تغير المناخ

تحقيق التنمية الحضرية المستدامة في المدن استنادًا إلى مشروعات الطاقة المتجددة

تستضيف القاهرة النسخة الثانية عشر من المنتدى الحضري العالمي (WUF12)، وهو منصة دولية رائدة تُعقد تحت رعاية برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (UN-Habitat)؛ بهدف مناقشة القضايا الحضرية العالمية وتعزيز التنمية الحضرية المستدامة. يُعقد المنتدى كل عامين في الفترة 4-8 نوفمبر، ويجمع مشاركين من مختلف دول العالم، منهم مسؤولون حكوميون، وخبراء في مجال التخطيط الحضري، وأكاديميون، وممثلون من القطاع الخاص والمجتمع المدني؛ وذلك لتعزيز الحوار حول التحديات والفرص المتعلقة بالتنمية الحضرية.

وتعد استضافة القاهرة للمنتدى هذا العام تأكيدًا على الخطوات الثابتة والقوية التي تتخذها مصر في طريقها نحو تحقيق التنمية المستدامة في كافة القطاعات، واستمرارًا لجهودها نحو مراعاة الأبعاد البيئية جنبًا إلى جنب مع الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية في خططها للتنمية.

يحمل المنتدى هذا العام شعار “كل شيء يبدأ في المنزل: إجراءات محلية من أجل مدن ومجتمعات محلية مستدامة”، ويركز المنتدى على الإجراءات المحلية لمعالجة أزمة الإسكان العالمية، والتي تتفاقم بسبب عوامل مثل:  تغير المناخ، والتباين الاقتصادي للدول، و تزايد عدم المساواة.

إن تحقيق التنمية الحضرية المستدامة في المدن يتطلب تبني استراتيجيات تجمع بين تحسين جودة الحياة وتقليل التأثير البيئي، ويعد استخدام مشروعات الطاقة المتجددة أحد العناصر الرئيسة لتحقيق هذا الهدف. وقد حرصت مصر من خلال تنفيذ عدد من المشروعات على تعزيز التنمية الحضرية المستدامة.

استراتيجية مصر للطاقة المستدامة 2030- 2040

منذ 2014، حرصت مصر على التخطيط الجيد لمسار التنمية الاقتصادية. وعلى مدار 10 سنوات وحتى الآن، أعلنت الدولة العديد من الاستراتيجيات الوطنية لتبني سياسات تدعم التحول نحو الاقتصاد منخفض الكربون، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة. وأطلقت مصر استراتيجية الطاقة المستدامة 2035، والتي تهدف إلى تعزيز الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، بالإضافة إلى تحسين كفاءة استخدام الطاقة لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة. ثم تم تطوير الاستراتيجية لتهدف إلى زيادة مشاركة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة الوطني لتبلغ 42% بحلول عام 2030 بدلًا من 2035، والارتفاع بهذه النسبة إلى حوالي 60% بحلول عام 2040؛ معتمدة في ذلك على عدة محاور رئيسة منها:

  • زيادة الاستثمار في مشروعات الطاقة المتجددة وخاصة (الطاقة الشمسية – طاقة الرياح)
  • تطوير البنية التحتية لقطاع الطاقة  لتستوعب القدرات المضافة من الطاقة المتجددة، حيث تعمل مصر على تحديث شبكة الكهرباء لتكون أكثر مرونة واستدامة،  بالإضافة إلى شبكات كهرباء ذكية تتيح التوزيع الأمثل للطاقة وتقلل الفقد.
  • تحسين كفاءة استخدام الطاقة في القطاعات المختلفة، مثل المباني السكنية والمصانع ووسائل النقل، من خلال تحديث معايير كفاءة الطاقة، وتقديم حوافز للشركات والأفراد لاعتماد تقنيات كفاءة الطاقة، مما يقلل من استهلاك الكهرباء والغاز، والحد من انبعاثات الكربون.
  • التوسع في مشروعات الهيدروجين الأخضر ومشتقاته ومشروعات الهيدروجين منخفض الكربون، حيث تهدف مصر إلى أن تكون لاعبًا رئيسًا في سوق الهيدروجين الأخضر في المنطقة، وتستهدف نسبة 5-8% من السوق العالمية بحلول عام 2040.

التنمية الحضرية المستدامة في مصر

تهدف التنمية الحضرية المستدامة في مصر إلى تلبية احتياجات النمو السكاني السريع، وتحسين جودة الحياة في المدن، مع الحفاظ على الموارد الطبيعية والبيئة. حيث تسعى الدولة إلى تحقيق التوازن بين التوسع الحضري وتحقيق الاستدامة بمحاورها الثلاثة (البيئية والاجتماعية والاقتصادية). وبذلك نرى خطوات الدولة في مجال تطبيق التنمية الحضرية المستدامة من خلال: إنشاء المدن الذكية المستدامة، وتطبيق معايير كفاءة الطاقة في القطاع السكني، والتوسع في مشروعات الطاقة المتجددة والنقل المستدام، وتطبيق محاور إدارة المخلفات وإدارة المياه في المدن، بالإضافة إلى التكيف مع تحديات تغير المناخ وخاصة في المدن الساحلية والمعرضة لخطر التغيرات المناخية.

وتتضمن التنمية الحضرية المستدامة تعزيز مشاركة السكان في اتخاذ القرارات المتعلقة بالبيئة والتنمية. ولعل المبادرة الرئاسية “حياة كريمة” من أفضل التجارب لتطبيق مبدأ مشاركة السكان المحليين في عمليات تطوير وتحسين الخدمات والمرافق في القرى وتطوير مستوى المعيشة مع الاحتفاظ بطبيعتها الريفية المميزة. كما تتضمن ندوات وحوار مجتمعي لعرض المقترحات ومناقشة الاحتياجات الاساسية لأصحاب المصلحة من المواطنين والسكان. مع التشجيع على تبني ممارسات صديقة للبيئة.

وتعد التجربة المصرية في التنمية الحضرية المستدامة مثالًا على التزام الدولة بتحقيق تنمية شاملة تتواءم مع احتياجات السكان وتحافظ على الموارد الطبيعية. وقد تبنت مصر استراتيجيات وسياسات متكاملة لتحقيق الاستدامة في المجال الحضري، وتعتمد هذه الاستراتيجيات على عدة محاور رئيسة:

إنشاء مدن جديدة ذكية ومستدامة: أنشأت مصر مجموعة من المدن الجديدة، مثل العاصمة الإدارية الجديدة، ومدينة العلمين الجديدة، ومدينة الجلالة، بهدف تخفيف الضغط عن القاهرة والمدن الكبيرة الأخرى. تعتمد هذه المدن على توفير بنية تحتية متطورة تشمل أنظمة للطاقة المتجددة وشبكات المواصلات الذكية والخدمات الحكومية الرقمية، مما يسهم في تحسين جودة الحياة للسكان وتوفير فرص اقتصادية متنوعة.

تطوير البنية التحتية للنقل المستدام: تسعى مصر إلى تطوير نظم النقل المستدام من خلال مشروعات مثل مبادرة إحلال الغاز الطبيعي لتقليل الانبعاثات، والقطار الكهربائي الخفيف (LRT) والمونوريل، مما يسهم في تقليل التلوث الناتج عن وسائل النقل التقليدية. بالإضافة إلى ذلك، تم تحسين شبكات النقل العام وتطوير شبكة الطرق لتسهيل التنقل وتخفيف الازدحام المروري في المدن.

استخدام الطاقة النظيفة: تعمل مصر على زيادة استخدام الطاقة الجديدة والمتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، في المدن والمشروعات الكبرى. حيث بلغت قدرات المشروعات المنفذة حوالي 7000 ميجاوات، ويأتي مجمع بنبان للطاقة الشمسية في أسوان بقدرة 1465 ميجاوات، كأحد أكبر مشروعات الطاقة الشمسية في العالم، ويهدف إلى توليد طاقة نظيفة وخفض مليوني طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وكذلك محطة رياح جبل الزيت وخليج السويس بقدرات تعدت 1000 ميجاوات. بالإضافة إلى مشروعات بقدرات قد تصل إلى 20000 ميجاوات تحت التطوير والتنفيذ، هذا بالإضافة إلى مشروعات إنتاج واستخدام وتصدير الهيدروجين الأخضر .

التكيف مع التغيرات المناخية: تركز مصر على  تطوير سياسات واستراتيجيات للتعامل مع التغيرات المناخية، فقد أطلقت الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية 2050. وركزت في محاورها على سياسات وممارسات التكيف مع آثار التغيرات المناخية، خاصةً في المناطق الساحلية المهددة بارتفاع منسوب مياه البحر. تشمل هذه الجهود مشروعات لحماية السواحل والبنية التحتية من التأثيرات المناخية، إضافة إلى التشجيع على العمارة الخضراء والمباني ذات مواد بناء صديقة للبيئة.

التخطيط العمراني وتطوير المناطق العشوائية: تعمل مصر على تطوير التخطيط العمراني سواء للمناطق الجديدة أو المناطق العشوائية من خلال مشروعات تراعي إعادة تأهيل تلك المناطق وتحسين مستوي المعيشة فيها، مثل مشروع “حي الأسمرات”  الذي وفر إسكانًا مناسبًا وآمنًا للأسر ذات الدخل المنخفض. وتهدف هذه المشروعات إلى القضاء على العشوائيات والمناطق غير الآمنة وتحسين الخدمات في المناطق التي كانت تعاني من نقص في البنية التحتية والمرافق الأساسية.

المنتدى الحضري العالمي 2024

تم اختيار القاهرة كموقع للمنتدى بناءً على كونها واحدة من أكبر المدن في إفريقيا، فضلًا عن استعراض الإنجازات الحضرية المصرية والمشروعات التي تهدف إلى تحسين البيئة الاسكانية والخدمات الأساسية للمواطنين. ولأول مرة منذ عشرين عامًا، سيعود المنتدى إلى القارة الأفريقية، وهي القارة المعروفة بأنها من أسرع قارات العالم من حيث معدلات التحضر. وسيكون هذا أول منتدى حضري عالمي يعقد في مدينة كبرى، حيث تعد القاهرة أكبر منطقة حضرية في أفريقيا والشرق الأوسط، والمحرك الرئيس للتنمية الاقتصادية المصرية. مما يعكس الاهتمام المتزايد بقضايا التنمية الحضرية في القارة.

ويسهم المنتدى في تقديم توصيات بشأن تشكيل السياسات الحضرية في الدول المختلفة، ودعم جهود تحقيق الأهداف العالمية للتنمية. كما يساعد في رفع مستوى الوعي العالمي حول التحديات التي تواجه المدن، ويدعم وضع حلول مبتكرة ومستدامة. كما يشجع المنتدى عقد التحالفات والشراكات الدولية من أجل النهوض بمستوي المدن ونقل الخبرات والتجارب الناجحة.

يتناول المنتدى هذا العام عدة موضوعات رئيسة، منها:

  • التخطيط العمراني المستدام: أهمية التخطيط الحضري الذي يراعي الكثافة السكانية، ويوفر بيئة ملائمة للسكان.
  • التكيف مع التغير المناخي: كيفية بناء مدن مقاومة للتغيرات المناخية ومهيأة للتكيف مع آثارها.
  • الإسكان الميسور: مناقشة سبل توفير سكن لائق بأسعار معقولة لذوي الدخل المنخفض في المدن.
  • البنية التحتية المستدامة: تعزيز الاستثمارات في البنية التحتية، مثل شبكات النقل العام، ونظم المياه والصرف الصحي.
  • الحوكمة الحضرية: إدارة المدن بطرق شفافة وفعّالة، ودعم مشاركة المجتمع المحلي في اتخاذ القرارات.

في النهاية، إن تجربة مصر في التنمية الحضرية المستدامة تمثل خطوة مهمة نحو تحقيق رؤية مصر 2030، التي تهدف إلى تحقيق الاستدامة الشاملة وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين، بما يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة.

أمل اسماعيل

باحثة ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى