هل تزحف عقوبات الاتحاد الأوروبي خارج الحدود الروسية؟
قدمت المفوضية الأوروبية مقترحًا لحزمة جديدة من العقوبات هي الحادية عشرة التي يطبقها الاتحاد الأوروبي على روسيا منذ بداية الهجوم على أوكرانيا في فبراير 2022. يهدف هذا المقترح بشكل أساسي إلى منع موسكو من الالتفاف حول العقوبات وتضييق الخناق بدرجة أكبر على الاقتصاد الروسي، ولذلك لا تشمل العقوبات المقترحة في الحزمة الحادية عشرة روسيا فقط، بل تشمل شركات وأفرادًا من دول أخرى متهمين بمساعدة روسيا في تخفيف أضرار العقوبات والالتفاف حولها باستخدام بعض الثغرات القانونية.
العقوبات المقترحة للحزمة الحادية عشرة
كان هناك الكثير من التشكيك بخصوص الحزمة الحادية عشرة من العقوبات، خصوصًا بعدما فشلت الحزم العشر السابقة في تحقيق هدف الاتحاد الأوروبي من تطبيقها، وهو الضغط على موسكو للاستسلام والانسحاب من الحرب، وأيضًا تعطيل تجارة السلع الممكن استخدامها في الحرب بشكل أو بآخر في حالة رفضت روسيا الانسحاب. لكن بعد مرور أكثر من عام على بداية الحرب وبالرغم من قدرة أوكرانيا على التصدي والرد على العديد من الهجمات الروسية، فإن العقوبات المطبقة على موسكو بالرغم من شدتها لم تظهر ثمارها المرجوة، وتم تفسير هذا على أن العقوبات غير شديدة بما يكفي، أو الحاجة إلى الكثير من السلع الروسية، أو أن هذه العقوبات صممت لتؤثر على المدى البعيد لا القريب، وهو ما كان محل انتقاد واسع من قبل الشعوب الأوروبية.
ظهر مؤخرًا تفسير جديد وهو مساعدة الصين وبعض الدول في الشرق الأوسط مثل تركيا، وأوزباكستان، وكزاخستان، وغيرها لموسكو للالتفاف حول العقوبات عن طريق استيراد السلع الممنوع تجارتها مع روسيا والتي من الممكن استخدامها في الحرب من دول الاتحاد الأوروبي ومن ثم تصديرها لموسكو. فأشارت إحصائيات قام بها التكتل إلى أن نسب تصدير هذه السلع إلى هذه الدول ازدادت بنفس نسب انخفاض تصديرها إلى روسيا. دفع هذا مسؤولي الاتحاد الأوروبي إلى التفكير في الخروج من الحدود الروسية في عقوبات الحزمة الحادية عشرة وتطبيق العقوبات على الدول المتهمة بمساعدة روسيا في الهروب منها، حيث قال أحد مسؤولي التكتل إن “الحزمة الحادية عشرة من العقوبات ستركز أكبر على الناحية التنفيذية، وإغلاق طرق الثغرات القانونية للحزم السابقة”.
بالإضافة إلى ذلك، تضمن المقترح المقدم حظر 7 شركات صينية وبعض الأفراد المتهمين بتزويد موسكو بالموارد والتكنولوجيا اللازمة لدعم صفوف الجيش الروسي. وأشارت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية إلى أن اثنين من الشركات المدرجة في المقترح تم بالفعل حظرها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، مما يشير إلى وجود اتجاه غربي عدائي عام ضد هذه الشركات.
ولم يكن هذا المقترح هو الأول من نوعه؛ إذ جرى معاقبة وحظر بعض الشركات والأفراد الإيرانيين المتورطين في تزويد روسيا بالطائرات المسيرة، ولكن يختلف الوضع الآن عن هذا لأن الشركات الإيرانية كانت تزود موسكو بالأسلحة بشكل مباشر، أما في حالة الشركات الصينية فمعظمها شركات تكنولوجية أو تسويقية بشكل عام.
إمكانية الموافقة على المقترح
من المؤكد أن عملية اتخاذ القرار لن تكون سريعة أو سهلة؛ إذ إن اتخاذ القرار يتطلب موافقة كل الدول الأعضاء في التكتل، فيما أظهرت الحزم السابقة وجود العديد من الانقسامات حول أفضل طريقة للتعامل مع الأزمة الروسية الأوكرانية مما يعرقل عملية اتخاذ القرار، وأيضًا يكون له دور في تخفيف حدة العقوبات إلى حد ما.
بدأ اختلاف وجهات النظر في الظهور فور الإعلان عن المقترح المقدم من المفوضية الأوروبية؛ إذ قال فلوريان فيليبو رئيس حزب “الوطنيين” الفرنسي –وهو حزب يميني- أن تطبيق هذا المقترح سيقود الاتحاد الأوروبي إلى الدخول في صراع مع العالم بأسره، وأنه يجب إيقاف ما وصفه بـ”الجنون”. كذلك عبر بعض مسؤولي الاتحاد الأوروبي عن عدم رضاهم عن المقترح لما سينتج عنه من صراعات مع الكثير من الدول مبنية فقط على الاتهامات والتكهنات، في حين صرح البعض الآخر بأنه يجب اتخاذ موقف حاسم وسريع مع هذه الدول، مما يشير إلى عدم وجود تقدم في حل الانقسامات داخل التكتل.
من جهتها، أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أن العقوبات المطبقة على هذه الدول ستكون بمثابة المطاف الأخير في التعامل، وأنه سيتم الاتجاه إلى الحلول السياسية أولًا والقيام بالكثير من المحاولات الدبلوماسية قبل اللجوء إلى التنفيذ هذه العقوبات. ويعد هذا بمثابة رسالة تهدئة لهذه الدول، وأيضًا لدول التكتل القلقين بشأن توتر العلاقات والدخول في صراع مع الكثير من الدول، ومنها دول تشكل علاقاتها الاقتصادية والسياسية أيضًا أسبابًا قوية تدفع الدول الأوروبية إلى عدم الرغبة في الدخول في صراع معها.
وقد اجتمع الاتحاد الأوروبي يوم 10 مايو لمناقشة الحزمة الحادية عشرة، لكن لم يأتِ هذا الاجتماع بالكثير من الثمار؛ إذ لم تتوصل الدول الأعضاء إلى قرار بشأن تنفيذ العقوبات المقترحة. وبالرغم من ذلك قدمت ألمانيا اقتراحًا من شأنه أن يمنع الدخول في صراع مع هذه الدول، وهو وضع بعض الشروط على الدول التي يتعامل مها الاتحاد الأوروبي تمنعها من تصدير السلع المستوردة من دول التكتل أو عدم بيعها إلى روسيا على الأقل، مما يعطي الاتحاد الأوروبي حق معاقبتهم في حال كسرت هذا الاتفاق. ولا يزال اقتراح برلين تحت الدراسة من قبل التكتل.
من ناحية أخرى، أثار هذا المقترح غضب الصين بشكل كبير وأصدرت تحذيرًا شديد اللهجة للاتحاد الأوروبي، حيث قال المتحدث باسم الخارجية الصينية، وانج وينبين: “نحث الاتحاد الأوروبي على عدم الاتجاه للمسار الخاطئ، وإلا فإن الصين سوف تتخذ إجراءات حاسمة لحماية الحقوق والمصالح الشرعية والقانونية”. ومن المؤكد أنه سيكون لهذا التحذير صدى واسع بالتأكيد داخل الاتحاد الأوروبي؛ بالنظر إلى أن الصين قوة اقتصادية عالمية وتعتمد معظم دول العالم على الكثير من منتجاتها، مما يجعل رد الفعل الصيني الذي يشير التحذير لأنه شديد مؤثرًا بشكل كبير لدى دول الاتحاد الأوروبي.
على صعيد آخر فإن الولايات المتحدة ستكون داعمة بشكل كبير للموافقة على تطبيق مثل هذه العقوبات خصوصًا عقوبات الصين؛ فمنذ بداية تطبيق العقوبات والولايات المتحدة تدعمها وتدعم تطبيقها بشكل أشد مما هي عليه للضغط بشكل أكبر على موسكو ووضعها تحت حصار اقتصادي، وأيضًا لاعتماد أوروبا بدرجة كبيرة على روسيا وهو أمر تأمل الولايات المتحدة بانتهائه حتى بعد نهاية الحرب. باستخدام نفس المنطق، من الطبيعي إضافة الصين إلى تلك المعادلة؛ فالصين كانت المنافس الاقتصادي الأول للولايات المتحدة بل وتفوقت عليها في السنوات الأخيرة، مما يجعل خسارة بكين للسوق الأوروبية دفعة كبيرة للأمام لصالح واشنطن.
ختامًا، من غير المرجح الموافقة على مقترح الحزمة الحادية عشرة بشكله الحالي؛ إذ إنه يهدف إلى سد الثغرات القانونية كمعاقبة الدول الأخرى المتهمة بمساعدة روسيا للالتفاف حول العقوبات، وهو الحل الذي لن يرحب به الكثير من الدول الأوروبية لعدم رغبتها في الدخول في صراع مع دول أخرى تمتلك علاقات مهمة معها. لكن بالرغم من ذلك فإن اقتراح برلين يمكنه المساعدة في تخطي هذا التهديد. وتهدف الحزمة الجديدة أيضًا إلى معاقبة بعض الشركات والأفراد الصينيين الذين يزودون موسكو بالسلع التي يمكن استخدامها في الحرب، وهو ما سيترتب عليه رد فعل عنيف من بكين، يمكن لبعض الدول الأوروبية عدم تحمله. لكن يجب الأخذ في الحسبان أيضًا دعم الولايات المتحدة الكبير لهذا المقترح الذي من شأنه أن يشجع الكثير من الدول الأوروبية على الموافقة. وفي المحصلة، لا يشير الوضع –بالرغم من تعقده الشديد- إلى الرفض التام للمقترح بل يشير إلى تأخر اتخاذ القرار وارتفاع احتمالية تغيير شكله الحالي.