تغير المناخ

التنمية الحضرية والحق في السكن.. تحديات مركبة

تشكل أزمة الإسكان ونمو التحضر تحديًا كبيرًا أمام الحكومات والمنظمات الدولية، فقد أصبحت واحدة من القضايا الأكثر تعقيدًا التي تواجه العالم اليوم، ويزداد هذا التحدي تعقيدًا في ظل تأثيرات متشابكة ومتزايدة للصراعات المسلحة، والنزوح الجماعي، والتغير المناخي، والأزمات الاقتصادية والمالية العالمية، حيث يتداخل كل عامل من هذه العوامل في تفاقم أزمة الإسكان ويعيق إيجاد حلول دائمة ومستدامة. واليوم، تستضيف مصر النسخة الثانية عشرة للمنتدى الحضري العالمي (WUF)، المنصة الأهم للتواصل بين الدول، حيث يجتمع فيه خبراء وممثلو الحكومات ومنظمات المجتمع المدني، إضافة إلى القطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية؛ لمناقشة سياسات واستراتيجيات التنمية الحضرية.

عالم يئن

يعاني المشهد العالمي الحالي في ظل أكثر التحديات تشابكًا وتعقيدًا، حيث يصعب الفصل بين تأثيرات كل عامل. بل، أدى تزايد الصراعات المسلحة، والنزوح الجماعي، والتغير المناخي، والأزمات الاقتصادية، فضلًا عن جائحة كورونا، إلى تعميق أزمة الإسكان العالمية وتعقيد جهود حلها.

كان لجائحة كورونا أثر كبير على أزمة الإسكان العالمية، فكما كشفت الجائحة عن هشاشة العديد من الأنظمة الصحية حول العالم، بزغت أيضًا أهمية توفير السكن الملائم المزود بالمرافق الأساسية للمواطنين للحد من سرعة انتشار الأوبئة والأمراض. إلا أن تدابير الإغلاق وتقييد الحركة التي طبقت قرابة العام بمختلف دول العالم أدت إلى تعطيل الأنشطة الاقتصادية، وانخفاض النمو الاقتصادي وتعميق الأزمة الاقتصادية اللاحقة للجائحة والتي أدت إلى تزايد معدلات التضخم بشكل متسارع، وارتفاع أسعار الفائدة، وزيادة معدلات البطالة، وتقليص الدخل الشخصي. نتيجة لذلك، أصبح من الصعب على ملايين الأسر تحمل تكاليف الإيجار أو شراء المنازل. وفي نفس الوقت، أدى الضغط على الحكومات لدعم قطاعات الصحة والرعاية الاجتماعية إلى تقليص الموارد المتاحة للاستثمار في الإسكان الميسر خاصة في الدول ذات الموارد المحدودة، وهو ما يؤثر على حجم العرض السكني، وبالتالي ترتفع أسعار المنازل والإيجارات إلى مستويات تفوق القدرة المالية للفئات ذات الدخل المحدود، مما يعمّق من أزمة الإسكان ويفاقم الفجوة بين العرض والطلب.

على صعيد مواز، يعد التغير المناخي عاملًا رئيسًا في تعقيد أزمة الإسكان ومهددًا لفرص التمتع بالحق في السكن اللائق في جميع أنحاء العالم. فوفقًا لتقرير سابق للبنك الدولي، قد يجبر التغير المناخي 216 مليون شخص في ست من مناطق العالم على الارتحال داخل حدود بلدانهم بحلول عام 2050. حيث يؤدي إلى كوارث طبيعية متكررة مثل الفيضانات، والأعاصير، وحرائق الغابات، التي تتسبب في تدمير المنازل وتشريد السكان، وبخاصة بالمدن الساحلية، مما يفاقم الضغط على المناطق المستقبلة لهم ويزيد من تفاقم أزمة الإسكان. كما أن التغير المناخي –الذي بات يهدد الجميع- يجعل من الضروري تطوير حلول إسكان مستدامة وقادرة على مقاومة الكوارث الطبيعية، إلا أن هذه الحلول تتطلب تمويلًا كبيرًا وتكنولوجيا متقدمة، مما يجعل تنفيذها أمرًا صعبًا في كثير من البلدان النامية، وخاصة في قارة إفريقيا صاحبة النصيب الأكبر من حجم الضرر والهجرة المتوقعة على خلفية تأثيرات التغير المناخي، تليها قارة آسيا.

وبخلاف احتمالية معاناة أفريقيا وآسيا من النصيب الأكبر لأثر التغير المناخي، تعج القارتان بالصراعات المسلحة المستمرة. ولعل منطقة الشرق الأوسط هي الأكثر اشتعالًا خلال الآونة الأخيرة، وتؤثر الصراعات على البنية التحتية السكنية في المناطق المتضررة، حيث تُدمّر المساكن وتفقد أعداد هائلة من السكان منازلهم. وتواجه هذه المجتمعات تحديًا كبيرًا في إعادة الإعمار بعد انتهاء النزاعات، إذ تكون الموارد شحيحة، والدعم الحكومي موجهًا نحو استعادة البنية التحتية الأساسية، مما يجعل حل أزمة الإسكان مهمة شاقة وطويلة الأمد.

وغالبًا ما تؤدي الصراعات المسلحة المستمرة في عدة مناطق حول العالم إلى موجات نزوح جماعية واسعة، سواء داخل الدول أو إلى دول أخرى. فوفقًا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بلغ عدد النازحين قسرًا في جميع أنحاء العالم حوالي 122.6 مليون نسمة حتى منتصف عام 2024. فيما بلغ عدد النازحين داخليًا قرابة 68.3 مليون نازح حتى نهاية عام 2023. وينتج عن عملية النزوح هذه ضغط كبير على الموارد السكنية والبنية التحتية، والمعروض من المساكن في المناطق المستقبلة للنازحين واللاجئين بالدولة المضيفة التي غالبًا ما تكون غير مجهزة لاستقبال أعداد كبيرة من اللاجئين، مما ينعكس سلبًا على السكان الأصليين ويزيد من التوترات الاجتماعية.

وقد تؤدي عملية النزوح إلى نشوء مخيمات مؤقتة تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة الكريمة، وتهدد بخلق بيئات غير صحية تزيد من تفشي الأمراض والمشاكل الاجتماعية، والأزمات الإنسانية. بخاصة أن البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط تستضيف 71% من اللاجئين وغيرهم من الأشخاص المحتاجين إلى الحماية الدولية في العالم. وتوفر البلدان الأقل نموًا اللجوء لـ 22% من إجمالي اللاجئين.

هذا كله بخلاف معدلات الزيادة السكانية العالمية والتي بدأت تتجه للزيادة منذ عام 2022، ارتفع عدد سكان العالم بأكثر من ثلاثة أضعاف مقارنة بما كان عليه في منتصف القرن العشرين، إذ بلغ نحو 8 مليارات نسمة في منتصف نوفمبر 2022 بعد ما كان يقدر بنحو 2.5 مليار شخص في عام 1950، وازداد بمليار فرد منذ عام 2010 وبمليارين منذ عام 1998. ومن المتوقع أن يواصل على هذا المنوال ليرتفع بنحو ملياري فرد خلال السنوات الثلاثين المقبلة، ليصل إلى 9.7 مليارات شخص بحلول عام 2050. والعامل في هذا النمو الكبير هو زيادة عدد الأفراد الذين يبلغون سن الإنجاب، والارتفاع التدريجي في عمر الإنسان، وزيادة التحضر وتسارع الهجرة. ومن المتوقع أن تشهد أفريقيا أكبر معدل للنمو السكاني، حيث من المتوقع أن يتضاعف عدد سكان القارة تقريبًا خلال السنوات الـ 30 القادمة. وتتطلب الزيادة السكانية المطردة زيادة مكافئة بمشروعات الإسكان لمجابهة الطلب المتزايد والطبيعي على الإسكان.

ولعل تزامن وتشابك التحديات الحالية يجعل من حل أزمة الإسكان أمر أكثر تعقيدًا وتحديًا خاصة بالدول النامية ومحدودة الدخل. لذا الحلول التقليدية لأزمة الإسكان قد لا تكون كافية، وتحتاج إلى تجديد وتبني استراتيجيات جديدة قادرة على الاستجابة للضغوط المتزايدة، معتمدة على الحلول المتوازية وتضافر عدة جهود في آن واحد، أبرزها: تعزيز الإسكان الميسر للفئات ذات الدخل المحدود، مع تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في هذا النوع من الإسكان، وتبني أنماط بناء جديدة ومرنة قادرة على تحمل التغيرات المناخية والكوارث الطبيعية، وتبني سياسات لحماية السكان الأكثر عرضة لفقدان السكن خلال الأزمات وتقديم دعم مالي للأسر المتضررة. ومع تزايد الضغط على الموارد السكنية وارتفاع التكاليف، وتزايد النمو السكاني العالمي؛ لا بد من توسيع نطاق الشراكات الدولية مثل الأمم المتحدة والبنك الدولي؛ لتقديم دعم مالي وتقني للدول التي تعاني من أزمات متراكمة. كذلك التخطيط الحضري المرن لتطوير وبناء مدن وبنية تحتية قادرة على التكيف مع الأزمات المتعددة، وحماية حقوق المواطنين في سكن كريم.

تعاون دولي

أدرك المجتمع الدولي أهمية السكن الملائم والبيئة المعيشية الآمنة كواحد من أهم حقوق الإنسان الأساسية، كما نصت عليه العديد من المواثيق والاتفاقيات الدولية. فهو لا يُمثل مجرد مأوى للأفراد، بل يتعدى ذلك ليشكل أساسًا لتحقيق الحياة الكريمة، وحماية الكرامة الإنسانية، وتعزيز الاستقرار المجتمعي. وقد تم التأكيد على حق الإنسان في مستوى معيشي لائق في العديد من المواثيق الدولية، منها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948)، الذي ينص في المادة 25 على أن ” لكلِّ شخص حقٌّ في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته، وخاصَّةً على صعيد المأكل والملبس والمسكن…”. وكذلك أكد العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (1966) على هذا الحق في المادة 11، مشددًا على ضرورة ضمان السكن والغذاء والكساء اللائق لجميع الأفراد.

ويأتي السكن الملائم كذلك كأحد الأهداف الأساسية في إطار خطة التنمية المستدامة 2030، وتحديدًا في الهدف الحادي عشر الذي يركز على بناء مدن ومجتمعات محلية مستدامة شاملة وآمنة ومرنة ومستدامة، تتيح سكنًا ميسور التكلفة وآمنًا للجميع، حيث يتطلب السكن الملائم أيضًا توافر وسائل الراحة والتجهيزات والخدمات الأساسية لضمان حياة صحية وكريمة.

فتوفير سكن ملائم يسهم في تحسين صحة الأفراد، حيث يحد من تعرضهم للأمراض التي تنتج عن العيش في أماكن غير صحية أو مكتظة. كما يسهم في تحقيق التعليم الجيد، حيث يوفر للأطفال والنشء بيئة مستقرة وملائمة للدراسة، ويعزز من قدرتهم على التركيز والتعلم، مما يسهم في كسر دائرة الفقر والجوع وتحقيق التنمية الشاملة. وهو ما يؤثر بدوره في تحقيق العدالة الاجتماعية، حيث يساعد على تقليص الفجوة المعيشية بين الأفراد، وهو ما يعزز من تماسك النسيج المجتمعي ويحد من الظواهر الاجتماعية السلبية كارتفاع معدلات الجريمة والتسول.

ومع تزايد التحديات العالمية، فإن تحقيق الحق في السكن الملائم، كأحد الركائز الأساسية لحقوق الإنسان وأحد عناصر التنمية المستدامة، يحتاج من الدول والمجتمعات إلى حلول شاملة لتحقيق تقدم ملموس في معالجة أزمة الإسكان، وتوفير مأوى آمن وكريم لجميع مواطنيها، بغض النظر عن التحديات المتصاعدة، معتمدة على تعزيز التعاون الدولي، وتبني استراتيجيات متكاملة تجمع بين الاستدامة البيئية، والعدالة الاجتماعية، والتنمية الاقتصادية؛ لتطوير حلول شاملة ومستدامة توفر السكن الملائم لكل فرد، وتحقق أهداف التنمية المستدامة بما يسهم في بناء مستقبل أفضل للجميع. واليوم، يعيش حوالي 50% من سكان العالم في المدن، ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة إلى 70% بحلول عام 2050. فالانتقال إلى المراكز الحضرية له تأثير كبير على المجتمعات والمدن والاقتصادات وتغير المناخ والسياسات.

وفي هذا الصدد، تأسس المنتدى الحضري العالمي في عام 2001 من قبل الأمم المتحدة لدراسة واحدة من أكثر القضايا إلحاحًا التي يواجهها العالم اليوم: التحضر السريع وتأثيره على المجتمعات والمدن والاقتصادات وتغير المناخ والسياسات. وقد انعقد المنتدى الحضري العالمي الأول في نيروبي بكينيا في عام 2002 ويعقد المنتدى كل عامين، ويقام في جميع أنحاء العالم منذ ذلك الحين. فتمت استضافته في 5 قارات وجذب أكثر من 100 ألف مشارك، فهو يعد ثاني أكبر حدث تنظمه الأمم المتحدة بعد مؤتمر الدول الأطراف COP.

ويهدف المنتدى الحضري العالمي إلى تحقيق الأهداف التالية:

  • رفع مستوى الوعي بشأن التوسع الحضري المستدام بين أصحاب المصلحة والجهات المعنية، بما في ذلك الرأي العام.
  • تحسين المعرفة الجماعية بشأن التنمية الحضرية المستدامة من خلال النقاش المفتوح والشامل، وتبادل أفضل الممارسات والسياسات، وتقاسم الدروس المستفادة.
  • تعزيز التعاون والتنسيق بين مختلف أصحاب المصلحة والجهات المعنية المنخرطة في تطوير وتنفيذ التوسع الحضري المستدام.

وساعد المنتدى منذ تأسيسه على جمع المعلومات عن الحالات والاتجاهات، وبناء الشراكات والتحالفات من أجل دعم عمله، وإيجاد حلول لأزمة الإسكان العالمية، والأزمات الكبرى مثل تغير المناخ والصراعات والفقر.

ويقام المنتدى الحضري العالمي (WUF12)، هذا العام، في نسخته الثانية عشر بالقاهرة خلال الفترة من 4 إلى 8 نوفمبر 2024، ليعود المؤتمر العالمي الأول حول التحضر المستدام، إلى أفريقيا بعد غياب أكثر من 20 عامًا منذ إنشائه في نيروبي، كينيا، عام 2002. ومن المقرر أن تستضيف القاهرة آلاف المشاركين من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك المسؤولون الحكوميون ومخططو المدن وقادة المجتمع وممثلو الأعمال ومنظمات المجتمع المدني. وقد سجل لحضور المنتدى لهذا العام قرابة 35 ألف شخص من 182 دولة حول العالم. ومن المتوقع مشاركة أكثر من 20 ألف مشارك.

سيركز المنتدى الحضري العالمي الثاني عشر على توطين أهداف التنمية المستدامة، من خلال ترجمة الأهداف العالمية إلى تحسينات ملموسة في حياة الناس، وإلقاء الضوء على الإجراءات والمبادرات المحلية المطلوبة للحد من التحديات العالمية الحالية التي تؤثر على الحياة اليومية للناس، بما في ذلك الإسكان غير الميسور التكلفة، وارتفاع تكاليف المعيشة، وتغير المناخ، ونقص الخدمات الأساسية، والصراعات المستمرة. مع التركيز على الإجراءات المحلية لمعالجة أزمة الإسكان العالمية، والتي تتفاقم بسبب تغير المناخ وتزايد عدم المساواة.

ويتضمن المنتدى 4 محاور أساسية للنقاش، هي:

  • كل شيء يبدأ محليا: نحن بحاجة إلى الاعتراف بدور الحكومات المحلية والإقليمية والمدن في تحقيق التنمية المستدامة. ندعو إلى نهج يشمل المجتمع بأسره والحكومة بأسرها.
  • كل شيء يبدأ معًا: الإجراءات المحلية تمكن أصحاب المصلحة المحليين، وتشجيع مشاركة المواطنين، وجعل التنمية المستدامة أكثر استجابة للاحتياجات المحلية
  • كل شيء يبدأ الآن: سيعقد المنتدى الحضري العالمي الثاني عشر في الوقت الذي تتزايد فيه الدعوات إلى التصدي بشكل جماعي للتحديات العالمية مثل ارتفاع معدلات الفقر وعدم المساواة وتغير المناخ والصراع المسلح والفجوة الرقمية. سيعقد المنتدى بعد وقت قصير من قمة الأمم المتحدة للمستقبل في سبتمبر 2024، أي قبل خمس سنوات تقريبًا من الموعد النهائي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، مما يسلط الضوء على الدور التحويلي للمدن والمجتمعات المستدامة في إطار أجندة الاستدامة العالمية 2030.
  • كل شيء يبدأ في المنزل: إن مفهوم “المنزل” يتجاوز الهياكل المادية التي تؤوينا؛ فهو يشمل الأبعاد الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية التي تحدد مجتمعاتنا. وهو أيضًا دعوة للاستفادة من قيم المنزل والابتكارات والحلول والإلهام وبدء التغيير من المنزل: محليًا، معًا، والآن.

ويتم تناول بؤر التركيز الأساسية من خلال جلسات حوارية رفيعة المستوى عدة، تؤثر على السياسات والأنشطة والبرامج الوطنية والدولية والعالمية، لعل أهمها:

  • إسكان مستقبلنا: ما الذي يجب أن يتغير لحل مشكلة عدم كفاية السكن لمليارات الأشخاص في مدننا ومجتمعاتنا؟
  • المدن وأزمة المناخ: كيف يمكن للتوطين أن يدفع العمل المناخي الفعال نحو تأمين مدن ومجتمعات مستدامة وآمنة ومرنة وعادلة بيئيا للجميع؟
  • أقوى معًا: ما هي الشراكات اللازمة لجعل الأجندات العالمية تعمل لصالح الواقع المحلي وضمان أن تشكل الحلول المحلية الأجندات العالمية؟
  • تمويل التوطين وتوطين التمويل: كيف يمكننا توفير التمويل اللازم للإجراءات المحلية لتسريع تحقيق الأهداف العالمية؟
  • وضع الناس في المقام الأول في العصر الرقمي: كيف يمكن للتكنولوجيا أن تعمل على تعزيز جودة الحياة في المدن والمجتمعات مع ضمان مستقبل رقمي مفتوح، حر، آمن، يمكن الوصول إليه، ومركّز على الإنسان؟
  • فقدان الوطن: في مواجهة الدمار والنزوح واليأس، كيف يمكننا ضمان منازل آمنة للجميع من خلال العمل المحلي؟

ويضم المنتدى أيضًا عدة فعاليات يديرها ويقودها الشركاء بالمنتدى، فقد شهد المنتدى على مدى تاريخه الممتد أكثر من 400 فعالية يقودها الشركاء. وتتنوع الفعاليات بين 7 فعاليات أساسية إلى جانب المعرض، وهي: فعاليات “التواصل”، فعاليات “أصوات المدن”، فعاليات “المكتبة الحضرية”، فعاليات “سينما المدن”، فعاليات “تنفيذ أهداف التنمية المستدامة”، فعاليات “One UN” ومقصورة على وكالات الأمم المتحدة، فعاليات “التدريب”، هذا بخلاف “معرض المدن” وهو معرض عالمي للحلول والممارسات والأنشطة.

ولعل الحدث الأهم في المنتدى هو عرض التجربة المصرية، والإشارة إلى نتائج ملموسة حول سبل جعل المدن أكثر استدامة من خلال، على سبيل المثال، تطوير المساحات الخضراء والحدائق والغابات الحضرية، والتي تساعد على التخفيف من تأثير الجزر الحرارية، وتحسين جودة الهواء، وتعزيز التنوع البيولوجي.

من خلال مبادرة إعادة إحياء حي الأسمرات، والتي تم تنفيذها بالتعاون مع محافظ القاهرة، كجزء من خطة لتحويل المدينة إلى معرض حي للعمران المستدام. وحي الأسمرات، موطن أكثر من 15 ألف أسرة تم نقلها من مناطق غير آمنة. ويركز المشروع على الفئات المهمشة -وخاصة النساء والأطفال وكبار السن- لضمان مساحة تعزز النمو المجتمعي والاقتصادي.

ومن المتوقع ان تكون التجربة الناجحة في “الأسمرات” بوابة لشراكات وتحالفات جديدة للنهوض بالتنمية الحضرية المستدامة، وتعزيز كل من الخطة الحضرية الجديدة للوكالة الأممية وخطة التنمية المستدامة لعام 2030، لتحقيق مستقبل أفضل ومستدام للجميع.

التجربة المصرية

عودة المنتدى إلى القارة الأفريقية بعد عقدين من الزمن يأتي في وقت يتوقع فيه أن تصبح مدن القارة، مثل القاهرة ولواندا ودار السلام وكينشاسا ولاغوس وجوهانسبرغ الكبرى، من أكبر المراكز الحضرية في العالم، حيث تضم أكثر من 10 ملايين شخص بحلول عام 2035. ومع التحضر السريع الذي يقدم الفرص والتحديات، سيجمع المنتدى الحضري العالمي الثاني عشر الأصوات من جميع أنحاء أفريقيا وخارجها لتشكيل مستقبل التنمية الحضرية المستدامة. خاصة أن أزمة الإسكان العالمية هي قضية شاملة تؤثر على العديد من الجوانب الاجتماعية والاقتصادية. فالنقص في الوحدات السكنية، وارتفاع أسعار العقارات، وتدهور البنية التحتية، كلها عوامل تجعل من الوصول إلى السكن المناسب تحديًا كبيرًا للأفراد والأسر في أنحاء العالم. وتشمل هذه الأزمة عدة عوامل، منها النمو السكاني، والهجرة من الريف إلى المدن، والأزمات الاقتصادية والنزاعات المسلحة بدول الجوار والتي أسفرت عن هجرة ولجوء الملايين إلى الأراضي المصرية، في الوقت الذي تحاول فيه الدولة المصرية من عثرتها وتخطي أزمة الإسكان التي عانت منها لعقود، الأمر الذي يزيد من تعقيد مشهد توفير سكن لائق وميسر للجميع.

فقد عانت الدولة المصرية لعقود من فجوة نوعية وعددية بالوحدات السكنية، فهناك احتياج سنوي يقدر بحوالي 400 ألف وحدة سكنية، إلى جانب عجز متراكم لسنوات يبلغ حوالي مليوني وحدة سكنية، فما تم تنفيذه خلال 38 عامًا (1976-2013) يعادل ما تم تنفيذه في 7 سنوات (منذ 2015 حتى 2022). فخلال الفترة (1976 – 2005) والتي تعادل 30 سنة تم تنفيذ 1.2 مليون وحدة سكنية، بمتوسط 42 ألف وحدة سكنية سنويًا، فيما زادت معدلات البناء قليلًا في الـ 8 أعوام التالية (2005-2013)، ليصبح إجمالي المنفذ 383 ألف وحدة بمتوسط 48 ألف وحدة سنويًا.

على الجانب الأخر، عانت سوق العقارات المصرية لعقود من غياب الدولة والذي ترك المواطن فريسة لغلاء الأسعار، فكان إجمالي عدد الوحدات المنفذة عام 2006/2007 من قبل القطاع العام 16567 وحدة سكنية، في حين كان المنفذ من قبل القطاع الخاص يقدر بإجمالي 142482 وحدة سكنية، والتي لا تناسب أسعارها كافة المواطنين. وعدم وجود البديل الحكومي الأقل سعرًا والأيسر ماليًا على المواطن خاصة لمحدودي الدخل، لعقود وفي ظل غياب الرقابة الإدارية من قبل المحليات، وضعنا أمام حلول عشوائية من قبل المواطنين. وتمثلت الحلول العشوائية في عدة طرق، أبرزها:

  • التعدي على الأراضي الزراعية: فخلال الفترة من 25 يناير 2011 حتى يوليو 2019 فقط حدث مليونا حالة تعدي على الأراضي الزراعية أفقدتنا حوالي 70 ألف فدان. وهو ما خلق بؤرًا عشوائية تفتقر إلى المرافق والخدمات.
  • البناء في مناطق غير مخططة: ونشأ عنها ما يسمى بالعشوائيات، وتنتشر المناطق غير المخططة على مساحة 152 ألف فدان، بـ 135 منطقة، وتحتاج إلى 318 مليار جنيه، ونشأ عن هذه التجمعات العشوائية 1105 أسواق عشوائية يحتاج تنظيمها إلى 44 مليار جنيه. ويقطن بهذه المناطق 1.1 مليون أسرة، تم تطوير 56 منطقة منها (تمثل 460 ألف أسرة)، وجارٍ تطوير 79 منطقة أخرى (تمثل 690 ألف أسرة).
  • خلق مناطق غير آمنة: وهي ناتجة عن البناء العشوائي في مناطق لا تتسم تربتها بالصلاحية الكافية للبناء، أو البناء بطرق تقليدية لا تتناسب مع نوع التربة، أو من خلال زيادة ارتفاعات مباني قائمة بالفعل،. وتنتشر المناطق غير الآمنة بـ 357 منطقة بـ 25 محافظة، يقطن بهذه الوحدات 246 ألف أسرة تمثل حوالي 1.2 مليون نسمة. وكانت التكلفة الفعلية المقدرة لعلاجها 63 مليار جنيه. وتحصد محافظة القاهرة نصيب الأسد في عدد المناطق غير الآمنة والتي ينتشر بها 54 منطقة غير آمنة، فتحتاج 70 ألف وحدة لسكن بديل.

هذه الطريقة في الحل من قبل المواطنين كان لها بالغ الأثر السلبي على مدى توصيل المرافق للمباني السكنية، فنجد أن حوالي 60% من المباني السكنية غير متصلة بالصرف الصحي حتى عام 2017، بجانب أن 10% من المباني غير متصلة بمرفق المياه، و13% فقط من المنازل تتمتع بمرفق الغاز الطبيعي. وقد أثر بناء أدوار مخالفة على حالة المباني، فأصبح حوالي 25% من المباني تحتاج إلى ترميم، و1% منها تحتاج إلى الهدم. هذا بخلاف ارتفاع المخزون الحراري للكتلة العمرانية وزيادة معدلات التلوث نتيجة التزايد السكاني بالمنطقة.

وفي هذا الصدد، وضعت الحكومة أهدافًا محددة للارتقاء بحياة المصريين بكافة المناطق الجغرافية، وفق معايير ومقاييس دولية صارمة في رؤية 2030. وانقسمت استراتيجية الدولة في حل أزمة الإسكان إلى محورين رئيسين: الأول تطوير العمران القائم بما يشمله من عملية تطوير للعشوائيات وعواصم المحافظات، وكذلك تطوير الريف المصري من خلال مشروع “حياة كريمة”، والثاني إقامة مدن جديدة تستوعب الطلب المتجدد على المسكن وخلخلة التكدس السكاني، وبذلك تغطي التنمية كافة ربوع الدولة تحقيقًا لأهداف التنمية المستدامة بالحد من أوجه عدم المساواة، وبناء مدن ومجتمعات سكنية مستدامة لتوفير سكن ومستوى معيشي لائق للمواطنين.

وفي هذا الصدد، تم إنشاء 24 مدينة جديدة من مدن الجيل الرابع تستوعب 32 مليون نسمة بتكلفة استثمارية تقدر بحوالي 1.3 تريليون جنيه حتى عام 2023. وهو ما أسهم في زيادة نسبة المعمور المصري من 7% عام 2014 إلى 13.7% عام 2023 بنسبة تحضر 48.5% إلى جانب ما سوف تسفر عنه تطويرات مشروع “حياة كريمة” بما يزيد عن 4500 قرية مصرية.

ولضمان تقليل وسد الفجوة الإسكانية تم تنفيذ ما يقرب من 1.5 مليون وحدة سكنية خلال الفترة (2014-2023) بمتوسط 167 ألف وحدة سكنية في السنة. مع ضمان تحقيق عدالة التوزيع المكاني والنوعي للإسكان، ببناء ما يقرب من 26% من مشروعات الإسكان خارج المدن الجديدة، وتخصيص 81% من مشروعات الإسكان لمحدودي الدخل (الإسكان الاجتماعي – بديل العشوائيات).

أسهمت هذه المشروعات في حلحلة أزمة الإسكان المزمنة، وبمرور الزمن اكتسبت هذه المشروعات ثقة المواطنين، فقد ارتفع حجم الإقبال على مشروعات الإسكان الاجتماعي من 19 ألف طلب عام 2014 إلى 295 ألف طلب عام 2023، ليصل إجمالي المتقدمين خلال الفترة (2014-2023) إلى حوالي 1.6 مليون مواطن، تم وجارٍ تخصيص ما يقرب 860 ألف وحدة بتكلفة 300 مليار جنيه يضاف إليها دعم من الدولة ما يقرب من 35% من تكاليف الإنشاءات، 63% منهم من فئة الشباب (20-40 سنة)، و70% من العاملين بالقطاع الخاص والأعمال الحرة.

هذا إلى جانب القضاء على المناطق غير الآمنة وتوفير وحدات سكنية بديلة كاملة التأثيث، فتم إنشاء ما يقرب من 300 ألف وحدة سكن بديل، بتكلفة تقديرية 85 مليار جنيه كتكاليف الإنشاءات للسكن البديل لعدد 138 منطقة بخلاف تطوير 219 منطقة.  

فعلى مدى السنوات الأخيرة، قامت التجربة المصرية على تدشين عدة مشروعات قومية في مجال الإسكان والتنمية الحضرية، تهدف إلى حل أزمات تراكمت على مدى عقود، وتحسين وتطوير البنية التحتية العمرانية وتوفير سكن لائق ومستدام للمصريين، استطاعت من خلالها تقديم حل جزئي لأزمة الإسكان بمصر. إلا أن الدولة المصرية لا يزال أمامها الكثير لتقديمه لتعزيز التحضر بالمدن المصرية وتحسين جودة حياة المواطنين، وتقديم السكن اللائق لمواطنيها ولغير المواطنين باعتبارها دولة مضيفة لملايين النازحين إثر الصراعات المسلحة التي تشعل دول الجوار.

أخيرًا، جودة ووفرة الإسكان تعد من أهم المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية لأي دولة باعتباره ركيزة أساسية لتحقيق الأمن والاستقرار الاجتماعي، ويعزز بناء مستقبل أفضل للمواطنين وتعزيز التنمية الشاملة في البلاد. بيد أن التحديات التي تموج بأزمة الإسكان حول العالم أصبحت متعددة الأبعاد ومعقدة. فالصراعات المسلحة، والنزوح الجماعي، والتغير المناخي، والأزمات الاقتصادية تؤدي إلى تعقيد أزمة الإسكان العالمية وتجعل حلها أمرًا صعبًا. وبالرغم من ذلك، فإن السعي لتطوير حلول مستدامة ومرنة يعد ضرورة ملحة لمواجهة التحديات الحالية والمستقبلية. ويمكن للتعاون الدولي، وتبني التكنولوجيا الحديثة، وتطوير سياسات شاملة لتذليل العقبات أمام مشروعات الإسكان، واستخدام الأراضي، والتخطيط الحضري، والحوكمة، أن يخطو نحو تحقيق أهداف التنمية الحضرية المستدامة، وتوفير سكن ملائم وآمن للجميع.

هبة زين

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى