
خطوة جريئة: خروج أنجولا من منظمة أوبك
تعتبر منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) واحدة من أهم المنظمات الدولية التي تؤثر في صناعة النفط وأسعاره حول العالم. وانضمت أنجولا إلى تلك المنظمة في 28 يناير من عام 2007 بعد أن وصل الإنتاج فيها إلى 1.2 مليون برميل، وكان هذا الانضمام تكليلًا لتاريخ طويل لأنجولا مع النفط، حيث كان الاستكشاف النفطي الأول في أنجولا في عام 1955 عندما اكتشفت شركة النفط البرتغالية (Petrogal) حقلًا نفطيًا في منطقة باندا يقدر بحوالي 100 مليون برميل. تلى ذلك اكتشاف شركة النفط الأمريكية (Conoco) حقلًا نفطيًا آخر في منطقة كابيلا، في مقاطعة لواندا، الذي كان يحتوي على احتياطيات تقدر بنحو 200 مليون برميل.
هيكل قطاع النفط
استقلت أنجولا عن البرتغال في عام 1975 ودخلت في حرب أهلية دامية استمرت قرابة 27 عامًا، قتل خلالها قرابة 500 ألف شخص وشرد أكثر من 4 ملايين شخص، وتوقفت عمليات الاستكشاف والتنقيب عن البترول تمامًا. قبل أن تعود صناعة النفط إلى الازدهار مرة أخرى بعد انتهاء الحرب الأهلية، حيث وصل إنتاج النفط في أنجولا في عام 2007 إلى 1.2 مليون برميل سنويًا، مما أهلها للانضمام إلى مجموعة الأوبك، ووضعها في الترتيب الثاني من حيث إنتاج النفط في أفريقيا بعد نيجيريا. واستمر تطور إنتاج النفط في أنجولا خلال العقدين الماضيين ليصل إجمالي إنتاجها من النفط في عام 2022 إلى حوالي 1.7 مليون برميل يوميًا، ما يشكل قرابة 90% من صادرات أنجولا..
الشكل 1: القدرات الإنتاجية لحقول النفط في انجولا
وتُشكل صناعة النفط حاليًا أكثر من 50% من الناتج المحلي الإجمالي، وتشغل حوالي 250 ألف شخص، مما يُعادل 10% من إجمالي القوة العاملة في البلاد. وتُعتبر شركة النفط الوطنية الأنجولية، سونانغول (Sonangol) أكبر شركة نفط هناك، حيث تمتلكها الحكومة الأنجولية وتسيطر على جميع عمليات استكشاف وإنتاج وتكرير وتسويق النفط والغاز في البلاد. ويعمل ما يقرب من 100,000 شخص في هذه الشركة، وتتعاون مع شركات نفطية أجنبية كبرى مثل شيفرون الأمريكية وإكسون موبيل وتوتال الفرنسية وإيني الإيطالية. ومع ذلك، فإن هذه الشركات لا تتمتع بالاستقلالية في عملياتها بل تخضع لسيطرة سونانغول
تلك الديناميكيات التي شكلت واقع قطاع النفط في أنجولا كانت سببًا في تحقيق أنجولا لمعدلات نمو اقتصادي مرتفع خلال الفترة بين 2010 – 2022 إذ حقق الاقتصاد معدل نمو بمتوسط 6.4% سنويًا، وكانت تلك العوائد سببًا في إنشاء عدد من المشروعات الاقتصادية في أنجولا والتي تتمثل في بناء الطريق السريع الذي يربط بين العاصمة لواندا ومدينة بيساو في غينيا بيساو، وإنشاء شركة وطنية للطيران، وبناء العديد من المدارس والمستشفيات، ويدفع أداء القطاع النفطي المؤسسات الدولية لتوقع نمو الاقتصاد الأنجولي بنسبة 3.5٪ في عام 2023، بعد نمو بنسبة 4.1٪ في عام 2022 معتمدة بالأساس على الارتفاع في أسعار النفط عالميًا.
تأثيرات محدودة
في 22 ديسمبر 2023 أعلنت أنجولا انسحابها من منظمة أوبك في أعقاب وجود خلافات مع المملكة العربية السعودية حول حصة تحديد خط الأساس الذي يتم على أساسه تحديد كميات الإنتاج بحسب ما نشر في صحيفة فايناشيال تايمز البريطانية، ويعتبر خط الأساس هو كميات الإنتاج من النفط التي يتم الاتفاق عليها بين مجموعة الدول الأعضاء في أوبك والتي يتم على أساسها احتساب نسب التخفيض المتوقع تطبيقها لكل دولة، إذ منحت أوبك أنجولا خط أساس للإنتاج يبلغ 1.4 مليون برميل لكن أنجولا أنتجت حوالي 1.13 مليون برميل يوميًا، وترى أنجولا التي يعتمد 50% من اقتصادها على النفط أن خط الأساس (1.4 مليون برميل يوميًا) الذي تم تحديده لها من جانب المنظمة، يشكل خطر على قدرتها على تحقيق النمو الاقتصادي، وقد سبق لأنجولا أن انسحبت في يونيو الماضي من المنظمة، لكن في نهاية المطاف توافقت مع نيجيريا على مراجعة خط الأساس لإنتاجها من قبل طرف ثالث مستقل. وبعد هذه المراجعة، تم خفض خطوط الأساس للدولتين لعام 2024 في اجتماع نوفمبر، وهو ما دفع أنجولا للانسحاب مرة أخرى من المنظمة ليصبح إجمالي عدد الدول الأعضاء بتلك المنظمة 12 دولة بدلًا من 13 دولة.
يُنظر إلى قرار أنجولا بالانسحاب من أوبك بسبب خفض حدود الأساس على أنه حدث غير مؤثر على أسعار النفط العالمية، إذ إن إنتاج أنجولا الفعلي لا يتخطى 1.13 مليون برميل يوميا، ويمثل حد الأساس الذي تم التوصل إليه بعد الاعتماد على دراسة تمت من خلال طرف مستقل بحوالي 1.4 مليون برميل يوميًا، وقد أكدت أسعار النفط ذلك الأثر، إذ إنها انخفضت بشكل طفيف بعد إعلان أنجولا انسحابها من أوبك في 22 ديسمبر 2023. حيث انخفضت أسعار العقود الآجلة لخام برنت 31 سنتًا عند التسوية إلى 79.39 دولارًا للبرميل، وانخفضت أسعار العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 33 سنتًا إلى 73.89 دولارًا للبرميل، وهو ما دفع العديد من المحللين السياسيين للنظر إلى خروج أنجولا سيترتب عليه زيادة المعروض العالمي من النفط، مما قد يؤدي إلى انخفاض الأسعار، بينما يرى آخرون أن لخروج أنجولا تأثيرات محدودة للغاية في ضوء أن قدراتها الإنتاجية النفطية لا تتخطى 1.4 مليون برميل (حد الأساس المقرر من منظمة أوبك)، حتى في ظل أفضل التوقعات بزيادة القدرة الإنتاجية لأنجولا، فمن غير المرجح أن تتجاوز حاجز 1.5 مليون برميل بحلول عام 2025.
من زاوية أخرى يرى المحللون أنه على الرغم من أن القدرات الإنتاجية لأنجولا في حد ذاتها ضعيفة، إلا أن إقدام أنجولا على اتخاذ ذلك القرار قد يدفع دولًا أخرى للخروج من المنظمة، وهو الأمر الذي يضعف أوبك كمنظمة، ويجعلها أقل قدرة على التأثير على أسعار النفط العالمية، وهناك عدد من الدول بالفعل أبدت رغبتها في الانسحاب من المنظمة في مقدمتها إيران وفنزويلا، حيث ترى هذه الدول أن خروج أنجولا يمنحهم فرصة للخروج من المنظمة دون خوف من التعرض لضغوط من الدول الأخرى، خاصة وأن هناك اتجاهات عالمية لخفض الاعتماد على النفط في المستقبل والتي تمت في ضوء اتفاقية المناخ كوب 28، الأمر الذي يدفع الدول المنتجة للنفط حاليًا للخروج من منظمة الأوبك بهدف زيادة إنتاجها من النفط للاستفادة من الأوضاع الحالية للنفط عالميًا، قبل تطبيق سياسة ملزمة عالميًا تخفض إنتاج النفط.
باحث ببرنامج السياسات العامة