دلالات مخرجات زيارة ولي العهد السعودي إلى مصر
أجرى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز اليوم الثلاثاء الموافق 15 أكتوبر 2024 زيارة رسمية إلى القاهرة، حيث استقبله الرئيس عبد الفتاح السيسي، ثم أجريا لقاءً ثنائيًا أعقبه جلسة مباحثات موسعة بحضور رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي ووفدي البلدين. وقد جرى خلال هذه المباحثات مناقشة التطورات الإقليمية لا سيّما التطورات في كل من غزة ولبنان، بالإضافة إلى جهود تطوير الشراكة الاقتصادية لاسيما في مجال تبادل الاستثمارات، والتبادل التجاري بين البلدين، والتكامل الاقتصادي في مجالات الطاقة والنقل والسياحة.
مخرجات الزيارة
عبر البيان الصادر عن المباحثات التي أجرها الرئيس السيسي وولي العهد السعودي عن مجموعة من المخرجات المهمة لزيارة الأمير محمد بن سلمان إلى القاهرة، وذلك على النحو التالي:
عمق العلاقات الثنائية: شدد الرئيس السيسي خلال لقائه بولي العهد السعودي على عمق ومحورية العلاقات الاستراتيجية بين مصر والسعودية، لاسيما في ظل التهديدات التي تواجه المنطقة، مشددًا في الوقت ذاته على أهمية مواصلة التنسيق والتعاون المشترك، لتجاوز المرحلة الدقيقة الحالية التي تمر بها المنطقة العربية والعالم الإسلامي، مشيرًا إلى الحرص المتبادل على ترجمة العلاقات والروابط التاريخية بين البلدين من خلال تعزيز الآليات الثنائية المؤسسية. وهو الأمر ذاته الذي أكده ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، حيث شدد على الأهمية التي توليها المملكة لتعزيز العلاقات الثنائية، ومواصلة البناء على الروابط التاريخية الممتدة بين البلدين والشعبين الشقيقين، لتحقيق المصلحة المشتركة على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والتنموية.
مناقشة تطورات المنطقة: شهدت المباحثات بين الرئيس عبد الفتاح السيسي وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تناول التطورات الإقليمية، وعلى رأسها الأوضاع في قطاع غزة ولبنان، حيث تم التوافق على خطورة الوضع الإقليمي وضرورة وقف التصعيد، وشدد الزعيمان على أن إقامة الدولة الفلسطينية ذات السيادة، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، هي السبيل الوحيد لتحقيق التهدئة والسلام والأمن بالمنطقة على نحو مستدام، منوهين بأن محاولات تصفية القضية الفلسطينية من شأنها أن تتسبب في استمرار حالة الصراع بالمنطقة. وقد طالب الزعيمان ببدء خطوات للتهدئة تشمل وقف إطلاق النار بقطاع غزة، وفي لبنان، ومعالجة الأوضاع الإنسانية المتفاقمة، والتوقف عن سياسات حافة الهاوية بما يوقف دائرة الصراع الآخذة في الاتساع. مؤكدين ضرورة احترام سيادة وأمن واستقرار لبنان وسلامة أراضيه. كما تباحث الزعيمان حول عدد من القضايا الإقليمية على رأسها أمن منطقة البحر الأحمر، والأوضاع في السودان وليبيا وسوريا.
تطوير الشراكة الاقتصادية: استعرض الرئيس عبد الفتاح السيسي وولي العهد السعودي خلال جلسة المباحثات الجهود الجارية لتطوير الشراكة الاقتصادية المصرية السعودية، لاسيما في مجال تبادل الاستثمارات، والتبادل التجاري بين البلدين، والتكامل الاقتصادي في مجالات الطاقة والنقل والسياحة. كما شهد الزعيمان في ختام المباحثات التوقيع على تشكيل مجلس التنسيق الأعلى المصري السعودي برئاسة السيد الرئيس وولي العهد السعودي، واتفاقية تشجيع وحماية الاستثمارات المتبادلة بين البلدين.
دلالات الزيارة
تعبر هذه الزيارة المهمة وما صدر عنها من مخرجات للمباحثات بين الزعيمين عن مجموعة مهمة من الدلالات التي يمكن استعراضها على النحو التالي:
توقيت مهم: تأتي زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى القاهرة في توقيت شديد الحساسية والأهمية بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط، وذلك على وقع التصعيد المحتدم في المنطقة جراء العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة ولبنان، والجهود الحثيثة التي تبذلها مصر بالتعاون مع شركائها الإقليميين والدوليين لوقف هذا التصعيد والتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. وتأتي الزيارة كذلك في خضم التصعيد الإسرائيلي الإيراني والرد الإسرائيلي المتوقع على الهجوم الصاروخي الذي نفذته إيران يوم 1 أكتوبر 2024 على إسرائيل. وهي التطورات التي استحوذت على جزء كبير من المباحثات التي أجراها الزعيمان، حيث تحتم هذه التطورات تكثيف التشاور بين البلدين الكبيرين بحكم ثقلهما الإقليمي لتنسيق التحركات الخاصة بالتعاطي مع مختلف هذه التطورات التي تلقي بتداعيات كبيرة على منظومة الأمن الإقليمي بالإضافة إلى تداعياتها على البلدين.
توافق الرؤى: عبرت مواقف الزعيمين خلال جلسة المباحثات عن توافق كامل في الرؤى بشأن التطورات الإقليمية، لا سيّما فيما يتعلق بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ولبنان، حيث تتفق رؤية البلدين بشأن ضرورة وقف العدوان على غزة ولبنان وأن استمرار الصراع على النحو التالي من شأنه دفع المنطقة برمتها إلى حافة الهاوية بما لا يخدم أي من الأطراف. كما تتوافق رؤى البلدين بأنه لا يمكن أن تنعم منطقة الشرق الأوسط بالاستقرار طالما لم تُحل القضية الفلسطينية وفق مقررات الشرعية الدولية وأن ينعم الفلسطينيون بدولتهم المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967. ويسهم توافق رؤى البلدين بشأن هذه القضايا المحورية في المنطقة في بلورة موقف عربي موحد إزاء مختلف هذه التطورات وتشكيل قوة دافعة باتجاه تحقيق هذه المبادئ الأساسية للموقف العربي، فضلًا عن الإسهام في تنسيق التحركات المشتركة للبلدين إزاء هذه التطورات وخاصة من خلال عضويتهما في اللجنة الخماسية المكلفة من القمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية التي انعقدت في جدة في نوفمبر 2023 بشأن الحرب على غزة. وإلى جانب التطورات في الشرق الأوسط، فإن توافق رؤى البلدين ينصرف كذلك إلى القضايا الإقليمية الأخرى وخاصة فيما يتعلق بأمن منطقة البحر الأحمر والأوضاع في السودان وليبيا وسوريا، وهي الملفات جميعها التي تواجه منعطفات خطيرة في الفترة الأخيرة وتحتاج إلى تحركات البلدين لمعالجتها وحلها بما يمتلكانه من رؤى مشتركة وثقل وحضور إقليمي.
استراتيجية العلاقات الثنائية: تحرص القاهرة والرياض على تطوير وتعميق العلاقات الثنائية فيما بينهما بما تتمتع به من جذور تاريخية راسخة ومستقبل واعد، وقد تجلى هذا الحرص مسبقًا من خلال الاتفاق على تشكيل مجلس التنسيق الأعلى المصري السعودي بما يمثله من مظلة شاملة للمزيد من تعميق العلاقات الثنائية بين البلدين والدفع لآفاق التعاون بينهما في المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والتنموية والاستثمارية بما يحقق مصالح الشعبين الشقيقين. ولهذا شهدت زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى القاهرة التوقيع على تشكيل المجلس ليكون برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بما يعكس حرص قادة البلدين على أن يكون التنسيق الثنائي بينهما على أعلى المستويات، بما ينعكس خاصة على التعاون الاقتصادي بين القاهرة والرياض، خاصة في ضوء توقيع اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمارات المتبادلة بين البلدين على هامش الزيارة، بما يعطي دفعة للاستثمارات بين البلدين فقد بلغت الاستثمارات السعودية في مصر نحو 26 مليار دولار فيما بلغت الاستثمارات المصرية في السعودية نحو 4 مليارات دولار، بما ينعكس كذلك على التبادل التجاري الذي يشهد دفعة قوية، حيث بلغ خلال النصف الأول من العام الجاري نحو 8 مليارات دولار بارتفاع نحو 41% عن الفترة نفسها من العام الماضي.