المنظمة بحث تداعياته على المنطقة بأسرها في ظل تداخل المكونين الاقتصادي والسياسي معًا في التأثيرات.
الدلالات الاستراتيجية لانعقاد القمة:
في إطار الأهمية التي تتضلع بها القمة لهذا العام، يمكن استنباط العديد من الدلالات الاستراتيجية لانعقاد القمة الخميس المقبل على النحو التالي:
دور مصر في العالم الإسلامي ومكانتها الإقليمية: على الرغم من أن انعقاد القمة في مصر يأتي في ظل رئاستها الدورية للمجموعة للمرة الثانية -حيث تولت الإدارة في عام 2001- إلا أن هناك رمزية لانعقاد القمة في القاهرة، تكمن في أن مصر لديها ثقل اقتصادي وسياسي كبير بين الدول الإسلامية، كما أن أهداف القمة تتماشى مع أولويات الدولة المصرية بتقديم نموذج للتعاون الإقليمي الفعال اقتصاديًا وسياسيًا، وذلك عبر الدفع بعجلة التنمية في المنطقة لتحقيق نمو اقتصادي مستدام من خلال تعزيز الأطر القائمة بالفعل في مجالات كالتجارة والزراعة والصناعة والسياحة والاستثمار والصحة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وكذلك سياسيًا من خلال إبراز الدور المصري في التعاطي مع كافة القضايا الإقليمية والدولية المختلفة، وتسليط الضوء على المجهودات التي بُذلت في هذا الصدد، وتوحيد المواقف السياسية تجاه القضايا الدولية.
ومن المهم الإشارة إلى أن مصر كانت حريصة منذ بداية تأسيس المجموعة على دورها الفعال فيها، وعلى دعمها وتشجيعها للتعاون ما بين الدول الأعضاء إيمانًا منها بقوة العمل المشترك وتأثيره على التنمية الاجتماعية والاقتصادية من خلال تطبيق مبادئ السلام وتحسين أوضاع الدول الاقتصادية وزيادة المشاركة التجارية وتحسين مستويات معيشة الشعوب. كما تأتي القمة في إطار الدور المصري المتواصل في استضافت عدة فعاليات لدعم التعاون وتبادل الخبرات في القطاعات الاقتصادية المختلفة، وأهمها قطاع الأسمدة والطاقة والبنية التحتية الى جانب تبادل السلع والخدمات.
التحديات السياسة الإقليمية المشتركة: بالنظر إلى جدول الأعمال المرتقب للقمة، فقد تمت الإشارة إلى وجود جلسات متعلقة بالقضايا الإقليمية الراهنة والمشتعلة، أبرزها القضية الفلسطينية ومسار الحرب في قطاع غزة، وأيضًا الوضع في لبنان، فضلًا عن المستقبل غير الواضح للدولة السورية وتداعياته الداخلية والإقليمية. ولذلك تأتي هذه المحاور لتعيد تأكيد وتسليط الضوء على دور المنظمة في مواجهة الأزمات الإقليمية من منظور شامل، مع التركيز على تعزيز التنمية وإعادة الإعمار كخطوة لإعادة الاستقرار، ما يعكس دلالة محورية لهذه القمة في أن تكون المجموعة ذات رؤية استراتيجية كصوت إسلامي قوي يسعى لتحقيق التوازن في النظام الدولي ودعم قضايا المنطقة.
التعاون المستقبلي بين الدول الأعضاء: تؤكد قمة مجموعة الدول الثماني النامية على توافق الدول الأعضاء حول أهمية تعزيز الجهود المشتركة لتحقيق التنمية الشاملة ومكافحة الفقر، مع التركيز على استشراف فرص جديدة تسهم في تحقيق تحول مستدام في الأداء الاقتصادي. يمثل هذا التوجه مؤشرًا واضحًا على مستقبل التعاون بين الدول الأعضاء، الذي يمتد ليشمل مشروعات استثمارية مشتركة في قطاعات استراتيجية واعدة، مثل: الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والاقتصاد الرقمي، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، والصناعات التحويلية. إضافة إلى ذلك، يحظى قطاع الطاقة الجديدة والمتجددة، خاصة الهيدروجين الأخضر، بأولوية قصوى في خطط التعاون المستقبلية. وتفتح هذه المجالات آفاقًا للتنمية المستدامة وتعزز فرص تبادل الخبرات والموارد بين الدول الأعضاء، ما يجعل المنظمة منصة مثالية لدفع العلاقات الثنائية نحو مشروعات إنتاجية ملموسة تعود بالفائدة على شعوبها وتؤسس لمستقبل اقتصادي أكثر استقرارًا وتكاملًا.
قوة مؤثرة: تمتلك المجموعة مقومات استثنائية تؤهلها لتصبح قوة مؤثرة في النظام العالمي إذا تم استثمار قدراتها بشكل فعال، بما يشمل ثرواتها الطبيعية الهائلة من النفط والغاز (إيران ونيجيريا) والموارد الزراعية (بنجلاديش وإندونيسيا)، إلى جانب قاعدة بشرية تتجاوز مليار نسمة، ما يوفر سوقًا واسعة وفرصًا للنمو الاقتصادي. وتبرز دول مثل ماليزيا وتركيا بصناعاتها المتقدمة وتكنولوجياتها التي يمكن استغلالها لتعزيز التعاون البيني.
وتمثل القمة الحادية عشرة، المزمع عقدها بالقاهرة فرصة لتعزيز هذا التعاون من خلال تقليل الاعتماد على الأسواق العالمية الكبرى، وتطوير اقتصادات محلية قائمة على التجارة البينية ونقل التكنولوجيا وتسريع الابتكار. كما تتيح القمة فرصة لصياغة موقف سياسي موحد تجاه القضايا الدولية، بما يعزز نفوذ المجموعة في المنتديات الكبرى مثل الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية، ويكرس مكانتها كقوة مؤثرة في النظام الدولي.
خلاصة القول؛ تعد القمة الحادية عشرة لمنظمة الدول الثماني الإسلامية (D8) ذات أهمية محورية واستراتيجية في مسيرة تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء، كما تأتي في توقيت حرج يتزامن مع تصاعد التحديات الإقليمية التي تعصف بالمنطقة، بدءًا من الأزمة الفلسطينية المتفاقمة جراء العدوان الإسرائيلي مرورًا بالأوضاع المتوترة على الأراضي اللبنانية وصولًا إلى المستقبل الغامض للدولة السورية وتداعياته الإقليمية، ولذلك فإن القمة ليست مجرد تجمع لبحث القضايا الاقتصادية، بل فرصة حقيقية لتعزيز التضامن بين الدول الأعضاء كصوت إسلامي قوي يسعى لتقديم حلول مستدامة، وتحقيق التوازن في النظام الدولي، بما يخدم مصالح شعوبها ويعزز استقرار المنطقة بأسرها.