
معضلة قانون تقسيم الدوائر الانتخابية في مصر.. التحديات والفرص لتحقيق تمثيل عادل
تعد عملية تقسيم الدوائر الانتخابية من الركائز الأساسية التي تحدد مسار العملية الانتخابية وطبيعة نتائجها، حيث تسهم بشكل مباشر في ضمان تمثيل عادل وفعّال للمجتمع في المؤسسات التشريعية. يعد قانون تقسيم الدوائر الانتخابية أداة أساسية لضمان تمثيل نسبي عادل بين المواطنين على مستوى مختلف الهيئات التمثيلية، سواء كانت انتخابات مجلس النواب أو مجلس الشيوخ أو غيرها. ويترتب على هذا القانون تحديد الدوائر الانتخابية وعددها بما يضمن توزيعًا متوازنًا للمقاعد البرلمانية وفقًا للمعايير السكانية والجغرافية، ومن هنا تبرز أهمية التحديث المستمر لهذا القانون ليتواكب مع المتغيرات السكانية والسياسية في البلاد، بما يعزز ديمقراطية النظام السياسي ويحقق العدالة في التمثيل السياسي. وفي ظل اقتراب مواعيد الانتخابات المقبلة لمجلسي النواب والشيوخ، تزداد الحاجة الملحة لمراجعة وتعديل قانون تقسيم الدوائر الانتخابية، لضمان تمثيل دقيق وفعّال يعكس التنوع الاجتماعي والسياسي في المجتمع.
تمثيل عادل
يعد قانون تقسيم الدوائر الانتخابية أداة قانونية أساسية تهدف إلى تنظيم العملية الانتخابية بطريقة تضمن تمثيلًا عادلًا ومتوازنًا لجميع فئات المجتمع في مؤسسات الدولة التشريعية، سواء كانت المجالس النيابية أو المحلية. يعتمد هذا القانون على تقسيم الدولة إلى وحدات جغرافية تُسمى “الدوائر الانتخابية”، حيث يُنتخب عن كل دائرة عدد محدد من الممثلين. يتم تحديد هذه الدوائر بناءً على معايير متعددة تشمل: التركيبة السكانية، والموقع الجغرافي، وكذلك الخصائص الاجتماعية والاقتصادية لكل منطقة.
وتعد هذه المعايير وسيلة لتحقيق توازن دقيق بين التوزيع السكاني للمناطق ومقاعد البرلمان، مما يسهم في تحسين تنظيم الانتخابات ويجعلها أكثر فعالية وسلاسة. من خلال تحديد المراكز الانتخابية وعدد الناخبين في كل دائرة مسبقًا، يعزز هذا النظام من الشفافية ويُسهم في زيادة الثقة العامة في النظام السياسي، مما يُحفّز المشاركة الشعبية الفعّالة. وعليه، تزداد مصداقية الانتخابات، وتعزيز المناخ الديمقراطي، وثقة المواطنين في النظام السياسي، ما يؤدي بدوره إلى رفع مستوى المشاركة السياسية للمواطنين، بما يضمن تمثيلًا ديمقراطيًا حقيقيًا في مؤسسات الدولة.
على الصعيد الدولي، يخضع تقسيم الدوائر الانتخابية لمعايير صارمة تهدف إلى ضمان الاقتراع المتساوي بين جميع المواطنين، بما يتماشى مع الالتزامات الدولية الواردة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. إذ ينص العهد في مادته (25) على ضرورة تحقيق توازن عادل بين أصوات الناخبين، بحيث لا يؤثر تقسيم الدوائر سلبًا على حق المواطنين في اختيار ممثليهم بحرية وعدالة، يعد هذا المبدأ التزامًا دوليًا بعدم التمييز أو التشويه في تمثيل أي فئة اجتماعية أو جغرافية. ويعكس النظام الانتخابي بهذا الشكل توازنًا ديمقراطيًا من خلال ضمان أن يمثل كل صوت انتخابي وزنًا متساويًا، بما يضمن توزيع المقاعد البرلمانية بشكل عادل وديمقراطي. كما يؤكد التعليق العام رقم 25 من العهد الدولي على مبدأ “الصوت الواحد للشخص الواحد”، ويشدد على ضرورة أن تضمن الإجراءات الانتخابية تمثيلًا متساويًا لجميع المواطنين، مما يعزز احترام حقوقهم في اختيار ممثليهم بحرية تامة دون تحيز أو تمييز.
فيما يتعلق بالقانون المحلي المصري، ينظم تقسيم الدوائر الانتخابية وفقًا للمبادئ الدستورية والتشريعية السائدة، حيث يجب أن يتماشى مع نصوص الدستور الذي يحدد العملية الانتخابية. في الحالة المصرية، ينص دستور 2014 وتعديلاته (أبريل 2019) على آليات محددة لتحديد عدد أعضاء مجلس النواب في المادة (102) (1)، حيث يحدد الحد الأدنى لعدد الأعضاء بـ “لا يقل عن أربعمائة وخمسين عضوًا”. كما يتناول الدستور في مادتيه (250، 251) تنظيم مجلس الشيوخ، ويشير إلى أن أعضاء المجلس يجب ألا يقل عددهم عن 180 عضوًا، ويمنح القانون الحق في تحديد شروط الترشح، نظام الانتخاب، وتقسيم الدوائر الانتخابية بما يضمن التمثيل العادل لجميع المناطق.
يضاف إلى ذلك أن الدستور يخول لرئيس الجمهورية تعيين عدد من الأعضاء في مجلس النواب بنسبة لا تتجاوز 5%، وفقًا لما يحدده القانون. كما ينص الدستور على ضمان مشاركة المصريين المقيمين بالخارج في الانتخابات عبر المادة (88)، والتي تلزم الدولة برعاية مصالح المصريين المقيمين بالخارج، تنظم مشاركتهم في الانتخابات والاستفتاءات، بما يتفق والأوضاع الخاصة بهم. إضافة إلى ذلك، يضمن الدستور المساواة بين جميع المواطنين في المشاركة السياسية، كما يتضح في المواد (9، 11، 53).
ونظرًا لأهمية وأثر تقسيم الدوائر الانتخابية، في تشكيل مجلس النواب، وأشخاص أعضائه وانتماءاتهم السياسية والحزبية فقد تم إقرارها في صورة قانون وليست لوائح تنفيذية لا تتمتع بالضمانات التي تتمتع بها النصوص القانونية، لمنع العبث والإخلال بها من خلال سلطة من سلطات الدولة التنفيذية أو التشريعية، فاللوائح التنفيذية يسهل إصدارها وتعديلها بمجرد قرارات إدارية. في المقابل، تخضع عملية إصدار القوانين لسلسلة طويلة من النقاشات والتوازنات السياسية والحزبية تضمن عدالة تقسيم الدوائر الانتخابية.
وعلى هذا، تؤسس الدول عادة مجموعة من القواعد والمعايير الخاصة بترسيم حدود الدوائر الانتخابية؛ وذلك بهدف ضمان تمثيل عادل ومتوازن لجميع فئات المجتمع في العملية الانتخابية. من أبرز هذه المعايير:
- المساواة في عدد السكان بين الدوائر المختلفة: حيث يتم تقسيم الدوائر بحيث تكون كل دائرة متساوية نسبيًا في عدد السكان، لضمان أن يكون لكل صوت انتخابي وزن متساوٍ في العملية السياسية.
- التطابق مع الحدود الإدارية في الدولة: بحيث يتم احترام التوزيع الإداري للمناطق مثل المحافظات أو البلديات لتفادي تقطيع المجتمعات المحلية أو تفكيكها.
- احترام الحدود الطبيعية والخصائص الجغرافية: يتم مراعاة العوامل الجغرافية مثل الأنهار أو السلاسل الجبلية لتقليل المشكلات الناتجة عن تقسيم المناطق التي تشترك في ظروف بيئية أو ثقافية خاصة.
- المساحة الجغرافية للدائرة الانتخابية: حيث يؤخذ في الاعتبار حجم المساحة الجغرافية لكل دائرة، لتجنب إنشاء دوائر شاسعة يصعب على الناخبين التنقل فيها أو التواصل مع مرشحيهم.
- المجتمعات ذات المصالح المشتركة: يُؤخذ في الحسبان توزيع المجتمعات التي تشترك في مصالح اجتماعية أو اقتصادية بهدف الحفاظ على وحدة هذه المجتمعات ضمن الدائرة الانتخابية.
من بين هذه المعايير، تبرز المساواة في عدد السكان كأكثر القواعد قبولًا على نطاق واسع، إذ تُعد مبدأ أساسيًا من مبادئ الديمقراطية، يتم تطبيق هذا المبدأ في الدول التي تعتمد على التعداد السكاني كأساس لتقسيم الدوائر الانتخابية، حيث يضمن تمثيلًا متساويًا للسكان ويعزز العدالة الانتخابية. ويترجم هذا المبدأ إلى تقسيم الدوائر بشكل يضمن أن تكون كل دائرة انتخابية متساوية نسبيًا في عدد السكان، مما يعكس رغبة في توزيع السلطة بشكل عادل بين مختلف الفئات السكانية. على سبيل المثال، إذا كانت إحدى الدوائر تحتوي على ضعف عدد الناخبين مقارنة بدائرة أخرى، فإن الناخبين في الدائرة الأكبر سيحظون بنصف التأثير مقارنة بنظرائهم في الدائرة الأصغر، مما يخلق تفاوتًا في وزن الأصوات.
في حالات معينة، قد يؤدي تقسيم الدوائر بطريقة غير متوازنة إلى تفاوت كبير في عدد السكان بين دوائر مختلفة، مما يخلّ بعدالة التمثيل ويحد من قدرة المواطنين على التأثير بشكل متساوٍ في نتائج الانتخابات. وقد يؤدي هذا أيضًا إلى ضعف التنافسية السياسية، حيث تزداد فرص الأحزاب الكبيرة أو الشخصيات السياسية المسيطرة على دوائر محددة في البقاء في السلطة، مما يقيد فرص الأحزاب الصغيرة أو المستقلين في المنافسة. لذا، يعد التقسيم العادل للدوائر الانتخابية أمرًا ضروريًا لضمان نزاهة الانتخابات، وتعزيز التنافسية بين المرشحين، وتقليل تأثير الهيمنة السياسية على نتائج الانتخابات.
كما أن توزيع الدوائر بشكل عادل يُسهم في تعزيز العدالة الاجتماعية والتنموية، حيث يسعى الممثلون المنتخبون إلى تحقيق مصالح دوائرهم من خلال تبني سياسات تخدم احتياجاتهم، وبالتالي يؤثر هذا التوزيع على أولويات التنمية في المناطق المختلفة ويسهم في معالجة الفجوات الاجتماعية والاقتصادية بين المناطق المختلفة.
محطات رئيسة
تُعد القوانين المنظمة للانتخابات جزءًا لا يتجزأ من الإطار القانوني والدستوري الذي يحدد كيفية اختيار ممثلي الشعب في السلطة التشريعية. إلا أن لهذه القوانين مزاياها وعيوبها، وتظل الحاجة قائمة لتقييمها وتحديثها بما يتماشى مع تطورات الحياة السياسية والاجتماعية. ورغم اتسام القانون بالمرونة وإتاحة إعادة النظر في التقسيمات مع التغيرات السكانية والجغرافية، لتحقيق التوازن في تمثيل المناطق الريفية والحضرية والناشئة، فإن المعايير التي يتم الاستناد إليها لتقسيم الدوائر الانتخابية غير واضحة.
منذ نشأة الحياة النيابية لأول مرة في عام 1866، شهدت مصر عدة تغييرات في قوانين تقسيم الدوائر الانتخابية على مر السنوات، حيث تم تعديلها بناءً على التغيرات الديموجرافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، لكل مرحلة تاريخية بمصر. وفي أعقاب ثورة يناير 2011 شهدت الواقع السياسي المصري بعض التحولات الجوهرية بنظم وعدد المقاعد البرلمانية؛ فقد شهدت هذه الفترة إعادة النظر في قوانين الانتخابات وتقسيم الدوائر بما يتماشى مع متطلبات المرحلة الانتقالية.
وفي نهاية نوفمبر 2011 وحتى يناير 2012، أجريت أول انتخابات برلمانية على 3 مراحل لاختيار 498 عضوًا في مجلس الشعب. في حين كانت تجرى الانتخابات منذ التسعينات وحتى قبيل اندلاع الثورة للتنافس على 444 من أصل 454 مقعدًا بمجلس الشعب في جولتين بحيث يمثل كل دائرة مقعدان فقط ويُعين رئيس الجمهورية 10 نواب. لكن في انتخابات 2011 تم توسيع الدوائر الانتخابية وتعديل النظام بطريقة تهدف لتمثيل أكثر عدلًا للأحزاب والحركات الجديدة التي تشكلت في أعقاب الثورة، وأظهرت تشكيلات مجلسي الشعب والشورى في أعقاب هذه الانتخابات سيطرة أحزاب وتيارات الإسلام السياسي.
إلا إنه تم حل مجلس الشعب الذي انتخب في نهاية 2011 بأمر من المحكمة الدستورية العليا، لتظل مصر بلا برلمان منذ يونيو 2012 وحتى مارس 2015. وأجريت الانتخابات على مرحلتين في مارس وأبريل 2015. وبعد ثورة 30 يونيو 2013، أكد دستور 2014 ضرورة تحقيق العدالة في تقسيم الدوائر، مما أدى إلى تعديلات قانونية جوهرية. وأبصر قانون تقسيم الدوائر الانتخابية النور في ديسمبر 2014 بعد أشهر من النقاش والجدل، ليحدد القانون عدد أعضاء البرلمان ب 540 مقعدًا، مقسمة إلى 420 مقعدًا منها للدوائر الفردية و120 مقعدًا للقوائم المغلقة، تتضمن حصة للنساء والأقباط والشباب، كذلك يعين رئيس الجمهورية 5% من نواب المجلس بما يعادل 27 نائبًا، ليصبح عدد مقاعد مجلس نواب 2015 إجمالًا 567 مقعدًا.

عدد المقاعد المخصصة لنظامي الفردي والقوائم بمجلس الشيوخ وفقًا للقانون 141 لسنة 2020
وبموجب التعديلات الدستورية في 2019، صدر قانون جديد لتشكيل مجلس الشيوخ في يوليو 2020، على أن تتم عملية التصويت لاختيار نواب مجلس الشيوخ في أغسطس 2020. وقد صدق الرئيس عبد الفتاح السيسي، في يونيو 2020، على قانون 141 لسنة 2020 بإصدار قانون مجلس الشيوخ، والذي قسم الجمهورية إلى 27 دائرة تخصص للانتخاب بالنظام الفردي، و4 دوائر تخصص للانتخاب بنظام القوائم. يتم خلالها انتخاب ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ (200 عضو مقسمين بالتساوي بين نظامي الفردي والقوائم) بينما يعين الرئيس بقية الأعضاء والمقدر عددهم بـ 100 عضو، ليصبح إجمالي عدد الأعضاء 300 عضو.
فيما أجريت انتخابات مجلس النواب في أكتوبر 2020، وفقًا لتعديل القانون الانتخابي رقم 174 لسنة 2020، ليتم تخصيص 50% من 568 مقعدًا يتم المنافسة عليها بنظام القوائم المغلقة، ووفقا لهذا النظام، تحصل القائمة الفائزة على جميع المقاعد المخصصة للقوائم في كل دائرة انتخابية.

ففي أغسطس 2020، وافقت لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب على مشروع قانون تقسيم الدوائر الانتخابية لمجلس النواب، المقدم من الدكتور عبد الهادي القصبي، رئيس ائتلاف دعم مصر وأكثر من 60 نائبًا. وقسم مشروع القانون جمهورية مصر العربية إلى 143 دائرة انتخابية تخصص للانتخابات بالنظام الفردي، و4 دوائر انتخابية تخصص للانتخاب بنظام القوائم، مقارنة بـ 237 دائرة في القانون 202 لسنة 2014. وتم التصديق على القانون 174 لسنة 2020 في 3 سبتمبر 2020.
ليصبح عدد مقاعد البرلمان 568 مقعدًا، مقسمة إلى 284 مقعدًا منها للدوائر الفردية و284 مقعدًا للقوائم المغلقة، تتضمن حصة للنساء والأقباط والشباب، كذلك يعين رئيس الجمهورية 5% من نواب المجلس بما يعادل 28 مقعدا، ليصبح عدد مقاعد مجلس نواب 2020 إجمالًا 596 مقعدًا. وهو ما يزيد العبء المادي على موازنة الدولة من ناحية رواتب أعضاء مجلسي النواب والشيوخ، حيث ينص قانون 140 لسنة 2020 في المادة 34 على أن يتقاضى عضو مجلس النواب مكافأة شهرية مقدارها خمسة آلاف جنيه تستحق من تاريخ أدائه اليمين، ولا يجوز أن يزيد مجموع ما يتقاضاه العضو من المجلس تحت أي مسمى على أربعة أمثال المبلغ المذكور. وهو المبلغ المرشح للزيادة مع تصاعد نداءات بضرورة تفرغ النواب للعمل البرلماني، خاصة مع ظهور مطالبات بجلسات الحوار الوطني بضرورة بزيادة رواتب النواب.

وبإمعان النظر في التعديلات التي جرت على قانون تقسيم الدوائر الانتخابية وبالتالي أعداد النواب –وهنا سنهتم بالحديث عن أعداد النواب المنتخبين وفقًا لتقسيمات إدارية محددة- نجد انخفاض عدد الدوائر الانتخابية من 205 دوائر إلى 143 دائرة بانخفاض 62 دائرة (30.2%)، الأمر الذي يحمل بعض الإيجابيات كتبسيط العملية التنظيمية واللوجستية لإجراء الانتخابات، وخفض التكاليف المرتبطة بها، كذلك قد يسهم اتساع الدوائر الانتخابية في تشكيل تحالفات انتخابية مما يعزز العمل السياسي الجماعي، ويزيد من حدة المنافسة، وهو ما ينعكس في اختيار المرشحين الأكثر كفاءة، القادرين على مراعاة مصالح أكثر تنوعًا. في المقابل، قد يؤدي تقليل عدد الدوائر الانتخابية إلى زيادة صعوبة الوصول إلى النواب والتواصل معهم، فيتوجب على النائب تمثيل عدد أكبر من السكان، مما قد يصعب عليه متابعة قضايا جميع الناخبين بشكل فعال، وتهميش الفئات الضعيفة، كذلك قد يؤدي إلى إعادة ترسيم حدود الدوائر وتفاوت عدد الناخبين داخل الدوائر المختلفة وبعضها، وهو ما يتطلب دراسة رصينة للتحديد الأمثل للدوائر الانتخابية.
كذلك انخفضت أعداد المقاعد المخصصة للنظام الفردي من 420 مقعدًا إلى 284 مقعدًا بانخفاض 136 مقعدًا (32.4%). خفض عدد المقاعد الفردية قد يعزز من قوة الأحزاب السياسية، وتحسين البرامج الانتخابية، ويحد من تأثير المال السياسي والنفوذ العائلي في الانتخابات. لكن في المقابل، قد يؤدي إلى تراجع التمثيل المحلي والجغرافي وتقييد حرية الناخبين في اختيار مرشحين مستقلين. كذلك قد يشعر ذلك المواطن بالإحباط وبالتالي انخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات.
على الجانب الآخر، زادت نسبة التمثيل بنظام القوائم من 120 مقعدًا إلى 284 مقعدًا بزيادة 164 مقعدًا (136%)، وهو ما يسهم في تعزيز التعددية الحزبية، وتحسين جودة التمثيل النيابي، ويضمن شمولية أكبر للفئات المهمشة، مثل المرأة، الشباب، وذوي الاحتياجات الخاصة. لكن في المقابل، قد يؤدي إلى تقييد حرية الناخبين، وضعف التمثيل المحلي، وزيادة الاستقطاب السياسي، لا سيما التخوف من أن يكون النواب الذين يُنتخبون عبر القوائم أقل تواصلًا مع ناخبيهم مقارنة بالنواب المنتخبين بنظام الفردي الذين يعتمدون على علاقات مباشرة مع المجتمع.
وبوجه عام، ارتفع عدد النواب من 540 نائبًا منتخبًا في 2015 إلى 568 نائبًا منتخبًا في عام 2020 بزيادة 28 نائبًا بنسبة (5.2%)، وهو أمر يقابل دائمًا بالانتقاد باعتبار أن زيادة أعداد النواب قد تؤدي إلى: زيادة التكلفة المالية، وتعقيد العمل البرلماني، وخطر انخفاض جودة النواب، مع احتمالية زيادة الاستقطاب السياسي نتيجة تعدد الآراء وصعوبة التوافق. ذلك بالرغم من مزاياها المتمثلة في: تحسين جودة التمثيل الشعبي، وتعزيز شمولية البرلمان خاصة للفئات والمناطق المهمشة، وتخفيف العبء عن النواب، وتقوية العلاقة بين النائب ودائرته.
وفي واقع الأمر، لم تنعكس زيادة عدد النواب بين عامي 2015 و2020 بالإيجاب على جودة التمثيل، فقد زاد متوسط عدد المواطنين الممثلين من قبل النائب بالمجلس من 167.8 ألف نسمة/نائب إلى 177.1 ألف نسمة/نائب بزيادة تقدر بحوالي 5.6%. بل زاد العبء على نواب النظام الفردي بنسبة (64.2%)، حيث ارتفع متوسط عدد المواطنين الممثلين من قبل النائب بالنظام الفردي من 215.8 ألف نسمة/نائب فردي إلى 354.3 ألف نسمة/ نائب فردي. وهو ما يهدد جودة التواصل بين النواب والمواطنين، وتهميش القضايا المحلية؛ فغالبًا ما يكون النواب الفرديون أكثر ارتباطًا بالقضايا المحلية والاحتياجات اليومية للناخبين، خاصة في ظل عدم إجراء انتخابات المحليات حتى الآن.
وبالتالي فإن زيادة أعداد النواب يجب ألا يكون هدفًا في حد ذاته للحاق بالزيادة السكانية، بل يستوجب مراعاة معايير مهمة مثل: ضمان التوازن السكاني بين الدوائر، وحماية تمثيل الفئات الضعيفة مثل النساء والشباب والأقباط والمصريين بالخارج، وتخفيف عبء التمثيل عن النواب وبخاصة نواب الفردي الأكثر انخراطًا مع القضايا النوعية المحلية بكل منطقة. كذلك من الضروري تعديل القوانين بما يضمن كفاءة اختيار النواب، فالعبرة ليست بالكم ولكن بالأداء.
الحاجة إلى لتعديل
مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية لمجلسي النواب والشيوخ، تزايد الحديث عن ضرورة تعديل الدوائر الانتخابية بل وتعديل أعداد نواب الشعب بالمجلسين، خاصة مع انتفاء السبب السابق بعدم جاهزية مقر مجلس النواب بالتحرير لاستقبال مزيد من الأعضاء، وذلك مع تمام بناء مقر مجلس النواب بالعاصمة الإدارية والذي يستوعب حتى ألف نائب. وسبق أن تناولت جلسات الحوار الوطني القوانين الحاكمة للعملية الانتخابية، ومن بينها مسألة زيادة أعداد النواب. وانقسمت الآراء حينها بين مؤيد يرى أنها تفتح آفاقًا رحبة لمزيد من قوى المعارضة والأحزاب الناشئة والحديثة للانضمام للبرلمان، بل إنها ضرورة لتزايد أعداد السكان والامتدادات العمرانية وبالتالي ضرورة زيادة عدد من يمثلوهم. فيما يرى معارضو الفكرة أن الأهم هو الاهتمام بكفاءة النواب وليس عددهم، بأن يتم فتح المجال لنقاشات فعالة تعود بالنفع على المواطن.
وترى الآراء المؤيدة لزيادة أعداد النواب أنه أمر ضروري خاصة مع تزايد أعداد السكان؛ إذ كان عدد السكان وقت إقرار قانون رقم 174 لسنة 2020 يقدر بنحو 100 مليون نسمة، مقارنة بنحو 88.5 مليون نسمة عام 2014 وقت إقرار الدستور. في حين يزيد عدد السكان مطلع العام الجاري على 107.2 مليون نسمة. كذلك حجم العمران والذي ارتفع من 7% عام 2013 إلى 13.8% من إجمالي مساحة مصر في 2023. وهو ما يستوجب تمثيلًا نيابيًا مناسبًا وعادلًا للمواطنين في مجلسي النواب والشيوخ. في المقابل، يرى البعض إنه لا حاجة إلى زيادة عدد النواب بدعوى تزايد عدد السكان؛ فهناك دول تحظى بتعداد سكاني أكبر (مثل الولايات المتحدة الأمريكية) مقابل عدد نواب أقل.

ويتضح من الشكل السابق أن الهند لديها أقل نسبة تمثيل بين الدول الكبرى، حيث يمثل كل نائب 2.57 مليون نسمة. أما الولايات المتحدة فلديها نسبة تمثيل أقل من الصين، لكن ما زالت قليلة (763,200 نسمة لكل نائب). في حين تحافظ معظم الدول الأوروبية على تمثيل نسبي متوازن، حيث يتراوح عدد السكان لكل نائب بين 100,000 إلى 150,000. على الجانب الآخر، دول الخليج مثل السعودية والإمارات تعتمد على مجالس استشارية، وليس برلمانات منتخبة بالكامل، مما يجعل نسبة التمثيل أقل. وعن مصر، فتبلغ نسبة التمثيل وفقًا لعدد السكان (9 فبراير 2025) 180.104.5 مواطن/نائب، لتكون نسبة التمثيل في مصر مرتفعة نسبيًا مقارنة ببعض الدول العربية والدول الأوروبية.
لذا يمكن القول إن معيار الدول في تحديد عدد النواب ونسبة التمثيل النيابي (عدد السكان لكل نائب) الأمثل يختلف بشكل كبير بين الدول وبعضها، فلا يوجد معيار ثابت. بل يحكم تحديد العدد الأنسب عدة عوامل أهمها: عدد السكان، والنظام السياسي والتشريعي، ونوع المجلس النيابي (غرفة واحدة أم غرفتين). فالمعيار الذهبي لتحديد مثالية عدد النواب أن يضمن تمثيلًا فعالًا للمواطنين، ويراعي التوزيع الجغرافي والديموجرافي داخل الدولة؛ لضمان عدالة التمثيل وتقليل الفجوات بين الدوائر، وعدم ازدحام المجلس بما يضعف كفاءته التشريعية، وأن تراعي توليفة النواب يمثلون الاختلاف في المجتمع المصري بجميع طبقاته ويعملون بحرية وسط بيئة سياسية تسمح بالتنافس والاختلاف، فالعبرة بإمكانية إيجاد حلول وبدائل، واتخاذ قرارات حاسمة وفي صالح المواطن.
عدد النواب المقترح | السكان* | نسبة التمثيل المقترحة (عدد السكان/نائب) |
596 | 107342312 | 180000 |
716 | 107342312 | 150000 |
826 | 107342312 | 130000 |
976 | 107342312 | 110000 |
1193 | 107342312 | 90000 |
*عدد السكان وفقًا ليوم 9 فبراير 2025، مع فرض ثبات عدد السكان في السيناريوهات المقترحة
لكن ومع احتمالية تعديل قانون الدوائر الانتخابية لمراعاة الامتدادات العمرانية الجديدة، وزيادة أعداد النواب الممثلين بمجلس النواب. فالجدول السابق يوضح بعض السيناريوهات المقترحة لزيادة أعداد النواب، بالإشارة إلى نسبة التمثيل المقترحة، بشرط ثبات عدد السكان. فمثلًا، لتحسين نسبة التمثيل البرلماني لتصبح 150 ألف نسمة/نائب يقترح زيادة عدد نواب مجلس النواب إلى 716 نائبًا، بدلًا من 180 ألف نسمة/نائب بإجمالي 596 نائبًا بالوضع الراهن.
ختامًا، في إطار ما قُدّم حول قانون تقسيم الدوائر الانتخابية في مصر، يتبين أن إعادة النظر في هذا القانون تشكل ضرورة استراتيجية لضمان عدالة الانتخابات وتوازن التمثيل السياسي بين مختلف المناطق، فالتقسيم الحالي للدوائر لا يعكس بالقدر الكافي التوزيع السكاني والجغرافي المتغير في مصر مما يؤدي إلى خلل في التمثيل النيابي لبعض الفئات والمناطق، وهو ما قد يهدد بمشاركة سياسية غير متوازنة ويقلل من فعالية النظام الديمقراطي. وبالتالي، فإن تعديل قانون تقسيم الدوائر يمثل خطوة جوهرية في تطوير النظام الانتخابي المصري بما يعزز العدالة ويضمن تمثيلًا أكثر دقة لمختلف القطاعات والمناطق.
علاوة على ذلك، يتطلب هذا التعديل أن يتم في إطار عملية سياسية شاملة تراعي التغيرات الاجتماعية والاقتصادية. وبالإضافة إلى مراعاة التنوع الجغرافي لمصر، لا بد من تبني معايير موضوعية وواضحة في عملية التقسيم لضمان تمثيل عادل لمختلف المحافظات والطبقات الاجتماعية. هذه العملية يجب أن تتم في سياق من الشفافية والمشاركة والحوار المجتمعي، بما يعزز من مصداقية العملية الانتخابية ويزيد من الثقة في المؤسسات التشريعية. ومن خلال تعديل قانون الدوائر الانتخابية بما يتناسب مع المستجدات الاجتماعية والسياسية، يمكن خلق بيئة انتخابية أكثر نضجًا، تسهم في استقرار النظام الديمقراطي وتحقيق التنمية السياسية المستدامة في مصر.
المراجع
- Inter-Parliamentary Union (IPU). (n.d.). Number of statutory members in parliaments worldwide. IPU Parline Database. Retrieved February 15, 2025, from https://data.ipu.org/compare/?field=statutory_members_number®ion=0&structure=any__lower_chamber&chart=map&year_to=
- المصري اليوم. (2020، 3 أغسطس). قانون تقسيم الدوائر الانتخابية لمجلس النواب 2020. المصري اليوم. تم استرجاعه في 15 فبراير 2025، من https://www.almasryalyoum.com/news/details/2013577
- الهيئة العامة للاستعلامات. (2020، 2 أكتوبر). التفاصيل الكاملة لعدد المقاعد الانتخابية على مستوى الجمهورية. الهيئة العامة للاستعلامات – بوابة مصر. تم استرجاعه في 4 فبراير 2025، من https://www.sis.gov.eg/Story/206801
- الهيئة العامة للاستعلامات. (2020، 2 أكتوبر). التفاصيل الكاملة لعدد المقاعد الانتخابية على مستوى الجمهورية. الهيئة العامة للاستعلامات – بوابة مصر. تم استرجاعه في 15 فبراير 2025، من https://www.sis.gov.eg/Story/206801
- العربية. (2014، 11 ديسمبر). قانون تقسيم الدوائر الانتخابية يبصر النور. العربية. تم استرجاعه في 15 فبراير 2025، من https://www.alarabiya.net/arab-and-world/egypt/2014/12/11/قانون-تقسيم-الدوائر-الانتخابية-يبصر-النور
- دويتش فيله. (2023، 15 ديسمبر). أهم المحطات الانتخابية التي مرت بها مصر منذ 2011. دويتشه فيله العربية. تم استرجاعه في 15 فبراير 2025، من https://www.dw.com/ar/أهم-المحطات-الانتخابية-التي-مرت-بها-مصر-منذ-2011/a-67681117
- مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية. (2020، 7 أكتوبر). قراءة في قانون تقسيم الدوائر الانتخابية لمجلس النواب 2020. مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية. تم استرجاعه في 15 فبراير 2025، من https://acpss.ahram.org.eg/News/5423.aspx
- الهيئة الوطنية للانتخابات. (بدون تاريخ). القوانين المنظمة للانتخابات في مصر. الهيئة الوطنية للانتخابات. تم استرجاعه في 15 فبراير 2025، من https://www.elections.eg/laws
باحث أول بالمرصد المصري