
التأثيرات المتنامية للصراعات المسلحة على المرأة
في الصراعات المسلحة والتي يدور أغلبها في دول نامية، فإن 90% من ضحاياها يكونون من من المدنيين وأغلبهم من النساء والأطفال؛ إذ تتعرض النساء لشتى أنواع الانتهاكات التي يجرمها القانون والأعراف الإنسانية، أبرزها على الإطلاق: الاعتداءات الجنسية، والقتل الجماعي المنظم للنساء، والاعتقال التعسفي لهن لاستدراج ازواجهن او آبائهن بغرض اعتقالهم، والتعذيب، والتشريد والإجبار على النزوح الداخلي. وتشتد معاناتهن في مثل تلك الظروف؛ بفعل الأعباء والمسؤوليات الإضافية المُلقاة على عاتقهن كزوجات وأمهات.
وتؤدي الحروب والنزاعات المُسلحة كذلك إلى تدهور وانهيار مرافق الحياة الصحية والتعليمية والاقتصادية والاجتماعية. وفي ظل عدم المساواة التي تُعاني منها المرأة؛ يقع التأثير الأكبر على النساء من الرجال. ويمثل تنامي العنف ضد النساء -مباشرًا كان أم غير مباشر- أشد آثار النزاعات خطرًا على المرأة والمجتمع، وأكثر ما يستوجب التدخل المباشر من الأطراف جميعًا؛ فالتجارب المريرة التي شهدتها بلدان عدة أوضحت أن النساء دفعن ثمنًا باهظًا لهذه النزاعات من حيواتهن وصحتهن البدنية والنفسية وعلاقاتهن الاجتماعية.
تحركات دولية
كان المجتمع الدولي بطيئًا في الاعتراف بأن العنف ضد المرأة في أي سياق هو من قضايا حقوق الإنسان، وتباطأ كثيرًا في إشراك المرأة في عمليات حفظ السلام وصنع السلام، أو في مبادرات نزح الأسلحة وتسريح المجندين أو إعادة ادماجهم بعد انتهاء الحرب. ومن هنا نادت الدول إلى إيجاد أسس فكرية تجعل من تسوية النزاعات وإحلال السلام العالمي هدفًا ممكن التحقيق.
1– اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة CEDAW
في ديسمبر 1979، اتُخذت خطوة رئيسة نحو تحقيق هدف منح المرأة المساواة في الحقوق عندما اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. وتضع اتفاقية “سيداو” المؤلفة من 30 مادة، في قالب قانوني ملزم، المبادئ والتدابير المقبولة دوليًا لتحقيق المساواة في الحقوق للمرأة في كل مكان. وجاء اعتمادها تتويجًا لمشاورات استمرت خمس سنوات أجرتها فرق عاملة متعددة واللجنة المعنية بمركز المرأة والجمعية العامة.
وتكشف هذه الاتفاقية الشاملة بدعوتها إلى كفالة الحقوق المتساوية للمرأة في جميع الميادين –سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية ومدنية- عمق العزلة والقيود المفروضة على المرأة على أساس الجنس لا غير. وهي تدعو إلى سن تشريعات وطنية تحرّم التمييز، وتوصي باتخاذ تدابير خاصة مؤقتة للتعجيل بتحقيق المساواة الحقيقية بين الرجل والمرأة، وباتخاذ خطوات تستهدف تعديل الأنماط الاجتماعية والثقافية التي تؤدي إلى إدامة هذا التمييز.
وتنص التدابير الأخرى على كفالة الحقوق المتساوية للمرأة في: المجالات السياسية، وفي الحياة العامة، والمساواة في الحصول على التعليم، وإتاحة نفس الخيارات من حيث المناهج التعليمية، وعدم التمييز في التوظيف وفي الأجر، وضمانات للأمن الوظيفي في حالات الزواج والولادة. وتشدد الاتفاقية على تساوي الرجل والمرأة في المسؤولية داخل إطار الحياة الأسرية، وتركز أيضًا على الخدمات الاجتماعية، ولا سيما مرافق رعاية الأطفال اللازمة للجمع بين الالتزامات الأسرية ومسؤوليات العمل والمشاركة في الحياة العامة.
وتدعو مواد أخرى في الاتفاقية إلى عدم التمييز في الخدمات الصحية التي تقدم للنساء، بما في ذلك الخدمات المتصلة بتخطيط الأسرة، وإلى منح المرأة أهلية قانونية مماثلة لأهلية الرجل، وتطلب أن توافق الدول الأطراف على أن كل العقود والصكوك الخاصة الأخرى التي تقيد من الأهلية القانونية للمرأة “يجب أن تعد لاغية وباطلة”. وتولى الاتفاقية اهتمامًا خاصًا لمشاكل المرأة الريفية. وتنشئ الاتفاقية جهازًا للإشراف الدولي على الالتزامات التي تقبل بها الدول، وتتولى لجنة من الخبراء، تقوم الدول الأطراف بانتخاب أعضائها ويعملون بصفتهم الشخصية، بالنظر في التقدم المحرز.
2- بكين + :15 إحقاق حقوق المرأة
في المؤتمر العالمي الرابع للمرأة الذي عقدته الأمم المتحدة في بكين بالصين في سبتمبر 1995، اعتمدت وفود الحكومات من 189 دولة بالإجماع إعلان ومنهاج عمل بكين، وهو بيان التزام سياسي للحكومات المشاركة بالنهوض بأهداف المساواة والتنمية والسلام لجميع النساء في كل مكان، وضمان التنفيذ الكامل للحقوق الإنسانية للنساء والفتيات. وقد حدد منهاج العمل أهدافًا استراتيجية وتضمّن أنشطة موصى بها في 12 مجالًا “مجالات الاهتمام الحاسمة”.
وشكل إعلان ومنهاج بكين تتويجًا لعملية دعوية قوية وخطوات ناجحة مبكرة للاعتراف بحقوق المرأة كحقوق إنسانية في الثمانينيات ومطلع التسعينيات من جانب المدافعين عن حقوق الإنسان وجماعات المرأة في العالم بأسره. وأعاد كذلك التأكيد على المبادئ الأساسية المنصوص عليها في الصكوك المبكرة لحقوق الإنسان والتي تنص على أن الحقوق الإنسانية للمرأة غير قابلة للتصرف وأنها متكاملة وجزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان الشاملة. وكان هدف إعلان ومنهاج عمل بكين يتمثل في تعزيز وحماية تمتع جميع النساء في مجمل دورة حياتهن بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية. ولا يزال إعلان ومنهاج عمل بكين يمثل الاتفاق الأكثر شمولًا حتى الآن بين الحكومات حول ما ينبغي القيام به لتمكين المرأة والإحقاق الكامل لحقوقها والمساواة الحقيقية بينها وبين الرجل.
التأثيرات المتنامية للصراعات المسلحة على المرأةتداعيات الصراعات المسلحة على المرأة:
- المرأة الأوكرانية نموذجًا
وفقًا لتقرير للأمم المتحدة المعنون “الآثار الجنسانية العالمية للأزمة الأوكرانية على الحصول على الطاقة والأمن الغذائي والتغذية”، أدى ارتفاع الأسعار ونقص الغذاء بسبب الحرب إلى توسيع الفجوة العالمية بين الجنسين في انعدام الأمن الغذائي، حيث قللت النساء من تناولهن الغذائي لإطعام أفراد الأسرة الآخرين. وأدى ارتفاع أسعار الطاقة إلى عودة الأسر لاستخدام أنواع وقود وتقنيات أقل نظافة، مما يعرض النساء والفتيات لتلوث الهواء المنزلي الذي يقتل بالفعل 3.2 ملايين شخص كل عام، معظمهم من النساء والأطفال.
وحتى قبل الحرب، كانت الأسر التي تعولها النساء في أوكرانيا تعاني من انعدام الأمن الغذائي بقدر أكبر، حيث عانت 37.5% منها من مستويات معتدلة أو شديدة من انعدام الأمن الغذائي مقارنة بـ 20.5% من الأسر التي يعولها رجال. ووفقًا للتقرير، فالنساء الريفيات في الأراضي محل الصراع أصبحن الآن أقل قدرة على أداء أعمالهن الزراعية بسبب انعدام الأمن ونقص الموارد، ومع ذلك فهن يرتقين إلى مستوى التحدي المتمثل في استيعاب وإطعام النازحين داخليًا، مما يضاعف من مسؤولياتهن في الرعاية غير مدفوعة الأجر والعمل المنزلي.
بالإضافة إلى ذلك، يُظهر التقرير أن هناك زيادات مقلقة في: العنف القائم على النوع الاجتماعي، والجنس مقابل الغذاء والبقاء على قيد الحياة، والاستغلال الجنسي والاتجار، والزواج المبكر، وزواج الأطفال، والزواج القسري؛ نتيجة لتدهور الأوضاع المعيشية في سياق النزاعات والأزمات الإنسانية في جميع أنحاء العالم.
- المرأة السودانية نموذجًا
لطالما عانت المرأة السودانية من أوضاع اجتماعية معقدة، خاصة بعد استيلاء الإسلاميين على السلطة في السودان عام 1989؛ فقد تزايدت بشكل واضح القيود الرسمية والمجتمعية المفروضة على المرأة تحت شعارات “التأصيل الإسلامي” وتطبيق “المشروع الحضاري” لإعادة تشكيل وصياغة الإنسان السوداني.
وشهدت الحروب المحلية المتتالية في عهد نظام “الإنقاذ” -وعلى الأخص منها حرب دارفور- سلسلة متصلة من جرائم الاغتصاب الجماعي والعنف الجسدي واللفظي للنساء. أما في المدن، فإن أكثر ما واجهته النساء هو حملات التوقيف وعقوبات الحبس والجلد والغرامة التي ظلت تتعرض لها الكثير من الفتيات بعدة تهم تتعلق بالسلوك الشخصي أو بالزي الذي يرتدينه، وأحيانًا بسبب وجودهن في أماكن عامة مع رجال ليس لديهن صلة شرعية معهم.
وأدت الحروب والنزاعات المحلية بالسودان إلى تشريد الآلاف من النساء وخروجهن من شبكة الأمان الاجتماعي، وخاصةً النساء النازحات في معسكرات دارفور اللاتي عانين من انعدام الأمن والعنف الجسدي والجنسي بواسطة المليشيات المسلحة، وتفشي أمراض سوء التغذية وسط الحوامل والأمهات، وعدم توفر خدمات الصحة والتعليم.
- المرأة الفلسطينية نموذجًا
فرض الاحتلال الإسرائيلي على المرأة الفلسطينية منذ عام 1948 عيش حياة تختلف عن بقية النساء في المنطقة، سواء على أرض فلسطين أم خارجها في دول اللجوء؛ فقد حُرمت المرأة الفلسطينية من أبسط حقوقها في العيش بكرامة مع عائلتها دون تهديد. فأصبحت المقومات الأساسية للحياة كالصحة والتعليم وتأمين مصادر الغذاء مهددة. وبالتالي فالتأثيرات السلبية للاحتلال طالت كل جوانب حياة المرأة الفلسطينية: الشخصية والاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية.
وتجدر الإشارة إلى أن المرأة الفلسطينية قدمت ما لا يقل عن 540 شهيدة من ضمن شهداء انتفاضة الأقصى من عام 2000 إلى عام 2009 وفقًا للجهاز الفلسطيني للإحصاء، علاوة على اضطرارها للعمل حال غياب الأخ أو الأب أو الزوج في ظروف قاسية ترتفع فيها نسب الفقر والبطالة بسبب الممارسات الإسرائيلية المستمرة وأبرزها سياسة الإغلاق ونقاط التفتيش والمعابر.
وقد بلغ عدد الشهيدات الفلسطينيات منذ تاريخ 6 ديسمبر 2017 خمس شهيدات من أصل 266 شهيدًا، وقد جرحت أكثر من 2000 سيدة خلال مسيرات العودة الكبرى منذ تاريخ 30 مارس 2018، وتقبع في سجون الاحتلال الإسرائيلي 59 سيدة وطفلة حتى اللحظة، ضمن حملة اعتقالات واسعة النطاق شملت 370 حالة اعتقال منذ نهاية العام 2015 وحتى الأول من اكتوبر 2017.
أما في دول اللجوء؛ فتُعاني النساء الفلسطينيات من البيئة الاجتماعية والاقتصادية الصعبة لمخيمات اللاجئين، خاصة في لبنان؛ حيث ترتفع نسبة الفقر والبطالة وقلة فرص العمل والخدمات. وتزداد مسؤولية المرأة لتشمل العمل وتأمين المصروف، بالإضافة إلى القيام بالإعمال المنزلية والتربية.
وختامًا، وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، فإن انهيار المنظومة الاجتماعية في الدول محل الصراع يؤثر على النساء بصورة أكثر سلبية منه على الرجال، وذلك التأثير يمتد لسنوات طويلة على الأجيال وعلى جودة المواطن في تلك الدول؛ وذلك يعود إلى كون النساء حاملات مسؤولية النشء والتربية وغرس الهوية والانتماء الوطني. وعليه، بات المجتمع الدولي يولي مزيدًا من الاهتمام بأوضاع النساء والفتيات في فترات الحرب وأهمية مشاركتهن في عمليات السلام وإعادة بناء مجتمعاتهن المدمرة.
المصادر
- النساء يدفعن ثمنًا باهظًا أثناء الصراعات المسلحة، مكتب الشؤون العامة العالمية بوزارة الخارجية الأمريكية، مارس 2015.
- سهى حميد سليم، جرائم العنف المرتكبة ضد النساء أثناء المنازعات المسلحة، مجلة الرافدين للحقوق، 2010.
- بكين + :15 إحقاق حقوق المرأة، منظمة العفو الدولية.
- دعد موسى، اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، معابر، دمشق.
- اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، الأمم المتحدة.
- تقرير أممي جديد: للحرب في أوكرانيا “آثار مدمرة” على النساء والفتيات في البلاد وحول العالم، الأمم المتحدة، سبتمبر 2022.
- “المرأة الفلسطينية”.. ثلاثة وسبعون عامًا من ” المقاومة”، هالة فودة، المرصد المصري، مايو 2021
باحثة ببرنامج السياسات العامة