تغير المناخالاقتصاد الدولي

الخسائر الاقتصادية للكوارث والتغيرات المناخية

أختتم الرئيس عبد الفتاح السيسي كلمته في قمة المناخ الحالية بالتأكيد على التزام مصر بمواجهة تحدي تغير المناخ، وضرورة تعزيز العمل الجماعي والعاجل للتعامل مع تحدي تغير المناخ، بما يعزز القدرة على ضمان التنمية المتوافقة مع البيئة التي تحفظ كوكب الأرض للأجيال المستقبلية، ومن هذا المنطلق تتسبب التغيرات والكوارث المناخية في خسائر اقتصادية هائلة على المستوى العالمي، كما تتأثر العديد من القطاعات الاقتصادية بشكل كبير، بدءًا من الزراعة والصناعة والسياحة وانتهاءً بالبنية التحتية والطاقة.

خسائر الكوارث والتغيرات الطبيعية العالمية

خلال عام 2022، تعرض العالم لكوارث طبيعية عالمية أدت إلى خسائر اقتصادية تقدر بحوالي 313 مليار دولار، وقعت نصف هذه الخسائر في الولايات المتحدة بسبب الإعصار المدمر “إيان” والعواصف الشديدة المتعددة. ومن بين الكوارث العشر الأكثر تكلفة، حدثت ثلاث حالات جفاف عالمية، مما يشير إلى تزايد أهمية هذا الخطر على نطاق عالمي. ووقعت هذه الحالات في الولايات المتحدة وأوروبا والصين. وقام قطاع التأمين بتغطية خسائر تقدر بحوالي 132 مليار دولار، مما جعل عام 2022 يعتبر خامس أكثر الأعوام تكلفةً لشركات التأمين. وتم تأمين ما يقرب من 50 إلى 55 مليار دولار من الخسائر المتوقعة الناجمة عن إعصار “إيان” من قبل الكيانات العامة والخاصة.

كذلك تعرضت الهند من فيضانات موسمية تسببت في تكلفة اقتصادية قدرها 4.2 مليارات دولار أمريكي، بينما تكبدت الصين خسائر بلغت 5 مليارات دولار أمريكي نتيجة للفيضانات. وفي نيجيريا، تسببت الفيضانات في خسائر اقتصادية تقدر بحوالي 4.2 مليارات دولار أمريكي. وفي شرق أستراليا، بلغت تكلفة الفيضانات حوالي 6.6 مليارات دولار أمريكي. وبلغت أضرار الزلزال في فوكوشيما عام 2022 تكلفتها 8.8 مليارات دولار أمريكي. وفيما يتعلق بالأعاصير، تسبب إعصار “إيان” في الولايات المتحدة في أضرار بقيمة 100 مليار دولار أمريكي، مما يجعله الحدث الكارثي الأكثر تكلفةً في عام 2022.

كما زادت الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الظواهر الجوية المتطرفة بنسبة 23% بين الفترتين 2010-2014 و2018-2022، لتصل إلى 264 مليار دولار أمريكي في عام 2022 وحده، وتشير الحسابات الأولية إلى أن موجة الحر الأخيرة في الولايات المتحدة وجنوب أوروبا والصين، ربما كلفت 0.6 نقطة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023. كما قدر الباحثون أن ما يقرب من ثلثي الخسائر المالية التي تحدث بسبب تغير المناخ ترجع إلى خسائر في الأرواح البشرية، وأظهرت إحدى الدراسات أن تقييمًا متوسطًا الخسارة الاقتصادية للاقتصاد عندما يموت الشخص لأسباب غير طبيعية، هو 7 ملايين دولار للشخص الواحد.

ووفقًا لبعض الدراسات، هناك احتمالية لتسبب ارتفاع درجات الحرارة بمعدل يتراوح بين 2 إلى 2.6 درجة مئوية في خسائر اقتصادية عالمية تتراوح بين 11 إلى 13.9٪، وهذا يعني زيادة تصل إلى حوالي 10٪ مقارنة بالمعدل الأساسي. ولكن السيناريو الأكثر سوءًا سيحدث إذا ارتفعت درجات الحرارة بمعدل 3.2 درجة مئوية، إذ قد يتسبب ذلك في خسارة تصل إلى 18.1٪ من الناتج الاقتصادي العالمي بحلول منتصف القرن. ووفقًا للأمم المتحدة، من المتوقع أن ينخفض إجمالي الناتج المحلي لقارة أفريقيا بنسبة 2.25% ليصل إلى 12.12% وذلك بفعل التغيرات المناخية.

وفي هذا الإطار يواجه التغير المناخي تحديًا كبيرًا فيما يتعلق بتأثيره على الإنتاج الزراعي فالتغيرات في المناخ تعرض الظروف الجوية لتأثيرات غير مواتية، مما يؤثر سلبًا على قدرة زراعة بعض المحاصيل الزراعية بالإضافة إلى ذلك، تعتبر أساليب الزراعة التقليدية مصدرًا للضغط على النظم البيئية العالمية، حيث تسهم في إنتاج كميات كبيرة من غازات الاحتباس الحراري، وتسهم في مزيد من التغيرات المناخية.

وتشير التقديرات إلى أن الضغوط الحيوية وغير الحيوية مسؤولة عن خسائر تتراوح بين 30% إلى 50% من الإنتاجية الزراعية في جميع أنحاء العالم، كما يؤثر تغير المناخ أيضًا سلبًا على أنظمة التربة وقد يسفر عن تراجع الإنتاج الزراعي مما يزيد منا احتمالية ارتفاع عدد الجياع في العالم، وبحسب تقرير حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم (SOFI)، الصادر عن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) عام 2023 يعاني 735 مليون شخص حاليًا من الجوع، مقارنة بـ 613 مليونًا في عام 2019، كما لوحظت اتجاهات مثيرة للقلق في مناطق مثل غرب آسيا، ومنطقة البحر الكاريبي، وأجزاء مختلفة من إفريقيا، حيث يتزايد الجوع.

وقد يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى تغيرات في تركيب المحاصيل، وهذا قد يتسبب في زيادة أسعار الأغذية نتيجة لتباطؤ الإمدادات الغذائية العالمية بنسبة أقل من نمو الطلب العالمي عليها، ويعني ذلك أن التغيرات المناخية قد تؤدي إلى انخفاض في إنتاج المحاصيل المختلفة، مما يتسبب في تراجع مستوى الأمن الغذائي.

مصر ومواجهة التغيرات والكوارث المناخية

أطلقت مصر استراتيجيتها الوطنية للتغير المناخي 2050، والتي تهدف إلى توحيد جميع جوانب تغير المناخ في وثيقة واحدة لتكون مرجعًا أساسيًا، وفي عام 2020 قامت مصر بإصدار أول سندات سيادية خضراء في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهذا الإنجاز وضع البلاد على الخريطة العالمية كرمز للتمويل الأخضر والمستدام للعمل المناخي، كما كان هدف مصر الأول هو إصدار سندات خضراء بقيمة 500 مليون دولار أمريكي ومدتها خمس سنوات، بفائدة قدرها 5.75%. وقد لاقت هذه العملية اهتمامًا كبيرًا من المستثمرين، حيث بلغت قيمة الطلبات المقدمة حوالي 3.7 مليارات دولار أمريكي. وبناءً على هذا الاهتمام، قررت الحكومة المصرية زيادة هدفها إلى 750 مليون دولار أمريكي وخفض سعر الفائدة إلى 5.25%.

تم استخدام عائدات هذه السندات لتمويل مجموعة من المبادرات الذكية المتعلقة بالمناخ، بما في ذلك مشاريع النقل النظيف والمياه المستدامة وإدارة مياه الصرف الصحي، وتم استثمار حوالي 46% من العائدات، والتي بلغت 347 مليون دولار أمريكي، في “مشروع مونوريل القاهرة”. إذ يوفر هذا المشروع قطارًا آليًا وحديثًا وصديقًا للبيئة للنقل العام في القاهرة، وسيعمل بدون سائق وسيكون خاليًا من التلوث، وسيوفر وسيلة نقل سريعة وآمنة للركاب. وتم توجيه المبلغ المتبقي البالغ 403 ملايين دولار أمريكي لدعم عدة مشاريع تكيف مع التغيرات المناخية في جميع أنحاء البلاد، مثل إعادة استخدام مياه الصرف الصحي للري ومشاريع تحلية مياه البحر لتلبية احتياجات المياه في المستقبل.

كما شهدت مصر توسعًا في تنفيذ مشروعات خضراء في مختلف القطاعات، بما في ذلك القطاع البتروكيماوي وكان أحد أبرز تلك المشروعات هو إنشاء مصنع لإنتاج الوقود الحيوي بتكلفة 600 مليون دولار أمريكي وقدرة إنتاجية تبلغ 350 ألف طن سنويًا من زيت الطحالب. ومن المتوقع أن يساهم هذا المشروع في تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بمقدار يصل إلى 1.2 مليون طن سنويًا. وتجدر الإشارة إلى أن قطاع البترول في مصر وضع سياسات واستراتيجيات للتوسع في مشروعات الطاقة الخضراء، كما تم إنجاز 88 مشروعًا لتحسين كفاءة الطاقة وتقليص استهلاك الكهرباء في 31 شركة مصرية، وتم تركيب وتشغيل خلايا طاقة شمسية في 21 شركة بقدرة إجمالية تصل إلى 1350 كيلووات، وبلغ إجمالي كمية انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي تم تخفيضها من هذه المشروعات حوالي 1.3 مليون طن سنويًا، كما تعتمد مصر على منصة برنامج “نُوَفِّي” لتحويل التعهدات إلى إجراءات فعلية، وتستفيد من شراكات قوية مع شركاء التنمية متعددي الأطراف لجمع التمويل المناخي عن طريق آليات مبتكرة. وتشمل هذه الآليات التمويل المختلط، ومبادلة الديون، والمنح التنموية، مع التركيز الكبير على دور القطاع الخاص في تنفيذ مشاريع التخفيف من وتكيف مع التغيرات المناخية.ختامًا، لضمان التعامل الفعال مع مشكلة تغير المناخ، يجب أن نعتمد رؤية شاملة تأخذ في الاعتبار العواقب المترتبة والتداخلات المعقدة لتأثيرات تلك التغيرات ومن أهم هذه العواقب ضرورة تحول العالم إلى اقتصاد جديد، وأصبح جليًا أنه من الضروري الآن أكثر من أي وقت مضى إعداد استراتيجية وبرنامج طويل الأمد لدعم التحول إلى الاقتصاد الأخضر، يعتمد على مصادر طاقة جديدة وتكنولوجيا متطورة في الصناعة، بالإضافة إلى ممارسات استهلاكية وحياتية مختلفة.

Website |  + posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى