الاقتصاد الدولي

مؤشر الابتكار العالمي 2022 وترتيب اقتصادات العالم في ظل أزمات استثنائية

أصبح الجميع يتفق الآن، على أن الاقتصادات القائمة على العلم والمعرفة هي الأقوى والقادرة على الصمود والتقدم، لكونها ترتكز بشكل أساسي على رأس المال البشري والاستثمار في الابتكار والإبداع وخلق أدوات جديدة ربما تحقق مكاسب أكثر، وتخلق فرص عمل أوسع وتحقق الاستدامة في شتى المجالات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية. 

وربما لذات السبب أصبحت هناك عدة اتجاهات للاقتصاد مثال: اقتصاد المعرفة – وهو الاقتصاد القائم على مدى توافر المعلومات وتوظيفها لإنتاج معرفة قائمة على الابتكار، ويكون أساسها العنصر البشري في المقام الأول. وظهر الاقتصاد الرقمي – الذي يعبر عن جميع العمليات والمعاملات والتفاعلات والأنشطة الاقتصادية التي تستند إلى التقنيات والأدوات الرقمية، والتحول إلى استخدام تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، والتوظيف الأكثر كفاءة وكثافة للبيانات في مختلف الأنشطة الاقتصادية، ومن ثم تعزيز الترابط بين الأشخاص والآلات من خلال إنترنت الأشياء، ليأتي معتمد على ما سبق الذكاء الاصطناعي – الذي يعتقد البعض أنه ربما يتفوق على الإنسان نظرًا لسرعته الفائقة في جمع وتحليل واستخدام البيانات لإنتاج المعرفة، واقتحامه لمجالات لم يكن الإنسان لينجح بها مثل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات – علوم الفضاء – الطب- التصنيع الدقيق – تكنولوجيا الأدوية والعقاقير الطبية – وغيرها الكثير، ليتحول العالم بعدها إلى ما هو أبعد من استخدام التكنولوجيا المادية فقط إلى استخدام الإبداع والابتكار في إنتاج السلع والخدمات الإبداعية أيضًا فيما يعرف بـ”الاقتصاد الإبداعي”.

مؤشر الابتكار العالمي

يصدر مؤشر “الابتكار العالمي” عن “المنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO)” بالتعاون مع جامعة “كورنيل” و”المعهد الأوروبي لإدارة الأعمال” (الإنسياد)، وأصبح منذ إطلاقه أول مرة عام 2007، إحدى ركائز وضع السياسات الاقتصادية في الدول، مع قيام عدد متزايد من الحكومات بتحليل نتائجها السنوية في مؤشر الابتكار العالمي وتصميم استجابات لتحسين أدائها، ويقدم المؤشر الذي ينشر سنويًا، مقاييس للأداء ويصنف 132 اقتصادًا بناءً على منظومة الابتكار فيها. ويستند المؤشر إلى مجموعة بيانات متكاملة من مصادر دولية عامة وخاصة، ويتجاوز المقاييس التقليدية للابتكار لما هو أوسع فيشمل على سبيل المثال عوامل مثل البحث والتطوير (R&D)، والاستثمار، وحماية الملكية الفكرية، ورأس المال البشري، والتكنولوجيا، والمخرجات الإبداعية.  بالإضافة إلى قياسات لتقدير البيئة السياسية والتعليم والبنية التحتية وآليات استحداث المعرفة في كل اقتصاد.

وقد أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة “مؤشر الابتكار العالمي” بوصفه معيارًا مرجعيًا موثوقًا به لقياس الابتكار في قراراتها لعامي 2019 و2021، بشأن تسخير العلوم والتكنولوجيا والابتكار لأغراض التنمية المستدامة.

وتساعد المقاييس التي يوفرها المؤشر على رصد وتقييم تطورات الاقتصادات ضمن المناطق وفئات الدخل المختلفة من خلال 7 محاور رئيسة هي: (رأس المال البشري، تطور الأعمال، تطور الأسواق، البنية التحتية، المخرجات الإبداعية، المخرجات المعرفية والتكنولوجية) ويندرج تحتها 81 مؤشرًا فرعيًا. 

مستقبل النمو القائم على الابتكار

يتتبع مؤشر الابتكار العالمي 2022 اتجاهات الابتكار العالمية على خلفية جائحة كوفيد-19 المستمرة، والتي أدت إلى تباطؤ نمو الإنتاجية والتحديات الجارية الأخرى من حروب، واضطرابات في سلاسل الإمدادات العالمية والطاقة، وأزمات استثنائية يمر بها العالم.  ويرصد المؤشر أكثر الاقتصادات ابتكارًا ويصنف أداء الابتكار لما عدده 132 اقتصادًا، ويسلط الضوء على نقاط القوة ومواطن الضعف لتلك الاقتصادات في مجال الابتكار، مشيرًا إلى وجود فجوات في مقاييس الابتكار لديها.

ويركز تقرير عام 2022 من مؤشر الابتكار العالمي، على تأثير الابتكار على الإنتاجية ورفاهية المجتمعات خلال العقود القادمة، فيقدم موقفًا حول ما إذا سيستمر الركود وانخفاض الإنتاجية، أم أننا على وشك دخول عصر جديد ستؤدي فيه الطفرات الابتكارية إلى ارتقاء اقتصادي.

ويوضح مؤشر الابتكار العالمي لعام 2022 تحت عنوان “ما هو مستقبل النمو القائم على الابتكار؟“، أنه لطالما كان الابتكار محركًا رئيسًا للنمو الاقتصادي، مما يساعدنا على تحسين الإنتاجية. ومع ذلك، منذ السبعينيات، لم تصل التطورات التكنولوجية إلى نمو الإنتاجية المستدام الذي شوهد في الثورات الصناعية السابقة، ويتوقع المتفائلون من الناحية التقنية موجتين رئيستين للابتكار يمكن أن تحفزا النمو الاقتصادي: 

  • الأولى، موجة ابتكار قادمة في العصر الرقمي مبنية على الحوسبة الفائقة والذكاء الاصطناعي والأتمتة التي على وشك إحداث تأثيرات إنتاجية كبيرة في جميع القطاعات، بما في ذلك الخدمات والمساعدة في تحقيق اختراقات علمية في العلوم الأساسية في جميع المجالات.
  • الثانية، موجة ابتكار عميقة مبنية على اختراقات في التقنيات الحيوية، وتقنيات النانو، والمواد الجديدة وغيرها من العلوم التي تحدث ثورة في الابتكارات في أربعة مجالات ذات أهمية رئيسة للمجتمع، وهي: الصحة، والغذاء، والبيئة، والتنقل.

تطور الابتكار العالمي 2022

يشير تطور مؤشر الابتكار لهذا العام إلى أن الاستثمارات في العلوم والابتكار أبدت صمودًا كبيرًا على الرغم من الانكماش الاقتصادي، وأن درجة اعتماد التكنولوجيا سجّلت معدلات نمو إيجابية في مختلف المجالات، غير أن الأثر الاجتماعي والاقتصادي للابتكار يشهد أدنى مستوياته عبر التاريخ، مما يُظهر استمرار الضرر الكبير الناجم عن جائحة كورونا وما أعقبها من أزمات عالمية. فتضمن مؤشر تطور الابتكار هذا العام على 4 محاور رئيسة هي: 

  • الاستثمارات في العلوم والابتكار.
  • التقدم التكنولوجي.
  • اعتماد التكنولوجيا.
  • التأثير الاجتماعي والاقتصادي.

ويمكن القول إن هذا العام شهد تطورًا واضحًا في حجم الاستثمار في البحث العلمي بلغ 3.3%، وزاد عدد الأبحاث العلمية المنشورة بمعدل 8.3%، فتم نشر ما يزيد عن 2 مليون ورقة بحثية في المجالات المختلفة، كذلك هناك تقدم تكنولوجي ملحوظ في مجالات الطاقة المتجددة والبطاريات والرقائق الدقيقة والنانو تكنولوجي، بالإضافة إلى زيادة الاعتماد على التقنيات الحديثة وانتشارها بين الأشخاص بمعدل 16.7%، مع زيادة فرص العمل وخلق فرص جديدة وزيادة في الإنتاجية. 

قراءة في تصنيفات مؤشر الابتكار العالمي 2022

يوضح التقرير ازدهار الاستثمارات في الابتكار عندما بلغت جائحة كوفيد-19 ذروتها وشهدت طفرة كبيرة في عام 2021، لكن استمرار صمودها غير مضمون في عام 2022، نظرًا لأن العالم يواجه تحديات جديدة وربما أصعب. 

سنجد في تصنيفات الاقتصادات لعام 2022 تغييرات طفيفة في ترتيب بعض الدول في المراكز الأولى، وربما نجد فارقًا ملحوظًا للبعض الأخر، ولكن اللافت للانتباه حقًا هو استمرار سويسرا في صدارة القائمة لمدة اثني عشر عام على التوالي، تليها كل من الولايات المتحدة الأمريكية – السويد – المملكة المتحدة – هولندا. وصعدت الصين إلى المرتبة الحادية عشرة متجاوزة فرنسا، وفي الوقت الحالي، لا يزال الاقتصاد التركي هو الاقتصاد الوحيد ذو الدخل المتوسط ضمن البلدان الـ 30 الأولى في مؤشر الابتكار العالمي.

وجاءت ضمن الاقتصادات الأولى في إقليم شمال أفريقيا وغرب آسيا، إسرائيل في المرتبة 16، وتلتها الإمارات العربية المتحدة في المرتبة 31.  وبحسب مؤشر الابتكار العالمي 2022، أبدى 26 من البلدان النامية أداءً فوق المتوقع في الابتكار مقارنة بمعدلات التنمية فأطلق عليها “المتفوقين في الابتكار”، ثمانية منها من أفريقيا جنوب الصحراء، مع وجود كينيا ورواندا وموزمبيق في الطليعة، بالإضافة إلى البلدان الوافدة الجديدة وهي إندونيسيا وأوزبكستان وباكستان.

شكل (1): يوضح أقوى ثلاثة اقتصادات في الابتكار حسب كل المنطقة

شكل (2): صورة من تصنيف اقتصادات العالم وفقا لمؤشر الابتكار العالمي 2022     

الدول العربية في مؤشر الابتكار العالمي 2022

أحرزت الدول العربية تقدمًا ملحوظا في مؤشر الابتكار لعام 2022، حيث جاءت الإمارات في المرتبة 31 عالميًا والمرتبة الأولى عربيًا، بتقدم مركزين عن العام الماضي، بينما تقدمت السعودية 15 مركزًا لتحتل المرتبة 51 عالميًا، والمرتبة الثانية عربيًا. وجاءت قطر في المرتبة 52 عالميًا بتقدم 16 مركزًا، والكويت في المرتبة 62 بتقدم 10 مراكز عن العام الماضي، واحتلت مصر المرتبة 89 عالميًا متقدمة 5 مراكز فقط عن العام الماضي. 

جدول (1): يوضح ترتيب الدول العربية في مؤشر الابتكار 2022

الترتيبالدولةالترتيب عالميًاالتقدم في الترتيب
1الإمارات31+2
2السعودية51+15
3قطر52+16
4الكويت63+10
5المغرب67+10
6البحرين72+6
7تونس73-2
8الأردن78+3
9عمان79-3
10مصر89+5
11الجزائر115+5
12اليمن128+3

مصر ومؤشر الابتكار العالمي

احتلت مصر المركز 89 عالميًا في مؤشر الابتكار العالمي لعام 2022 متقدمة 5 مراكز عن العام الماضي، ولكنها جاءت في المركز العاشر عربيًا، ليتقدمها في ذلك بفارق كبير كل من الإمارات والسعودية وقطر والكويت والجزائر، بالإضافة إلى تصدر إسرائيل منطقة شمال أفريقيا واحتلت المركز 16 عالميًا.

وربما تبرهن التقلبات في ترتيب الدول وحرصها على الحصول على مركز متقدم في مؤشر الابتكار العالمي، على أهمية المعرفة والابتكار والاستثمارات في البحث العلمي في خلق مناخ اقتصادي قادر على الصمود في وسط التغيرات العالمية، وتحقيق استدامة حقيقية في شتى المجالات.

لذا حرصت مصر عند إطلاق استراتيجيتها الوطنية 2030 أن يحتل الإبداع والابتكار محورا رئيسًا فيها، وأصدرت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي عام 2019 “الاستراتيجية القومية للعلوم والتكنولوجيا والابتكار 2030″، لتدعم بذلك بناء مجتمع يقوم على العلم والمعرفة، ويهتم بمخرجات قابلة للتطبيق تسهم في تقدم المجتمع اقتصاديًا، وقد استندت الاستراتيجية على مسارين:

  • الأول، مسار يشير إلى التشريعات والسياسات الخاصة بالبحث العلمي وتنمية المهارات والاستثمارات والشراكات الدولية وتحقيق الريادة الدولية 
  • الثاني، مسار يهدف إلى الاهتمام بقطاعات مثل تكنولوجيا المعلومات، والاتصالات، والبيئة، والطاقة، والغذاء، والمياه، والصناعات الاستراتيجية، وعلوم الفضاء، والسياحة، والنقل، وغيرها. 

كذلك تم إطلاق الخطة التنفيذية للاستراتيجية القومية للعلوم والتكنولوجيا والابتكار عام 2020، ليبدأ الاهتمام بالبحث العلمي وزيادة الاستثمارات فيه، وعمل شراكات بحثية مع جامعات ومراكز بحثية دولية في مجالات متعددة، بالإضافة إلى الحاضنات التكنولوجية التي تدعمها وتقدمها أكاديمية البحث العلمي للباحثين الشباب.

ختامًا، ربما ما زال الطريق طويلًا أمام مصر لامتلاك التكنولوجيا القائمة على المعرفة والابتكار، ولكننا حتما مع زيادة الاهتمام بالعنصر البشري والحرص على تقديم خدمة تعليمية متميزة في الجامعات وخاصة العلوم والتكنولوجيا، وإعطاء الفرصة للمبدعين في المجالات المختلفة ودعمهم من خلال برامج تتبناها أكاديمية البحث العلمي، قادرين على التقدم في مؤشر الابتكار العالمي وانعكاس ذلك على الاقتصاد المصري وتحقيق الريادة العلمية.  

المصادر: 

  1. https://www.wipo.int/edocs/pubdocs/en/wipo-pub-2000-2022-section5-en-special-theme-global-innovation-index-2022-15th-edition.pdf
  2. https://www.wipo.int/edocs/pubdocs/en/wipo-pub-2000-2022-section2-en-global-innovation-tracker-global-innovation-index-2022-15th-edition.pdf
  3. http://www.crci.sci.eg/?p=7794
+ posts

باحثة ببرنامج السياسات العامة

أمل اسماعيل

باحثة ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى