تغير المناخ

منصة مصر الخضراء نحو المستقبل “نوفي”.. الرؤية والأهداف

تحتاج العديد من الدول -خصوصًا النامية منها- إلى توفير تمويلات لمشروعات خفض معدلات الانبعاثات الضارة، مثل مشروعات الطاقة الخضراء أو المتجددة، مما يقلل من استخدام الوقود الأحفوري الأكثر ضررًا بالبيئة في توليد الكهرباء، ومع أزمتي الركود وتسارع التضخم اللتين تؤثران بشكل كبير في الاقتصاد العالمي، ظهرت تحديات توفير تمويلات من الدول الكبرى والمنظمات الدولية لمشروعات المناخ. 

وكشفت تلك الأزمات محدودية فاعلية التمويل المقدم من الدول المتقدمة لحماية شعوب الدول النامية من آثار التغير المناخي الشعوب الأفريقية، إذ تعهدت الدول المتقدمة بتقديم نحو حوالي 100 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2020، لمساعدة الدول النامية على التكيف مع آثار التغير المناخي والعمل على خفض الانبعاثات الكربونية الضارة أو منعها، ولكنها في الحقيقية أم تفٍ سوى بقرابة 80 مليار دولار منذ عام 2015.

ولذلك جاءت الفكرة المصرية بإنشاء منصة وطنية تدعم التحول الأخضر، بهدف جذب وحشد الجهود الدولية نحو تمويل مشروعات التحول الأخضر فى الدولة المصرية، انطلاقًا من تدعيم بعض المؤسسات والبنوك للدول التي تمتلك رؤية واضحة لمواجهة التحديات المناخية من خلال منح وقروض ميسرة، وعلى سبيل المثال جنوب أفريقيا التي استفادت بحوالي أكثر من 8 مليار دولار من أجل خفض إنتاج الفحم. وهو ما يستدعي إلقاء الضوء على  منصة نُوَفِّي وانعاكاساتها على الاقتصاد والمواطن المصري؟

برنامج نُوفّي وأهدافه

هي منصة أطلقتها وزارة التعاون الدولي فى بداية يوليو الماضي، بالتعاون مع الجهات الوطنية المعنية في ضوء الجهود الوطنية لتحفيز العمل المناخي وتحت مظلة الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية 2050، وتنفيذًا لتوجيهات رئيس مجلس الوزراء د.مصطفى مدبولي، بإعداد والترويج لقائمة المشروعات الخضراء، وذلك بهدف حشد التمويلات التنموية الميسرة ومنح الدعم الفني لتنفيذ المشروعات الخضراء، وأيضًا التمويلات المختلطة التي تحفز مشاركة القطاع الخاص، انطلاقًا من توجه الدولة نحو توسيع قاعدة دور القطاع الخاص في جهود التنمية. 

بالإضافة إلى تعزيز جهود تحقيق النمو الشامل والمستدام وتحقيق التنمية منخفضة الكربون، وبناء المرونة والقدرة على التكيف مع ظاهرة التغيرات المناخية، وتحسين حوكمة وإدارة العمل في مجال التغير المناخي، وتطوير البنية التحتية لتمويل الأنشطة المناخية، فضلًا عن تعزيز أنشطة البحث العلمي ونقل التكنولوجيا. وتعني باللغة الإنجليزية 

From Pledges to Implementations Egypt’s Nexus Of  Water, Food & Energy

وباللغة العربية  محور الارتباط بين مشروعات المياه والغذاء والطاقة  من التعهدات إلى التنفيذ.

واختصاره NWFE أي نُوَفِّي بما يعني الوفاء بالتعهدات، وهو شعار الرئاسة المصرية لمؤتمر لمناخ، وهو ما يؤكد جدية مصر فى التعامل مع التحديات المناخية، حيث وضعت خارطة طريق لمواجهة التحديات المناخية فيما يتعلق بتسريع مشروعات الاقتصاد الأخضر من خلال تنفيذ مشروعات الطاقة المتجددة والإدارة المستدامة للموارد المائية وغيره.

تعمل المنصة على تحقيق أهداف رئيسة نحو سعي مصر إلى تحقيق خطط الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية 2050 مما يحقق الأهداف التالية: 

  • تحقيق نمو اقتصادي مستدام وتنمية منخفضة الانبعاثات في مختلف القطاعات.
  • التأكيد على التزام الدولة المصرية بإتفاقية قمة باريس عام 2015 والعمل المناخي.
  • فرصة هائلة تطرحها الحكومة المصرية للقطاع الخاص للاستثمار فى مجالات مختلفة مثل الطاقة المتجددة وتحلية المياه والزراعة وغيرها ضمن محاور الطاقة والمياه والزراعة.
  • خلق فرص عمل.
  • ستكون بمثابة الآلية التي  ستعمل بها الدولة من خلال الترويج لقائمة المشروعات التنموية الخضراء فى كافة قطاعات الطاقة والمياه والغذاء.
  • ستساهم فى حل العديد من المشكلات فيما يتعلق بكيفية جعل التكيف قابل للتمويل وتحقيق التوازن بين التكيف والتخفيف.
  • تأمين الاحتياجات الأساسية وتحقيق مثلث الأمن (الأمن المائي والغذائي وأمن الطاقة) وتسريع معدل الجانب التنموي.
  • توفير طاقة نظيفة لسد الاحتياجات الأساسية بالإضافة إلى تعزيز نسبة وصول المشروعات الخضراء إلى أكثر من حوالي 50% بحلول عام 2050.  
  • بناء المرونة والقدرة على التكيف مع تغير المناخ وتخفيف الآثار السلبية المرتبطة به.  
  • تحسين حوكمة وإدارة العمل في مجال تغير المناخ. 
  • تحسين البنية التحتية لتمويل الأنشطة المناخية.  
  • تعزيز البحث العلمي ونقل التكنولوجيا وتبادل المعرفة.

وبشكل عام، من بين ما تتميز به المنصة الوطنية نُوَفِّي شمولية الأهداف والوصول إلى كل قطاعات المجتمع المصري، حيث إنها تقوم على نهج التنمية الشاملة التي تنفذها مصر وبالتحديد بعد عام 2014، حيث تهدف تلك المشروعات والمدرجة ضمن البرنامج إلى تحقيق هدف التنمية عبر المناطق الجغرفية المختلفة في مصر، وهو ما يعكس شمولية جهود التنمية واتساع نطاقها، وسعي القيادة السياسية لتحقيق هدف التنمية المستدامة الشاملة لكافة فئات المجتمع المصري وفي كافة ربوع الدولة.

لماذا تم تدشين المنصة الوطنية للمشروعات الخضراء “نُوَفِّي”؟

أطلقت مجموعة الدول السبع (G7) مبادرة لتدشين منصات التحول العادل بقطاع الطاقة تحت مسمى . Just Transition Platform وذلك بهدف دعم البلدان الأكثر تلويثًا للبيئة للتحول إلى الطاقة النظيفة، وأطلقت بعض الدول بالفعل منصات شبيهة، لكن واجهتها بعض التحديات التي لم تمكنها من الحصول على التمويلات اللازمة والدعم من المجتمع الدولي، لذلك حرصت مصر على دراسة النماذج السابقة كافة لتلافي هذه التحديات، وصياغة إطار عام للترتيبات المؤسسية، بالتنسيق مع مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والاستثمار، وإعداد قائمة من المشروعات ذات الأولوية في مشروعات التخفيف والتكيف والمرونة. 

وعلى ضوء هذه المبادرات ارتأت الحكومة المصرية، بأن يتم تدشين منصة وطنية للمشروعات الخضراء، تكون نموذجًا مشابهًا لمبادرة مجموعة الدول السبع، لكي تصبح نموذجًا إقليميًا ومنهجًا دوليًا من الممكن تعميم تجربتها فى العديد من دول العالم، وللدول غير الملوثة للبيئة والتي تساهم بنسب أقل في الانبعاثات لاسيما الدول النامية والاقتصاديات الناشئة وبالأخص دول قارة أفريقيا التي تسعى لحشد جهود التحول إلى الاقتصاد الأخضر، وخاصة أنها تساهم بنسبة أقل من حوالي 4% في الانبعاثات، بينما لا تتلقى سوى أقل من حوالي 5% من التمويل المناخي على مستوى العالم، وهو ما يقوض جهودها لتنفيذ المساهمات المحددة وطنيًا. ولذلك تعمل المنصة على جذب التمويلات لمواجهة تداعيات التغيرات المناخية وتعزيز جهود مصر نحو التحول الأخضر وتنفيذ مساهمتها المحددة وطنيًا، فى ظل فشل العديد من الدول نحو الوصول إلى حلول تتماشي مع اتفاق باريس للمناخ عام 2015.

حجم الاستثمارات المستهدفة

تضمنت الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية 2050، التي أطلقتها مصر خلال العام الجاري، حوالي أكثر من 26 مشروعًا ذات أولوية حتى عام 2050 والتي تٌشكل إطارًا مهمًا للتحول إلى الاقتصاد الأخضر. وبعد ذلك تم الوقوف على 9 مشروعات تنموية ذات أولوية من هذه المشروعات في قطاعات المياه والغذاء والطاقة وذلك في ضوء الأهمية القصوى لهذه القطاعات الثلاثة في ظل الأزمات والتحديات التي يشهدها العالم فى الفترة الراهنة. 

ويعكس الاختيار الارتباط المحوري بين مشروعات الطاقة النظيفة وضرورة ربطها بمحوري المياه والغذاء، وبالتالي النظم البيئية التي تعتمد عليها الموارد الطبيعية، وتبلغ التكلفة الإجمالية والاستثمارات المستهدفة حوالي 14.7 مليار دولار، وتتوزع بواقع مشروع ضخم في قطاع الطاقة، 5 مشروعات في قطاع الأمن الغذائي، و3 مشروعات في قطاع الأمن المائي، وحوالي 10 مليار دولار لقطاع الطاقة وحوالي 1.35 لقطاع المياه وحوالي 3.35 لقطاع الزراعة والأمن الغذائي. ليصبح الإجمالي حوالي 14.7 مليار دولار. 

وفى قمة المناخ رقم 27 المنعقدة حاليًا، أعلنت الحكومة الألمانية توفير تمويلات عبارة عن 10 مليون يورو فى صورة مبادلة ديون بالإضافة إلى حوالي 5 مليون يورو للمساهمة فى تمويل محور الطاقة ضمن البرنامج. بالإضافة إلى أن وزارة التعاون الدولي المصرية أعلنت الثلاثاء الماضي، أن برنامج نُوَفِّي جمع تمويلات إنمائية ميسرة قيمتها حوالي 10.3 مليار دولار، بعد توقيع عدد من اتفاقيات الشراكة وخطابات النوايا مع شركاء التنمية متعددي الأطراف والثنائيين والمؤسسات الدولية، لتمويل مشروعات البرنامج في قطاعات المياه والغذاء والطاقة.

ربط الطاقة المتجددة بالتنمية وإشادات دولية 

تأتي أهمية الطاقة المتجددة من خلال ربط الطموح المصري بزيادة مساهمة نسبة الطاقة النظيفة بتوفير الاحتياجات الأساسية للمواطن المصري، وهذا الملف شهد طفرة كبيرة جدًا من خلال تنفيذ العديد من المشروعات القومية ووضعت مصر الاستراتيجية الخاصة بالطاقة المستدامة والمتكاملة 2035 والتي تهدف لزيادة نسبة مساهمة الطاقة المتجددة إلى حوالي 42% وذلك بحلول عام 2035. والاستفادة منها فى قطاع الزراعة وإدخال أنواع جديدة من المحاصيل والتي تتمتع بقدرة كبيرة على التكيف مع التغيرات المناخية وبالإضافة إلى الاستفادة منها فى توفير مصدر للمياه عن طريق تحلية المياه باستخدام الطاقة المتجددة. 

وتُعد مصر من الدول التي تبذل جهودًا نحو التوسع في تنفيذ مشروعات الطاقة المتجددة، وذلك بهدف خفض انبعاثاتها الضارة بالبيئة، بالتوازي مع تقليل فاتورة استيرادها للمنتجات والمشتقات البترولية. حيث جاءت مصر بالمرتبة الثانية أفريقيًا من حيث توليد الكهرباء عبر الطاقة المتجددة والأولى على مستوى الدول العربية. وسجلت الكهرباء المولدة من الطاقة المتجددة في مصر خلال العام الماضي نحو حوالي 10.5 تيراواط في الساعة، مقابل 9.7 تيراواط في الساعة خلال العام السابق له. 

وكذلك ساهمت مصر في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري يبلغ حوالي 0.6% من الإجمالي العالمي. ولكن مصر خفضت استهلاك الفحم بنسبة حوالي أكثر من 62.1%، مع ارتفاع توليدها للكهرباء عبر الطاقة المتجددة، مما ساعد على خفض حوالي 10 ملايين طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون خلال عام 2021، مع توفير حوالي 4 ملايين طن نفط مكافئ.

واستحوذت المنصة الوطنية للمشروعات الخضراء “نُوَفِّي” على اهتمام التحالفات الدولية لتمويل المناخ. وقد أشاد بالبرنامج مسؤولون رفيعو المستوى من بينهم السيد/ مارك كارني، المبعوث الخاص للأمم المتحدة المعني بالعمل والتمويل المناخي ورئيس تحالف جلاسجو المالي، والسيد/ جون كيري، المبعوث الرئاسي الأمريكي للمناخ والذي أعلن إن مبادرة منصة نوفي من أهم الإنجازات في إطار مؤتمر الأطراف قمة المناخ بشرم الشيخ، مشيرًا إلى أنها نموذج للتمويل المبتكر، والسيد/ فرانز تيميرمانز، نائب الرئيس التنفيذي للمفوضية الأوروبية، ومؤسسات التمويل الدولية مثل مجموعة بنك التنمية الافريقي وبنك الاستثمار الأوروبي وغيرها. وكذلك أعربت جنوب أفريقيا عن اهتمامها بالبرنامج. 

ومن جهة أخرى أشادت أوديل رينو باسو رئيسة البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، بتنظيم مصر لمؤتمر المناخ، منوهة بأن المنصة تُعد نموذجًا رائدًا وتتضمن حشدًا من شركاء التنمية والقطاع الخاص، بالإضافة إلى أن تركيز الرئيس عبد الفتاح السيسي على هذه المنصة في كلمته أمام قمة القادة يعكس الدعم القوي الذي يقدمه.

خلاصة القول، جاءت قمة المناخ بشرم الشيخ رقم 27، بمثابة بوابة التنفيذ لكل قمم المناخ السابقة من خلال تنفيذ عدة خطوات على رأسها مناقشة قضية التمويل المناخي. ولذلك يُعد برنامج نُوَفِّي مشروعًا وطنيًا وجزءًا من الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية 2050، واستمرارًا للجهود المصرية المبذولة منذ عام 2014 فى مواجهة التحديات المناخية، ورسالة مصرية لجميع دول العالم ودعوة للتعاون من أجل حشد الجهود الدولية للتحول الأخضر. وبرنامجًا تقدم من خلاله مسارًا متكاملًا للتعاون بين الحكومة المصرية والقطاع الخاص من خلال مجموعة من المشروعات التنموية. وفى الأخير قبل أيام من قرب انتهاء قمة المناخ رقم 27، نستطيع القول بأن القمة هى الأنجح فى تاريخ القمم السابقة، واستطاعت تحقيق المعادلة المناخية الصعبة وهي كيفية جعل التكيف قابل للتمويل وتحقيق التوازن بين التكيف والتخفيف.

د. أحمد سلطان

دكتور مهندس متخصص في شؤون النفط والطاقة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى