
القرن الأفريقي وصراعات الموارد
مع الاهتمام الإقليمي والدولي بالوضع المتدهور في منطقة القرن الأفريقي وأفريقيا وما تشهده من اضطرابات ونزاعات منذ عقود، والتركيز علي الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية لهذه النزاعات نجد أن هناك أسباب وتداعيات أخري تخص الموارد الطبيعية ومصادر الطاقة والبيئة الأفريقية، فهناك علاقة متبادلة بين نشوب الصراعات ووجود أو ندرة الموارد، مما يسرع من ضرورة إيجاد حلول مستدامة تحافظ علي مصالح دول الإقليم بجانب تحقيق الأمن.
القارة الأفريقية غنية بالموارد الطبيعية المتنوعة التي تتراوح ما بين الأراضي الصالحة للزراعة ومصادر الطاقة ( والنفط والغاز الطبيعي) والمعادن الهامة، ومصادر المياه وكذلك انتشار الغابات والحياة البرية المتميزة. هذا بالإضافة إلي توافر مصادر الطاقة المتجددة ( الطاقة الشمسية – الرياح – المائية – الحرارة الأرضية ) .
تحتفظ أفريقيا بنسب مرتفعة من أهم الموارد الطبيعية والمعادن في العالم ، حيث تحتوي علي نحو 30 % من احتياطيات العالم من المعادن، وحوالي 10 % من الغاز الطبيعي في العالم، ونحو 12 % من احتياطيات النفط في العالم؛ كما أن القارة لديها ما يقرب من 50 % من احتياطي الذهب العالمي ونحو 90 % من الكروم والبلاتين. كما تتمتع أفريقيا بأكبر الاحتياطيات من الكوبالت والماس وحوالي 30% من احتياطات اليورانيوم في العالم. وتملك أفريقيا 65 % من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم، و 10 % من مصادر المياه العذبة الداخلية. وعليه فإن القارة الأفريقية رغم توافر رأس المال الطبيعي بها إلا أنه يمثل أيضا سببا منطقيا لتعرضها للنزاعات والصراعات المستمرة سواء داخليا أو خارجيا للسيطرة علي تلك الثروات والاستفادة منها. لقد جعل الصراع على الموارد الطبيعية أفريقيا محط اهتمام دولي؛ فمن النفط في نيجيريا والماس في جمهورية الكونغو الديمقراطية، إلى الأراضي في زيمبابوي والمياه في منطقة القرن الأفريقي، أدت السياسات المحيطة بملكية الموارد الطبيعية وإدارتها والسيطرة عليها إلى إرباك المجتمعات وزيادة التدخل الخارجي في هذه البلدان. ومن الممكن أن يؤثر هذا الصراع على إمدادات الموارد الطبيعية على مستوى العالم، مع عواقب محلية واسعة النطاق تعيق دائما مسارات التنمية في الإقليم.
صراعات متشابكة
يشمل القرن الإفريقي جغرافيا ( الصومال – اريتريا- و جيببوتي ) بالإضافة إلي دخول عدد من الدول منها : ( إثيوبيا، كينيا، أوغندا، وتنزانيا – السودان – تشاد، الكاميرون، الكونغو، وجمهورية أفريقيا الوسطى ). وربما هذه الدول جميعها تشهد العديد من الصراعات المرتبطة بالموارد الطبيعية والطاقة والمعادن.
الصراعات في القرن الأفريقي تشكل موضوعًا هامًا ومعقدًا يتأثر بعوامل سياسية واقتصادية واجتماعية متشابكة. وتعتبر من بين أهم الصراعات الرئيسية التي شهدتها القارة الأفريقية في القرن الحالي، فمع تعدد الاشتباكات بين النزاعات القبلية والعرقية، أو النزاعات الدينية، أو الصراعات السياسية، أو الهجمات الإرهابية التي أدت الي تنامي الجماعات الإرهابية والتي من بينها حركة شباب المجاهدين الصومالية أو جماعة بوكو حرام وغيرها من الجماعات التي شكلت تهديدا واضحا في المنطقة . فضلا عن نزاعات الحدود التي لا تعبر عن الدول الافريقية وتزيد من المطامع في القرن الأفريقي، خاصة فيما يخص السيطرة على الممرات البحرية الاستراتيجية الهامة، التي زادت من حدة الصراعات الداخلية والخارجية للسيطرة على تلك المنافذ، مثلما حدث من جانب إثيوبيا ومذكرة التفاهم الأخيرة مع إقليم “أرض الصومال” في إشارة واضحة لتطلع إثيوبيا للوجود على البحر الأحمر عسكريًا وتجاريًا، وهو ما يمثل خرقًا لمبدأ سيادة الدول وسلامتها الإقليمية وبما يؤجج من الصراعات السياسية ، علاوة على ذلك فإن التواجد الدولي في القرن الإفريقي سواء العسكري داخل “جيبوتي” والقواعد العسكرية التي تشهدها هذه الدولة أو من خلال السعي للسيطرة علي الثروات الطبيعية مثل خطط نقل المعادن الثمينة من تلك المنطقة والموانئ الخاصة بها إلى أقرب الموانئ الآمنة تمهيدًا لدخولها الأسواق الدولية، والتي تعد واحدة من بين مواطن تأجج الصراعات المختلفة وتفاقم من التحديات المركبة التي تعاني منها دول هذا الإقليم. أما فيما يخص الصراع علي الموارد الطبيعية وخاصة موارد الطاقة والمعادن الثمينة المتوافرة في دول الاقليم فهي تعد مصدر رئيسي للنزاعات وبالتالي زعزعة الأمن والاستقرار وتوتر الاقليم بالكامل .
العلاقة بين الصراعات و الموارد الطبيعية
تشكل الصراعات تحديات كبيرة أمام خطط التنمية والاستدامة في القارة السمراء، مما يؤدي إلى تدهور الوضع الاقتصادي، والتفكك الاجتماعي، والكوارث الإنسانية، والأضرار البيئية لمعظم دول القارة. وقد تستمر هذه الآثار حتي بعد انتهاء الصراع أو أن تكون غير قابلة للإصلاح، مما يعرض جهود التعافي وإعادة الإعمار للخطر، وتزيد من تدني مستوي المعيشة والمعاناة التي يعيشها أبناء القارة وزيادة أعداد النزوح والهجرة سواء داخليا وخارجيا .
بشكل عام تتمتع القارة الأفريقية بتنوع كبير في الثروات الطبيعية ومصادر الطاقة سواء المتجددة والغير متجددة من أهمها:
النفط والغاز الطبيعي: توجد موارد نفطية وغاز طبيعي في عدة دول في شمال وشرق القارة الأفريقية، منها ( نيجيريا، غينيا، تشاد، أنغولا، ليبيا، السودان، ومصر ) والتي طالما تكون سبب في نشوب الصراعات و تؤثر وتتأثر بأمن الإقليم.
الطاقة الكهرومائية: تمتلك القارة حوالي 12% من اجمالي الطاقة الكهرومائية في العالم ، ويوجد العديد من السدود والمحطات الكهرومائية في القارة، يعتمد عليها دول كثيرة في توليد الكهرباء، والتي علي سبيل المثال تسبب أحدثها في أثيوبيا تأجج نزاعات بشكل مختلف بين مصر واثيوبيا حول حصة المياه وتطورت لتشكل صراعا سياسيا.
مصادر الطاقة المتجددة: ( الطاقة الشمسية و طاقة الرياح ) تشير التقارير الدولية إلى أن إمكانات الطاقة الشمسـية وطاقة الرياح فـي أفريقيا تبلــغ حوالي 40% و 32% علي التوالي مــن الإجمالــي العالــمي. فضلا عن الفرص الكبيرة بشأن طاقة حرارة باطن الأرض و الكتلة الحيوية و الطاقة النووية السلمية التي يمكن أن تستفيد منها القارة لتحقق نقلة اقتصادية هائلة.
المعادن والذهب: تتمتع القارة بأكبر احتياطات عالمية من المعادن الثمينة والهامة والتي تدخل حاليا في العديد من الصناعات الهامة، ويعد الذهب من أكبر الاحتياطات العالمية حيث تتمتع القارة وحدها بنحو 50% من احتياطي الذهب العالمي . بالإضافة إلي احتياطات كبري من الماس والبلاتين والكروم واليورانيوم والكوبلت والألمنيوم.
كما تمتلك منطقة القرن الأفريقي مقومات اقتصادية أخرى لا تملكها دول أخرى حيث تعد ممرًا تجاريًا رئيسيًا لحركة التجارة الدولية، لا سيما عبر مضيق باب المندب الذي يمر به حوالي 7% من حركة التجارة العالمية، وتمثل حلقة الربط المائية بين المحيط الهندي والبحر الأحمر، وطريق التجارة النفطية بين مناطق الاستخراج ومناطق الاستهلاك، فضلا عن وجود بعض الممرات المائية الأخرى في دول القارة الأفريقية بشكل عام مثل قناة السويس بمصر والتي يمر بها حوالي 12% من حركة التجارة العالمية .
يمكن الجزم بوجود علاقة بين الموارد الطبيعية في المنطقة ونشوب الصراعات والعكس. وفقا للتقارير الدولية تستضيف أفريقيا نحو 20 % من الصراعات العالمية، التي لها عواقب وخيمة على الاقتصادات الوطنية والمجتمعات والنظم البيئية. وفي الوقت الحالي، تؤدي آثار الصراعات المسلحة الأفريقية، إلى جانب تأثير الغزو الروسي لأوكرانيا، إلي تراجع النمو الاقتصادي، وانخفاض الإنتاج الزراعي، والتسبب في انعدام الأمن الغذائي وارتفاع التكاليف. وعلاوة على ذلك، فإن الهجرة القسرية بسبب الصراعات تزيد الضغط على الموارد الطبيعية، مما يؤدي إلى المنافسة والمزيد من الصراعات بين المجتمعات. بل إن المنطقة أصبحت مركزاً عالمياً للتطرف، مع وقوع عدد كبير من الأنشطة المرتبطة بالإرهاب والترابط المعقد بين تحديات التنمية البشرية والأمن والاستدامة.
تحديات التنمية في القرن الأفريقي
رغم وفرة الموارد التي تتمتع بها القارة الإفريقية إلا انها مازالت تواجه تحديات جمة في قطاع الطاقة، ويأتي في الصدارة نقص الاستثمارات، والبنية التحتية الضعيفة، والاعتماد على التكنولوجيا القديمة في بعض القطاعات حيث ما زال يعاني أكثر من 100 مليون شخص من عدم توافر الكهرباء أو مصادر الطهي النظيف، ولا تشكل القدرة الكهربية في أفريقيا سوي حوالي 5% فقط من الإجمالي العالمي، رغم زيادة عدد سكان القارة وزيادة الطلب علي الطاقة، بالإضافة إلي التحديات المرتبطة بتغير المناخ والأثار السلبية الناتجة عنه في كثير من الدول الأفريقية الهشة والتي لا تملك القدرة علي التكيف أو التخفيف من حدة هذه الأثار. حيث تشير التقديرات إلي أن عدد كبير من الدول الأفريقية من بين أكثر الدول عرضة للتغير المناخي وتداعيته السلبية عالميا والتي تصل لحد الاختفاء تماما بسبب الظواهر المناخية المتطرفة. ومع ذلك، فمازال هناك فرصًا للمضي في مسار التنمية، و تحسين أمن الطاقة، وزيادة الوصول إليها، وتعزيز التعاون الإقليمي مما يضاعف من الفرص أمام الدول الأفريقية لتحقيق استدامة اقتصادية وبيئية، ومعالجة الفوارق الاقتصادية الكبيرة والاختلالات التنموية الحادة بين الدول الأفريقية من خلال تعزيز المشاريع الاقتصادية الإقليمية التي تخلق فرص العمل وتحد من الفقر، وتحجم من تفاقم ظاهرة الهجرة والنزوح بمختلف أسبابها سواء النزوح السياسي أو النزوح بسبب نقص الموارد وتغير المناخ والذي تسبب في نزوح وهجرة اكثر من 3.4 مليون أفريقي خلال العقد الماضي فقط.
وانطلاقًا من أن القرن الإفريقي ليس قضية إقليمية ولكن دولية لارتباطه بقضايا كبرى تهم العالم وعلى رأسها إدارة الموارد الطبيعية وحرية الملاحة والقرصنة والإرهاب والصراعات وظاهرة النزوح والهجرة، لذا فمن الضروري تدخل القوى الدولية لضمان إحلال الاستقرار والمساهمة في تفكيك الصراعات، سواء المسلحة أو تلك المتعلقة بالموارد الطبيعية . لذا فقد بات من الضروري أهمية عودة الاهتمام الغربي وخاصة القوي العظمي والتزامها نحو الدول الأفريقية وخاصة فيما يخص قضايا المياه والطاقة والغذاء وما يرتبط بتغير المناخ والبحث في سبل التكيف والتخفيف والوفاء بالتزامات الدول المتقدمة نحو القارة لتحقيق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية والأمن الإقليمي.