
ما هو مستقبل أسعار المنتجات البترولية في عام 2023؟
من المقرر أن تعقد قريبًا لجنة تسعير المنتجات البترولية اجتماعها الأول في العام 2023 للنظر في التسعير المحلي للمشتقات البترولية وربطها بالأسعار العالمية. ويعد الهدف الأساسي من تطبيق تلك الآلية هو توفير رؤية موحدة للجميع حول اتجاهات أسعار المنتجات البترولية المستقبلية في الأسواق المحلية، وآلية الربط بالأسواق الدولية. بدأ العمل بتلك الآلية للمرة الأولى في يوليو 2019؛ بهدف توفير قدر من المرونة والقدرة على تمكين مؤسسات الدولة علي التعاطي مع الطلب المحلي على المواد البترولية، وضمان ترشيد الطلب وفقًا لأسعاره الفعلية، فماذا يحمل اجتماع لجنة تسعير المنتجات البترولية للربع الأولى من عام 2023؟
تشكيل اللجنة وآلية العمل
تأسست لجنة تسعير المنتجات البترولية للمرة الأولى في شهر يوليو 2019 لتجتمع أربع مرات سنويًا (كل ثلاثة أشهر)؛ للنظر في التسعير المحلي للمشتقات البترولية وربطها بالأسعار العالمية. يعد الهدف الأساسي من تأسيس مثل تلك الآلية هو القضاء علي التشوهات التسعيرية التي كانت تحدث بقطاع الطاقة المصري، والتي يترتب عليها توجيه دعم كبير إلى المنتجات البترولية والمحروقات، والذي يذهب بالأساس إلى الطبقات غير الفقيرة من أصحاب المركبات، ويكلف الموازنة العامة للدولة، الأمر الذي يعرقل بنهاية المطاف قدرة الدولة على التوسع في دعم الطبقات الأولى بالرعاية، ويقلل قدرتها على الإنفاق الاستثماري لخلق قيمة للاقتصاد، أو التوسع في دعم قطاعات أخرى مثل التعليم والصحة والبنية التحتية.
وعليه فقد تقرر تشكيل تلك اللجنة (لجنة تسعير المنتجات البترولية) لتجتمع كل ثلاثة أشهر؛ لضمان إعادة تسعير المواد البترولية في مصر وبقائها بالقرب من الأسعار العالمية، وفي نفس الوقت تحقيق الاستقرار بعدم تغيير الأسعار بشكل شهري؛ الأمر الذي يمكن مستخدمي المواد البترولية من تحقيق ضبط التكاليف الخاصة بهم فيما يتعلق بالاستهلاك من المواد البترولية. هذا فضلًا عن أن اللجنة تقوم بتغيير أسعار البترول بنسبة 10% كحد أقصى من السعر الحالي صعودًا أو هبوطًا؛ لضمان ألا يحدث تغير سعري كبير في سعر المواد البترولية ومن ثم تحقيق الاستقرار في سوق المنتجات البترولية المصرية. لكن كيف يتم التسعير؟
يتم تسعير المنتجات البترولية في مصر من خلال النظر إلى التكاليف الرئيسة التي تدخل ضمن محددات إنتاجه، وهي بالطبع عدد كبير من العوامل، لكن أبرزها ثلاثة عوامل رئيسة: أولها هو سعر الخام عالميًا وتستخدم الحكومة المصرية سعر خام برنت كمؤشر لتحديد السعر العالمي لبرميل البترول، أما المحدد الثاني فهو سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي (وهو يغطي الجزء الخاص بتكاليف استيراد جزء المنتجات البترولية، أو التكاليف الخاصة بتكرير تلك المنتجات البترولية محليًا والتي يدخل ضمنها مكون دولاري)، وأخيرًا تكاليف النقل والتداول والتي ترتبط بشكل أساسي بتكاليف توفير تلك المواد البترولية بمحطات التموين للمواطنين.
ماذا حدث في مكونات المعادلة التسعيرية؟
كما سبق الإشارة، فإن العوامل التي تتدخل في تسعير المنتجات البترولية في مصر هي ثلاثة عوامل: سعر خام برنت، وسعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي، وسعر التداول. يمكن الإشارة إلى أن اثنين من هذه العوامل قد تغيرا على الأقل، وهما: سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي وسعر تداول المنتجات البترولية، أما عن سعر خام برنت فقد عاد إلى الاستقرار لمستويات ما قبل الحرب الروسية الأوكرانية عند مستوى 80 – 85 دولارًا للبرميل.
لكن المحدد الثاني والذي يدخل كمكون أساسي في معادلة تسعير المواد البترولية في مصر هو سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي، والذي شهد تغيرًا كبيرًا خلال العام الماضي كنتيجة لمحاولة تحقيق الاستقرار النقدي والمالي بالاقتصاد. لكن لتلك القرارات آثارها علي تسعير المواد البترولية؛ فبافتراض أن سعر برميل البترول يبلغ 80 دولارًا، فقد ارتفع سعره محليا من 1248 جنيهًا للبرميل في بداية مارس من عام 2022 ليصل إلى 2480 جنيهًا للبرميل في يناير من عام 2023.
وهو ما يعني أنه في حال إبقاء الحكومة علي أسعار البترول عند مستوياتها الحالية في العام الحالي، فإن قيمة فاتورة دعم المواد البترولية سترتفع بنسبة 100 % تقريبًا، وهو ما يبدد موارد الموازنة العامة للدولة، ويقلل من قدرتها علي تحقيق مستهدفات العجز الأولية والكلية الخاصة بها. لكن التساؤل الأهم هل ستقوم لجنة تسعير المنتجات البترولية بزيادة الأسعار بنسبة 100 %؟
إلى متى ستظل أسعار المواد البترولية في الارتفاع؟
علمت لجنة تسعير المواد البترولية تلك السيناريوهات الخاصة بالتغيرات العنيفة في السعر، وهو ما كان سببًا لاتخاذها قرارًا بأن تكون الزيادات في أسعار البترول في نطاق 10% من السعر الحالي فقط؛ لتجنب حدوث تغيرات عنيفة بالسوق، وهو ما يعني أن الزيادات السعرية المرجحة في الوقت الحالي تتمثل في التالي: –

وللإجابة علي التساؤل السابق حول إلى متى ستظل أسعار المواد البترولية في الارتفاع؟ يجب الإشارة إلى أن لجنة تسعير المواد البترولية تجتمع أربع مرات سنويًا لمراجعه المحددات التي تؤثر علي تسعير المواد البترولية في مصر، وكما سبق الإشارة فإن واحدًا من تلك المتغيرات قد شهد تغيرًا كبيرًا بنسبة تقترب من 100% تقريبًا وهو سعر صرف الجنيه، وهو ما يعني أن أسعار البترول الحالية أقل من قيمتها الفعلية بحوالي 80 – 90%.
ومن ثم فإنه من المتوقع أن تشهد الاجتماعات القادمة خلال العام الحالي زيادات في أسعار المواد البترولية بنسبة 10% في كل اجتماع، وقد تستمر حتى نهاية النصف الأول من عام 2024؛ لتعويض الزيادة السعرية التي خلفها سعر الصرف. لكن تلك ليست نتيجة حتمية؛ إذ إن حدوث أي تحسن في سعر صرف الجنيه المصري أو انخفاض سعر برميل البترول عالميًا دون مستوى 80 دولارًا من شأنه أن يقلل من وتيرة الزيادة في أسعار المواد البترولية، وقد يدفعها إلى الانخفاض أيضًا، خاصة في حال تحسن قيمة الجنيه المصري خلال العام المقبل أو مع إقدام الولايات المتحدة الأمريكية على اتباع سياسات توسعية، والتحسن في قدرة مصر على تنمية مواردها من العملات الأجنبية.
ماذا سيحدث إذا لم تقم اللجنة بمراجعه أسعار المواد البترولية؟
التساؤل السابق يطرح العديد من السيناريوهات التي تواجهها الدولة المصرية في حال عدم إقدام لجنة تسعير المنتجات البترولية على تغيير أسعار الوقود، أولها هو ارتفاع مخصصات الدعم الموجهة إلى المحروقات مرة أخرى والعودة إلى الفترات ما قبل عام 2017 والتي وصلت فيها قيم مخصصات دعم المواد البترولية إلى ما يتجاوز 130 مليار جنيه.
ولمّا كان الحيز المالي للحكومة ضيق للغاية بشكل لا يمكنها من تمويل ذلك الدعم دون الاستدانة، حينها ستلجأ الحكومة إلى الاستدانة بهدف تمويل مخصصات دعم المواد البترولية، الأمر الذي سيكون له آثار سلبية علي المستهدفات الرئيسة لعجز الموازنة العامة للدولة الأولي والكلي.
من جانب آخر، إذا قررت الحكومة الحفاظ علي نسب الاستدانة والعجز عند المستويات المستهدفة فإن توفير تلك المخصصات لدعم المواد البترولية سيكون مصدره إما من مخصصات التعليم، أو الصحة، أو المخصصات الموجهة لدعم الغذاء في مصر، أو المخصصات الخاصة بالأجور؛ وهو ما يعني عدم قيام الدولة بزيادة الأجور للعاملين بالدولة خلال العام المقبل، وهي كلها سيناريوهات غير مقبولة بالنظر أن ذلك الدعم الموجه للطاقة بالأساس يتسرب الجزء الأكبر منه لغير المحتاجين من أصحاب المركبات.
كذلك فإن تثبيت لجنة تسعير المنتجات البترولية لسعر الوقود هو أمر من شأنه أن يخل باتفاق مصر مع صندوق النقد الدولي وشركاء التنمية، حيث تضمن الاتفاق تعهدًا مصريًا بالحفاظ علي أسعار المواد البترولية عند مستوياتها العادلة، وعدم تبديد الموارد المالية المتاحة بالموازنة العامة للدولة في دعم المنتجات البترولية، واستخدام تلك الموارد بشكل أفضل في: تمويل العملية التنموية في مصر، أو خفض نسب الفقر، أو تحسين مستويات التعليم والصحة. ومن ثم فإن الإخلال بذلك البند يعرض السياسات الاقتصادية المصرية والمؤشرات الرئيسة الخاصة بالموازنة للانتقاد من جانب المؤسسات الدولية، ويهدد بوقف ضخ الاستثمارات إلى مصر، وتوقف برنامج التعاون بين صندوق النقد الدولي والمؤسسات الدولية متعددة الأطراف ومصر.
باحث ببرنامج السياسات العامة