دول الخليج العربيمصر

السيسي في قمة الحكومات بدبي: دبلوماسية اقتصادية وتعميق العلاقات العربية

تأتي مشاركة الرئيس السيسي في القمة العربية للحكومات، المقامة في الفترة من 12 – 15 فبراير بإماراة دبي بالإمارات العربية المتحدة، على رأس وفد رفيع المستوى من الحكومة المصرية، تلبيةً لدعوة مصر كضيف شرف في القمة العالمية للحكومات، وأنهى السيد الرئيس زيارته اليوم الموافق 14 فبراير، وتمثل الزيارة رسالة واضحة على الاهتمام المصري بتعميق الروابط والعلاقات العربية، والمشاركة مع الأشقاء العرب في العمل على تطوير السلطات التنفيذية في الإقليم والعالم في ظل التحديات الحالية، بالإضافة إلى حضور الدبلوماسية الاقتصادية التي ينتهجها الرئيس السيسي منذ توليه رئاسة البلاد عام 2014 على أجندة اللقاءات بشكل واضح في ظل الأنشطة التي يقوم بها الرئيس منذ بداية العام الحالي. 

توطيد العلاقات العربية

– مساعدة الأشقاء: 

أضحت القمة بمثابة تأكيدًا على عمق العلاقات العربية، في ظل تأكيد الرئيس السيسي على دعم الأشقاء للدولة المصرية منذ عام 2011، والتي أظهرت كذلك في دعم الإمارات العربية المتحدة لمصر بعد ثورة 30 يونيو في ظل معاناة الدولة المصرية إبان عهد الإخوان من أزمات في الغاز والكهرباء المتلاحقة، فأثنى الرئيس عبد الفتاح السيسي على دور الشيخ محمد بن زايد في توفير الاحتياجات المصرية في تلك الفترة. 

وتأتي الزيارة في ظل حملة إعلامية تنتهجها بعض المواقع المغرضة، تهدف إلى إحداث الوقيعة بين الدول العربية الأشقاء، وهو ما أكد عليه السيسي خلال مداخلته أثناء افتتاح المرحلة الثانية من مدينة الصناعات الغذائية سايلو فودز بمدينة السادات بمحافظة المنوفية يوم الخميس 9 فبراير الماضي، مؤكدًا على اتسام السياسة المصرية “بالاعتدال والتوازن مع الجميع بالداخل والخارج”. 

ولم يكتفِ الرئيس السيسي بالثناء على الموقف الإماراتي من القضية المصرية، بل تطرق للمساعدات العربية للدول الأشقاء وعلى رأسها دعم الدولة السورية جراء الزلزال المدمر الذي ضربها قبل أيام، ومطالبة سيادته زيادة الدعم المقدم لهم، وتجدر الإشارة هنا إلى أن مصر سبق وأن أرسلت طائرات عسكرية لتوصيل المساعدات إلى سوريا وتركيا لتلافي آثار وتبعات الزلزال الذي عصف بالبلدين. 

– اللقاءات الثنائية وتبادل الخبرات: 

دعم القضايا العربية: جاء لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي مع الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة رئيس مجلس الوزراء حاكم إمارة دبي، للتأكيد على المكانة المصرية بين الأشقاء العرب وخاصةً لدى الشعب الإماراتي، بجانب الدور المصري في حل القضايا العربية بسياسة حكيمة، ويمكن التدليل على هذا الأمر من خلال الدور المصري الرائد في الحوار السوداني السوداني في القاهرة لتقريب الفرقاء في السودان من خلال مبادرة القاهرة، بجانب استضافة الاجتماعات الموسعة للجنة العسكرية “5+5” بالقاهرة من أجل التنسيق لإخراج القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا برعاية أممية، وهو ما يعد تأكيدًا على السياسة المصرية الواضحة تجاه دعم الدول الوطنية، والحفاظ على المؤسسية للشعوب العربية.

نقل التجربة المصرية: التقى الرئيس عبد الفتاح السيسي في نهاية زيارته إلى دبي مع السيدة نجلاء بودن، رئيسة وزراء الجمهورية التونسية، للتأكيد على عمق العلاقات بين البلدين، واستعراض تجربة الإصلاح الإداري المصري وتنفيذ المشروعات التنموية والاصلاحات الاقتصادية، التي كانت حاضرة على أجندة اللقاء، كرسالة لدعم جهود التنمية والإصلاح في تونس تحت قيادة الرئيس “قيس سعيد”، هذا بجانب تعزيز سبل الربط الكهربائي مع “السعودية واليونان وإيطاليا والسودان وليبيا”.

الدبلوماسية الاقتصادية

شهدت الفترة الماضية عدة لقاءات تنموية تهدف لدعم الملفات الاقتصادية المصرية، وللعمل على تخفيض التضخم الذي تعاني منه الدولة المصرية في ظل التضخم العالمي الناتج من الأزمات العالمية، بسبب الحرب الروسية الأوكرانية التي تلت أزمة جائحة كورونا، وكذلك تأتي في إطار اتباع مصر استراتيجية الانفتاح على كافة الأطراف على المستوى الدولي، وذلك من خلال التعاون مع الصين وروسيا وزيارة الرئيس الأخيرة إلى الهند وأرمينيا وأذربيجان، لمواجهة تحديات الإصلاح الاقتصادي. 

– التعاون النقدي ودعم التنمية

وهو ما ظهر في لقاء الرئيس السيسي والدكتور محمد الجاسر، رئيس مجموعة البنك الإسلامي للتنمية، على هامش أعمال القمة، في ظل الدور الذي قام به البنك على مدار الفترة الماضية من أجل دعم عمليات التنمية المصرية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، مما ساهم في صمود الاقتصاد المصري، ومواصلة عملية النمو وتعظيم الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

-استعراض الفرص الاستثمارية:

لم يخلُ لقاء دولي دون التطرق للفرص الاستثمارية من أجل توفير العائدات الدولارية، ودعم الخزانة المصرية وإعطاء رسالة أمان للمستثمرين، وهي فحوى الدبلوماسية الاقتصادية للسياسة المصرية عبر تعزيز الإطار المؤسسي الداعم للاستثمار، وعلى رأسها إقرار سياسة ملكية الدولة التي تهدف إلى تعزيز الحياد التنافسي، وإنشاء صندوق مصر السيادي كأحد الآليات لدفع الشراكة مع القطاع الخاص المحلي والأجنبي، فشارك الرئيس السيسي في جلسة “تمكين القطاع الخاص ودور الصندوق السيادي المصري”، على هامش فعاليات القمة، وتكمن أهمية الجلسة في حضور ممثلي عدد من الشركات العالمية الكبرى، وحضر من الجانب المصري محافظ البنك المركزي، ووزراء الخارجية، والتخطيط والتنمية الاقتصادية، والتعاون الدولي، والمالية، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والتجارة والصناعة، والمدير التنفيذي لصندوق مصر السيادي، من أجل الآليات والفرص الاستثمارية المتاحة في مصر في كافة القطاعات، وأنشطة ومشروعات الصندوق في مختلف المجالات.  

– نقل التكنولوجيا ودعم المشروعات الناشئة:

يعد ملف التكنولوجيا والابتكار هو أهم محاور القمة، انطلاقًا من سعي الرئيس السيسي إلى تطبيقها في كافة الجوانب المصرية ونقل التجارب لمصر باعتبارها من أهم محاور الإصلاح الاقتصادي، وذلك عبر دعم المشروعات الناشئة وريادة الأعمال، والتي ظهرت سابقًا في العديد من القرارات والبنية التشريعية المصرية، وكان أخرها القرار الجمهوري بالسماح بإنشاء الشركات الافتراضية، وعلى هامش القمة شارك في “المائدة المستديرة للشركات الناشئة المليارية”، وبحضور مسؤولي عدد من كبريات هذه الشركات في عدة مجالات منها تطبيقات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والتجارة الإلكترونية والإدارة المستدامة للموارد، والتي شهدت حوارًا مفتوحًا للتعرف على التحديات وسُبل مواجهتها في السوق المصري، في ظل التعاون بين القطاع الخاص المصري والأجنبي، باعتبار الشركات الناشئة ورواد الأعمال قاطرة للتنمية المستدامة، من خلال الاستثمارات ونقل المعرفة لا سيما الحديثة والتكنولوجية.

– تحسين مناخ الاستثمار وجذب الاستثمارات الأجنبية:

وذلك عبر إبراز جهود الدولة المصرية لجذب الاستثمارات وتشجيع ريادة الأعمال، والتقدم الحاصل على مستوى الإصلاح الاقتصادي الهيكلي وتهيئة البنية التشريعية والمؤسسية لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية إلى مصر، إلى جانب ما تتمتع به مصر من مقومات كقوى بشرية وبنية أساسية مؤهلة تم تحديثها والتوسع فيها خلال السنوات الماضية، ومصادر متنوعة للطاقة وسوق ضخمة، بجانب التأكيد على النظرة الإيجابية للمؤسسات النقدية الدولية، والتي تعطي رسالة واضحة للمستثمرين الأجانب بقدرة الاقتصاد المصري على الإصلاح وامتصاص الصدمات، ولعل هذا بدا واضحًا في لقاء الرئيس السيسي والسيدة كريستالينا جورجييفا، المدير العام لصندوق النقد الدولي، للتأكيد على العلاقات الجيدة مع صندوق النقد الدولي في ظل برنامج التعاون بين الجانبين لاستكمال تنفيذ مسيرة الإصلاح الاقتصادي المصري، وإشادة جورجييفا بأداء الاقتصاد المصري وقدرته على الصمود واستيعاب التداعيات السلبية العالمية، في ظل مواصلة تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي الشامل، والاستمرار في تعزيز الإصلاحات الهيكلية المتعلقة بالسياسات المالية والنقدية وتعظيم دور القطاع الخاص، بما يساعد على توفير مناخ إيجابي لكافة المستثمرين وأسواق المال العالمية لتحسين المؤشرات الكلية للاقتصاد المصري. 

الإنسان المصري وسبل التنمية

يعد الشعب المصري ودعم الأشقاء البادرة الأولى لتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، إذ راهن الرئيس السيسي على ثقة الشعب المصري في السلطات التنفيذية، وهو ما أوضحه الرئيس السيسي في كلمته خلال الجلسة الحوارية على هامش أعمال المؤتمر. 

بالإضافة إلى تناول سيادته فلسفة العاصمة الإدارية للخروج من الوادي الضيق المكتظ بالسكان من أجل تطوير الإنسان، حيث ارتفع التعداد السكاني في مصر من 80 أو 81 مليون عام 2011 إلى 105 ملايين نسمة الآن في مساحة لا تتجاوز 5% من جغرافيا مصر، بجانب العمل على برامج طويلة الأمد، سيتم حصد ثمارها بعد سنوات كبرامج التعليم التي تحتاج إلى 14 عامًا في الجيل القادم، وأوضح الرئيس السيسي أن تطوير التعليم بحاجة إلى 250 مليار دولار. 

وكذلك عرض الرئيس السيسي التحديات التي واجهتها الدولة المصرية، بداية من الإرهاب الذي حصد أرواح العديد من أبناء الشعب المصري ونجاح الدولة في القضاء عليه، والوصول إلى بناء مؤسسات الدولة والحفاظ عليها في ظل الدعم الشعبي، وتكبدت الدولة المصرية نحو 450 مليار دولار بسبب خوض معركة الإرهاب. 

فضلًا عن انتهاج الدولة العديد من الإصلاحات كمحاولة لتحقيق رفاهية الشعب المصري، في ظل ما كانت تعانيه البنية التحتية المصرية، إذ تكلف قطاع النقل نحو تريليوني جنية، بجانب قطاع الطاقة الذي دعمه الأشقاء. 

وجاء اللقاء بمثابة عرض لكيفية مواجهة الدولة المصرية للتحديات التي تكبدتها منذ عام 2011، وذلك عبر “بناء الثقة بين الشعب المصري وسلطته التنفيذية”، بجانب عرض جهود التنمية مع التأكيد على أنه لا مفر غير التعاون بين الأشقاء للارتقاء بالدول العربية، ونقل التجارب من أجل دعم العمل العربي المشترك وتحقيق الاستقرار للدول العربية وسط الإقليم المضطرب، هذا بجانب بحث سبل استكمال الإصلاحات الاقتصادية عبر توفير مناخ جاذب للاستثمار الأجنبي. 

+ posts

باحثة بالمرصد المصري

رحمة حسن

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى