
حزم الحماية الاجتماعية .. انحياز استباقي للمواطن في ظل قرارات اقتصادية حادة
استمرار وتوالي الازمات الاقتصادية والجيوسياسية الخارجية، بدء من جائحة كورونا مرورًا بالأزمة الروسية الأوكرانية وصولا إلى تصاعد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وما أعقبه من تصاعد واتساع لرقعة الصراع، أدى لتفاقم حالة عدم اليقين التي انتابت الاقتصاد العالمي، مع توقعات بمزيد من ارتفاع معدلات التضخم بالعالم أجمع خاصة مع ارتفاع الأسعار العالمية للسلع الأساسية. وعلى المستوى المحلي، تأثر الاقتصاد المصري بالتداعيات الخارجية الناجمة عن الضغوط التضخمية العالمية في التراكم كجزء من العالم لم يكن بمنأى عن هذه التداعيات، وانعكس هذا التأثر في صورة نقص الموارد من العملات الأجنبية مما أدى إلى ظهور سوق موازية لسعر الصرف وتباطؤ النمو الاقتصادي، وتزايد الضغوط التضخمية. وهو ما دفع الدولة لإجراء تدخلات جذرية للعمل على تحسين الهيكل الاقتصادي المصري بتعزيز الاستثمار المباشر وتحسين بيئة الاعمال واستثمار مشروعات البنية التحتية العملاقة التي تم تنفيذها على مدى العقد الماضي وتم ترجمة ذلك في نجاح الدولة في جذب أكبر صفقة استثمار مباشر بقيمة 35 مليار دولار، إلى جانب لتطبيق عدة أليات ضمن سياسة تقييدية؛ للعمل على القضاء السوق الموازية للصرف الأجنبي واستهداف التضخم، أبرزها الرفع المتتالي لمعدلات الفائدة، أخرها اليوم 6 مارس الجاري برفع الفائدة 6% لتصل في مصر إلى 27.25 %، مع قرار آخر بإخضاع سعر صرف العملة لآليات السوق. إلا أن سبل العلاج هذه يتوقع أن يكون لها بعض الآثار الجانبية البالغة على بعض المواطنين، وهو ما دفع القيادة السياسية والحكومة لاتخاذ بعض الإجراءات الاستباقية والمبادرات التي من شأنها تعزيز القدرات المالية لقطاع واسع من المواطنين وتخفيف العبء عن كاهلهم.
تداعيات متشابكة
واجهت معظم دول العالم صدمات مالية واقتصادية عنيفة إثر جائحة كورونا، وفرض حالة الإغلاق التام بمعظم دول العالم إثر تفشي الجائحة بكافة دول العالم، لتكون الجائحة بمثابة الإنذار الأول لأثر الأزمات العالمية الكبرى، والتي انكشف فيها هشاشة الأنظمة الصحية لأكثر الدول تقدمًا، ولم تكن الجائحة كاشفة لمتانة القطاع الصحي فقط، بل للأنظمة الاقتصادية أيضًا. فأثناء الجائحة تهاوت عدة أنظمة اقتصادية كانت توصف بأنها -كبرى- لتعلن تأثرها بحالة الإغلاق التام التي فرضتها الجائحة، ليتراجع على إثر الجائحة معدلات النمو الاقتصادي، والاستثمار المباشر بكافة دول العالم، إلى جانب ارتفاع معدلات التضخم، واضطراب سلاسل التوريد والإمداد بين كافة دول العالم. إلا أن مصر كان لها تجربة فريدة في التعامل مع هذه الأزمة، مكنتها من عبور هذه الأزمة العالمية بأقل الخسائر الممكنة، وأثبت الاقتصاد المصري قدرته على الصمود النسبي أمام هذه الجائحة، رغم التوقف شبه التام للسياحة، واستطاع تحقيق معدلات نمو إيجابية رغم الصدمات الاقتصادية العالمية.
ولم يلبث العالم يتعافى من أثار الجائحة، حتى اندلعت الأزمة الروسية الأوكرانية، فبراير 2022، لتفرض حالة من انعدام الأمن الغذائي، كما أدت إلى ارتفاع غير مسبوق في معدلات التضخم العالمي، حيث سجلت أعلى مستوياتها في العديد من دول العالم مما استلزم توجه البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة إلى رفع أسعار الفائدة العالمية أكثر من مرة، لاحتواء الضغوطات التضخمية، وهو ما أدى إلى تفاقم أزمات المديونية وتراجع قيمة عملات أغلب الدول مقابل الدولار الأمريكي. ومازال الاقتصاد العالمي بمختلف روافده، ومكوناته يواجه تحديات غير مسبوقة، تتمثل في ارتفاع أسعار السلع والخدمات وزيادة تكاليف التمويل والتنمية الذي جعلت المالية العامة بشتى الدول أمام ضغوط متصاعدة تتشابك فيها الآثار السلبية لجائحة كورونا وتوترات جيوسياسية تزايدت تعقيداتها على مستوى منطقة الشرق الأوسط وفي أوروبا أيضًا. في ظل الأعباء التمويلية المطلوب تحملها للوفاء بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وتكاليف الحزم الاجتماعية للحد من الموجات التضخمية، أو في تراجع الإيرادات العامة نتيجة لانحسار النشاط الاقتصادي حول العالم.
وعلى خلفية الأزمة الاقتصادية العالمية، وتحركات الفيدرالي الأمريكي لرفع معدلات الفائدة لعدة مرات، أدت إلى انخفاض معدلات الاستثمار المباشر حول العالم. ولم تكن مصر بمعزل عن هذه الأزمة الاقتصادية العالمية، باعتبارها جزء لا يتجزأ من العالم يؤثر ويتأثر بكافة مجرياته، خاصة أن دولتي الصراع أحد المصدرين الرئيسيين للحبوب لمصر، كذلك من أهم موردي السياحة الشاطئية لمصر. وعلى المستوى المحلي، أدت سياسة الفيدرالي الأمريكي إلى خروج ما يزيد عن 20 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة في الفترة من يناير إلى سبتمبر 2022، فضلاً عن ارتفاع لمعدلات التضخم الأساسي ليسجل 38.7% في عام 2023، وتراجع قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي بما يزيد عن 60%، إلى جانب تصاعد حجم المديونية الخارجية، واتساع الفجوة الدولارية بين المطلوب والمعروض من الدولار.
وفي ظل استمرار هذه الضغوط الاقتصادية، تندلع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، في السابع من أكتوبر الماضي، في عدوان يوصف بإنه الأطول والأكثر ضراوة على الإطلاق في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ومع تصاعد حدة الأزمة، واتساع رقعة الصراع لتشمل بعض الضربات الحوثية للمصالح الإسرائيلية بالبحر الأحمر، وتضرر عدد من السفن العملاقة، الأمر الذي دفع عدد من السفن لتغيير وجهتها بالمرور عبر طريق رأس الرجاء الصالح، وهو ما مثل تهديد مباشر لعوائد قناة السويس من النقد الأجنبي، إذ يتوقع انخفاض إيرادات القناة إلى 7.5 مليار دولار لهذا العام، ووفق تصريحات رئيس هيئة قناة السويس، انخفضت إيرادات قناة السويس بنسبة 44% في يناير 2024 مقارنة بشهر يناير 2023 البالغة 802 مليون دولار، إلى جانب احتمالية تأثيرها على عوائد السياحة لمصر حال استمرار الصراع وتعطل حركة السفن. كل هذه الضغوط على مصادر النقد الأجنبي لمصر واتساع وانكشاف الفجوة الدولارية كان لها بالغ الأثر في خلق سوق موازية لصرف الجنيه تجاوز فيها سعر الدولار في بعض الأحيان حاجز الـ 70 جنيهًا للدولار، في حين ثبات السعر الرسمي في البنوك عند قرابة 31 جنيه فقط.
كل هذه التحديات المتوالية والمجتمعة خلقت موجة تضخمية هي الأعنف خلال العقد الأخير، انعكست في ارتفاع أسعار السلع والخدمات وتكاليف التمويل؛ فأثر زيادة معدلات التضخم طال كافة السلع والخدمات الأساسية منها والترفيهية على حد سواء وهو ما ترك أثر بالغ على كافة المواطنين –وما فاقم الوضع سوءًا استغلال بعض تجار الأزمات للأوضاع الراهنة لتحقيق أكبر مكاسب ممكنة على حساب المواطن- باختلاف مستوياتهم. كل هذا في ظل اختلالات مزمنة بهيكل الاقتصاد المصري، تتمثل في تزايد الاعتماد على الاستثمار الأجنبي غير المباشر، وتزايد نسب الناتج المحلي عن القطاعات الاستثمارية الخدمية عنها من القطاعات الإنتاجية.
علاج جذري
لم يكن أمام الدولة حلول عديدة فالمزيد من المسكنات سوف تزيد من الأمر سوءً، لذا كان لابد من حلول جذرية لمواطن قصور الاقتصاد المصري، والبناء على ما تحقق من تنفيذ المرحلة الأولى من برنامج الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي في نوفمبر 2016، وانقسمت ألية الحل خلال السنوات الأخيرة إلى شقين رئيسيين، أولهما اعتماد سياسات اقتصادية واستثمارية من شأنها تحسين بين الاعمال وجذب المزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية، وفي سبيل ذلك سنت الدولة العديد من الإصلاحات التشريعية والمؤسسية التي تدعم بيئة الاستثمار، لتبسيط إجراءات إنشاء المشروعات، بالإضافة إلى العمل على إعداد البنية التحتية وتحسين جودتها كإحدى الركائز الرئيسية لتمهيد الطريق لمشاركة القطاع الخاص، وتحسين بيئة الأعمال المصرية.
على الجانب الأخر، تم إصدار قانون ضمانات وحوافز الاستثمار رقم ٧٢ لسنة ٢٠١٧ وقوانین أخرى مثل قانون الضرائب الموحد وقانون الجمارك وتعدیل قانون المحاكم الاقتصادية وغیرھا من القوانین التي تساعد في جذب الاستثمار، هذا بخلاف المجلس الأعلى للاستثمار وقراراته المتعلقة بمعالجة العقبات التي تواجه إنشاء الشركات الجديدة، بالإضافة إلى وثيقة سياسة ملكية الدولة التي توضح للمستثمرين دور الدولة في مختلف القطاعات، وأيضًا الرخصة الذهبية التي تمنحها الدولة لإقامة المشروعات وتشغيلها وإداراتها في مدة لا تتعدى 20 يوم عمل.

هذه الاستراتيجيات والخطى أسهمت في تسجيل صافي الاستثمار الأجنبي المباشر نتيجة زيادة رأسمال الشركات الحالية حوالي 1.2 مليار دولار خلال الفترة من أكتوبر إلى ديسمبر 2022 مقارنة بالهدف البالغ 875 مليون دولار، كما أن صافي الاستثمار الأجنبي المباشر نتيجة تأسيس شركات جديدة سجل 90.4 مليون دولار خلال الفترة من أكتوبر إلى ديسمبر 2022 مقارنة بالهدف البالغ 66.25 مليون دولار، كما وصلت طلبات الاستثمار للفرص المتاحة إلى 42 طلبًا خلال الفترة من يناير إلى مارس 2023 مقارنة بالهدف البالغ 40 طلبًا، وتم تسجيل نمو ملحوظ في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الصافي بنسبة 451.3٪ في الربع الثاني من العام المالي 2022/2023. ولعل أخر وأكبر صفقات الاستثمار المباشر، ما تم الإعلان عنه في أواخر فبراير الماضي، حيث تم عقد شراكة استثمارية مع دولة الامارات العربية المتحدة، لبناء مدينة متكاملة، ذات طراز سياحي عالمي، باستثمار مباشر يقدر بـ 35 مليار دولار، بخلاف حصة من أرباح المشروع طوال فترة تشغيله، تستهدف استقطاب ما لا يقل عن 8 ملايين سائح إضافي مع اكتمال هذه المدينة العملاقة، إلى جانب استقطاب ملايين من المواطنين لحلحلة التكدس السكاني بمنطقة الوادي والدلتا، في منطقة واعدة لمستقبل الاستثمار السياحي لمصر.

على صعيد أخر، كان الشق الأخر من الحل خلال السنوات القليلة الماضية تعديل بعض السياسات المالية، فقد شهد سوق صرف الجنيه في مصر تغيرات كبيرة خلال بضعة سنوات، في محاولة لتحرير سعر الصرف ليحدد وفقًا لعوامل العرض والطلب؛ بهدف القضاء على السوق السوداء، إلا أن هذه الخطوة لم تحقق الهدف المرجو منها. ويعد التغير الأكبر بسعر الصرف بالتزامن مع إعلان الحكومة تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي في 2016. إذ أعلنت الدولة في نوفمبر 2016، تعويم الجنيه المصري، حيث انخفضت قيمة الجنيه بنحو 50 %، ليصل إلى أعلــى سعر عند 19.65 جنيه للدولار في 21 ديسمبر ثم يعود للانخفاض مرة أخرى ليتراوح بين 16-17 جنيه للدولار حتى 21 مايو 2019. وفي أعقاب جائحة كورونا، والازمة الروسية الاوكرانية، وارتفاع معدلات التضخم، وتزايد الضغط على الجنيه، اتجه البنك المركزي المصري في 27 أكتوبر 2022 لتحرير سعر الصرف ليصل إلى حوالي 24 جنيه للدولار، ليستقر في الفترة الأخيرة عند 30.7 جنيه تقريبًا.
الاضطرابات الجيوسياسية المفاجئة والمتصاعدة، وما لها من أثار اقتصادية، خلقت أزمة دولارية تصاعدت حدتها مع تصاعد الصراع الإسرائيلي في غزة، إذ أدت الضربات الحوثية للمصالح الإسرائيلية بالبحر الأحمر، وتضرر عدد من السفن العملاقة، إلى انخفاض عدد السفن المارة بقناة السويس، إذ أعلنت عدد من السفن تغيير وجهتها بالمرور عبر طريق رأس الرجاء الصالح، وهو ما يمثل تهديد مباشر لعوائد قناة السويس من النقد الأجنبي، وقد انخفضت إيرادات قناة السويس بنسبة 44% في يناير 2024 مقارنة بشهر يناير 2023 البالغة 802 مليون دولار.

كل هذه التحديات مجتمعة كانت أحد الدوافع أمام الدولة، للاستمرار في سياسة نقدية تشددية، ما خلق وفاقم أزمة وجود سعرين لصرف الجنيه أحدهم يقارب ضعف السعر الرسمي، وباتت الأزمة منكشفة للجميع، وتلقي بظلالها على الحياة اليومية للجميع في صورة ارتفاع معدلات تضخم مستمر، انفلات حركة الأسواق والتسعير والاحتكار، في ظل عدم نجاح الحلول الأمنية في السيطرة على الوضع. لذا كان أحد الحلول للجانب المالي –قد تكون الأخيرة – هو تحرير سعر صرف الجنيه وفق اليات السوق للقضاء على السوق الموازية لتداول الدولار، ورفع معدلات الفائدة 6% لتصل في مصر إلى 27.25 %، لتحجيم اضطرابات معدلات التضخم المتزامنة مع عمليات تحرير سعر الصرف، فسبق أن بلغ التضخم ذروته في عامي2017 و2023 وذلك على خلفية تخفيض سعر صرف الجنيه المصري رسميًا، إلى جانب الاستمرار في جذب مزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر لحلحلة الأزمة المالية الراهنة، لجني ثمار مشروعات البنية التحتية التي تم تنفيذها بكافة ربوع الدولة، خاصة أن سياسات تحقيق استقرار الأسعار تخلق مناخًا مشجعًا للاستثمار والنمو المستدام للقطاع الخاص.
حزم اجتماعية أكثر شمولاً واستهدافًا
لكن على الجانب الأخر، دائما ما تصحب الحلول الاقتصادية الجذرية الكثير من الألم والتداعيات السلبية ليس فقط على الفئات الأكثر احتياجًا، بل على كافة مواطني الدولة، فأزمة ارتفاع الأسعار الأخيرة كانت تلتهم أجور غالبية المواطنين، فبات أنين الكافة باختلاف مستوياتهم الاجتماعية مسموع لدى القاصي والداني، ومع نية الدولة لشق وتنفيذ الاجراء الأصعب وتنفيذ حلول جذرية للاقتصاد المصري الذي يعاني مع بعض التشوهات الهيكلية. لذا اتخذت الدولة وعلى رأسها القيادة السياسية عدد من الإجراءات الحمائية الاستباقية للتخفيف عن كاهل المواطنين أعباء الأزمة الاقتصادية العالمية، ومحاولة احتواء أكبر قدر ممكن من التداعيات السلبية، وذلك ضمن إصلاحات اقتصادية هيكلية.
ففي انحياز كامل للمواطن، وتقدير تام لحجم التحدي والضغوط المعيشية التي تواجه المواطنين، وجه الرئيس السيسي، في الأسبوع الأول من فبراير الماضي، للحكومة بتنفيذ أكبر حزمة اجتماعية عاجلة للحماية الاجتماعية، بقيمة 180 مليار جنيه، وذلك اعتباراً من الأول من شهر مارس الجاري، بحيث تتم زيادة أجور العاملين بالدولة والهيئات الاقتصادية، بحد أدنى يتراوح بين 1000 إلى 1200 جنيه بحسب الدرجة الوظيفية (1000 جنيه للدرجات من السادسة إلى الرابعة، و1100 جنيه للدرجات من الثالثة للأولى، و1200 جنيه للدرجات من مدير عام إلى وكيل أول وزارة)، وذلك من خلال تبكير صرف العلاوة الدورية للمخاطبين بقانون الخدمة المدنية بنسبة 10% من الأجر الوظيفي، و15% من الأجر الأساسي لغير المخاطبين، وبحد أدنى 150 جنيهاً وتكلفة إجمالية 11 مليار جنيه، وصرف حافز إضافي، يبدأ من 500 جنيه للدرجة السادسة، ويزيد بقيمة 50 جنيهاً لكل درجة، ليصل إلى 900 جنيه للدرجة الممتازة، بتكلفة 37,5 مليار جنيه، وذلك بتكلفة إجمالية نحو 65 مليار جنيه، بما ينعكس في رفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 50% ليصل إلى 6 آلاف جنيه.
شهدت هذه الحزمة استهدافًا لفئات بعينها، فتم تخصيص 15 مليار جنيه زيادات إضافية للأطباء والتمريض والمعلمين وأعضاء هيئة التدريس بالجامعات، منها 8.1 مليار جنيه لإقرار زيادة إضافية في أجور المعلمين بالتعليم قبل الجامعي، تتراوح بين 325 جنيهاً إلى 475 جنيهاً، و1,6 مليار جنيه لإقرار زيادة إضافية لأعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم بالجامعات والمعاهد والمراكز البحثية، و4,5 مليار جنيه لإقرار زيادة إضافية لأعضاء المهن الطبية وهيئات التمريض تتراوح من 250 إلى 300 جنيه في بدل المخاطر للمهن الطبية، وزيادة تصل إلى 100% في بدل السهر والمبيت. كما وجه الرئيس بتخصيص 6 مليارات جنيه لتعيين 120 ألفاً من أعضاء المهن الطبية والمعلمين والعاملين بالجهات الإدارية الأخرى.
وشملت الحزمة الاجتماعية التي وجه بها الرئيس 15% زيادة في المعاشات لـ 13 مليون مواطن، بتكلفة إجمالية 74 مليار جنيه، و15% زيادة في معاشات “تكافل وكرامة” بتكلفة 5,5 مليار جنيه، لتصبح الزيادة خلال عام 55% من قيمة المعاش. على أن يتم تخصيص 41 مليار جنيه لمعاشات “تكافل وكرامة” في العام المالي 2024/2025.
على صعيد أخر، وجهت الدولة جهود حثيثة لتوفير السلع الغذائية للمواطنين بأسعار مناسبة، كمحاولة للسيطرة على الاثار السلبية الناتجة عن الأزمات الاقتصادية العالمية المتلاحقة، والتي خلفت موجات من التضخم وارتفاع الأسعار في الأسواق المصرية، خاصة مع استغلال بعض التجار هذه الأزمة والبدء في تخزين السلع الأساسية ورفع الأسعار مع اقتراب الموسم الرمضاني، والذي يشهد موجة تضخمية موسمية طبيعية. فتم تدشين منافذ بيع للسلع الغذائية سواء منافذ “أهلا رمضان” التابعة لوزارة التموين والتجارة الداخلية، ومبادرة “كلنا واحد” التابعة لوزارة الداخلية، بأسعار مخفضة لتخفيف العبء على المواطنين.
فبدأت معارض أهلًا رمضان منذ 15فبراير في طرح كافة السلع بتخفيض يتراوح من 15% إلى 30%، فضلًا عن المنافذ التموينية ضمن مشروع جمعيتي والتي يبلغ عددها حوالي 8065 منفذًا في كافة أنحاء الجمهورية. كما تم إنشاء ما يقرب من 100 معرض من معارض «أهلا رمضان» حتى الآن في مختلف المحافظات، حيث يتم إنشاء منفذ رئيسي في عاصمة كل محافظة، ثم منافذ أخرى في المراكز الرئيسية، وبعدها شوادر أصغر في القرى والنجوع، إضافة إلى القوافل المتنقلة التي تجوب حول كل المحافظة. بالإضافة إلى التكامل مع 1200 ركن من السلاسل التجارية المشاركة في مبادرة كلنا واحد والتي تقدم تخفيضات تصل إلى 40%. كما تواصل الحكومة توفير كافة السلع الغذائية وغير الغذائية بأسعار مخفضة من خلال عدد (1026) منفذ ثابت ومتحرك وسرادقات بالميادين والشوارع الرئيسية وقوافل السيارات الخاصة بمنظومة “أمان” التابعة للوزارة.
ولضمان انضباط السوق، أخذت وزارة الداخلية على عاتقها رصد الظواهر السلبية المتعلقة بإخفاء وتخزين السلع الأساسية، ويتم تكثيف الحملات الرقابية لمواجهة أي ممارسات غير قانونية. وتم تكثيف الحملات التموينية المكبرة لمراقبة الأسواق للمحافظة على استقرار الأسعار وضبط كافة صور الاحتكار، والتحقق من توافر السلع بالأسواق ومدى صلاحيتها ومطابقتها للمواصفات حفاظًا على الصحة العامة للمواطنين، ولضمان وصول السلع للمواطنين بالأسعار المناسبة والجودة الملائمة.
وفي ضوء حرص الحكومة على توافر السلع الأساسية تم التوجيه بتوفير 2 مليار دولار لسرعة الافراج عن السلع الأساسية من الجمارك، لزيادة المتاح منها في الأسواق ما يسهم في إتاحة مزيد من السلع وحفظ الأسعار خلال الفترة المقبلة. ومن المتوقع أن يشرف غدا رئيس الوزراء على الإفراج عن البضائع من ميناء الاسكندرية، حيث يتابع سير عملية الإفراجات بباقي الموانئ المصرية المختلفة، حيث تشمل البضائع المفرج عنها السلع الغذائية والأعلاف والأدوية ومستلزمات الإنتاج. وذلك تنفيذا لتوجيهات رئيس الجمهورية وتعبيرا عن نجاح الاجراءات المتخذة من الدولة خلال الفترة السابقة.
انحياز مستدام
لم تكن قرارات اليوم هي الأولى من نوعها، أو حتى الأصعب على الاطلاق، فسبق أن اتخذت القيادة والحكومة المصرية عدة قرارات حاسمة قد يكون لها بعض التداعيات السلبية على المواطنين وخاصة الفئات الأكثر احتياجًا، لكن دائما ما كانت تراعي البعد الإنساني ورضا المواطنين أثناء المضي قدمًا في عملية التنمية الشاملة. لذا يلاحظ تطور المخصصات المالية لبرامج الدعم والحماية الاجتماعية خلال تولي الرئيس السيسي سدة الحكم.
تم تخصيص ٥٣٠ مليار جنيه في العام المالي الحالي ٢٠٢٣/ ٢٠٢٤ لبرامج الدعم والحماية الاجتماعية، مقارنة بنحو ٢٤٤,٥ مليار جنيه في العام المالي ٢٠١٤/ ٢٠١٥، فقد وجهت القيادة السياسية بتخصيص ١٨٠ مليار جنيه لتنفيذ حزمة للحماية الاجتماعية اعتبارًا من مارس الجاري، تتضمن زيادة أجور العاملين بالدولة بحد أدنى يتراوح من ١٠٠٠ إلى ١٢٠٠ جنيه، ورفع الحد الأدنى للأجور بنسبة ٥٠٪، وزيادة المعاشات بنسبة ١٥٪، ورفع حد الإعفاء الضريبي بنسبة ٣٣٪ لتخفيف الأعباء عن العاملين بمن فيهم القطاع الخاص، وبذلك يكون قد ارتفع حد الإعفاء الضريبي بنسبة ٧٣٪ اعتبارًا من يوليو ٢٠٢٣ حتى مارس ٢٠٢٤، كما تضمنت هذه الحزمة أيضًا زيادات إضافية فى أجور الأطباء والتمريض والمعلمين وأعضاء هيئة التدريس بالجامعات، ما يؤكد حرص الدولة على النهوض بالصحة والتعليم، ووضعها فى أولوية متقدمة سواءً من حيث الإنفاق الاستثماري أو تحسين الأجور.
وفي ضوء الانحياز للفئات الأولى بالرعاية، ارتفعت مخصصات معاش «الضمان الاجتماعي» وبرنامج «تكافل وكرامة» من ٥ مليارات جنيه لنحو ١,٥ مليون أسرة في ٢٠١٣/ ٢٠١٤ لتصل إلى ٣٥,٥ مليار جنيه لنحو ٥,٢ مليون أسرة في ٢٠٢٣/ ٢٠٢٤ بزيادة ٦١٤٪، وارتفاع دعم السلع التموينية من ٣٥,٥ مليار جنيه إلى ١٢٧,٧ مليار جنيه بنسبة نمو ٢٦٠٪، وارتفعت مخصصات الأجور من ١٧٨,٦ مليار جنيه في ٢٠١٣/ ٢٠١٤ إلى ٤٧٠ مليار جنيه في ٢٠٢٣/ ٢٠٢٤ بنسبة نمو ١٦٣٪
وفي سياق مواز، لم يكن الدعم الموجه للمواطنين في صورة زيادة أجور فقط، لكن جزء منها موجه كدعم لتحسين جودة الخدمات التي تهم المواطن، والمواطن البسيط على وجه الخصوص. لذا ارتفعت مخصصات قطاع الصحة من ٣٦,٤ مليار جنيه إلى ٢٠٠ مليار جنيه خلال ٩ سنوات بنسبة نمو ٤٤٧٪، وزاد الإنفاق على قطاع التعليم من ٨٤,١ مليار جنيه عام ٢٠١٤ إلى ٢٣٠ مليار جنيه بزيادة ١٧٣٪، وتزايد الإنفاق على الاستثمارات الحكومية خلال ٩ أعوام من ٥٣ مليار جنيه إلى ٥٨٧ مليار جنيه بنسبة نمو تتجاوز ١٠٠٩٪
فخلال العقد الأخير، نجحت مصر في توفير حزمة كبيرة من تدابير الحماية الاجتماعية للأسر والأفراد الأولى بالرعاية انطلاقاً من تبني وزارة التضامن الاجتماعي مبدأ العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، حيث بلغ إجمالي قيمة المخصصات المالية التي وفرتها الحكومة المصرية بالموازنة العامة للدولة في العام المالي 2023-2024 لكافة برامج الحماية الاجتماعية حوالي 550 مليار جنيه مصري، ويبلغ نصيب المساعدات النقدية منها ما يقرب من 36 مليار جنيه مصري. كما تحرص التضامن الاجتماعي على توفير حزمة من مشروعات التمكين الاقتصادي التي يمكن أن تستفيد منها الأسر في رفع مستواها الاقتصادي تدريجياً، بالإضافة إلى إتاحة فرص للتدريب المهني والحرفي والإداري للتشغيل لدى الغير.
ختامًا، يمكن القول أن الحكومة ومع الإجراءات الأخيرة بتحرير سعر الصرف ورفع سعر الفائدة، والتوجه نحو مزيد من جذب الاستثمارات الأجنبية، فهي تعمل على سياسات أكثر توازنًا وتحوطًا، مع الأزمات الاقتصادية العالمية المتتالية، بتداعياتها المتشابكة التي تزايدت تعقيدًا مع التوترات الجيوسياسية، على نحو يمكن الاقتصاد المصري من احتواء حدة الصدمات الداخلية والخارجية. مع تحسين الهيكل الاقتصادي بتمكين القطاع الخاص من القيام بدوره المنشود؛ باعتباره قاطرة التنمية، مع وفتح آفاق رحبة للاستثمارات الأجنبية. وعلى التوازي من السياسات الاقتصادية والمالية الجاري تنفيذها يتم التوسع في برامج الحماية الاجتماعية للفئات الأولى بالرعاية، لتخفيف العبء عن كاهل المواطن خاصة في ظل الأزمة العالمية الراهنة، في محاولة من الدولة للموازنة بين تحقيق العدالة الاجتماعية، والأهداف الاستراتيجية المستدامة للدولة.
باحث أول بالمرصد المصري