مصر

خطوات جديدة نحو تمكين المرأة في السلك القضائي

في واقعة هي الأولى من نوعها في تاريخ النيابة العامة، اعتلت سيدة مقام ممثل النيابة العامة أمام محكمة الجنايات، في يوم الأحد 12 فبراير 2023، خلال محاكمة كهربائي بتهمة قتل والمعروفة إعلاميًا بقضية “محامي كرداسة”.

وشهدت الدائرة السادسة بمحكمة جنايات الجيزة مرافعة سيدة ممثلة عن النيابة العامة، في سابقة لم تحدث من قبل في تولي لأول مرة عضوة بالنيابة العامة تمثيل الادعاء العام أمام محاكم الجنايات. وأفادت ممثلة النيابة، في مستهل مرافعتها، إنها تفتخر كونها أول سيدة مصرية تعتلي مقام الادعاء ومحراب النيابة العامة، مضيفة أن مهنة المحاماة جزء لا يتجزأ من العدالة.

خطوات تمكين المرأة في السلك القضائي

بالنظر في خطوات الدولة بشكل عام فيما يخص تقلد المرأة مناصب قضائية، فقد بدأت هذه الخطوات الجادة بالقضاء العادي عام 2007 بتعيين أول 30 قاضية حتى تعيين آخر دفعة عام 2015، كما تم تعيين 26 قاضية جديدة في محاكم الدرجة الأولى و 66 قاضية في المحاكم بشكل عام، بالإضافة إلى تعيين 6 قاضيات كنواب لرئيس هيئة قضايا الدولة، و11 قاضية بالنيابة العامة بعد موافقة المجلس الأعلى للقضاء بناء على طلب قدمه النائب العام المستشار حمادة الصاوي، لنقل 11 قاضية للعمل بالنيابة العامة بدرجاتهن المقابلة بالقضاء للعمل بالنيابة العامة للعام القضائي 2021/ 2022.

وقد وجه السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي في إطار الاحتفال باليوم العالمي للمرأة في مارس 2021، إلى تفعيل نص المادة 11من الدستور تفعيلًا كاملًا في كفالة حق المرأة في التعيين في الجهات القضائية، وهو ما يكفل تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة في جميع الحقوق، كذلك المادة 14 من الدستور التي نصت على أن “الوظائف العامة حق للمواطنين”، “وأن العمل حق وواجب وشرف تكفله الدولة للمواطنين -مادة 12 -وأعدّ هذا التوجيه خطوة غير مسبوقة في تاريخ الدولة المصرية وذلك لندرة وجود المرأة في الجهات والهيئات القضائية رغم وجود الكفاءات المؤهلة لذلك”.

وفي استجابة سريعة، بادر مجلس الدولة بإصدار الإعلان رقم (2) لسنة 2021، والذي حمل في طياته خطة تنفيذ لأول مرة في التاريخ القضائي لمجلس الدولة، ويتضمن تنفيذ التوجيه الرئاسي بالموافقة على تعيين عدد من عضوات النيابة الإدارية، وعضوات هيئة قضايا الدولة، عن طريق النقل لمجلس الدولة، لشغل وظيفة “مندوب” أو وظيفة “نائب” بالمجلس.

وقد تم التنسيق بين هيئة النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة لإتمام نقل العضوات الراغبات في الالتحاق بالعمل قاضيات في مجلس الدولة، وعمل أفضل التسهيلات لهن، بعد وضع عدة شروط وضوابط لنقلهن من النيابة الإدارية أو قضايا الدولة إلى مجلس الدولة، منها” “حصول العضوة على تقدير امتياز أو جيد جدًا في درجة الليسانس، بالإضافة إلى حصولها على دبلومتين للدراسات العليا إحداهما في القانون العام أو القانون الإداري، وخلو ملفها من أية إجراءات أو ملاحظات، واجتيازها المقابلة الشخصية أمام اللجنة المختصة بمجلس الدولة”.

وتنفيذًا لقرار الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية رقم 446 لسنة ٢٠٢١ بتعيين عدد (۹۸) قاضية في مجلس الدولة، تم توزيع القاضيات للعمل في الدوائر المختلفة لهيئة مفوضي الدولة، فقمن بدراسة القضايا وإعداد تقارير بالرأي القانوني فيها، وفي ذات الوقت اجتازت جميع القاضيات دورة تدريبية مكثفة لاكتساب التقاليد القضائية ومهارات العمل القضائي، ودراسة ملفات القضايا، وإدارة الجلسة، والإلمام ببعض الأمور المتعلقة بالأمن القومي، ومكافحة الفساد والمشروعات القومية وزيارة بعضها.

ملامح تمثيل المرأة في القضاء المصري

على صعيد المحكمة الدستورية، وعلى الرغم من أن النساء في مصر قد مارسن العمل في القانون منذ ثلاثينيات القرن العشرين؛ إلا إنه لم تعين سيدة في وظيفة قاضٍ إلا في عام 2003 عندما عُيّنت المستشارة الراحلة تهاني الجبالي، نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا، كأول سيدة تجلس على منصة القضاء لتنظر القضايا، وتصدر الأحكام فيها.  

وتولت المرأة أيضًا رئاسة هيئة النيابة الإدارية فترتين متتاليتين وشارك أعضاء هيئة النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة من النساء في الإشراف القضائي على الانتخابات التشريعية التي أجريت عام 2005، وكذلك شاركن في عضوية لجان التوفيق في المنازعات الذي أخذ به المشرع المصري بالقانون رقم 7 لسنة 2000، إذ تتولى المستشارات السابقات من هيئتي قضايا الدولة والنيابة الإدارية رئاسة عدد من اللجان المشار إليها، وفي ديسمبر 2020 تم تعيين الدكتورة فاطمة الرزاز عميدة كلية الحقوق بجامعة حلوان نائب رئيس المحكمة الدستورية كثاني سيدة تتولى هذا المنصب.

وفي القضاء العالي، نجحت المرأة المصرية في الدخول إلى سلك القضاء عام 2007 عندما أدت 31 قاضية اليمين الدستورية، وفي عام 2008 تم تعيين 12 مستشارة من النيابة الإدارية بالقضاء العالي. ومع حلول عام 2015، وصل مجموع السيدات اللاتي يتولين منصب قاضيًا إلى 66 فقط، مقابل 16 ألف قاضٍ، وهي النسبة التي كانت لا تتعدى النصف في المائة.

أما في عام 2009، صدر إعلان المجلس الخاص بمجلس الدولة عن قبول تعيينات مندوبين مساعدين بمجلس الدولة، إلا أن الجمعية العمومية لمجلس الدولة انعقدت بشكل طارئ وصوتت بالإجماع على رفض تعيين المرأة في مجلس الدولة، وقد أعقبتها جمعية أخرى قررت فيها إرجاء الأمر، ومنذ ذلك التاريخ وقد جمدت القضية بمجلس الدولة.

أما على مستوى النيابة الإدارية، فحسب التقرير الصادر عن مرصد المرأة المصرية بعنوان” تقرير متابعة أنشطة الوزارات لعام 2019-2020 لتنفيذ الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة المصرية 2030” فقد بلغ عدد السيدات المستشارات بهيئة النيابة الإدارية حوالي 1986 من إجمالي 4635 عضوًا بهيئة النيابة الإدارية بالدرجات المختلفة. وقد تولت النساء منصب رئيس هيئة النيابة الإدارية، بالإضافة إلى تعيين ما يقرب من 79 معاونًا للنيابة الإدارية من النساء بموجب القرار 239 لسنة 2020.

وقد اتُخذت بعض الخطوات المضيئة التي تعدَ انتصارًا للنساء مع إطلاق الرئيس عبد الفتاح السيسي عام المرأة المصرية، فعُيّنت لأول مرة مساعدة لوزير العدل في شؤون المرأة والطفل، علاوة على تعيين 4 قاضيات سكرتارية اللجنة العليا للانتخابات.

وكذا، عُيّنت 6 سيدات كنائبات لرئيس هيئة قضايا الدولة عام 2018، “وإن بلغ إجمالي عدد القاضيات في الهيئة 430 قاضية”، إضافة إلى تعيين أول سيدة رئيسة المحكمة الاقتصادية في مصر. وفي عام 2019 عُيّنت فاطمة قنديل أول قاضية مصرية على منصة القضاء بقضايا الجنايات. وفي مارس 2021، عُينت المستشارة إيمان سعودي في منصب أمين عام مساعد لشؤون المرأة والعلاقات الإنسانية وهي أول مستشارة تتولى هذا المنصب في تاريخ قضايا الدولة.

جدير بالذكر أن قضية دخول المرأة إلى السلك القضائي قد مرت بحالة من الجدل والخلافات داخل صفوف الأوساط القضائية نفسها. وتحديدًا بين فقهاء القانون الذين كانوا يرفضون الأمر، بدعوى أن العمل القضائي غير مناسب لطبيعة المرأة. فيما كانت أسباب رفضهم الحقيقية ترجع إلى بعض التقاليد القضائية من جهة، وإلى التفسيرات الشرعية الخاطئة للدين الإسلامي من جهة أخرى. وليس بسبب أحكام دستورية أو بنود قانونية صريحة؛ ذلك نظرًا لأن القانون المصري كفل حق المساواة بين الجنسين في الحقوق الواجبات. ولا توجد نصوص قانونية صريحة تحظر أن يكون القاضي أو عضو مجلس الدولة سيدة.

المصادر

1- اليوم الدولي للقاضيات والنموذج المصري، مبتدأ، 2022.

2- للمرة الأولى في تاريخ القضاء.. عضوة بالنيابة العامة تمثل بمقام الادعاء، اليوم السابع، 2023.

+ posts

باحثة ببرنامج السياسات العامة

د.هالة فودة

باحثة ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى