
إصلاح الأراضي ومقاومة التصحر والجفاف وتحديات الأمن الغذائي العالمي
على مدار أكثر من 50 عام ومنذ أن أطلقه برنامج الأمم المتحدة للبيئة عام 1973، ويحتفل ملايين البشر من دول العالم المختلفة في يوم 5 يونيو من كل عام بـ ” اليوم العالمي للبيئة”، ويهدف في الأساس لزيادة الوعي العالمي بالقضايا البيئية ويسلط الضوء بشكل أكبر علي التحديات البيئية التي تواجه عالمنا من خلال التركيز سنويا على موضوع معين، وتستضيفه سنويا بلدا مختلفة. ويحمل الاحتفال بيوم البيئة العالمي هذا العام موضوع “إصلاح الأراضي ومقاومة التصحر والجفاف” والذي تستضيفه المملكة العربية السعودية.
اليوم العالمي للبيئة 2024
تواجه النظم البيئية تهديدات متزايدة في جميع أنحاء العالم. بدايةً من الغابات والأراضي الجافة إلى الأراضي الزراعية والبحيرات، فضلا عن النظم الايكولوجية والتنوع البيولوجي للكائنات، وكلها تلعب دورا رئيسيا لاستمرار الحياة على الكوكب. وفقًا لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، فإن ما يصل إلى 40% من أراضي الكوكب متدهورة، مما يؤثر بشكل مباشر على حوالي نصف سكان العالم. كما زاد معدل نوبات الجفاف بنسبة 29 % منذ عام 2000 – وبدون اتخاذ إجراءات عاجلة، قد تؤثر حالات الجفاف على أكثر من ثلاثة أرباع سكان العالم بحلول عام 2050. ويعد استعادة الأراضي ركيزة أساسية لعقد الأمم المتحدة لاستعادة النظم البيئية (2021-2030)، وهو نداء عالمي لحماية وإحياء النظم البيئية في جميع أنحاء العالم، وهو أمر حاسم لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. لهذا السبب يركز اليوم العالمي للبيئة 2024 على استعادة الأراضي، ووقف التصحر ومقاومة الجفاف. ويوافق هذا العام الذكرى الثلاثين لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، وتستضيف فاعليات هذا اليوم المملكة العربية السعودية بالإضافة إلى فاعليات مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة السادس عشر لمقاومة التصحر في ديسمبر 2024.
ويعتبر موضوع هذا العام من أهم القضايا البيئية التي تؤثر علي حياة الناس والاقتصاد الدولي، فتدهور الأراضي وزيادة نوبات الجفاف والتصحر من أخطر التهديدات التي تواجه مناطق عديدة من العالم، وتؤثر على الأمن الغذائي والأمن المائي والصحة، فضلا عن تأثيرها على نشوب الصراعات والنزاعات والنزوح والهجرة.
تهديدات عالمية
على الصعيد العالمي، يُصنف نحو أكثر من ملياري هكتار من أراضي العالم بأنها تعاني من التدهور، كما يُفقد 12 مليون هكتار من الأراضي القادرة على إنتاج 20 مليون طن من الحبوب بسبب الجفاف والتصحر كل عام، ويؤثر تدهور الأراضي على حوالي 3.2 مليار شخص، أو 40 % من سكان العالم. حيث يمكن أن يؤدي تدهور الأراضي إلى خفض الإنتاجية الغذائية العالمية بنسبة 12%، مما يؤدي إلى تهديد الأمن الغذائي العالمي وارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة تصل إلى 30 % بحلول عام 2040. وتشير التقديرات أن العالم يتكبد خسائر تقدر بنحو 10 تريليون دولار أمريكي من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول عام 2050 إذا استمرت خدمات النظام الإيكولوجي في التدهور.
ويعتبر الجفاف الخطر الأكبر الذي يهدد الانتاج الزراعي والثروة الحيوانية والمجتمعات البشرية، وقد زاد عدد ومدة حالات الجفاف بنسبة 29 % منذ عام 2000 مقارنة بالعقدين السابقين، حيث يتأثر نحو 55 مليون شخص بشكل مباشر بالجفاف كل عام. وبحلول عام 2030، قد يجبر الجفاف وتدهور الأراضي والتصحر 216 مليون شخص على الهجرة إضافة إلى تفاقم أزمة المناخ بحلول عام 2050، وخاصة في البيئات الهشة التي يؤدي تدهور الأراضي فيها إلى تأجيج الصراع والعنف بسبب النزوح والتنافس على الموارد الشحيحة بين المجموعات المجتمعية المختلفة مثل المزارعين والرعاة. وقد تقرير الأمم المتحدة للتصحر أن القارة الأفريقية كانت الأكثر تأثراً بموجات الجفاف في القرن الماضي، حيث حدثت أكثر من 300 حالة وتسببت في وفيات وخسائر اقتصادية كبيرة في جميع أنحاء العالم.
التصحر وتدهور الأراضي خطر يهدد البيئة المصرية
ظاهرة التصحر في مصر هي ظاهرة جغرافية تعني انخفاض أو تدهور قدرة الإنتاج البيولوجي للأرض، مما يؤدي الي خلق ظروف شبه صحراوية بمعني تدهور خصوبة أراضي كانت منتجه وتفقد انتاجيتها. ويعتبر موضوع اليوم العالمي للبيئة هذا العام ذات أولوية كبيرة بالنسبة لمصر، حيث تحتوي على نحو 86% من الأراضي شديدة الجفاف و14% أراضي جافة، كما أنها من البلدان التي تعاني من الفقر المائي وقلة الموارد المائية، بالإضافة الي المظاهر المناخية التي باتت أقسي وأطول مثل نوبات الحرارة الشديدة والجفاف وقلة هطول الأمطار. وتتركز الزراعة في مصر على امتداد وادي النيل على مساحة ما يقرب من 1350 كيلو متر، وتتميز هذه الأراضي بانها تربة رسوبية خصبة تكونت منذ آلاف السنين نتيجة ضخ طمي النيل القادم مع مياه نهر النيل، ولكن الأراضي الساحلية أو الأنواع الأخرى من التربة فتعتبر أراضي رطبة وملحية وتربة رملية متوسطة القوام، غالبا ما تعاني من تدهور نتيجة التجريف وانخفاض الانتاجية والزحف العمراني عليها.
وقد ذكرت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، أن التصحر يهدد الأمن الغذائي في مصر، حيث تفقد مصر أراضي زراعية بمعدل خمسة أفدنة كل ساعة علي مستوي المحافظات، مما وضع مصر بالمركز الأول عالميا للتصحر، وتعتبر المناطق البيئية الزراعية الصحراوية من أهم المناطق تعرضا لظاهرة التصحر، حيث تضم هذه المناطق النباتات الصحراوية التي تتناسب مع الظروف البيئية القاسية المتوفرة في هذه المناطق، كما تضم أيضا الصحاري الحقيقية الخالية من هذه النباتات أو من أي مجتمع نباتي أخر حيث لا تتوافر فيها الشروط البيئية المناسبة لحمايتها مثل الأمطار، وتتعرض هذه المناطق للرمال الزاحفة والمتنقلة والانحرافات الهوائية والمائية والملوحة والظواهر المناخية القاسية. وقد أكدت المنظمات الدولية على أنه يجب معالجة ثلاث قضايا رئيسية في شكل يجمع بين الترابط والتكامل حتى يتم حل هذه المشكلة وهي (التصحر وانحسار التنوع البيولوجي والتغير المناخي) وكلها تبدأ من حسن إدارة الموارد الطبيعية والحفاظ عليها.
جهود مصرية في القضايا البيئية
لطالما اهتمت الدولة المصرية بالقضايا البيئية وعملت على مراعاة البعد البيئي بجانب البعد الاقتصادي والاجتماعي في خطط وأهداف التنمية لديها. كذلك حرصت على تطوير البيئة التشريعية والسياسات التي تساعد في الحفاظ على البيئة بجانب تحقيق التنمية الاقتصادية.
تزخر البنية التشريعية المصرية بعدة قوانين تكفل الحق في بيئة صحية ومنها؛ (القانون رقم 48 لسنة 1982 بشأن حماية نهر النيل والمجاري المائية من التلوث – والقانون رقم 102 لسنة 1983 بشأن المحميات الطبيعية – وقانون البيئة رقم 4 لسنة 1994، وتعديله رقم 9 لسنة 2009، بهدف إنشاء مؤسسات للحفاظ على البيئة وضمان عدم تلوثها). فأنشأت وزارة البيئة المصرية عدد من الكيانات للحفاظ على البيئة ومراعاة تطبيق المعايير البيئية في المشروعات المختلفة منها: (جهاز شئون البيئة لرسم السياسات ومتابعة تنفيذها وعمل دراسات البيئية للمشروعات – صندوق حماية البيئة لدعم تمويل المشروعات والدراسات في مجال البيئة – جهاز إدارة المخلفات لتنسيق العمل ضمن الاستراتيجية الوطنية لإدارة المخلفات والاستفادة منها). وتم إنشاء المجلس الوطني للتغيرات المناخية برئاسة مجلس الوزراء. هذا بالإضافة إلى إطلاق العديد من المبادرات البيئية والمشروعات المشتركة للحد من تغير المناخ، وكذلك مشروعات إدارة تلوث الهواء، ومشروعات الحفاظ على التنوع البيولوجي والمناطق المحمية.
كما أن مصر كانت من أوائل الدول التي وقعت على اتفاقيات من شأنها الحفاظ على البيئة منها الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ ” اتفاقية باريس 2015”، واتفاقية بازل بشأن التحكم في نقل النفايات الخطرة والتخلص منها عبر الحدود، واتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي، واتفاقية الأمم المتحدة لمقاومة التصحر عام 1994.
وباستضافة مصر لمؤتمر الأطراف للأمم المتحدة للتنوع البيولوجي عام 2018، وبعده مؤتمر الاطراف للأمم المتحدة لتغير المناخ لعام 2022 (COP27)، حرصت على التوجه إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة العالمية ومواجهة تغير المناخ وتداعياته على البيئة والتربة والمياه والغذاء والصحة وعلى الاقتصاد ككل. فبدأت ببرنامج الانتقال الي زيادة الاعتماد على الطاقات المتجددة وخفض الكربون من قطاعات الطاقة والصناعة والنقل، وتوسعت في استصلاح الأراضي واستخدام أساليب الزراعة والري الحديثة، واستحداث بذور ونوعيات من المحاصيل ذات الإنتاجية العالية وتتحمل الظروف المناخية القاسية. وحاولت من خلال برنامج الترابط بين المياه والغذاء والطاقة (NWFE) تحقيق امن القطاعات الثلاثة.
كما أطلقت مصر ” البرنامج الوطني لمكافحة التصحر” والذي يهدف إلي:
- تقييم ومتابعة التصحر وبناء القدرات.
- برامج تحسين المراعي وتشمل إعادة تأهيل أراضي المراعي المتدهورة وصيانة موارد الأراضي والمياه، وإدارة المراعي الطبيعية.
- برامج تثبيت الكثبان الرملية وتشمل حماية الشواطئ لبحيرة ناصر من الكثبان الرملية، وتثبيت الكثبان الرملية في واحة سيوة، وتثبيت الكثبان الرملية في شمال سيناء.
- § برامج الزراعة المروية وتشمل تحسين وتطوير طرق الري والإدارة المتكاملة لمشروعات الري وإدارة وتحسين الأراضي ومعالجة تلوث التربة والمياه ومعالجة التلوث البيئي في منخفض وادي الريان بالفيوم.
- برامج الزراعة المطرية وتشمل تخطيط استخدامات الأراضي في الساحل الشمالي وتحسين الثروة الحيوانية وتحسين إنتاجية المجترات الصغيرة في شمال سيناء، والحد من انجراف التربة.
وأخيرا، فإن التغيرات المناخية المتسارعة والشديدة والزيادة السكانية وسوء استخدام الأراضي ونوبات الجفاف وارتفاع درجات الحرارة التي تعاني مصر حاليا تشكل خطرا متزايدا على الأمن الغذائي والأمن المائي للأجيال القادمة، وأصبحت حلول التكيف والحد من هذه الظواهر أمر ضروري وحتمي يجب الإسراع في تنفيذه باستخدام التكنولوجيا المتطورة فضلا عن بناء القدرات المصرية في هذه المجالات. حتى تكون مصر قادرة على المضي قدما في طريق التنمية المستدامة.
باحثة ببرنامج السياسات العامة



