
طاقة الرياح المصرية: هل تصبح مصر موطن إنتاج الطاقة النظيفة في العالم؟
بدأت دول العالم في انتهاج سياسات جديدة للطاقة، تعتمد بشكل متزايد على الطاقات المتجددة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح، لا سيما أن بعض هذه الدول مثل مصر تمتلك مقومات ضخمة لاستخدام طاقة الرياح في إنتاج الطاقة، حيث شهدت ارتفاعًا ملموسًا في معدل إنتاج الطاقة النظيفة، مما يشير إلى تقدمها في هذا المجال بشكل ملحوظ، فقد ارتفع معدل إنتاج مصر من الطاقة النظيفة إلى حوالي 20%، والجدير بالذكر أن مزارع الرياح تعد واحدة من أهم مشروعات الطاقة النظيفة التي حققت فيها مصر معدلات قياسية غير مسبوقة في كفاءة تشغيلها فاقت المعدلات العالمية البالغة 4% للأعطال، في الوقت الذي وصلت فيه كفاءة ومعدلات تشغيل التوربينات المصرية إلى أكثر من حوالي 90%.
وفي السياق ذاته، أوضح تقرير مجلس طاقة الرياح العالمي، الصادر في 13 مارس الجاري، أن الاستغلال الأمثل لإمكانات الرياح الهائلة في 5 دول نامية وهي (مصر والمغرب والأرجنتين وكولومبيا وإندونيسيا) يمكن أن يضيف إجمالي حوالي 3.5 جيجاوات، ويوفر حوالي 12.5 مليار دولار وحوالي 130 ألف وظيفة للاقتصادات المحلية، في غضون 5 سنوات فقط. ووفقًا لما سبق سنحاول إلقاء الضوء على الجهود المصرية المبذولة في ملف طاقة الرياح.
الرؤية والاستراتيجية المصرية
نص الهدف الخامس من رؤية مصر 2030 على أننا نسعى إلى الحفاظ على التنمية والبيئة معًا، من خلال الاستخدام الرشيد للموارد بما يحفظ حقوق الأجيال القادمة في مستقبل أكثر أمنًا وكفاية، ويتحقق ذلك بمواجهة الآثار المترتبة على التغيرات المناخية وتعزيز قدرة الأنظمة البيئية على التكيف، والقدرة على مواجهة المخاطر والكوارث الطبيعية وزيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة، وتبني أنماط الاستهلاك والإنتاج المستدامة. ومن هذا المنطلق، تحتل الطاقة المتجددة مكانة رئيسة في خطط التنمية المستدامة وذلك من منظور تعظيم الاستفادة من الموارد الطبيعية، كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح، بالإضافة إلى ترشيد استخدام جميع الموارد، سواء المتاح منها بوفرة أو النادر، وكذلك سعي الدولة إلى تحسين كفاءة استخدام الطاقة.
بالإضافة إلى أن عام 2014 كان عامًا مميزًا للطاقة المتجددة في مصر؛ ففي يناير، أقر دستور جديد بعد عملية استفتاء ونصت المادة 32 من الدستور على ما يلي: تلتزم الدولة بالعمل على الاستغلال الأمثل لمصادر الطاقة المتجددة، وتحفيز الاستثمار فيها، وتشجيع البحث العلمي المتعلق بها، وتعمل الدولة على تشجيع تصنيع المواد الأولية، وزيادة قيمتها المضافة وفقًا للجدوى الاقتصادية. علاوة على ذلك، ترتكز استراتيجية هيئة الطاقة المتجددة التابعة لوزارة الكهرباء، على تنويع مصادرها حيث تهدف إلى استخدام تلك الطاقة طبقًا لاستراتيجية الدولة 2035، والتي تتضمن تعظيم دور الطاقة المتجددة لتصل نسبة مشاركتها في مزيج الطاقة بنحو حوالي 42%، ليوضح ذلك تقدم الأعمال في مجالات الطاقة الشمسية ومحطات الرياح والطاقة المائية، والكتلة الإحيائية، فعلى الرغم من تأثير جائحة كورونا على الاقتصاد العالمي والأزمة الروسية الأوكرانية سلبيًا، تمكن قطاع الطاقة المتجددة في مصر من إحراز نجاحات عديدة.
طاقة الرياح في مصر
لدى مصر تاريخ طويل في تشجيع التحول إلى الطاقة المتجددة، وعلى الرغم من أنها تعد دولة منتجة للوقود الأحفوري خصوصًا الغاز الطبيعي، إذ تأتي ضمن أكبر مصدري الغاز المسال، وتُعد المصدر الأسرع نموًا للغاز الطبيعي المسال بمنطقة الشرق الأوسط وشمال وأفريقيا، رغم أن احتياطياتها من الغاز مقارنةً بدول مثل قطر والمملكة العربية السعودية وإيران تُعد بسيطة، بسبب موقعها الجغرافي على البحر الأبيض المتوسط، وقربها من الأسواق الأوروبية، أضف إلى ذلك أنه على الرغم من اعتمادها على الغاز الطبيعي والنفط في توليد الكهرباء (بنسبة أكبر من 60%)، ولكن هناك اهتمامًا وطنيًا متزايدًا بتنويع مزيج الطاقة والاستفادة من إمكانات الطاقة المتجددة المتوفرة في مصر.
تستهدف مصر وصول نسبة مساهمة الطاقة المتجددة بقدرة توليد الكهرباء إلى حوالي 42% بحلول عام 2035، لتشمل 14% كهرباء مستمدة من طاقة الرياح، و21% من الطاقة الشمسية الكهروضوئية، بالإضافة إلى الطاقة الكهرومائية والطاقة الشمسية المركزة، كما هو موضح في الشكل التالي فيما يتعلق بالنسب المستهدفة. وهنا تجب الإشارة إلى أن مصر نجحت برفع نسبة مساهمة الطاقة المتجددة في قدرة توليد الكهرباء إلى حوالي 20% وذلك في بداية العام الماضي.
وبلا شك، قطاع الكهرباء والطاقة المتجددة مكن الدولة من الخروج من أزمة طاحنة والتي تمثلت في نقص فادح في الإمداد الكهربائي في مصر خلال فترة ما قبل عام 2014، ومن خلال استراتيجية واسعة شملت خطة عاجلة أسفرت عن إضافة ما يقرب من 22 ألف ميجاوات مركب في نحو أربع سنوات، والمضي قدمًا في تنفيذ العديد من مشروعات الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، وتطبيق برامج جادة وواعدة لرفع كفاءة الطاقة وترشيدها، في ظل تقليص قوى وحاسم لدعم الطاقة وتوجيهها إلى برامج الضمان الاجتماعي والنهوض بالصحة والخدمات. لكن سيظل العامل الأكثر حسمًا في هذه الاستراتيجية هو الرؤية السياسية الواضحة والقرار الشجاع بعيد المدى القائم على ضرورة التنوع المستقبلي لمصادر إنتاج الطاقة، والبدء الفعلي في إعادة هيكلة مزيج التوليد الكهربي باستخدام مصادر الفحم والطاقة النووية في مخطط التوسعات في التوليد الكهربي حتى عام 2030، كما هو موضح في الشكل التالي، حيث بلغ حجم الاستثمار المباشر في مشروعات الطاقة المتجددة حوالي 4.4 مليار دولار.
واستكمالًا لما سبق، مصر بها أفضل مناطق في العالم بها سرعات رياح عالية، مثل البحر الأحمر وخليج السويس، فضلاً عن شرق وغرب النيل، وتُعد طاقة الرياح أرخص تكلفة من الطاقة الشمسية بالإضافة إلى انتشار تكنولوجيا طاقة الرياح وقيام مصر بتصنيع المكونات محليًا، ويمكن لمصر أن تكون مصدرًا للطاقة لدول العالم، خاصة أوروبا، وتمتلك مصر 3 مزارع كبيرة للرياح كما هو موضح في الشكل التالي.
ومن المتوقع أن تحتضن مصر أكبر محطة طاقة رياح في العالم بقدرة حوالي 10 جيجاوات، من خلال شراكة إماراتية، حيث سُيسهم مشروع المحطة في تفادي إطلاق حوالي 23.8 مليون طن من الانبعاثات سنويًا، تُشكل حوالي 9% من مجموع انبعاثات الكربون في مصر. وستوفر محطة طاقة الرياح البرية الجديدة لمصر ما يُقدر بنحو 5 مليارات دولار من تكاليف الغاز الطبيعي السنوية، إضافة إلى توفير ما يصل إلى 100 ألف فرصة عمل، كما هو موضح في الشكل التالي.
توقعات وانعكاسات مختلفة على الاقتصاد المصري
تسعى الدولة المصرية إلى التحول إلى مركز إقليمي للطاقة، مستندة إلى البنية الأساسية القوية التي تتمتع بها والمتوافرة لديها، وعلى الرغم من التحديات الكبيرة التي واجهتها الحكومة المصرية في قطاع الطاقة خلال الفترة الممتدة من عام 2011 حتى 2014، وذلك عن طريق:
- اتخاذ العديد من الإجراءات والسياسات، والتي تهدف إلى الإصلاح لإطلاق عملية التحول في الطاقة.
- السعي نحو إدخال طاقة الهيدروجين الأخضر ضمن منظومة الطاقة المصرية.
- العمل على فتح أسواق وآفاق جديدة للاستثمارات في مختلف مجالات الطاقة، وظهر هذا التطلع من خلال توقيع مذكرة تفاهم بين مصر والاتحاد الأوروبي، والتي تضمنت العمل المشترك بين الجانبين في مجالات الطاقة بشقيه من البترول والغاز والكهرباء.
- السعي إلى تطوير مجال الطاقة المتجددة.
بشكل عام، تمتلك مصر بعضًا من أفضل مصادر طاقة الرياح في العالم، بالإضافة إلى الاستثمارات القوية في هذا المجال، وهنا تجب الإشارة إلى أن اتباع الدولة المصرية نهج متسارع سيعمل على تعزيز السعة المركبة بنسبة حوالي 45%، أي ما يعادل حوالي 1.15 جيجاوات وذلك بحلول عام 2027، إذ تمتلك مصر إمكانات كبيرة محتملة مع سرعة عالية للرياح على طول ساحل البحر الأحمر وخليج السويس عبر سرعة الرياح العالية التي تصل إلى 9-10 أمتار في الثانية. ومن شأن ذلك أن يدعم الاقتصاد المصري بأكثر من ملياري دولار مع إضافة حوالي أكثر من 170 ألف فرصة عمل مباشرة، وتبلغ طاقة الرياح البرية المركبة في مصر حاليًا حوالي 1.7 جيجاوات، لكن من المتوقع أن تشهد تركيب ما بين 250 و700 ميجاوات سنويًا خلال المدة من 2023 إلى 2027.
وفي السيناريو القائم على السياسات الحالية (استمرار التركيب كما هو مخطط)، يتوقع مجلس الرياح العالمي تركيب حوالي 2.6 جيجاوات من سعة الرياح في مصر بين عامي 2023 و2027، أما في سيناريو النمو المتسارع (الذي يعتمد على تسارع المشروعات وإزالة الحواجز)، فمن المرجح أن تشهد البلاد تركيبًا إجماليًا يقترب من حوالي 4 جيجاوات وذلك بحلول 2027، كما هو موضح في الشكل التالي.
وفي السياق ذاته، من المتوقع أن تشهد قدرة الطاقة المتجددة في مصر نموًا بنحو حوالي 4.1 جيجاوات خلال المدة بين عامي 2022 و2027، مدعومة بسعة الرياح البرية ومن المتوقع أن تمثل طاقة الرياح 12.2% من إجمالي التوليد السنوي في عام 2035، ثم الطاقة الشمسية الكهروضوئية، وذلك وفق تقرير حديث صادر عن منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول، أوابك.
ووفقًا لما سبق، فإن مصر لديها إمكانات أكبر بكثير من المستهدفات التي وضعتها لعام 2023، وذلك استنادًا على تقرير الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، والذي أوضح أن مصر يمكنها توليد نحو حوالي 53% من الكهرباء عن طريق الطاقة المتجددة بحلول عام 2030. أضف إلى ذلك أن مصر تمتلك أكبر مزارع الرياح في المنطقة حيث تعد محطة جبل الزيت، أكبر محطة طاقة رياح في الشرق الأوسط الواقعة بمنطقة البحر الأحمر في مصر، واحدة من كبريات محطات إنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة على مستوى العالم، سواء من حيث المساحة أو القدرات، وتقع في منطقة جبل الزيت على مساحة 100 كيلومتر مربع، في مدينة رأس غارب، بمحافظة البحر الأحمر، ضمن مجموعة من مشروعات الطاقة المتجددة على طول الطريق من القاهرة إلى البحر الأحمر، مرورًا بالزعفرانة والغردقة وغيرها من المدن المصرية. ويضم المشروع الأول من المحطة نحو 120 توربين رياح، بقدرة 240 ميجاوات، وربط نحو 100 توربين منها بشبكة الكهرباء القومية، في حين يضم المشروع الثاني 110 توربينات، بقدرة 220 ميجاوات، والمرحلة الثالثة 60 توربينًا بشبكة الكهرباء، بقدرة 120 ميجاوات، وتأسست محطة جبل الزيت لطاقة الرياح، لتصبح أكبر محطات الطاقة المتجددة والنظيفة في منطقة الشرق الأوسط، وواحدة من أكبر المحطات عالميًا كما هو موضح في الشكل التالي.
والجدير بالذكر، أن تلك المحطة تم إنشاؤها وفق أحدث التكنولوجيات، ما يجعلها قادرة على خفض 2.4 مليون طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سنويًا، وهنا تجب الإشارة إلى ارتفاع حجم انبعاثات قطاع الطاقة في مصر من ثاني أكسيد الكربون خلال 2021 إلى 219.6 مليون طن، مقابل 203.3 ملايين طن خلال 2020، وفي المقابل، تراجعت انبعاثات مصر من حرق الوقود خلال عام 2021 إلى 4.7 ملايين طن، مقابل 5.1 ملايين طن في 2020 كما هو موضح في الشكل التالي، وبالتالي وضعت مصر خطة وطنية لخفض انبعاثات الوقود الأحفوري في مصر، ومن المقرر أن ترتكز الخطة على خفض انبعاثات قطاعي توليد الكهرباء وإنتاج النفط والغاز، لمواجهة الآثار السلبية للتغيرات المناخية.
وتتويجًا للجهود المميزة التي اتخذتها الدولة، جاءت مصر في المرتبة الأولى في المنطقة العربية إنتاجًا للكهرباء من طاقة الرياح والطاقة الشمسية، بمعدلات إنتاج تبلغ حوالي 3.5 جيجاوات، ومستهدف وصولها إلى حوالي 6.8 جيجاوات بحلول عام 2024، ومقسمة بين 1.6 جيجاوات من طاقة الرياح و1.9جيجاوات من محطات الطاقة الشمسية. وأفريقيًا، كذلك احتلت مصر المركز الثاني فيما يتعلق بمساهمتها في إنتاج الطاقة الشمسية على مستوى القارة الأفريقية والتي بلغت حوالي 16%، فيما تأتي في المركز الثالث في إنتاج طاقة الرياح وبنسبة حوالي 21%، كما هو موضح في الشكل التالي.
ختامًا، طموح الحكومات إلى مكافحة تغير المناخ والانتقال إلى نظام طاقة يتجاوز الكربون، هو طموح ينعكس على توسع العالم حاليًا في تكنولوجيات الطاقة المتجددة، وعليه يمكن القول إن الدولة المصرية تتخذ العديد من الخطوات الملموسة بهدف تعزيز أمن الطاقة والحفاظ على موارد الدولة الطبيعية في ظل التغيرات المتصاعدة التي يشهدها العالم، فيما تُشكل الطاقة البديلة والمتجددة عصا موسى والتي تستطيع الدولة المصرية من خلالها أن تحقق العديد من الأهداف الاقتصادية والسياسية والأمنية في آن واحد، وذلك بتوفير فرص العمل ورفع حجم المساهمة في التصدير للخارج، وزيادة النفوذ والتوسع الإقليمي والعالمي.
دكتور مهندس متخصص في شؤون النفط والطاقة