السودان

السودان وتحديات أدت إلى تفاقم الأزمة

شهد اليوم الاثنين 25 أكتوبر حلقة جديدة للمشهد السياسي المتأزم في السودان، حيث شهدت العاصمة السودانية الخرطوم، فجر اليوم الاثنين، تحركات عسكرية، نتج عنها حل مجلس السيادة الانتقالي ومجلس الوزراء وإعلان حالة الطوارئ في البلاد، فضلا عن اعتقال عدد من الوزراء في الحكومة وقياديين مدنيين آخرين، وذلك في أعقاب مظاهرات حاشدة شهدتها شوارع السودان الأيام الماضية بين مطالبين بحل الحكومة المدنية ومؤيدين لبقائها.

تحديات واجهها السودان في مساره الإنتقالي

بعد أكثر من عامين على إسقاط نظام الرئيس السابق عمر البشير، وبعد عام عام من اتفاق السلام الموقع في جوبا لتقاسم السلطة في السودان، لايزال الانتقال السياسي في السودان يمر بمرحلة حرجة وبالغة التعقيد؛ حيث واجهت السودان مجموعة متنوعة من التحديات والعقبات، أدت لاتجاه الأوضاع إلى مزيد من السوء، بما في ذلك الاحتجاجات الجماهيرية على أسعار السلع ومواد الوقود، وعودة العنف في منطقة دارفور المضطربة، كما شهدت العملية الانتقالية في السودان بعد البشير العديد من التقلبات على طول الطريق، بما في ذلك محاولة تمرد عسكري، ومحاولة اغتيال رئيس الوزراء الانتقالي عبدالله حمدوك، وفيما يلي أبرز التحديات التي واجهت الفترة الانتقالية:

  • الوثيقة الدستورية مع قوى الحرية والتغيير

بعد الإطاحة بالبشير، تم توقيع الوثيقة الدستورية في أغسطس 2019، بعد احتجاجات شعبية استمرت عدة أشهر، وطوت الوثيقة صفحة الخلاف بين المجلس العسكري الانتقالي الذي حكم البلاد في أعقاب الإطاحة بعمر البشير والقوى المدنية التي قادت الاحتجاجات (قوى الحرية والتغيير).


ونصت الوثيقة في أبرز بنودها، على تشكيل مجلس للسيادة (أعلى سلطة بالسودان)، من 11 عضوًا، هم : خمسة عسكريين يختارهم المجلس العسكري، وخمسة مدنيين، تختارهم قوى التغيير، تضاف إليهم شخصية مدنية يتم اختيارها بالتوافق بين الطرفين، ويترأس أحد الأعضاء العسكريين المجلس لمدة 21 شهرًا، بداية من توقيع الاتفاق، تعقبه رئاسة أحد الأعضاء المدنيين لمدة 18 شهرًا المتبقية من الفترة الانتقالية.

كما نصت الوثيقة الدستورية أيضا على تشكيل مجلس تشريعي انتقالي، مكون من 300 عضو، في غضون 3 أشهر من تاريخ التوقيع، بيد أن الأطراف الانتقالية لم تتمكن من تشكيله في الوقت المحدد، واستعانت عنه بما سمته المجلس التشريعي المؤقت، ويتكون من مجلسي السيادة والوزراء مجتمعين، ويصدر القرارات في اجتماع مشترك.

وبالرغم أن الوثيقة الدستورية تمثل المرجعية الحاكمة لكل الفترة الانتقالية، والضابطة والمنظمة للشراكة بين المكونين المدني والعسكري، والأسس والأدوار والأنصبة والآجال الخاصة بتشكيل كل مؤسسات الانتقال، لكنها في خضم الشرخ العميق الذي شهدته الشراكة الانتقالية مؤخرا، ظلت الوثيقة هي الحاضر دائماً في ثنايا الاتهامات المتبادلة من المكونين بخرق الوثيقة الدستورية، لتصبح ضمن أدوات الصراع السياسي القانونية، من دون أن تكون جزءاً من حلول عجزت في أن تسهم في تقديم مخرج لها.

وأخطر ما أثير حول الوثيقة الدستورية من اتهامات هو ما ذكره نائب رئيس “حزب الأمة”، القيادي في “الحرية والتغيير”، إبراهيم الأمين، أن ثمة تلاعباً جرى في الوثيقة بواسطة أفراد من المكونين المدني والعسكري، من دون علم الوفدين المتفاوضين، محملاً هؤلاء الأشخاص من دون أن يسميهم المسؤولية عن ذلك، ما دفعه إلى تقديم استقالته كممثل لنداء السودان في لجنة التفاوض ضمن مكونات “الحرية والتغيير”.

واعتبر أن التعديل الذي تم في الوثيقة عقب توقيع اتفاقية سلام جوبا، بإضافة المادة (80) التي تشكل بموجبها مجلس شركاء الفترة الانتقالية، كان السبب في إرباك الحركة السياسية والتضارب في المسار السياسي بالبلاد.

ونشرت وزارة العدل في الجريدة الرسمية لجمهورية السودان تحت عنوان “الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية (تعديل) لسنة 2020” العدد 1908، بتاريخ 2 نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، مشتملة على التعديلات الجديدة.

وشملت تلك التعديلات استيعاب شركاء السلام في مجلسي السيادة والوزراء بإضافات تتعلق بتشكيل مجلس السيادة الانتقالي، الذي يتألف وفقاً للتعديلات الجديدة من 14 عضواً، يسمي المجلس العسكري 5 منهم، على أن تقوم قوى إعلان “الحرية والتغيير” باختيار 5 أعضاء مدنيين، ويسميان بالاشتراك عضواً مدنياً واحداً، بينما تختار أطراف العملية السلمية في اتفاق جوبا للسلام 3 أعضاء، ويجوز للجهات التي قامت باختيار الممثلين حق تعيينهم واستبدالهم.

أما بخصوص مجلس الوزراء، فقد أصبح يتألف بموجب التعديلات من رئيس للمجلس، وعدد من الوزراء من كفاءات وطنية يتم اختيارهم بالتشاور، ويعينهم رئيس الوزراء من قائمة مرشحي قوى إعلان “الحرية والتغيير”، وأطراف العملية السلمية في اتفاق جوبا.

وبموجب التعديلات تختار أطراف السلام 25 في المئة من الوزراء، ويعتمد مجلس السيادة جميع أعضاء مجلس الوزراء، ومن بينها حقيبتا الدفاع والداخلية، اللذان يرشحهما المكون العسكري بمجلس السيادة.

وشملت التعديلات كذلك مدة الفترة الانتقالية المحددة في الوثيقة الأصل بـ39 شهراً، لتكون بدايتها من تاريخ التوقيع على اتفاق السلام في جوبا، في 3 أكتوبر2020، بعد مضي أكثر من عام على بدء العمل بالوثيقة.

أضافت التعديلات إنشاء مجلس لشركاء الفترة الانتقالية، تُمثَّل فيه أطراف الوثيقة الأصلية، ورئيس مجلس الوزراء، إلى جانب أطراف اتفاق السلام، وذلك بغرض حل الخلافات والتباينات في وجهات النظر بين الأطراف المختلفة، خدمة لمصالح البلاد العليا وضمان نجاح الفترة الانتقالية.

وخلال الفترة الماضية تم تبادل الاتهامات بين المكونين المدني والعسكري بعدم الإلتزام بالوثيقة الدستورية والتلاعب بها، ما أدى لتصاعد الأزمة السياسية بين المكونين.

  • اتفاق سلام السودان

لم تلتزم الحكومة الانتقالية بشكل كامل بأحكام اتفاق سلام السودان الموقع بين الحكومة الانتقالية وحركات مسلحة وقوى سياسية منضوية تحت لواء «الجبهة الثورية»، والذي جرت مراسم توقيعه في اكتوبر 2020 في جوبا، عاصمة جنوب السودان، بحضور وزراء وقادة حكومات دول مجاورة، بالإضافة إلى مصر وقطر والسعودية، فضلا عن رئيس دولة جنوب السودان سلفاكير ميارديت، الذي توسطت بلاده بين الفرقاء السودانيين، تم التوقيع بشكل نهائي على اتفاق مبدئي تم التوصل إليه في أغسطس، بعد شهور من المحادثات، مع ثلاث مجموعات متمردة رئيسية من إقليم دارفور.

ووقع على الاتفاق من جانب المعارضة المسلحة الجبهة الثورية السودانية، التي تضم خمس حركات مسلحة وأربع حركات سياسية. في حين لم ينضم فصيلان رئيسيان، وهما جيش تحرير السودان والحركة الشعبية جناح عبد العزيز الحلو إلى مفاوضت السلام.

تضمن الاتفاق ستة بروكوتولات من بينها تقاسم السلطة، والترتيبات الأمنية وتقاسم الثروة، بالإضافة لذلك، وفقا لاتفاق السلام كان من المتوقع أن ينشئ السودان هيئة تنفيذية وتشريعية وقضائية جديدة ومؤسسات دولية أخرى. ولكن هذا لم يحدث. 

كما نص اتفاق السلام على تمثيل قوى السلام بما نسبته 25 في المائة من مقاعد الحكومة الانتقالية (5) وزراء، و3 أعضاء في المجلس السيادي، و75 عضوا في المجلس التشريعي «البرلمان».

  • أزمة شرق السودان

هذا إلى جانب الأزمة التي اندلعت في شرق السودان، والتي نفذتها قبيلة البجا احتجاجا على ما وصفته بتهميشها في مفاوضات السلام السودانية التي أسفرت عن توقيع اتفاق في أكتوبر 2020، وأغلقت المجموعة الميناء الجنوبي في بورتسودان والذي تعتمد عليه البلاد في تغطية نحو 70 في المئة من الاحتياجات اليومية؛ كما أغلقت خط أنابيب وارد المنتجات البترولية الرابط بين ميناء بورتسودان الرئيسي ومدن السودان الأخرى، ما أدى إلى تفاقم أزمة الوقود.

  • محاولة انقلاب فاشلة

أعلنت السلطات السودانية إنها أحبطت محاولة انقلابية جرت صباح يوم الثلاثاء 21 سبتمبر 2021، واتهمت الموالين للرئيس المخلوع عمر البشير بمحاولة تقويض الثورة التي أطاحت به من السلطة في 2019، لم تكن هذه المحاولة هي الأولى وإنما هي المحاولة السادسة للانقلاب في السودان منذ الإطاحة بالبشير، والثانية في عام 2021، ففي 11 يوليو 2021 أعلن الجيش إحباط محاولة انقلاب هدفت للإطاحة بالمجلس العسكري، وتم اعتقال 12 ضابطا على إثرها، وفي 24 من الشهر ذاته، أعلنت اعتقال رئيس أركان الجيش هاشم عبد المطلب أحمد، بوصفه قائد ومخطط المحاولة الانقلابية الفاشلة حينها.

أثارت محاولة الانقلاب في سبتمبر، شكوك العديد من القوى المدنية التي اعتبرتها بالون اختبار، قام بها المكون العسكري، لمعرفة كيف سيكون رد فعل الشوارع على أي انقلاب قادم، مبررين ذلك بسرعة السيطرة على الانقلاب، وتردد أخبار عن احتمال حدوث انقلاب قادم خلال الأيام الماضية، الأمر الذي يبدو مريبا، تحديدا مع اقتراب الموعد الذي من المتوقع أن يسلم فيه رئيس أركان الجيش قيادة مجلس السيادة إلى السيد حمدوك – وهو منصب شرفي إلى حد كبير، لكنه مع ذلك يدل على السيطرة المدنية الكاملة على السودان لأول مرة منذ عقود.

وكانت محاولة الانقلاب هذه هي النقطة التي اشتعلت عندها الأزمة بين المدنيين والعسكريين ولم تخمد نارها حتى الآن.

  • الخلافات بين المكون المدني والعسكري

ظهرت خلافات على السطح مؤخرًا بين المكونين العسكري والمدني في الحكومة الانتقالية، وتبادل الطرفين الاتهامات فيما بينهم، حيث يرى المدنيين أن المكون العسكري يرغب في الاستئثار بالسلطة، وأن دور العسكريين كان يفترض أن يكون شرفيا إلى حد كبير، وأن الجيش تجاوز صلاحياته فيما يتعلق بالسياسة الخارجية ومفاوضات السلام، كما واجه الجيش اتهامات بدعم المتمردين في شرق السودان، وتورطه في جرائم في عهد البشير. فيما اتهم الجيش الأحزاب المدنية بسوء الإدارة واحتكار السلطة، وعدم التزامهم ببنود اتفاق السلام، وعدم استكمال الأجهزة التشريعية، وتم الاستقطاب على مجال واسع، حيث انحاز ائتلاف من جماعات معارضة وأحزاب سياسية مع القوات المسلحة وسعوا لحل مجلس الوزراء المدني، وانشقت حركة الحرية والتغيير بين مؤيد لمطالب الجيش بقيادة البرهان، ومؤيد للمكون المدني وبقاء الحكومة، ما أدى لتظاهرات حاشدة في الشارع السوداني منحازة لكلا الطرفين. 

  • أزمات إقتصادية طاحنة

أما على الصعيد الاقتصادي، فخلال الفترة الانتقالية، تفاقمت حدة الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها السودان منذ سنوات والتي كانت السبب الرئيسي في الإطاحة بالبشير، حيث انخفضت قيمة الجنيه السوداني مقابل الدولار من 70 جنيه سوداني لكل دولار في أكتوبر 2019، إلى 445 جنيه سوداني لكل دولار في أكتوبر 2021، في الوقت الذي تعاني فيه السودان من إرفاع حاد في معدل التضخم تجاور ال400% في شهري يونيو ويوليو 2021.

فضلا عن أزمة غذائية حادة، وسط ارتفاع كبير في الأسعار، حيث تشير أحدث نتائج التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي في السودان إلى أنه يتوقع أن يعاني 9.8 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الحاد (المرحلة 3 وما بعدها من التصنيف المرحلي المتكامل) في جميع أنحاء البلاد طوال موسم الندرة الغذائية من يونيو إلى سبتمبر، علاوة على ذلك، من المتوقع أن يحتاج 13.4 مليون شخص – أي نحو ربع السكان تقريباً – إلى مساعدات إنسانية، وهو أعلى رقم تم تسجيله في تاريخ التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي في السودان، بما في ذلك 2.5 مليون نازح داخلياً، كما أن السودان نفسه يستضيف نحو مليون لاجئ، بما في ذلك 70 ألف وافد حديثاً من إثيوبيا. وعليه لا يمكن المبالغة في القول إن هناك حاجة إلى دعم مالي واقتصادي مستدام للسودان. 

إلى جانب هذا، في الأشهر الأخيرة، أجرت الحكومة سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية الصعبة للتأهل للإعفاء من الديون من صندوق النقد الدولي، واعتبر العديد من السودانيين أن الإصلاحات، التي تضمنت خفض الدعم وتعويم الجنيه السوداني، قاسية للغاية، ما أدى إلى زيادة أسعار البنزين والسلع الغذائية بشكل كبير وفاقم من الأزمة، وأثار غضب الشعب السوداني على الحكومة الانتقالية، ودفعهم لتنظيم تظاهرات أكثر من مرة. 

  • تأخر محاكمة البشير

وفي دراسة لدكتور حمدي عبد الرحمن، أشار إلى أنه على الرغم من الإطاحة بالبشير من السلطة ثم سجنه، فإن إجراءات محاكمته المحلية تأخرت بشكل متكرر. علاوة على ذلك، فإن الجرائم الكبيرة، مثل القتل خارج نطاق القضاء، والاعتداءات التي ارتكبتها قواته الأمنية ليست مدرجة في قائمة التهم الموجهة إليه. ومع ذلك فقد أُدين بتهم الفساد ومخالفات العملة في ديسمبر 2019، وحُكم عليه بالسجن لمدة عامين في “منشأة إصلاحية” مصممة للسجناء كبار السن. كما اُتهم البشير بالتحريض والتورط في قتل المتظاهرين خلال الاحتجاجات التي أدت إلى خلعه من السلطة. 

  • تصاعد العنف في دارفور

ومن جانب آخر، أكد د. حمدي أن الحكومة فشلت في السيطرة على العنف بين المجتمعات في دارفور. وقد خلفت الاشتباكات الطائفية في الجنينة، غرب دارفور، في يناير الماضي، نحو 165 قتيلاً وأكثر من 100 ألف نازح. وترى كل من الحركة الشعبية لتحرير السودان (شمال) بقيادة عبدالعزيز الحلو، وحركة تحرير السودان الرئيسية بقيادة عبدالواحد النور، وهما خارج إطار اتفاقية جوبا، أن تحقيق وحدة الدولة السودانية يجب أن يقوم على أساس العلمانية، والديمقراطية، والليبرالية، والمواطنة المتساوية واللامركزية، والتنمية المتوازنة، والإرادة الحرة لشعوبها، والوحدة الطوعية، وحق الشعب السوداني في تقرير مصيره ومستقبله الإداري والسياسي كحق إنساني وقانوني وديمقراطي حقيقي ومبدأ لسيادة القانون.

  • تصاعد التوترات مع إثيوبيا

بالإضافة لذلك، ذكرت دراسة د. حمدي عبد الرحمن أن التوترات عادت على الحدود بين إثيوبيا والسودان للظهور، حيث يطالب كلا البلدين بالمنطقة المتنازع عليها المعروفة باسم الفشقة، إذ يلتقي شمال غرب منطقة الأمهرا الإثيوبية بولاية القضارف السودانية. ويوجه السودان اللوم إلى المزارعين الإثيوبيين لاستيطانهم وزراعتهم أراضٍ خصبة على الجانب السوداني من الحدود. وقد تفاقمت هذه التوترات منذ اندلاع أزمة تيجراي أواخر عام 2020. فقد تدفق أكثر من 70 ألف لاجئ عبر الحدود السودانية، كما اتهم السودان القوات الإثيوبية بنصب كمين لجنود سودانيين، وخرق مجاله الجوي. بعد هذه الأحداث بوقت قصير، بدأ السودان عملياته العسكرية لاستعادة “الأراضي المصادرة” على طول الحدود، مما أثار اتهامات إثيوبية مضادة بضرورة عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل حرب التيجراي. وفي السياق نفسه، يُلاحظ أن الجهود الدبلوماسية لتسوية النزاع المستمر منذ فترة طويلة بين إثيوبيا ومصر والسودان بشأن سد النهضة على النيل الأزرق متوقفة ولم تحدث أي اختراق. 

وتم عرض الأمر مرة أخرى إلى مجلس الأمن الدولي، لتتم إعادته إلى الاتحاد الأفريقي. والتحدي هو أنه كلما قل تدخل مجلس الأمن، زادت مخاطر تصعيد القضايا. وإذا لم يكن هناك تحرك جاد فيما يتعلق بالأدوار والمسؤوليات، فإن وظيفة منع الصراعات، التي تعتبر مهمة للغاية لكل من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، سوف تبوء بالفشل. ومن المؤكد أن التوترات بين الدول الثلاث سوف تتصاعد، مما يزيد من تبعات ذلك على العلاقات الاقليمية مثل النزاع الحدودي بين إثيوبيا والسودان وحرب التيجراي.

  • كرونا تعمق الأزمة

بالعودة إلى دراسة عبد الرحمن، حاول الدولة السودانية أيضاً التعافي من الآثار الصحية والاقتصادية لوباء كوفيد 19 ومشكلة الجراد المتكررة. ولا يخفى أن جائحة كوفيد 19 لها تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على الأمن الغذائي في السودان. ووفقاً لأحدث تقرير بهذا الخصوص، فقد فقدت بعض العائلات دخلها في وقت يواجهون فيه أيضاً تكاليف معيشية أعلى، بما في ذلك زيادة التكاليف الطبية المرتبطة بالوباء، فضلاً عن الأزمة الاقتصادية المستمرة. كما أن تدابير الاحتواء الضرورية المتعلقة بفيروس كورونا لها أيضاً آثار سلبية غير مباشرة، مما يحد من الوصول المادي للعديد من الأسر الفقيرة إلى المناطق التي يكسبون فيها عادةً دخلاً من العمل اليومي.

إنجازات متواضعة

بشكل عام أحرزت الحكومة السودانية بعض التقدم، فقد أصدرت قانونًا في محاولة لتفكيك إطار النظام السابق، وأمرت باعتقال وزير الخارجية السابق، علي كرتي، لدوره في انقلاب 1989 الذي أوصل عمر البشير إلى السلطة. كما مرر المجلس التشريعي المؤقت في السودان الذي يتكون من جميع أعضاء مجلسي السيادة والوزراء، قانون مفوضية مكافحة الفساد، بعد إزالة أي تعارض في نصوص القانون مع لجنة اجتثاث وتصفية نظام الرئيس المعزول البشير. وقد استردت اللجنة بالفعل أموالاً طائلة وممتلكات وشركات مملوكة لأعوان نظام البشير تُقدر قيمتها بمليارات الجنيهات السودانية، ولا تزال تواصل عملها في تفكيك سيطرة الإسلاميين على مؤسسات الدولة.

كما نجحت حكومة السودان في التفاوض على إزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب التي تضعها الولايات المتحدة. وتمكنت الحكومة من إشراك العديد من الجماعات المسلحة السودانية في اتفاقية جوبا للسلام، الموقعة في أكتوبر 2020. وبالفعل تم توسيع مجلس السيادة السوداني، في 4 فبراير الماضي، ليشمل ثلاث حركات مسلحة موقعة على اتفاقية جوبا للسلام. وعليه فقد اتخذ مجلس الوزراء الجديد – الذي تم تشكيله برئاسة عبد الله حمدوك في 8 فبراير – طابعاً سياسياً وليس تكنوقراطياً، ويمثل ائتلافاً واسعاً مبنياً على تقاسم السلطة بين المدنيين والعسكريين والحركات المسلحة. 

وعلى الرغم من تباين وجهات النظر حول قدرة هذه الحكومة المسيسة، حيث إنها لا تشمل جميع القوى السياسية، فإن تمثيل معظم الحركات السياسية، سمح لها بالفعل باتخاذ قرارات صعبة – من بينها، تعويم سعر صرف العملة. كما وافقت الحكومة أيضاً على خمس أولويات وطنية، هي معالجة الظروف الاجتماعية والاقتصادية، وتنفيذ اتفاق جوبا للسلام، واستئناف المفاوضات مع الحركتين المسلحتين التي لم توقع على اتفاق السلام وإصلاح قطاع الأمن وحماية المدنيين، والعلاقات الدولية، ودفع عجلة التحول الديمقراطي.

ومن جانبها، وافقت الدول الدائنة على إلغاء 14.1 مليار دولار من ديون السودان الدولية، مشيدة بإصلاحاته الاقتصادية وجهوده في مكافحة الفقر. كما أعلن نادي باريس للدول الدائنة أيضاً أنه أعاد جدولة ديون السودان المتبقية البالغة 9.4 مليار دولار للمجموعة. ومن جهة أخرى، صادق السودان على الاتفاقية الدولية لحماية كل الأشخاص من الاختفاء القسري واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. وهذه خطوة جيدة نحو ترسيخ حقوق الإنسان في البلاد.

ختامًا، تهدد التطورات الأخيرة بتراجع حاد في الأوضاع الاقتصادية المتدهورة أصلا، مع احتمال تجميد المنح والمساعدات المقدمة للسودان، ووقف عضويتها في الاتحاد الإفريقي كإجراء روتيني، مع مزيد من التأزم في الأوضاع السياسية المشتعلة في الداخل، وفي ظل هذه الظروف الصعبة إذا لم يسرع البرهان إلى الإعلان عن الخريطة الانتقالية للمرحلة المقبلة، وصولا للانتخابات في يوليو 2023، فسوف يزداد الغضب الشعبي على الأرض، مع التأزم الاقتصادي، ما يهدد بإفشال جهوده، فضلا عن أن طول الفترة يهدد بإعطاء فرصة لأتباع البشير لمحاولة الاستيلاء على الحكم في السودان من جديد، ما لم يحتوي البرهان طلبات المدنيين ويشركهم في المسار المرتقب.

+ posts

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

هايدي الشافعي

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى