
أهداف اقتصادية: ماذا وراء الجولة الخليجية للرئيس التركي أردوغان؟
بدأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم 17 يوليو 2023 جولة خليجية تشمل كلًا من: السعودية، والإمارات، وقطر، ضمن مجموعة من الزيارات التي وضعها على أجندته منذ إعادة انتخابه رئيسًا لتركيا في 28 مايو 2023. وهي الجولة التي يُنظر إليها بوصفها تحمل أهدافًا اقتصادية بالمقام الأول ترتبط بالوضع الاقتصادي التركي الراهن والرغبة في أن يسهم الانفتاح التركي العربي الأخير في زيادة التعاون الاقتصادي بين الجانبين.
مؤشرات متباينة
خلال فترة حكم “أردوغان” التي تقدر بنحو 20 عامًا، كانت علاقات تركيا الاقتصادية بالدول العربية متفاوتة، حيث تحسنت تلك العلاقات مع النمو الاقتصادي الذي حققته تركيا خلال العقدين الماضيين، وتراجعت في وقت آخر بسبب الخلافات السياسية خاصة تلك التي مرت بها تركيا مع مصر والسعودية والإمارات. وبشكل عام يمثل العالم العربي نحو 16% من الصادرات التركية وفقًا لبيانات عام 2021، ويأتي العراق في المرتبة الأولى بإجمالي صادرات تركية بحوالي 11 مليار دولار، تليه الإمارات بنحو 6 مليارات دولار، ثم مصر بنحو 5 مليارات دولار، فيما تأتي المملكة العربية السعودية متأخرة بحوالي 274 مليون دولار.
ومن الجدير بالذكر أن الصادرات التركية للمملكة العربية السعودية شهدت اضطرابا كبيرا في عام 2021؛ إذ إنها انخفضت بنسبة 90% تقريبًا عن صادراتها للمملكة في عام 2020 والتي بلغت 3 مليارات دولار تقريبًا، و 3.5 مليارات دولار في 2019، ذلك الهبوط الحاد في الصادرات التركية للمملكة كان بسبب حادث مقتل الصحفي السعودي “جمال خاشقجي” في القنصلية السعودية بإسطنبول، والذي كان سببًا في تراجع مستوى العلاقات بين البلدين.
لكن تلك الفترة المليئة بالتوترات بين البلدين انتهت، وبدأت الدولتان مستوى آخر من العلاقات الجيدة التي تعكس حجم اقتصاد كل منهما، حيث شرعت المملكة العربية السعودية في إيداع مبلغ 5 مليارات دولار أمريكي في البنك المركزي التركي من خلال صندوقها السيادي، وهو الأمر الذي يفسر الميل السعودي القوي نحو دعم الرئيس التركي والاقتصاد التركي، خاصة أن هذا الإيداع تم قبيل الانتخابات التركية الأخيرة.
وقد ارتقى مستوي العلاقات بين البلدين بعد زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى تركيا في يونيو من عام 2022، حيث تم الإعلان عن انطلاق حقبة جديدة من التعاون بين البلدين، وشهد إعلان وكيل وزير الاستثمار السعودي اعتقاده أن الاستثمارات بين البلدين ستتضاعف ثلاث مرات خلال السنوات الخمس القادمة.
وفي تقرير صادر عن اتحاد الغرف التجارية السعودية نهاية عام 2021، تم الإعلان أن حجم الاستثمارات السعودية في تركيا بلغ نحو 8 مليارات دولار أمريكي، لكن وزير التجارة السعودي ماجد القصبي أشار إلى أن حجم تلك الاستثمارات يبلغ نحو 18 مليار دولار في الوقت الراهن مع وجود خطة لاستثمار ما بين 3 إلى 4 مليارات دولار إضافية خلال الفترة القادمة. وقد ارتفع عدد الشركات السعودية العاملة في تركيا إلى أكثر من ألف شركة في نهاية العام الماضي، بزيادة ضخمة عن عدد الشركات السعودية الذي كان 11 شركة وفقًا لبيانات عام 2011.
أهداف الزيارة
يفسر ذلك الانخفاض السابق المساعي التركية لوضع المملكة العربية السعودية علي خريطة زياراتها للعالم العربي بجانب الإمارات وقطر، خاصة وأن المملكة كانت سوقًا واسعة للمنتجات التركية في عام 2020 من الغزل والنسيج والمعدات والمعادن والغذاء والتي كانت تشكل الثلاث صادرات بحوالي 1.2 مليار دولار بينما انخفضت الصادرات في تلك القطاعات إلى نحو 207 ملايين دولار في عام 2022 من إجمالي صادرات بقيمة 274 مليون دولار. من جانب آخر، فإن واردات تركيا من المملكة تبلغ نحو 3.5 مليارات دولار وتتمثل 70% منها في منتجات البلاستيك والمطاط و 23% منتجات بتروكيماوية صناعية، و 3% معادن.
من جانب آخر، فقد شهدت العلاقات الإماراتية التركية تطورًا كبيرا في عام 2021، وقد ظهر ذلك جليًا في حجم صادرات تركيا إلى الإمارات العربية المتحدة والذي ارتفع بنسبة 113% من 2.7 مليار دولار في 2020 إلى 5.8 مليارات دولار في عام 2023. لكن لا يمكن القول إن ذلك هو الرقم الأعلى في العلاقات بين البلدين حيث كان العام 2017 هو الأكبر من حيث التبادل التجاري بين البلدين بمبلغ 15.2 مليار دولار (صادرات تركية بقيمة 9.3 مليارات دولار، و 5.8 مليارات دولار واردات تركيا من الإمارات). وفي المقابل، فقد استوردت تركيا من الإمارات منتجات بقيمة 2.7 مليار دولار، وتمثل أهم الواردات التركية في المجوهرات والتي تمثل نسبة 67%، والمعادن والتي تمثل نحو 10%، والبلاستيك والمطاط بنسبة 9%، والبترول المكرر بنسبة 5%.
أما عن العلاقات التركية القطرية فهي متواضعة للغاية في حال مقارنتها بالعلاقات التركية الإماراتية، فقد بلغ إجمالي التبادل التجاري بين تركيا وقطر لعام 2021 نحو 1.8 مليار دولار، تمثل الصادرات التركية منها لقطر نحو 1 مليار دولار، فيما تمثل الواردات نحو 0.8 مليار دولار. وتتمثل أهم الصادرات التركية لقطر في: المعدات، والمعادن، والغزل والنسيج، والبلاستيك والمطاط، فيما تتمثل الواردات التركية من قطر في: الألومنيوم الخام، والغاز الطبيعي، والإيثيلين والبوليمرز.يتضح مما سبق أننا بصدد أن نشهد تحولًا جوهريًا في العلاقات التركية العربية خاصة الخليجية، في ظل أن تركيا باتت في وضع اقتصادي سيئ بعد قراراتها الاقتصادية على مدار العامين الماضيين “منذ أزمة كورونا”، وهو الأمر الذي فتح الباب نحو بحث أنقرة عن تمويل من الدول المحيطة، وسعي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الاستفادة من الدعم والسيولة العربية لتعديل الوضع الاقتصادي التركي .
باحث ببرنامج السياسات العامة