الاقتصاد الدوليمصر

مصر و”بريكس”: فرص واعدة والعديد من المكاسب المتبادلة

تنعقد قمة مجموعة “بريكس” BRICS” السادسة عشرة في الفترة ما بين 22 و24 أكتوبر الجاري في مدينة قازان الروسية، وهي القمة الأولى للمجموعة بعد توسعها لتضم “مصر والسعودية والامارات وإيران وإثيوبيا” في يناير 2024، مما عزز مكانتها عالميًا، إذ تضم أبرز الاقتصادات العالمية، مثل الصين وروسيا والبرازيل والهند وجنوب إفريقيا. لذا يحقق انضمام مصر لهذا التكتل العديد من المكاسب ويتيح لها العديد من الفرص الواعدة لاسيما وأن مصر تمتلك علاقات اقتصادية وطيدة مع دول “بريكس” ذات الأسواق الضخمة والفرص المتميزة، مما يطرح التساؤل بشأن مكاسب مصر من عضويتها في تجمع “بريكس” ورؤيتها لأولويات التجمع خلال الفترة القادمة.  

تأسس تجمع “بريكس” عام 2009، وضم كلًا من “الصين وروسيا والهند والبرازيل”، وانضمت له جنوب إفريقيا عام 2010، لذا يعد هذا التجمع تكتلًا اقتصاديًا مهمًا على الصعيد الدولي، حيث يمثل نحو 30% من الاقتصاد العالمي، وأكثر من نحو 43% من سكان العالم، لذا يشكل هذا التجمع فرصًا واعدة لأعضائه.

وقد تقدم مصر والعديد من الدول بطلبات لعضوية تجمع “بريكس”، وخلال قمة تجمع “بريكس”  التي عقدت بجنوب إفريقيا في أغسطس عام 2023، تمت الموافقة على دعوة كل من “مصر، السعودية، الإمارات، إثيوبيا، إيران، والأرجنتين”، للانضمام للتجمع بداية من عام 2024، ورحبت الدول المدعوة بهذه الدعوة، إلا أن الارجنتين عدلت لاحقًا عن الانضمام للتجمع.

ووفقًا لتقرير صادر عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، من المتوقع أن يصل الناتج المحلي الإجمالي لتكتل “بريكس” بعد انضمام الأعضاء الخمس الجدد إلى 38% من إجمالي الناتج المحلي العالمي المتوقع في عام 2024، وأن تبلغ نسبة سكان تكتل “بريكس” نحو 46% من إجمالي سكان العالم خلال نفس العام، وأن يصل إنتاج البترول لدول “بريكس” الجدد إلى 43% من الإنتاج العالمي المتوقع عام 2024.

شهد اقتصاد مجموعة “بريكس”نموًا متزايدًا منذ نشأته وحتي الآن؛ إذ بلغت قيمة الناتج المحلي الإجمالي للدول الأعضاء عام 2023، نحو 25.9 تريليون دولار، مقارنة بنحو 11.9 تريليون دولار عام 2010، كما تشير البيانات للتزايد المستمر في نسبة الناتج المحلي الإجمالي لدول “بريكس” إلى الناتج المحلي الاجمالي العالمي، خلال الفترة من 2000: 2023، حتي أنها تفوقت لأول مرة على دول مجموعة السبع الصناعية عام 2020، إذ بلغت حصة “بريكس” نحو 31.02% من الاقتصاد العالمي مقابل 30.94% لدول مجموعة السبع الصناعية، كما نمت نسبة الصادرات السلعية والخدمية لدول “بريكس” من نسبة الصادرات السلعية والخدمية العالمية، خلال الفترة من عام 2000: 2022، إذ، شكلت الصادرات السلعية والخدمية لدول “بريكس” نحو 25% من صادرات العام عام 2023، ونحو 18.3% من إجمالي الصادرات العالمية عام 2022، مقارنة بنحو 14.7% عام 2010، ونحو 6.7% عام 2000.

كما شهد حجم التبادل التجاري والتجارة البينية بين دول مجموعة “بريكس” نموًا متزايدًا بين عامي 2010: 2022، إذ، بلغ نمو التبادل التجاري بين دول مجموعة “بريكس” نحو 95.2%، مسجلًا نحو 10.52 تريليون دولار عام 2022 في مقابل 5.39 تريليون دولار عام 2010.

وفي السياق نفسه، تزايدت تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى مجموعة “بريكس” لأكثر من أربعة أضعاف خلال الفترة من 2001: 2021، مسجلًة نحو 355 مليار دولار عام 2021، مقارنة بنحو 84 مليار دولار عام 2001، بنسبة نحو 22% من التدفقات العالمية للاستثمارات الاجنبية المباشرة لعام 2021، مقارنة بنحو 11% عام 2001. كما ارتفعت قيمة الاستثمارات الاجنبية المباشرة بين دول “بريكس” بنحو غير مسبوق خلال الفترة من 2010: 2020، لتبلغ نحو 167 مليار دولار عام 2020، مقارنة بنحو 27 مليار دولار عام 2010.

ومما سبق يتضح تنامي حجم التبادل التجاري وكذلك حجم الاستثمارات المباشرة بين الدول الأعضاء في مجموعة “بريكس” بشكل مطرد منذ نشأة التجمع وحتى الآن، مما منح التجمع ثقلًا هائلًا على صعيد الاقتصاد العالمي، في ظل حجم الأسواق الضخمة ذات الفرص المتميزة والواعدة للدول أعضاء “بريكس”، وتزايد تأثير دول مجموعة “بريكس” على حركة التجارة العالمية.

لذا تعد عضوية مصر بتجمع “بريكس” فرصة سانحة أمام مصر لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع دول مجموعة “بريكس”، وزيادة حجم التبادل التجاري مع هذه الأسواق الضخمة، وكذلك جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة لمصر للعديد من القطاعات المهمة، فضلًا عن زيادة حجم الصادرات المصرية لاسيما للأسواق الناشئة بالتجمع مثل البرازيل والهند وجنوب إفريقيا، إلى جانب تكثيف التعاون في مجالات الطاقة والأمن الغذائي ونقل التكنولوجيا واللوجستيات.

تمتلك مصر علاقات اقتصادية وطيدة مع دول مجموعة “بريكس”، “الصين والهند وروسيا وجنوب إفريقيا، والبرازيل”، لذا تنعكس عضوية مصر بهذا التجمع على المزيد من تعزيز الروابط الاقتصادية المصرية مع دول المجموعة، حيث تهدف مصر من خلال انضمامها لتجمع “بريكس” لتعزيز الشراكات الاقليمية والدولية، وتعزيز التعاون والتنسيق بين دول “بريكس”، ودعم آليات التنسيق حول إصلاح النظام الاقتصادي العالمي، ودفع الجهود لزيادة تمثيل الدول النامية في الأطر المالية والنقدية الدولية بما يعكس تزايد وزنها الاقتصادي، بجانب تعظيم الاستفادة من المزايا التي تتيحها اتفاقيات التعاون والتبادل التجاري بين الدول أعضاء المجموعة، لاسيما جذب الاستثمارات وفتح أسواق جديدة أمام الصادرات المصرية، ومن أبرز المكاسب الاقتصادية المنتظرة من عضوية مصر بمجموعة “بريكس” ما يلي:

توطيد العلاقات التجارية بين مصر ودول المجموعة، وزيادة الصادرات المصرية إلى أسواق دول “بريكس”، وبالفعل شهدت نسبة الصادرات المصرية لدول “بريكس” ارتفاعًا منذ انضمام مصر رسميًا في يناير 2024 للتجمع، حيث زادت الصادرات المصرية بنسبة 13% في الفترة من يناير إلى أغسطس 2024، لدول تجمع “بريكس” لاسيما ” الهند وروسيا والبرازيل”.

وتعد عضوية مصر في تجمع “بريكس” فرصة للمنتجين والمصنعين المصريين، لتصدير المنتج المصري لدول “بريكس” لاسيما الأسواق الناشئة الرئيسة مثل “الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا”، وبالفعل زاد عدد من القطاعات الصناعية المختلفة في مصر من صادراتها لدول “بريكس”، وذلك وفقًا لتصريحات الوزير المفوض يحيى الواثق بالله رئيس التمثيل التجاري المصري.

لذا في إطار خطة الدولة المصرية لزيادة وتنمية حجم الصادرات المصرية، تعد أسواق دول “بريكس” الضخمة ذات فرص مميزة وواعدة للصادرات المصرية، ويمكن العمل على زيادة الصادرات المصرية لها مما يصب في هدف الدولة بتنمية حجم الصادرات، ونظرًا لأن تجمع “بريكس” ليس اتفاق تجارة حرة يتضمن إعفاءات جمركية للدول الأعضاء في التجمع، من الممكن توسيع الصادرات لدول مجموعة “بريكس” مع الاستفادة من الاتفاقيات التجارية مثل السوق المشتركة للجنوب “ميركوسور MERCOSUR”، مما يمكن مصر من أن تصبح مركزًا يربط بين إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية.

زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة لدول مجموعة “بريكس” في مصر، تعد مصر سوقًا ضخمة وواعدة ومتعددة الفرص الاستثمارية، لاسيما في ظل جهود وإجراءات الدولة لتحسين مناخ الاستثمار في مصر وتقديم العديد من الحوافز للمستثمرين، ودعوتها للشركات الاجنبية لتوطين مشروعاتها في مصر للاستفادة من الموقع الجغرافي المميز لمصر، والعمالة الماهرة، والبنية التحتية المتميزة، والقدرة على النفاذ للأسواق الخارجية لاسيما الأسواق الإفريقية، وهو ما جعل مصر الوجهة الاستثمارية الأولى في القارة الإفريقية، إذ؛ شكل حجم تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر لمصر نحو 75.8% من إجمالي التدفقات لدول شمال إفريقيا عام 2022: 2023. ووفقًا للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، بلغت مساهمة الاستثمارات التراكمية لدول “بريكس” في مصر نحو 17.4 مليارات دولار حتي سبتمبر 2023، لذا تتيح عضوية مصر بتجمع “بريكس” المزيد من فرص جذب الاستثمار الاجنبي المباشر من في مصر، لاسيما في عدد من المجالات التنموية المهمة التي تستهدف الدولة المصرية، لاسيما قطاعات الرقمنة والتنمية الزراعية، والطاقة المتجددة والهيدروجين الأخر.

وإلي جانب ذلك، وفي إطار سعي مصر لتعزيز حركة التجارة في القارة الإفريقية، وتعزيز التعاون المصري الإفريقي، ونظرًا للموقع الجغرافي لمصر تعد البوابة المثلي للتجارة والاستثمار في القارة الإفريقية. تسعى مصر أيضًا من خلال عضويتها لتجمع “بريكس” لتعزيز الروابط بين “بريكس” والقارة الإفريقية، مما يعود بالنفع المتبادل بين دول تجمع “بريكس” وكذلك دول القارة الإفريقية.

تبادل الخبرات وتوطين الصناعة المصرية، إذ تسهل عضوية مصر في تجمع “بريكس” تبادل الخبرات والكفاءات مع دول المجموعة بشكل مباشر، لاسيما في مجال الصناعة والتكنولوجيا ومجالات التدريب المختلفة، مما يسهم في الهدف المصري بتوطين الصناعة، وذلك من خلال الاستفادة من خبرات دول مجموعة “بريكس” في زيادة معدلات الانتاج والتصنيع، وتوطين الصناعات الحديثة في مصر، مع خلق سوق مشتركة لتبادل السلع والمنتجات المصرية.

توفير تمويل ميسر لمصر، نظرًا لتوفير مجموعة “بريكس” تمويلًا ميسرًا لأعضائه، من خلال بنك التنمية الجديد “New Development Bank” الذي تم تدشينه عام 2015، برأسمال نحو 50 مليار دولار، بهدف منح تمويل بشكل أسرع من البنك الدولي، ودون شروط صارمة، حيث استثمر نحو 33 مليار دولار في 96 مشروع داخل بلدان المجموعة حتي الآن. لذا، ستعمل عضوية مصر في بنك التنمية التابع لتجمع “بريكس” على فتح فرص تمويلية ميسرة للعديد من المشروعات الانتاجية المختلفة بمصر، لاسيما وأن بنك التنمية يستهدف إنشاء بنية تحتية جديدة وتحسين جودة الحياة داخل الدول الأعضاء.

تأمين الاحتياجات المصرية من السلع الاستراتيجية لاسيما القمح والأرز، مع إمكانية الحصول عليها بالعملات المحلية، وذلك نظرًا لأن تجمع “بريكس” يستحوذ على حصة كبيرة تجارة الحبوب في الاقتصاد العالمي، لاسيما كل من روسيا والهند.

زيادة حجم التبادل التجاري بالعملات المحلية، لاسيما وأن حجم تجارة مصر مع دول “بريكس” يقدر بنحو ثلث حجم تجارة مصر الكلي البالغ نحو 31 مليار دولار، لذا تسعى مصر إلى زيادة حجم التجارة مع مختلف دول مجموعة “بريكس” بالعملات المحلية، مما يخفف الضغط على الدولار، ويمنح مزيدًا من الاستقرار لسعر الصرف الرسمي، ويعمل على توطيد العلاقات التجارية والاستثمارية بين مصر ودول التجمع، ويسهل إجراءات التبادل التجاري بين القطاع الخاص المصري ومختلف دول التجمع، لاسيما أن دول “بريكس” تدعم النظام التجاري متعدد الأطراف، ولديها توجهات لتطوير وتعديل نظام المدفوعات بين دول التجمع، والذي يسهل عملية التبادل التجاري بين أعضاء التجمع بالعملات الوطنية، وهو ما يأتي في إطار الرؤية المصرية بشأن التبادل التجاري بالعملات المحلية.

وفقًا لتصريحات وزير الخارجية المصري السفير بدر عبد العاطي، تتضمن الرؤية المصرية بشأن الأولويات التي يجب أن يضطلع بها تجمع “بريكس” خلال الفترة القادمة ما يلي:

  1. لعب دور حيوي لإصلاح الهيكل المالي الدولي، وضمان القدرات التمويلية للمؤسسات المالية الدولية بما يتناسب مع احتياجات الدول النامية، وتعزيز تمثيل الدول النامية في عملية صنع القرار الاقتصادي الدولي.
  2. الدعوة لتحسين بنية الديون الدولية، وتوفير التمويل اللازم لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، ونقل التكنولوجيا وبناء قدرات البلدان النامية.
  3. الاضطلاع بدور رئيس في المفاوضات الدولية في إطار اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للمناخ، مع توفير التمويل الميسر ونقل التكنولوجيا وبناء القدرات إلى الدول النامية لتحقيق انتقال عادل للاقتصاد الأخضر.
  4. وضع خارطة طريق لتحفيز التجارة والاستثمار بين دول التجمع، مما يسهم في تعزيز التعاون والتكامل الاقتصادي والتنمية المستدامة بدول التجمع.

استخلاصًا مما سبق، تعد عضوية مصر في تجمع “بريكس” تأكيدًا على موثوقية العلاقات الاقتصادية والسياسية الجيدة بين مصر ودول المجموعة، كما تساهم في دفع دفة الإصلاحات التي شهدتها مصر في السنوات الأخيرة في المجالين الاقتصادي والاستثماري، إذ تعد عضوية مصر بتجمع “بريكس” فرصة سانحة لتعزيز وإقامة روابط اقتصادية أكثر قوة ومتانة بين مصر ودول التجمع، وتحقيق أكبر فائدة ومصالح مشتركة بينهم. وفي ظل ما يمثله تجمع “بريكس” من ثقل كبير على صعيد الاقتصاد العالمي، تحقق مصر العديد من المكاسب من خلال عضويتها بهذا التجمع الضخم، من خلال زيادة حجم التبادل التجاري مع هذه الأسواق الضخمة، وكذلك جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة للسوق المصري في العديد من القطاعات المهمة، فضلًا عن زيادة حجم الصادرات المصرية لاسيما للأسواق الناشئة بالتجمع مثل “البرازيل والهند وجنوب إفريقيا”، إلى جانب تكثيف التعاون في مجالات الطاقة والأمن الغذائي ونقل التكنولوجيا واللوجستيات، وتبادل واكتساب الخبرات لاسيما في مجال التصنيع والتكنولوجيا مما يحقق أهدف الدولة المصرية المتمثلة في زيادة حجم التصنيع المحلي وتوطين الصناعة، وزيادة حجم الصادرات المصرية للخارج، وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية.

+ posts

باحثة متخصصة في العلاقات الدولية

د. غادة عبد العزيز

باحثة متخصصة في العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى