
هل يستطيع مؤتمر بون للمناخ التحضير لسد ثغرات قمة جلاسكو في شرم الشيخ؟
انطلق مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ في مدينة بون بألمانيا والذي ينعقد في الفترة ما بين 6-16 يونيو، ويأتي بعد مرور سبعة أشهر من قمة جلاسكو، وذلك بحضور وزير الخارجية سامح شكري الرئيس المعين لـ “COP27″؛ لتمهيد الطريق لقمة المناخ “COP27” المقرر انعقادها في شرم الشيخ. وعلى جدول أولويات المؤتمر، التأكيد على سبل تعزيز مكافحة الاحتباس الحراري وانعكاساته الوخيمة، فضلًا عن تقديم المساعدات التي تطالب بها الدول النامية لتواجه تبعات التغير المناخي.
وأكدت الأمينة التنفيذية لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ “باتريشيا إسبينوزا” ضرورة أن تتخذ الحكومات تدخلات وقرارات على المستوى السياسي من أجل تحقيق حزمة متوازنة، لافتة إلى أن بالإمكان فعل ما هو أفضل، “مما سيرسل رسالة واضحة للعالم بأننا نسير في الاتجاه الصحيح، لأن العالم سيكون لديه سؤال في شرم الشيخ، ما التقدم الذي تم إحرازه منذ جلاسكو؟”. وهذا التقرير يطرح التساؤل ذاته، هل سيستطيع مؤتمر بون في ألمانيا التحضير لسد ثغرات قمة جلاسكو في قمة شرم الشيخ؟
“بون” خطوة مرحلية
تعد هذه المرة الأولى التي يجتمع فيها ما يقرب من 200 ممثل دولي، منذ اختتام مؤتمر الأمم المتحدة حول تغير المناخ “COP26” بجلاسكو في نوفمبر الماضي. ومن المفترض أن يكون مؤتمر “بون” بمثابة دفعة قوية لقمة المناخ “COP27″، خاصة بعد الأزمة الروسية- الأوكرانية صرفت أنظار العالم عن كل ما سواها، والتي يجب ألا تؤثر على تعهدات والتزامات الدول الصناعية المتفق عليها في قمة المناخ “COP26”.
ويركز مؤتمر “بون” على موضوعات رئيسة هي: خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وتوفير الدعم المالي للبلدان النامية، والتكيف مع تأثيرات المناخ. وهي التعهدات التي تم الاتفاق عليها في قمة جلاسكو؛ أي يمكن القول إن مؤتمر “بون” جاء كمحاولة للعمل على سد ثغرات جلاسكو التي جاءت مخيبة للآمال، خاصة وأن الدول الصناعية الكبرى والتي هي مسؤولة بشكل كبير عن الآثار السلبية للتغييرات المناخية لم تفِ بالتزاماتها منذ جلاسكو حتى الآن، خاصة في النقاط التالية:
تجنب ارتفاع درجة حرارة الأرض عن 1.5 درجة مئوية: خلال قمة جلاسكو اتفقت الدول على التأكيد على تنفيذ اتفاقية باريس 2015، والمتمثلة في الحد من زيادة درجة حرارة الأرض إلى أقل بكثير من 2 درجة مئوية، ما قبل الحقبة الصناعية، ومواصلة الجهود للحد منها إلى 1.5 درجة مئوية. لكنهم فشلوا حتى الآن، وهو ما أكد عليه رئيس الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ، خلال “بون” بأنه من الضروري زيادة الطموح لتجنب أسوأ آثار تغير المناخ، وضرورة التحرك على الفور لجعل العالم على المسار الصحيح لتجاوز هدف 1.5 درجة مئوية طبقًا لاتفاقية باريس، لافتا إلى أن تحقيق هذا الهدف يعني اتخاذ إجراءات مناخية متسارعة، خاصة وأن “COP27” ستركز على التنفيذ أولًا قبل كل شيء.
ومن المتوقع أن يكون تنفيذ هذا الهدف صعب المنال للغاية في الوقت الحالي، خاصة وأن ثمة احتمالًا بنسبة 50% لارتفاع حرارة الأرض عن 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2026، إلا أن الارتفاع عن هذا الحد على مدار عام يمكن أن يؤدي إلى تجاوز ذلك المستوى على المدى الطويل، فضلًا عن أن الأنشطة الحالية للدول الصناعية الكبرى تضع العالم على مسار ارتفاع درجات حرارة الأرض بنحو 3.2 درجة مئوية بنهاية القرن الحالي.
ويمكن القول إن هذا المؤتمر بمثابة خطوة مرحلية هدفها محاولة الحفاظ على التقدم الطفيف الذي حققه مؤتمر جلاسكو، خاصة وأن أغلبية الدول الصناعية الكبرى لا تلتزم بتعهداتها الحالية التي تجعل تطبيق اتفاقية باريس أمرًا غير ممكن، خاصة وأنه من المفترض أن تكون “بون” خطوة جريئة بخطة واضحة كي تمهد الطريق لشرم الشيخ لإحداث تغيير قوى في السياسات المناخية.
توفير الدعم المالي للدول النامية: من ضمن القضايا الصعبة التي يناقشها “بون” هي إلزام الدول الصناعية بالوفاء بـ 100 مليار دولار أمريكي، وهو التعهد الذي فشلوا في الوفاء به في عام 2020، خاصة وأنه لم يتحقق أي وفاء بهذا الالتزام منذ قمة جلاسكو أي منذ سبعة أشهر، رغم أن هذا الرقم يقل كثيرًا عن الوفاء بالاحتياجات الفعلية لتلك الدول. وفى ظل تزايد موجات التغييرات المناخية، بات ملف التعويض عن الأضرار والخسائر الناجمة عنها مطروحًا على الطاولة التي تجمع 200 ممثل، وهي الأضرار التي لم يعد بالإمكان تفاديها.
الجهود المصرية في “بون”
شارك وزير الخارجية سامح شكري بوصفه الرئيس المعين لـ “COP27” في مؤتمر “بون”، واستعرض خلال المؤتمر الجهود المصرية التي تم اتخاذها استعدادًا لقمة المناخ القادمة، من خلال تنفيذ تعهدات المناخ وخروج المؤتمر بنتائج متوازنة تعالج مختلف الموضوعات ذات الأولوية، خاصة خفض الانبعاثات، والتكيف مع تغير المناخ، ومعالجة الخسائر والأضرار، وتوفير تمويل المناخ.
بالإضافة إلى الاجتماع مع أعضاء مجموعة الـ 77 والصين الموجودين “بون” مع رؤساء المجموعات الجغرافية والسياسية المختلفة في مفاوضات تغير المناخ، مع التأكيد على حرص الدولة المصرية على النأي بمفاوضات المناخ عن التطورات الجيوسياسية الأخيرة على الساحة الدولية، والدفع بمصالح الدول النامية في مفاوضات تغير المناخ، بما يعزز الثقة بين كافة أطراف المفاوضات ويضمن حسن سير العملية التفاوضية للخروج بالنتائج المرجوة.
أما على صعيد الجانب الأفريقي، خلال مؤتمر “بون” سعى الجانب المصري إلى طرح الشواغل الأفريقية في ملف تغير المناخ، مع التأكيد على أن القارة الأفريقية هي الطرف الأكثر تأثرًا بالتداعيات السلبية لتغير المناخ، بالرغم من كونها الأقل إسهامًا في الانبعاثات، خاصة في ظل الصعوبات التي لا تزال تواجهها الدول الأفريقية للحصول على تمويل المناخ اللازم للتعامل مع هذه التداعيات.
ختاما، يمكن القول إن الموضوعات المطروحة خلال المؤتمر جميعها موضوعات متشابكة وكل منها يكمل الآخر حتى تكتمل الحلقة التي تمكنا من تحقيق الطموح المناخي، وهذا المؤتمر بمثابة ناقوس تذكير للدول بتنفيذ التزاماتها، خاصة بعد فترة الخمول الذي شهدتها الدول منذ قمة جلاسكو، وهو كذلك خطوة نحو الطريق إلى قمة شرم الشيخ. لكن يبدو أن الوضع ما زال ضبابيًا، وأن المؤتمر لن يستطيع أن يحقق الأهداف التي يسعى إليها، وسيكون مجرد مرحلة انتقالية بين قمتين، يسعى خلالها إلى الحفاظ على المكتسبات الضئيلة التي حققها جلاسكو، مما يثقل كاهل قمة شرم الشيخ في تنفيذ تعهدات والتزامات الدول الصناعية الكبرى، وتظل في النهاية الدول النامية تدفع الضريبة.
باحثة بالمرصد المصري