مصر

“الولادة القيصرية”: معدلات مقلقة وإجراءات للتوجه إلى “الولادة الطبيعية”

أثار ملف الولادة القيصرية الجدل خلال الفترة الأخيرة، خاصة مع ارتفاع معدلات الولادة القيصرية في العالم وفي مصر خصوصًا، لتحتل مصر المرتبة الثالثة في العالم في إجراء هذا النوع من الولادة، وأصبحت الولادة القيصرية هي الأساس والولادة الطبيعية هي الاستثناء. وقد أشار المسح السكاني الصحي 2021 إلى ارتفاع نسبة الولادات القيصرية، فـ72.7% من السيدات قد أنجبن طفلهن الأخير بولادة قيصرية، بارتفاع عما تم رصده في 2014 حيث كانت النسبة 51.8% من الولادات.

وتشير التقارير الصادرة عن منظمة الصحة العالمية إلى أن الولادة القيصرية أصبحت “وباء” خاصة في ظل ارتفاع المعدلات عالميًا، والتي من المتوقع أن تظل هذه المؤشرات في الارتفاع، مع احتمالية وصولها إلى 29% بحلول عام 2030. وإذا كانت العمليات القيصرية ضرورية في حالات مثل الولادة المطولة أو المتعسرة، أو لأن الطفل يظهر في وضع غير طبيعي، وغير ذلك؛ ولكن كما هو الحال مع جميع العمليات الجراحية يمكن أن تنطوي على مخاطر تلحق بالأم أو الطفل.

وبناء على تلك المؤشرات المحلية، بدأت وزارة الصحة اتخاذ بعض الإجراءات لخفض معدلات الولادة القيصرية، والتي تتمثل في تخصيص حافز مالي للفريق الطبي الذي يحقق أعلى معدلات في الولادة الطبيعية، أو سن تشريعات، أو عقد دورات تدريبة طبية وغيرها من الإجراءات التي تقلل معدلات الولادة القيصرية.

مؤشرات مقلقة

في ظل ارتفاع معدلات الولادة القيصرية عالميًا، أصبح أكثر من 1 من كل 5، وبنسبة 21% من جميع الولادات قيصرية، ومن المتوقع أن تظل هذه المؤشرات في الارتفاع، مع احتمالية وصولها إلى نسبة 29% بحلول عام 2030، وعلى الرغم من أهمية العملية القيصرية كعملية جراحية ضرورية ومنقذة للحياة في بعض الأحيان، إلا أنها قد تعرض السيدات والأطفال لبعض المشاكل الصحية على المدى القصير ومتوسط الأجل، إذا تم إجراؤها عندما لا تكون هناك حاجة طبية لها.

ووفقًا لتقارير منظمة الصحة العالمية، تلاحظ ارتفاع معدلات الولادة القيصرية في جميع أنحاء العالم من 7% في عام 1990 إلى 21% في عام 2021، وإذا استمر الأمر كذلك فمن المرجح بحلول عام 2030 أن تكون أعلى المعدلات في شرق آسيا بنسبة 63 %، وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي 54 %، وغرب آسيا 50 %، وشمال أفريقيا 48%، وجنوب أوروبا 47 %، وأستراليا ونيوزيلندا 45%.

وتلاحظ كذلك أن هناك اختلافًا بناء على المكان، فأشارت التقارير إلى أنه في الدول الأقل نموًا ولدت حوالي 8% من النساء بعملية قيصرية بمقابل 5% فقط في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ما يشير إلى نقص مقلق في الوصول إلى هذه الجراحة المنقذة للحياة. وعلى العكس من ذلك، وصلت معدلات العمليات القيصرية إلى 4 من كل 10 بنسبة 43% من جميع الولادات في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، وتصدرت جمهورية الدومينيكان، تليها البرازيل ثم ومصر وتركيا، أعلى معدلات في عدد الولادات القيصرية..

وبالنسبة لمصر، أظهرت نتائج المسح الصحي للأسرة المصرية لعام 2021 الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء ارتفاع نسبة الولادات القيصرية من (2014-2021)، حيث تشير النتائج إلى أن ثلاث من بين كل أربع سيدات (بنسبة 72.7%) تمت ولادة طفلهن الأخير بولادة قيصرية. ويتضح من النتائج ارتفاع نسبة الولادات القيصرية بصورة واضحة عما تم رصده في 2014، فقد كانت النسبة (51.8%) من الولادات، كذلك ارتفعت معدلات الولادات القيصرية في المناطق الريفية لتصل إلى (69.6%) في 2021، بعد أن كانت (48.1%) في 2014، وبالنسبة للمناطق الحضرية وصلت إلى (77.4%) في 2021، بعد أن كانت (60.1%).

أما بالنسبة للولادة الطبيعية، فقد انخفضت معدلاتها إلى (27.3%) في عام 2021، بعد أن كانت (48.2%) في 2014. وبالنظر إلى نتائج المناطق الريفية، نجد انخفاض بمعدل (21.5%)، حيث كانت في عام 2014، تصل إلى نسبة (51.9%)، وانخفضت إلى (30.4%) في 2021، كذلك الأمر بالنسبة للمناطق الحضرية، حيث نجد انخفاضًا بمعدل (17.3%)، ففي 2014 ، وصلت نسبة لجوء السيدات إلى هذا النوع من الولادة إلى (39.3%)، وانخفضت إلى (22.6%) في عام 2021.

ولوحظ زيادة نسبة الولادات التي تمت على يد مقدم خدمة طبية (يشمل طبيب أو ممرضة) وفي منشأه صحية، فقد وُجد أن (97.1%) من الولادات قد تمت على يد مقدم خدمة طبية) طبيب، ممرضة)، وأن حوالي (94.7 %) في عام 2014، من الولادات قد تمت في منشأه صحية.

وبالنظر إلى مؤشرات رعاية الحمل والولادة حسب المحافظات، نجد أن هناك تفاوتات؛ فأظهرت المؤشرات أن محافظات الوجه البحري تتصدر المؤشرات بنسبة 78.5% في عام 2021، بعد أن كانت 60.3% في 2014، تليها المحافظات الحضرية بنسبة 75%، بعد أن كانت 62% في 2014، وتلاحظ زيادة معدلات الولادة القيصرية في الوجه القبلي بفارق (26.7%) من عام 2014 إلى 2021، حيث وصلت إلى 66.4% في عام 2021، بعد أن كانت 39.7% في 2014.

كذلك طبقا للمسح السكاني الصحي في عام 2021، تعد محافظتا الاسكندرية ودمياط أعلى نسب لرعاية الحمل المنتظمة (بنسب 96%، 97%)، على الترتيب مع حدوث جميع الولادات في محافظة دمياط على يد مقدم خدمة طبية (طبيب أو ممرضة)، والذي ارتبط أيضًا بنسبة مرتفعة للغاية من الولادات القيصرية (82.5%)، وقد تمت ملاحظة ارتفاع نسب الولادات القيصرية عن المتوسط في العديد من المحافظات، منها بورسعيد (91.3 %)، كفر الشيخ (88.4%)، والغربية (84.3 %) وتصل نسبة الولادات القيصرية أقل ما يمكن في محافظة مطروح (39.3%)

+

فيما أشار المسح إلى أن أعلى معدلات للولادات القيصرية هو بين المتعلمات، وكلما زادت درجة التعليم زادت نسبة الولادة بالقيصرية، فتصل في التعليم الثانوي فأكثر إلى حوالي 76.6% في عام 2021، بينما كانت 58.5% في 2014، تليها التي أتمت المرحلة الابتدائية حتى الثانوي بنسبة 67.3% بينما كانت 46.4% في 2014، أما السيدات التي لم تستكمل المرحلة الابتدائية 67% في 2021، وكانت 43.5% في عام 2014، وأخيرًا التي لم يسبق لها الذهاب إلى المدرسة 61.6%.

وتعود أسباب ارتفاع معدلات اللجوء إلى الولادات القيصرية إلى:

انتشار ثقافة أن الولادة القيصرية هي الأسهل والأسرع بخلاف الولادة الطبيعية التي تستغرق وقتًا طويلًا، مع وجود تخوف لدى بعض السيدات من المشاكل المحتملة مثل: تعرض الجنين للضغط نتيجة تعثر الولادة، أو نقص الأوكسجين، أو تخوف الأطباء من المسؤولية في حالة حدوث أي مضاعفات للولادة؛ مما يدفع الطبيب إلى اللجوء إلى إجراء الجراحة القيصرية، كذلك انتشار الولادة القيصرية “بدون ألم” والتي بتكاليف مالية أعلى، نتيجة انتشار بعض المفاهيم الخاطئة عن الولادة الطبيعية. 

نقص ثقافة الصحة الإنجابية في مصر، والتي قد تكون سببًا في ارتفاع نسب الولادة القيصرية، نتيجة عدم معرفة السيدات بالحالة الفسيولوجية للولادة، وأن الطريقة الأولى والمثلى هي الولادة الطبيعية، كذلك انتشار ظاهرة التخصيب المجهري، بعد فترة قصيرة من الزواج، والتي تتطلب أن تكون الولادة قيصرية.

المكاسب المادية التي يحققها بعض الأطباء، فالولادة القيصرية أغلى ثمنًا من الولادة الطبيعية، فهي تمكن الطبيب من إجراء العديد من العمليات خلال اليوم الواحد، علاوة على أن الولادة القيصرية تحقق أرباحا عالية للمستشفيات.

التوجه نحو الولادة الطبيعية

خلال الشهر الحالي، أعلنت وزارة الصحة بعض التوجيهات التي تستهدف الحد من الولادات القيصرية “غير المبررة”، في مقابل زيادة الإقبال على الولادات الطبيعية، للحفاظ على صحة الأم والجنين وتقليل التداعيات السلبية والمخاطر المتوقعة لذلك الاجراء والتي منها: الإصابة بالمشيمة المتوغلة، واستئصال الرحم أثناء الولادة، ونزيف الولادة الهائل، إلى جانب المضاعفات التي يتعرض لها الأطفال والأجيال القادمة من: زيادة في الجراثيم المعوية، والسمنة، والحساسية، والتوحد، والسكري، وأمراض المناعة، وتتمثل تلك التوجيهات في التالي: 

التوجيه بمساواة أتعاب الأطباء والطواقم الطبية عن الولادات الطبيعية بمثيلتها عن الولادات القيصرية، وتخصيص حافز مالي للفريق الطبي الذي يحقق معدلات أعلى للولادة الطبيعية.

وضع التشريعات التي تضمن حق الطبيب والقابلة أو الممرضة لتطبيق الولادات الطبيعية أثناء حدوث الأثار الجانبية البسيطة.

تنظيم تدريبات دورية للفرق الطبية أثناء الخدمة، مع توجيه القائمين على المنشآت الطبية الحكومية والخاصة، بجمع المعلومات الصحية والبيانات الروتينية عن الولادات القيصرية وأسبابها؛ لتحقيق الحوكمة في البيانات، وتحليل جميع أسباب الولادات القيصرية، وإلزام جميع المستشفيات الخاصة والحكومية بالعمل بالدلائل الارشادية المتعلقة بأسباب وضوابط اللجوء للولادة القيصرية.

عمل الاستبيانات والدراسات في المناطق السكنية، لمعرفة البيانات التي تساعد في تحسين طرق تشجيع المرأة الحامل على تبني فكرة الولادة الطبيعية، إلى جانب عقد مناقشات مجتمعية لأضرار الولادات القيصرية، وزيادة جلسات التثقيف النفسي للنساء اللاتي يعانين الخوف من الألم.

تفعيل دور المجتمع المدني للمشاركة في ترسيخ المفاهيم الصحيحة عن الولادة الطبيعة وفوائدها للأم والطفل، وأضرار الولادة القيصرية التي تحدث دون مبرر طبي.

تنفيذ حملة إعلامية مكثفة لتوعية النساء وأزواجهن، بأضرار الولادة القيصرية غير المبررة وخطورتها على الأم والجنين، مع استعراض فوائد ومزايا الولادة الطبيعية.

+ posts

باحثة بالمرصد المصري

منى لطفي

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى