مصر

هل تحقق مصر الأمن الغذائي من مشروع مستقبل مصر؟

أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال افتتاحه للمرحلة الأولى من موسم الحصاد بمشروع مستقبل مصر الإثنين 13 مايو، أن حجم النمو السكاني الموجود داخل الدولة لا يتناسب مع حجم النمو الزراعي، وهو السبب ما دفع الدولة للعمل على خطة واضحة نحو تنمية القطاع الزراعي من خلال تسخير كل الإمكانيات المتاحة للمشروع، والتصدي لكافة التحديات؛ والتي من بينها كيفية الاستخدام الأمثل للمياه والسيطرة عليها حتى لا يتم استخدمها بشكل جائر.

فقد حرصت القيادة السياسية منذ عام 2014 على وضع رؤية واضحة نحو التنمية الزراعية باعتبار ملف الزراعة هو أولوية الحكومة لتحقيق حياة أفضل للمواطنين ، فقد شهد “القطاع الزراعي” تنفيذ الكثير من المشروعات القومية، ومن أهمها كانت مشروع “مستقبل مصر للإنتاج الزراعي” والذى بدأ التفكير فيه في يوليو 2017، حينما وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي بالبدء في تنفيذ المشروع لتوفير منتجات زراعية ذات جودة عالية وبأسعار مناسبة للمواطنين، وتصدير الفائض للخارج، مما يسهم في تقليل الاستيراد وتوفير العملة الصعبة في إطار تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030.

ويعد المشروع أحد أهم مشروعات الدولة ضمن استراتيجيتها لتعظيم الفرص الإنتاجية الكامنة في مجال استصلاح الأراضي والإنتاج الزراعي، معتمدًا في توفير الموارد المائية على المحطات التي تم إقامتها لمعالجة مياه الصرف الزراعي. ويتوقع أن تصل مساحة الأراضي المستصلحة إلى 4.5 مليون فدان بحلول عام 2027، مستهدفًا تدعيم ملف الأمن الغذائي، وتخفيض فجوة الاستيراد من السلع الاستراتيجية، وذلك لمجابهة الاضطرابات المتلاحقة وتداعياتها السياسية والاقتصادية منذ جائحة كورونا التي أدت إلى تباطؤ الاقتصاد والتعافي منها ببطء، مؤثرة على سلاسل الإمداد ورفع سعر الشحن، وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية التي جعلت الصورة أكثر تعقيدًا، وما تبعتها من موجات تضخم لم يشهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية.

ولم تكن مصر بمنأى عن هذه التأثيرات، ومن هنا وبرزت أهمية توجه الدولة منذ سنوات للتدخل والاستثمار في استصلاح الأراضي، وإقامة مشروعات قومية كبرى من أجل حماية الأمن الغذائي المصري ذاتيًا. وفي هذا الصدد دشنت الدولة عدة مشاريع زراعية قومية من أهمها:

مشروع مستقبل مصر: يقع على امتداد طريق محور روض الفرج – الضبعة الجديد، وهو الطريق الذي أُنشئ ضمن المشروع القومي للطرق بطول ١٢٠ كم وعمق ٦٠: ٧٠ كم، ويبعد ٣٠ دقيقة عن مدينة السادس من أكتوبر. قُسّم المشروع إلى ٦٠ طريقًا طوليًا، و٣٥ طريقًا عرضيًا، مقسمة إلى قطع متساوية كل قطعة ١٠٠٠ فدان. ويعد المشروع قاطرة مصر الزراعية وباكورة مشروع الدلتا الجديدة لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتصدير الفائض.

وقد تعددت مشروعات جهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة، فكانت أساسا لدلتا مصر الجديدة وامتدت حتى المنيا وبنى سويف والفيوم وأسوان والداخلة والعوينات، لتحقيق حلم ٤,٥ مليون فدان بحلول عام ٢٠٢٧. ويعتمد جهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة على الزراعة بأنظمة الري المحوري والري بالتنقيط والزراعة تحت الصوب بأنظمة وتكنولوجيا الري الحديث، للحفاظ على المورد المائي.

وتبلغ التكلفة الإجمالية للمشروع 8 مليارات جنيه، تشمل تمهيد الطرق الداخلية بإجمالي طول نحو 500 كيلو متر وعرض 10 أمتار، وحفر آبار مياه جوفية، وإنشاء محطتين للكهرباء بقدرة 350 ميجا وات، وإقامة شبكة كهرباء داخلية بطول 200 كيلو متر يتم ربطها بشبكة كهرباء الدلتا الجديدة، ومخازن مستلزمات الإنتاج ومبان إدارية وسكنية. وقد تعددت مشروعات جهاز مستقبل مصر للاستصلاح الزراعي:

  • مشروع المنيا وبنى سويف البدء في تنفيذ مشروع استصلاح وزراعة 62 ألف فدان بتنفيذ مسارى ترع في المنيا وبنى سويف ويحتوي المشروع على 109 كيلو مترات ترع مكشوفة و4 محطات رفع وطرق بإجمالي 540 كيلو مترا و1.086 شبكة مواسير فرعية منها 765 كلم في المنيا و321 كيلو مترا في بنى سويف
  • مشروع الداخلة ــ العوينات بالتنسيق مع وزارة الموارد المائية والري، تم البدء في تنفيذ المرحلة الاولى بمساحة 15000 فدان كما يجرى حاليا التجهيز للبدء في المرحلة الثانية بمساحة 200 ألف فدان إضافية ويحتوي المشروع على 1320 بئرا و45 مولدا و1320 جهازا محوريا و153 كلم طرق رئيسية و524 شبكة مواسير.
  • مشروع سنابل سونو بأسوان المشروع يضم مساحة 90 كلم ترع مكشوفة و1543 بئرا 2300 جهاز رى محوري و٢ محطة رفع و85 بوسترا و370 كيلو متر طرق رئيسية و440 كلم طرق فرعية و1326 شبكة مواسير فرعية.
  • مشروع اللاهون لتعظيم الاستفادة من المورد المائي والاستغلال الأمثل للمياه، تم تنفيذ المشروع على مساحة 12000 فدان بطاقة 170 ألف متر مكعب في اليوم
  • مشروع الكفرة جارى دراسة التوسع في الرقعة الزراعية، بمنطقة الكفرة والتي تقع على الحدود الليبية جنوب غرب واحة سيوة.

وكانت التنمية شاملة تصم (التنمية الزراعية- العمرانية- الحيوانية) فقد اهتم جهاز مستقبل مصر بمجال التصنيع الزراعي من أجل تحقيق الاستفادة القصوى والاستغلال الأمثل للموارد، وقام بتنفيذ منطقتين صناعيتين، الأولى المنطقة الصناعية للدلتا الجديدة على مساحة 1000 فدان، وتشتمل على “مصنع العلف، والبصل والثوم والخضار والفاكهة المجمدة والبطاطس نصف المقلية والسكر والنشا” من مشروعات التصنيع الزراعي، ووصلت كميات الخام المستخدم في المرحلة الأولى من المنطقة الصناعية إلى نحو 3 ملايين طن بإنتاج يصل إلى نحو 1.5 مليون طن منتجات سنويًا.

وإقامة مجمع الصناعات الغذائية “قها وإدفينا”، الذي يحتوي على صناعات العصائر والبقوليات والوجبات الجاهزة والمربى والصلصلة واللحوم المصنعة بطاقة استيعابية 470 ألف طن خام، وبإنتاج يصل لنحو 550 ألف طن منتجات سنويًا.

وفي مجال التخزين، توسع جهاز مصر للتنمية المستدامة في التخزين الاستراتيجي المتمثل في صوامع تخزين الغلال بطاقة 600 ألف طن وثلاجات تبريد وتجميد سعة 90 ألف طن، وإنشاء السوق التجارية والبورصة السلعية، ليمثل ربطًا لتداول المنتجات الزراعية بين الدلتا القديمة والجديدة على مساحة 500 فدان، ويضم 792 متجرًا.

أما فيما يتعلق بالتنمية العمرانية، فقد تم التخطيط عمران منطقة الدلتا الجديدة وإنشاء أول مشروعات التنمية العمرانية الخضراء، حيث يجري حاليًا تنفيذ مشروع بيئي متكامل يستند إلى مبادئ التنمية المستدامة والمجتمعات الخضراء وإعادة التدوير في مجتمع صديق للبيئة ويحتوي على صفر كربون، حيث التوسع في أنشطة مجابهة تغير المناخ.

الجدوى الاقتصادية للمشروع

  • زيادة مساحة الأراضي المنزرعة: يعمل مشروع مستقبل مصر للإنتاج الزراعي على زيادة مساحة الأراضي المستصلحة بداية من عام 2018 لتصل إلى 20 ألف فدان، وعام 2022 تصل إلى 250 ألف فدان، وعام 2023 لتصل إلى 600 ألف فدان، وعام 2024 لتصل إلى 800 ألف فدان، وعام 2025 لتصل إلى 1.6 مليون فدان، وعام 2027 لتصل إلى 4.5 مليون فدان، وهو ما يساعد بجانب المشروعات القومية الأخرى التي تقوم بها الدولة المصرية إلى زيادة مساحة الأراضي المنزرعة، وبالتالي زيادة حجم المحاصيل الزراعية وتقليل الصادرات.
  • تحقيق الأمن الغذائي تنعكس الزيادة في مساحة الأراضي الزراعية بشكل إيجابي على الأمن الغذائي، خاصة في ظل وجود حالة من انعدام الأمن الغذائي في دول العالم، مثال ذلك خلال أزمة فيروس كورونا المستجد، وما ترتب عليها من تشكيل خطر غذائي. وبالتالي فزيادة المحاصيل الزراعية المنتجة محليًا يساعد في تغطية احتياجات السوق المحلية من الغذاء، وهو ما يؤدى إلى خفض الواردات المصرية، وزيادة المصدر منها مع مرور الوقت وبالتالي خفض العجز في الميزان التجاري. كذلك القدرة على مواجهة نقص الغذاء أوقات الأزمات، وهوما حدث بالفعل نتيجة الحرب الروسية- الأوكرانية، وما ترتب عليها من ارتفاع أسعار السلع الغذائية بشكل كبير بات يهدد الامن الغذائي العالمي وليس على المستوى المحلى فقط.

فقد ساهم جهاز مستقبل مصر في الفترة من 2018-2024 إلى زيادة الإنتاج في السلع الزراعية الاستراتيجية، وعلى سبيل المثال، محصول القمح، ساهم مستقبل مصر 1.100 مليون طن خلال الست سنوات، وكذلك محصول بنجر السكر ب 2.5 مليون طن، والذرة ب 1.44 مليون طن، ومحصول البصل ب 2.4 مليون طن، ومحصول البطاطس ب 2 مليون طن.

وعلى صعيد الثروة الحيوانية، في ظل ما تواجه من تحديات من انخفاض تكاليف الإنتاج في الدول التي نستورد منها وذلك بسبب توافر المراعي المفتوحة المعتمدة على الامطار، فقد بلغ استهلاك مصر من اللحوم الحية والمجمدة ما يقرب من مليون طن وتنتج مصر 50% من حجم الاستهلاك، وعليه ساهم الجهاز في زراعة المحاصيل من خلال إنشاء مزارع تسمين ب 18 ألف رأس ماشية في الدورة الواحدة، ومجازر بمحافظات دمياط والسويس والإسماعيلية، و360 ألف رأس، بالإضافة إلى مصنع علف ينتج 150 ألف طن سنوياً.

  • توفير السلع بأسعار مناسبة للمواطنين ما يترتب على النقطتين السابقتين هو توفير المحاصيل الزراعية بأسعار أقل للمواطنين، لأنه كلما زاد العرض من السلع أدى إلى خفض أسعارها، بالإضافة إلى انعكاس تكاليف الإنتاج والنقل أيضًا على أسعار السلع. وبالتالي فإن مشروع “مستقبل مصر” وغيره من مشاريع الاستصلاح الزراعي، تساعد على زيادة المعروض من السلع الزراعية المنتجة، وبالتالي خفض أسعارها في الأسواق، بما يوفر هذه السلع بأسعار أقل للمواطنين
  • توفير فرص عمل بالقطاع الزراعي يعمل المشروع على توفير أكثر من خمسة آلاف فرصة عمل للمواطنين في تخصصات مختلفة، سواء المباشرة أو غير المباشرة بحلول عام 2025، لجميع الأنشطة المتنوعة التي يوفرها المشروع من خلال الاشتراك مع العديد الشركات الزراعية المتخصصة من القطاع الخاص، وهو ما سينعكس بشكل مباشر على تقليل معدلات البطالة في مصر.

ختاما، يمكن القول إن مشروع “مستقبل مصر للإنتاج الزراعي” خطوة للدولة المصرية نحو زيادة الأراضي الزراعية وتحقيق الأمن الغذائي، وخفض معدلات البطالة وتقليل الصادات، مما يمهد الطريق أمام تحسين الخريطة الزراعية لمصر.

منى لطفي

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى