مصر

ولاية رئاسية جديدة تستمر في الانحياز للطبقة المتوسطة ومحدودي الدخل

بعد إعلان الهيئة الوطنية للانتخابات فوز الرئيس عبد الفتاح السيسي بفترة رئاسية جديدة بنسبة تصويت 89.6%، وبمشاركة كثيفة من المواطنين وصلت إلى 66.8%، جاءت كلمة الرئيس بعد النتائج الرسمية للانتخابات، لتؤكد على الانحياز التام للمواطنين بكافة طبقاتهم الاجتماعية، والاستمرار في السير بخطوات ثابتة نحو التنمية في مقدمتها بناء الإنسان وتوفير الحياة الكريمة له، وأن المواطن المصري هو البطل في مواجهة العديد من التحديات منها مكافحة الإرهاب وآثار الإصلاح الاقتصادي والتي واجهها بثبات ووعى وحكمة. وبناء على ذلك، تناقش الورقة الإجراءات الجديدة لدعم الطبقة المتوسطة ومحدودي الدخل في الولاية الرئاسية الجديدة، والدلالات المرتبطة بها.

تداعيات اقتصادية

في ظل توالي الأزمات الجيوسياسية الخارجية والاقتصادية، بداية من جائحة كورونا مرورًا بالأزمة الروسية الأوكرانية وصولًا إلى تصاعد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والتي أدت إلى اتساع رقعة الصراع في المنطقة بأكملها، وانعكست على حالة الاقتصاد العالمي سواء من تعطيل سلاسل الامدادات الغذائية وقرارات الفيدرالي الأمريكي برفع أسعار الفائدة؛ أثر الأمر سلبيًا على الوضع الاقتصادي المصري من خلال نقص السيولة الدولارية وارتفاع معدلات التضخم وارتفاع أسعار السلع الأساسية.

ومع تصاعد واتساع لرقعة الصراع، أدى ذلك إلى تفاقم حالة عدم اليقين التي انتابت الاقتصاد العالمي، مع توقعات بمزيد من ارتفاع معدلات التضخم بالعالم أجمع، خاصة مع ارتفاع الأسعار العالمية للسلع الأساسية. كل هذه العوامل دفعت الدولة إلى العمل على تحسين الوضع الاقتصادي من خلال اتخاذ عدة إجراءات اقتصادية، منها تحسين بيئة الاعمال والتشريعات المتعلقة بالاستثمار، وتعزيز الاستثمار في مشروعات البنية التحتية، إلى جانب العمل على القضاء السوق الموازية للصرف الأجنبي عن طريق رفع أسعار معدلات الفائدة، آخرها 6 مارس الحالي برفع الفائدة 600 نقطة لكبح جماح التضخم.

دعم المواطن في ظل الولاية الجديدة

وإدراكًا من القيادة السياسية للانعكاسات تلك القرارات الاقتصادية على المواطنين خاصة الطبقة المتوسطة ومحدودي الدخل، وجهت باتخاذ خطوات استباقية للتوسع في شبكة الحماية الاجتماعية؛ بهدف التخفيف من حدة الأزمة الاقتصادية والأعباء المعيشية على المواطنين من الطبقة المتوسطة ومحدودة الدخل ومحاولة احتواء أكبر قدر ممكن من الآثار الاقتصادية السلبية. وعليه، جاء توجيه الرئيس عبد الفتاح السيسي بشأن حزمة الحماية الاجتماعية، وفيما يلي أبرز القرارات الاجتماعية:

  • أكبر حزمة اجتماعية
  •  وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي يوم 7 فبراير 2024 بتنفيذ أكبر حزمة اجتماعية بقيمة 180 مليار جنيه، بحيث تتم زيادة أجور العاملين بالدولة والهيئات الاقتصادية، بحد أدنى يتراوح بين 1000 إلى 1200 جنيه بحسب الدرجة الوظيفية (1000 جنيه للدرجات من السادسة إلى الرابعة، و1100 جنيه للدرجات من الثالثة للأولى، و1200 جنيه للدرجات من مدير عام إلى وكيل أول وزارة)، وذلك من خلال تبكير صرف العلاوة الدورية للمخاطبين بقانون الخدمة المدنية بنسبة 10% من الأجر الوظيفي، و15% من الأجر الأساسي لغير المخاطبين، وبحد أدنى 150 جنيهًا وتكلفة إجمالية 11 مليار جنيه.
  •  صرف حافز إضافي، يبدأ من 500 جنيه للدرجة السادسة، ويزيد بقيمة 50 جنيهًا لكل درجة، ليصل إلى 900 جنيه للدرجة الممتازة، بتكلفة 37,5 مليار جنيه، وذلك بتكلفة إجمالية نحو 65 مليار جنيه، بما ينعكس في رفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 50% ليصل إلى 6 آلاف جنيه.
  • تضمنت الحزمة الاجتماعية كذلك رفع حد الإعفاء الضريبي لجميع العاملين بالدولة بالحكومة والقطاعين العام والخاص بنسبه 33% من 45 ألف جنيه إلى 60 ألف جنيه بتكلفه إجمالية سنوية 5 مليارات جنيه.
  • وشهدت هذه الحزمة استهدافًا لعدد من الفئات، تم تخصيص 8.1 مليارات جنيه لإقرار زيادة إضافية في أجور المعلمين بالتعليم قبل الجامعي، تتراوح بين 325 جنيهًا إلى 475 جنيهًا
  • وإقرار بزيادة 1,6 مليار جنيه إضافية لأعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم بالجامعات والمعاهد والمراكز البحثية
  •  وزيادة إضافية لأعضاء المهن الطبية 4,5 مليار جنيه وهيئات التمريض تتراوح من 250 إلى 300 جنيه في بدل المخاطر للمهن الطبية، وزيادة تصل إلى 100% في بدل السهر والمبيت
  • كما وجه الرئيس بتخصيص 6 مليارات جنيه لتعيين 120 ألفًا من أعضاء المهن الطبية والمعلمين والعاملين بالجهات الإدارية الأخرى.
  • وشملت أيضًا الحزمة الاجتماعية التي وجه بها الرئيس 15% زيادة في المعاشات لـ 13 مليون مواطن، بتكلفة إجمالية 74 مليار جنيه
  • وبالنسبة لمعاشات “تكافل وكرامة” تقرر زيادة 15% بتكلفة 5,5 مليار جنيه، لتصبح الزيادة خلال عام 55% من قيمة المعاش. على أن يتم تخصيص 41 مليار جنيه لمعاشات “تكافل وكرامة” في العام المالي 2024/2025.
  • توفير السلع الغذائية بأسعار مناسبة 
  • كمحاولة للسيطرة على الاثار السلبية الناتجة عن الأزمات الاقتصادية العالمية والتي خلفت موجات من التضخم وارتفاع الأسعار، خاصة مع استغلال بعض التجار هذه الأزمة، تم تدشين ما يقرب من 100 منفذ من منافذ “أهلا رمضان” التابعة لوزارة التموين والتجارة الداخلية بتخفيض يتراوح من 15% إلى 30%، ومبادرة “كلنا واحد” التابعة لوزارة الداخلية، بأسعار مخفضة لتخفيف العبء على المواطنين.
  • وفي ضوء حرص الحكومة على توافر السلع الأساسية تم التوجيه بتوفير ملياري دولار لسرعة الافراج عن السلع الأساسية من الجمارك والتي تشمل السلع الغذائية والأعلاف والأدوية ومستلزمات الإنتاج لزيادة المتاح منها في الأسواق ما يسهم في إتاحة مزيد من السلع وحفظ الأسعار خلال الفترة المقبلة.
  • ضبط السوق
  • كثفت وزارة الداخلية حملاتها الرقابية لمواجهة أي ممارسات متعلقة بإخفاء وتخزين السلع الأساسية، فضلًا عن تكثيف الحملات التموينية المكبرة لمراقبة الأسواق للمحافظة على استقرار الأسعار وضبط الممارسات الاحتكارية، والتحقق من توافر السلع بالأسواق ومدى صلاحيتها حفاظًا على الصحة العامة للمواطنين، ولضمان وصول السلع للمواطنين بالأسعار المناسبة والجودة الملائمة.
  • تطبيق قرار وضع حد أقصى لسعر 7 سلع استراتيجية وهي السكر والزيت والأرز والمكرونة والجبنة واللبن والفول.
  • مبادرات صحية لم يكن الاهتمام بالطبقة المتوسطة مقتصرًا على حياة المواطن المعيشية وفقط، بل امتدت لتشمل جوانب الحياة الأخرى، ويأتي في مقدمتها الصحة، فقد تم إطلاق مبادرة “رمضان بصحة لكل العيلة” في محافظات تطبيق منظومة التأمين الصحي الشامل “بورسعيد، الأقصر، الإسماعيلية، جنوب سيناء، أسوان، السويس”، طوال شهر رمضان المبارك، وذلك للعام الثالث على التوالي، حيث تستهدف المتابعة الطبية لـ 3 فئات وهم مرضى “السكري، الضغط، السكري والضغط معا”، والفئات الأولى بالرعاية في المبادرة هم “كبار السن، ذوي الهمم، غير القادرين، الحالات المرضية عالية الخطورة”.

انعكاسات الإجراءات الاجتماعية على طبقات المجتمع

منذ تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي سدة الحكم، وقد احتلت قضية الحماية الاجتماعية مقدمة أولويات الدولة، فجاءت توجيهات الرئيس منذ 2014 بالعمل على بناء الانسان المصري على كافة الأصعدة التعليمية والصحية والاجتماعية، بداية من الدستور المصري الذي كفل الحق في الحماية الاجتماعية، وإطلاق العديد من المبادرات الرئاسية في مختلف الجوانب، وصولًا إلى تبنى الدولة للعديد من البرامج الاجتماعية لمختلف طبقات المجتمع تستهدف تحسين جودة حياة المواطنين. وقد عكست الإجراءات الاجتماعية الأخيرة حرص الرئيس في ولايته الجديدة على تخفيف الأعباء عن كاهل المواطن في ظل الارتفاعات العالمية في الأسعار التي فرضت تداعياتها على السوق المصرية، حيث يمكن استنتاج عدة دلالات:

  • الانحياز للطبقة المتوسطة تبنت الدولة سياسة للحماية الاجتماعية بمنظور احتوائي شامل، قائمة على عدة مستهدفات لحماية الطبقة المتوسطة من آثار الإصلاحات الاقتصادية، بداية من مراجعة وسن القوانين المتعلقة بالحماية الاجتماعية مثل قانون التأمينات والمعاشات والتأمين الصحي وقانون التضامن الاجتماعي والطفل وغيرها من القوانين، فضلا عن تطوير الخدمات الأساسية في قطاعات الصحة والتعليم والإسكان الاجتماعي لتوفيــر حياة كريمة للمواطنين، مع  مراعاة التوزيع الجغرافي العادل لتمكين جميع المواطنين، ورفع كفاءة الإنفاق على قطاعي الصحة والتعليم.
  • تعد الإجراءات الاجتماعية الأخيرة من زيادة أجور العاملين بالدولة وبعض الفئات مثل الأطباء والمعلمين وأعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم بالجامعات والمعاهد والمراكز البحثية، بمثابة رسالة مساندة الطبقة المتوسطة، حيث تدل الاجراءات على الرغبة في الحد من تأثير الأزمة الاقتصادية على المواطنين والحفاظ على الاستقرار الأسري بتأمين الاحتياجات المعيشية، كذلك تعد استكمالًا للدور الذي تقوم به الدولة لتوفير منظومة متكاملة لتحقيق الأمان الاجتماعي للطبقة المتوسطة، والعمل على توفير السلع بأسعار مناسبة من خلال العديد من المنافذ التابعة للوزرات.
  • الاهتمام بالفئات محدودي الدخل استكمالًا للجهود الحكومية على مدار السنوات الماضية في مساندة الفئات محدودي الدخل من خلال تدشين العديد من المبادرات لمساندتهم، مثل “تكافل وكرامة”، والتي تدعم الفئات الأكثر احتياجًا من خلال إما تقديم الدعم النقدي للمساعدة في استمرار أطفال في العملية التعليمية، أو تقديم دعم نقدي للأسر التي لديها أطفال قبل سن المدرسة، وبالتالي تعكس القرارات قدرة الدولة على حماية الفئات الضعيفة، وهو ما يظهر من خلال المبادرات الحكومية التي تهدف للاهتمام بتحسين الأحوال المعيشية للفقراء ومحدودي الدخل.

وإجمالًا، يمكن القول إن الرئيس عبد الفتاح السيسي يسعى في ولايته الجديدة إلى استكمال مسيرة النهوض والتنمية التي بدأها في 2014، مع العمل على توسيع دائرة الحماية الاجتماعية وحماية الطبقة المتوسطة ومحدودي الدخل من تبعات الإصلاحات الاقتصادية التي تتخذها الحكومة للنهوض بالدولة المصرية.

منى لطفي

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى