
التأمين الصحي الشامل.. تحديات التطبيق ودروس التجربة
أصدرت مصر قانون التأمين الصحي الشامل رقم 2 لسنة 2018، وينص على أن التأمين الصحي الاجتماعي الشامل نظام إلزامي يقوم على التكافل الاجتماعي ويهدف إلى توفير تغطية تأمينية لجميع المواطنين المصريين القادرين وغير القادرين التي ستحصل على دعم من الحكومة، بالإضافة إلى تغطية اختيارية للمصريين المقيمين في الخارج، وتغطية لجميع الأجانب المقيمين في مصر، مع مراعاة اتفاقات المعاملة بالمثل.
ويهدف نظام التأمين الصحي إلى التصدي للتحديات التي تواجه النظام الصحي الحالي، ومعالجة القصور في نظام الهيئة العامة للتأمين الصحي “القديم”؛ من ارتفاع معدلات الإنفاق الشخصي، ومحدودية الاختيار بين مقدمي الخدمات، وضعف مستوى الاستدامة المالية لنظام التأمين.
وقسمت مراحل منظومة التأمين الصحي الشامل على (9) مراحل خلال الفترة من عام 2019 حتى عام 2030، وشملت المرحلة الأولى (6) محافظات (بورسعيد – السويس – جنوب سيناء – الإسماعيلية – أسوان – الأقصر)، وكانت البداية ببورسعيد كتشغيل تجريبي. ويعود اختيار محافظات المرحلة الأولى إلى عدة معايير: أولًا قلة الكثافة السكانية مما يسهل عملية التجربة، ثانيًا مدى قبول المحافظات لإطلاق المشروع، ثالثًا القدرة على عمل تقييم شامل لسير العمل في المحافظات التي طبقته وتحديد معدلات الاستفادة من الخدمات الصحية وذلك قبل إدخال المنظومة في باقي المحافظات.
وقد شهدت المرحلة الأولى من التأمين الصحي الشامل تسجيل أكثر من 5 ملايين مواطن في المحافظات المطبق عليها التأمين، عن طريق تقديم أكثر من 37 مليون خدمة طبية وعلاجية للمستفيدين بنظام التغطية الصحية الشاملة في هذه المحافظات، بما في ذلك أكثر من 15 مليون خدمة في بورسعيد، و13 مليون خدمة في الأقصر، و7 ملايين خدمة في الإسماعيلية، وأكثر من مليون خدمة في جنوب سيناء، و510 آلاف خدمة في أسوان، و300 ألف خدمة طبية في السويس. وقد بلغت نسبة رضاء المنتفعين عن جودة الخدمات الطبية المقدمة من منشآت هيئة الرعاية الصحية التابعة للتأمين الصحي الشامل نحو 91%، وذلك عن طريق تقييم الهيئة التأمين الصحي من خلال تدشين ما يقرب من 22 غرفة لإدارة الأزمات والطوارئ.
تحديات أمام منظومة التأمين الصحي الشامل
استمرارًا لتحقيق التغطية الصحية الشاملة لجميع المصريين، مع ضمان جودة الخدمات المقدمة، والاهتمام بتوفير خدمات علاجية لكافة الفئات، وجه رئيس الوزراء بسرعة العمل على تطبيق المرحلة الثانية من التأمين الصحي الشامل. لكن من المسلم به أن يواجه هذا النظام العديد من التحديات في مرحلته الثانية والتي يجب التغلب عليها، ومن أبرز هذه التحديات:
● مصادر التمويل: ذلك لأن الزيادة التي تحدث في تحصيل الاشتراكات لن يقابلها زيادة في النفقات بسبب زيادة التكاليف الطبية الناتجة عن هذا الإدخال، خاصة وأن محافظات المرحلة الثانية ذات كثافة سكانية مرتفعة، فضلًا على أن الدولة تتحمل أعباء غير القادرين، مما قد يؤدي إلى حدوث عجز مالي في تطبيق المرحلة الثانية.
● تسجيل العاملين في القطاع غير الرسمي: تعد إحدى التحديات التي تواجه المنظومة، وهي تسجيل المواطنين العاملين في القطاع غير الرسمي، والذي يصعب ضمهم إلى نظام الضريبة على الدخل، لذلك يقترح العمل على إيجاد مصادر تمويلية إضافية.
● انخفاض قدرات البنية التحتية الصحية: ستواجه المنشآت الصحية إشكالية زيادة عدد المنتفعين نتيجة تغطية المنظومة لجميع المواطنين، في الوقت الذي تعاني فيه مصر انخفاضًا في قدرات البنية التحتية الصحية.
● عدم كفاية الأطقم الطبية: يواجه المشروع معضلة انخفاض عدد الكوادر الطبية المصرية بسبب ارتفاع معدلات الهجرة في المجال الطبي، حيث تشير البيانات إلى استقالة 11 ألف طبيب مصري من أصل 120 ألف طبيب، بسبب انخفاض رواتبهم وغياب أطر الحماية أثناء تأدية عملهم. وأكدت منظمة الصحة العالمية أن متوسط معدل الأطباء في مصر بالنسبة إلى المواطنين وصل إلى 7.09 أطباء لكل 10 آلاف مواطن في سنة 2019، مقابل الحد الأدنى المقبول به وهو 10 أطباء لكل 10 آلاف مواطن. وبالإضافة إلى انخفاض النسبة فإن المنظومة الصحية تعاني أيضًا عدم عدالة التوزيع.
وعليه، هناك بعض المقترحات التي من شأنها معالجة تحديات المرحلة الثانية للتأمين الصحي الشامل:
● إشراك مقدمي الخدمات الصحية من القطاع الخاص يقترن تنفيذ التغطية الصحية الشاملة بالمحافظات ذات الكثافة العالية التوسع في تطوير الخدمات والبنية التحتية من أجل مواكبة الطلب المتزايد على الرعاية الصحية. لذا يجب التوسع في إشراك القطاع الخاص بوصفهم أطرافًا فاعلة في النظام الصحي، لا سيما في مجال العيادات الخارجية ورعاية مرضى الأقسام الداخلية في المستشفيات، مما يشجع المنافسة الصحية والتكامل بين القطاعين. وسيساعد ذلك أيضًا على تقليل الفجوة الصحية في المحافظات ذات الكثافة السكانية المرتفعة والمحافظات التي بها نقص في البنية التحتية الصحية، مما يعزز من تكامل القطاعين لخدمة المنتفع.
● الشراكة مع المجتمع المدني من الضروري عقد شراكات مع منظمات المجتمع المدني والتي لها دور كبير في تقديم خدمات صحية لقرى محافظات الوجه القبلي والبحري، وذلك من خلال تدشينها لبعض المستشفيات والمراكز ذات الخدمات المتوسطة وبأجر بسيط وتلعب دور مهمًا في تقديم الخدمات الصحية بتلك القرى، مما يستوجب التكامل معها واشراكها في المنظومة، خاصة وأن هذه الجمعيات لديها بنية تحتية قائمة بالفعل، مما يسهم في صمان استمرارية المنظومة، فضلًا عن تمويل النظام الجديد عن طريق التبرعات الخيرية وخلافه. ذلك علاوة على أنها قد تساعد في بناء منشآت صحية يتم التعاقد معها عن طريق التأمين الصحي بحيث لا تهدف إلى الربحية وتقوم بوضع هامش ربح بسيط. وأخيرًا، دور منظمات المجتمع المدني في التوعية بضرورة التسجيل في مشروع التأمين الصحي الشامل عن طريق عمل ندوات ومواد استرشاديه ومطبوعات للتوعية.
وختامًا، يمكن القول إن الاستمرار في تطبيق منظومة التأمين الصحي الشامل أمر غاية في الأهمية لتوفير رعاية صحية شاملة لجميع المواطنين والقضاء على التفاوت المجتمعي في الحصول على الخدمات الصحية، لكن في المقابل هناك بعض التحديات التي تواجه تطبيقه في مرحلته الثانية بسبب التمويل وعدم تأهيل البنية التحتية للمنشآت الصحية في بعض المحافظات فضلًا عن نقص في الكوادر الطبية، مما يستوجب العمل على إيجاد حلول لمواجهة هذه التحديات من خلال مشاركة القطاع الخاص والمجتمع المدني باعتبارهم ركائز أساسية في التنمية.
باحثة بالمرصد المصري