المنتدى الحضرى العالمى وتجربة مصر لخلق مجتمعات حضرية أكثر استدامة
تستضيف مدينة القاهرة العريقة النسخة الجديدة من المنتدى العالمي الحضري (WUF) والذي يعد أبرز مؤتمر عالمي حول القضايا الحضرية الخاصة بتطوير المدن وتحسين حياة المواطنين وتعزيز مبادئ الاستدامة بالمجتمعات. تأسس المنتدى في عام 2001 من قبل الأمم المتحدة لدراسة واحدة من أكثر القضايا العاجلة التي تواجه العالم اليوم وهى التوجه السريع والنزوح للحضر وتأثير ذلك على المجتمعات والمدن والإقتصاديات وتغير المناخ والسياسات.
وقد أقيم أول منتدى عالمي في نيروبي بكينيا في عام 2002، وعُقد في جميع أنحاء العالم منذ ذلك الحين. وبذلك تعد نسخة هذا العام بمصر هي فرصة جديدة لنقل صوت أفريقيا إلى العالم. وتتضمن أهداف المنتدى:
- رفع الوعي بالتحضر المستدام بين أصحاب المصلحة والجماهير.
- تحسين المعرفة الجماعية حول التنمية الحضرية المستدامة من خلال النقاشات المفتوحة الشاملة، وتبادل التجارب المستفادة وتبادل أفضل الممارسات والسياسات الجيدة.
- زيادة التنسيق والتعاون بين الأطراف المعنية والجماهير للتقدم وتنفيذ التحضر المستدام.
التوجه العالمى لتخطيط المدن بشكل أكثر استدامة
تشغل المدن 3% من اليابسة، لكنها تستهلك من 60% إلى 80% من الطاقة و70% على الأقل من انبعاثات الكربون. وبالتالي، فإن إنشاء مدن آمنة ومرنة ومستدامة هو أحد الأولويات القصوى لأهداف التنمية المستدامة. ويشير برنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى أن معظم المدن اليوم تعاني من التدهور البيئي، والازدحام المروري، والبنية التحتية الحضرية غير الملائمة، بالإضافة إلى نقص الخدمات الأساسية، مثل إمدادات المياه والصرف الصحي وإدارة النفايات.
ولهذا يسعى مخططو المدن المستدامة إلى تلبية الاحتياجات الأساسية لسكانها، مع إتاحة ظروف معيشية مستدامة للجميع. فالمدن المستدامة هي مدن مصممة لمراعاة التأثير الإجتماعي والإقتصادي والبيئي؛ إذ أنها تشكل موطنًا مرنًا للسكان الحاليين دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على التقدم والحياة بنفس مستوى الرفاهية أو ما يزيد عليه.
ومن ثم فهي مدن لتحقيق الاستدامة الخضراء والاستدامة الاجتماعية والاستدامة الاقتصادية، وذلك من خلال تصميم يركز على الشمولية والحفاظ على النمو الاقتصادي. حيث يشمل تخطيط تلك المدن على تقليل المدخلات المطلوبة من الطاقة والمياه والغذاء، والتقليل بشكل كبير من النفايات وإخراج الحرارة وتلوث الهواء وتلوث المياه، والقدرة على تزويد نفسها بالطاقة من مصادر متجددة، وكذلك القدرة على تغذية نفسها بالاعتماد المستدام على البيئة الطبيعية المحيطة. وهذا يتم تحقيقه من خلال استخدام الأرض بكفاءة بطرق مختلفة، مثل: تحويل المواد المستخدمة إلى سماد، وإعادة التدوير، أو تحويل النفايات إلى طاقة؛ مما سيؤدي إلى تقليل تأثير المدينة على تغير المناخ.
يأتي تطور المدن بتطور الحضارة؛ إذ تعبر المدينة عن مفهوم الحضارة أكثر من أي شيء آخر. في عام 1800 كان 3٪ فقط من سكان العالم حضريين، وزاد ذلك إلى 14٪ بحلول عام 1900 وإلى 40٪ بحلول عام 2000، وبحلول عام 2050 من المتوقع أن يعيش 70٪ من سكان العالم في المراكز الحضرية. هذا التطور الملموس في النشاط الإنساني هو ما أدى إلى تقدم مجال التخطيط للمدن وصولًا إلى مدن الجيل الرابع؛ إذ تحاول دائمًا الحكومات خاصة في الوقت الحالي إيجاد السبل المختلفة لاستيعاب المزيد من الناس عن طريق توفير تحديات وفرصًا للمهتمين بالبيئة.
وهناك مزايا واضحة لمواصلة تحديد أهداف المدن المستدامة والعمل عليها، ولذلك فإن التحول إلى الحياة الحضرية الأكثر كثافة من شأنه أن يوفر منفذًا للتفاعل الاجتماعي والظروف التي يمكن للبشر أن يزدهروا فيها، بالإضافه إلى أن المناطق الحضرية أيضًا تعمل على تعزيز استخدام النقل العام والمشي وركوب الدراجات مما يعود بالنفع على صحة المواطنين البيئة. ويجب أيضًا أن تكون المدن التي ستتوافق مع معايير المستقبل ومتطلبات التنمية ذكية ومستدامة ومترابطة، ولا ينبغي وضعها أو التخطيط لها بشكل عشوائي ولكن يجب أن تكون جزءًا من إطار إقليمي لرفع الرفاهية للسكان.
المدن الذكية
المدينة الذكية هي منطقة حضرية تستخدم أنواعًا مختلفة من الأساليب الإلكترونية وأجهزة الاستشعار لجمع البيانات، وتُستخدم الرؤى المكتسبة من تلك البيانات لإدارة الأصول والموارد والخدمات بكفاءة، ويتم استخدام هذه البيانات لتحسين العمليات في جميع أنحاء المدينة.
وتسمح تقنية المدينة الذكية لمسؤولي المدينة بالتفاعل المباشر مع كل من البنية التحتية للمجتمع والمدينة ورصد ما يحدث في المدينة وكيفية تتطورها. وتُستخدم أيضًا تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتحسين جودة الخدمات الحضرية وأدائها وتقليل التكاليف واستهلاك الموارد وزيادة الإتصال بين المواطنين والحكومة، وبالتالي قد تكون المدينة الذكية أكثر استعدادًا للاستجابة للتحديات.
وهناك أربعة عوامل تسهم في تعريف المدينة الذكية:
- تطبيق مجموعة واسعة من التقنيات الإلكترونية والرقمية على المجتمعات والمدن.
- استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتغيير بيئات الحياة والعمل داخل المنطقة.
- تضمين تقنيات المعلومات والاتصالات (ICT) في الأنظمة الحكومية.
- إضفاء الطابع الإقليمي على الممارسات التي تجمع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والأشخاص معًا لتعزيز الابتكار والمعرفة التي يقدمونها.
الجهود المصرية نحو تطوير المدن القائمة والجديدة
أعلن جهاز التعبئة العامة والإحصاء في 2017 أن عدد سكان مصر تجاوز 100 مليون نسمة، علمًا بأن هناك حوالي 92.7 مليون منهم يعيشون في مصر، بينما يعيش 8 ملايين في الخارج. وإذا استمرت اتجاهات النمو نفسها، تشير الإحصائيات إلى أنه من المتوقع أن يصل عدد سكان مصر إلى أكثر من 200 مليون بحلول عام 2100.
ومن هنا حرصت الدولة المصرية على بناء مدن ووحدات سكنية جديدة لاستيعاب الأعداد المتزايدة من المصريين، على أن تكون تلك المدن مخططة بشكل مبتكر وسليم من البداية، حتى لا تتكرر مأساة العشوائيات والمشاكل العمرانية. ومن هنا أتت الحاجة إلى مدن الجيل الرابع ذات الطبيعة الأكثر استدامة والميسرة لنمو مجتمعات متكاملة بخدمات متميزة ومتنوعة.
الهدف الرئيس من هذه المدن الجديدة هو توفير حياة أفضل للمصريين، ومواجهة النمو السكاني السريع، وتوفير السكن والاستثمار وفرص العمل، كل ذلك بما يتسق مع الرؤية المصرية الجديدة المتعلقة بتحقيق تنمية مستدامة حقيقية تتوافق مع الأطر البيئية والإجتماعية وليس فقط الإقتصادية.
ومن هذا المنطلق شرعت الدولة في وضع قائمة من المدن المستدامة والذكية الجديدة والطموحة من الجيل الرابع بما يتسق مع استراتيجية مصر للتنمية المستدامة 2030. وكان رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي قد صرح في أكثر من مناسبة بأن العاصمة الإدارية الجديدة المقامة بشرق القاهرة هي مشروع المستقبل الذي تعول عليه الدولة لإعلان ولادة الجمهورية الثانية. ولم تكن تلك المرة الأولى التي يتم استخدام فيها هذا المصطلح؛ إذ إن الرئيس عبد الفتاح السيسي استخدمه في مختلف الفعاليات والخطب، وذلك كجزء من خطة الدولة لإقامة الجمهورية الجديدة مع استمرار العمل في تطوير الريف والبنية التحتية في القاهرة والمدن الكبرى الأخرى، فضلًا عن افتتاح العاصمة الإدارية وغيرها من المجتمعات العمرانية الجديدة.
لم تكن تلك الرؤية مفاجئة، حيث اعتزمت الدولة المصرية بناء أكثر من 26 مدينة من الجيل الرابع بمساحة إجمالية قدرها 580 ألف فدان لاستيعاب 30 مليون مواطن وتوفير فرص إضافية للعمل، وذك خلال السنوات القليلة الماضية تماشيًا مع استراتيجية مصر 2030.
وتتوزع هذه المدن في جميع أنحاء الجمهورية المصرية. وتشمل: العاصمة الإدارية الجديدة، وجنوب القاهرة الجديدة ، ومدينة السادس من أكتوبر الجديدة، وحدائق أكتوبر، وامتداد الشيخ زايد، وسفنكس الجديدة، والوراق الجديدة بالجيزة، ومدينة العبور بمحافظة القليوبية، ومدينة العلمين الجديدة بمرسي مطروح، ومدينة المنصورة الجديدة بمحافظة الدقهلية، وامتداد النوبارية الجديدة بمحافظة البحيرة، وشرق بورسعيد “سلام” بغرب بورسعيد، وبئر العبد الجديدة بشمال سيناء، والفشن الجديد ببني سويف، وملّوي الجديدة بمحافظة المنيا، وغرب أسيوط، قنا الغربية، والأقصر الجديدة وتوشكى في أسوان. وبالإضافة إلى ما سبق تعد مدينة الجلالة بمنطقة العين السخنة إحدى تلك المدن.
رؤية مدن الجيل الرابع بمصر
يعد التخطيط أمرًا ضروريًا لبقاء المدن وتطورها، ومن أجل حدوث أي تغيير فإن الاقتصاد السياسي للتغيير مهم للغاية. فيجب على الناس المطالبة بالأماكن العامة، واللوائح التي تسمح بالقيادة الذاتية، والمباني الموفرة للطاقة. ولا ينبغي للمدن أن تنظم تنظيمًا لإبعاد الشركات الناشئة الخدمية في مجالات النقل والبنية التحتية، ولكن يجب أن تنظم عدة وسائل قانونيه ولوجيستيه للسماح بالوصول إلى تلك الخدمات. كما يجب أن تكون السلطات قادرة على تحديد رؤية طويلة المدى للمدن مع تحليل نقاط القوة والفرص.
تحتاج المدن إلى الاستفادة من ميزتها التنافسية للمنافسة عالميًا وليس فقط داخل البلد، ومن هذا المنطلق، يحتاج المسؤولون إلى جعل المدن الجديدة أكثر جاذبية للناس لضمان رغبتهم في الانتقال إليها. أما العامل الثاني الأكثر أهمية فهو الاتصال، فهذه هي الطريقة التي تستوعب بها المدن حركة الأشخاص بما في ذلك النقل الجماعي والطرق السريعة والمطارات.
وفي العالم الحديث، الاتصال الرقمي مهم بنفس القدر، إلى جانب البنية التحتية المساعدة مثل الكهرباء الموثوقة، لذلك كان العامل الثالث وهو احتياج المدن إلى النظر إلى النسيج الإجتماعي من حيث توزيع الدخل والوصول إلى الحوكمة والتجارة والرعاية الصحية والتعليم والأمن. وأخيرًا، يجب أن تكون المدن مستدامة وهذا يشمل التخطيط للطاقة المتجددة، والأمن المائي، وإدارة النفايات وجودة الهواء. ولهذا حرصت مصر في السنوات الماضية على إطلاق بناء المدن الجديدة.