مصر والسودان: علاقات راسخة وشراكة استراتيجية
تمتاز العلاقات المصرية السودانية بجذور تاريخية بعيدة المدى، وروابط سياسية واجتماعية فريدة؛ نظرًا لما يتسم به الشعبان من تاريخ مشترك وتقارب ثقافي. وقد شهدت العلاقات بين البلدين تطورًا كبيرًا خلال السنوات الماضية منذ تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم في مصر، حيث عمل على إعادة صياغة العلاقات المشتركة بين البلدين في جميع المجالات على أساس من المنفعة المتبادلة بما يسهم في تحقيق مصالح البلدين والشعبين الشقيقين.
أولًا: العلاقات الاقتصادية بين مصر والسودان
على الصعيد الاقتصادي، شهدت العلاقات بين القاهرة والخرطوم عدة خطوات إيجابية نحو تحقيق التكامل الاقتصادي بين البلدين، ونستعرض فيما يلي تحليلًا للعلاقات الاقتصادية بين الجانبين:
- حجم التبادل التجاري بين البلدين:
شهد حجم التبادل التجاري بين مصر والسودان ارتفاعًا ملحوظًا خلال السنوات القليلة الماضية، حيث سجل حجم التجارة بين البلدين عام 2021 نحو 1.2 مليار دولار، وذلك ارتفاعًا من حوالي 500 مليون عام 2014. وقفزت قيمة الصادرات المصرية إلى السودان إلى حوالي 827 مليون دولار خلال عام 2021، مقابل 394 مليون دولار خلال عام 2014. في حين بلغت قيمة الواردات المصرية من السودان نحو 383 مليون دولار، مقابل 114 مليون دولار في عام 2014. هذا مع إمكانات تصدير غير مستغلة تصل إلى نحو 300 مليون دولار. ويذكر أن زيادة الصادرات المصرية إلى لسودان تأتي في إطار الخطة التي وضعتها القاهرة لزيادة صادرتها إلى الدول الأفريقية حتى تصل إلى 30 مليار دولار.
شكل1: حجم التبادل التجاري بين مصر والسودان خلال الفترة من 2014 حتى 2021 – المصدر: من إعداد الباحثة بالاعتماد على بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء وTrademap
وتمثلت أهم الصادرات المصرية إلى دولة السودان في: المنتجات البلاستيكية ومصنوعاتها، يليها السكر، بالإضافة إلى منتجات مطاحن الشعير، والنشويات، والحديد، والأسمدة، فضلًا عن الزجاج، والمنتجات الصيدلانية، وغيرها. وفي ذات السياق تركزت أهم المجموعات السلعية التي استوردتها مصر من السودان في: الحيوانات الحية، واللحوم، والبذور الزيتية، والفاكهة، والقطن.
- الاستثمارات والمشروعات المشتركة
بلغ إجمالي الاستثمارات المصرية في السودان حوالي 10.8 مليارات دولار، معظمها في مجالات الثروة الحيوانية والصناعة والعقارات، وتوزعت هذه الاستثمارات على حوالي 229 مشروعًا، بينها 122 مشروعًا صناعيًا في مجالات: الإسمنت، والأدوية، ومستحضرات التجميل، والبلاستيك، والرخام، والأثاث، والحديد، والصناعات الغذائية، و90 مشروعًا خدميًا بقطاعات: المقاولات، والبنوك، والمخازن المبردة، والري، والحفريات، وخدمات الكهرباء، ومختبرات التحليل، والمراكز الطبية، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، و17 مشروعًا زراعيًا باستثمارات 89 مليون دولار، بقطاعات: المحاصيل الزراعية، والإنتاج الحيواني، والدواجن، ونشاط صيد الأسماك.
من جهة أخرى، بلغ إجمالي حجم الاستثمارات السودانية في مصر خلال الفترة نفسها نحو 97 مليون دولار أمريكي ممثلة في 315 شركة سودانية مستثمرة، تتركز في القطاعات الصناعية والتمويلية والخدمية والزراعية والإنشائية وقطاع السياحة وقطاع الاتصالات، ويحتل القطاع الصناعي المقدمة حيث تعمل 73 شركة باستثمارات تقدر بـ 50.4 مليون دولار، فيما يحتل النشاط التمويلي المرتبة الثانية بـ 7 شركات واستثمارات تقدر بـ 21.3 مليون دولار.
وتركز رؤية مشروعات التكامل المشتركة مع السودان، على مبدأ تحقيق الفائدة للطرفين من خلال الوصول إلى شراكة متكاملة بين البلدين في المجالات المختلفة. وتتنوع المشروعات المشتركة بين مصر والسودان، ويأتي من بينها: مشروعات للربط البري مثل: (الطريق الساحلي، وطريق قسطل ووادي حلفا، وطريق أسوان- وادي حلفا- دنقلة)، ومشروع تطوير وإعادة هيكلة خطوط السكك الحديدية، فضلًا عن إنشاء خط سكة حديد جديد يربط بين الاسكندرية والخرطوم، بالإضافة إلى مشروع الربط النهري الذي سيتم في إطاره تطوير هيئة وادي النيل للملاحة النهرية، بالإضافة الي تطوير الحالة الفنية لأرصفة الشحن والتفريغ علي امتداد الخط الملاحي في مصر والسودان؛ بما يسهم في إحداث تطور كبير في حركة التجارة والاستثمار بين مصر والسودان من جهة ومصر والقارة الأفريقية ككل من جهة أخرى.
واستكمالًا لمشروع الربط بين مصر والسودان، تسعى مصر إلى تنفيذ مشروع الربط الكهربائي الذي تقوم مصر بموجبه بإمداد السودان بنحو 300 ميجاوات في مرحلته الأولى، بالإضافة إلى 600 ميجاوات في مرحلة لاحقة، لتصل بعد ذلك إلى 3 آلاف ميجاوات. وترجع أهمية هذا المشروع إلى العمل على تلبية احتياجات الخرطوم من الكهرباء، فضلًا عن أنها ستكون بمثابة ممر لنقل الكهرباء وتصديرها من أفريقيا إلى أوروبا من خلال مصر.
ذلك فضلًا عن المشروعات في قطاعات: الأدوية، والجلود، والعقارات، والاستثمارات الزراعية والحيوانية والسمكية، ومشروع تطوير شركة الملاحة المصرية السودانية بين ميناءي أسوان وحلفا لنقل البضائع والأفراد والسياحة، ومشروع إنشاء منطقة صناعية مشتركة في الخرطوم لتعزيز التكامل الصناعي والتجاري بين البلدين.
هذا بالإضافة إلى مشروعات الصناعات الزراعية والصناعات الكيماوية، ومشروع استصلاح 200 ألف فدان في ولايتي النيل الأزرق وكسلا، ومشروع لإنتاج اللحوم في ولاية النيل الأبيض يقع على مساحة 40 ألف فدان، بالإضافة إلى استصلاح مساحة 18 ألف فدان في مشروع شرق النيل الزراعي بولاية الجزيرة السودانية، وذلك باستثمارات تصل إلى نحو 30 مليون دولار، فضلًا عن إنشاء مزرعة نموذجية مشتركة للإنتاج الحيواني.
وهي المشروعات التي من شأنها أن تحدث نقلة نوعية في العلاقات بين مصر والسودان، الأمر الذي يمهد الطريق أمام مستقبل أفضل للعلاقات بين البلدين والشعبين الشقيقين، ويشجع الأجيال القادمة نحو مزيد من الترابط والتكاتف سيرًا على ذات النهج.
- التعاون الطبي والمساعدات الإنسانية:
على الصعيد الصحي، حرصت مصر على لعب دور بارز في دعم القطاع الصحي في السودان، وتم الاتفاق على التعاون في مجال مكافحة الأمراض، ودعم بناء القدرات الطبية في السودان، ومراجعة إطار عمل إرسال القوافل الطبية المصرية المتخصصة، وتعزيز استفادة السودان من مبادرة الرئيس عبد الفتاح السيسي لعالج مليون أفريقي من فيروس سي؛ من خلال المساهمة في علاج 250 ألف سوداني من “فيروس سي”. وكذا أتاحت مصر عددًا من المنح التدريبية والدراسية سنويًا للأطباء السودانيين ضمن برنامج الزمالة المصرية.
بالإضافة إلى ذلك، قدمت مصر الدعم الطبي للأشقاء في السودان وقت الأزمات؛ فمنذ أبريل عام 2019 وحتى 2021 أرسلت مصر أكثر من 180 طنًا من المساعدات الطبية إلى جمهورية السودان الشقيقة للمساهمة في تخفيف الأعباء عن كاهل المواطنين السودانيين، وفتحت وزارة الصحة المصرية مستشفياتها لعلاج مصابي الثورة السودانية، هذا إلى جانب إرسال الوفود والقوافل الطبية للسودان، وإطلاق حملات للتطعيم ضد مرض شلل الأطفال، فضلًا عن الاتفاق على تفعيل بروتوكولات مكافحة حمى الوادي المتصدع وحمى الضنك بالسودان.
وفى إطار دعم وتضامن مصر مع الشعب السوداني الشقيق في مختلف الأزمات، حرصت مصر على إرسال شحنات من المساعدات الطبية والغذائية للمساهمة في تخفيف الأعباء عن كاهل المواطنين السودانيين؛ ففي أغسطس وسبتمبر 2020 في أعقاب تعرض السودان لكارثة السيول والفيضانات، أعلنت القوات المسلحة المصرية فتح جسر جوي لإرسال مساعدات عاجلة لمتضرري السيول بالسودان، وقامت بإجراء مماثل في ظل تداعيات أزمة السيول في سبتمبر 2022، بالإضافة إلى المساعدات الطبية والغذائية المقدمة في ظل أزمة كورونا، والمساعدات الطبية لمكافحة الملاريا التي تقدمها الحكومة المصرية سنويًا للمشروع المصري السوداني المشترك لمكافحة الملاريا، وذلك بمبلغ 5 ملايين جنيه في شكل أدوية مقاومة ومكافحة ومبيدات حشرية خاصة بمكافحة بعوضة الجامبيا المسببة للمرض.
- أبرز الاتفاقيات المشتركة منذ عام 2014:
إلى جانب الاتفاقيات التجارية الدولية والإقليمية التي تربط مصر والسودان وتحكم العلاقة التجارية بينهم مثل: اتفاقية السوق المشتركة للشرق والجنوب الأفريقي (الكوميسا)، واتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، واتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية؛ سعت الدولتان إلى توطيد العلاقات الثنائية عبر توقيع عدد من الاتفاقيات في مختلف المجالات. فعلى مدى تسع سنوات، وقعت حكومتا القاهرة والخرطوم مجموعة من الاتفاقات؛ بهدف تعزيز التعاون بين البلدين، ضمت أبرز هذه الاتفاقات ما يلي:
في عام 2016، تم توقيع وثيقة الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين، فضلا عن توقيع 15 اتفاقية ومذكرة تفاهم وبرنامج تنفيذي في عدد من المجالات المختلفة ومنها: التعليم العالي، والصحة، والرياضة، والشباب، والثقافة، والسياحة، والتربية والتعليم، والزراعة، والتجارة، وذلك للسنوات 2016 – 2017.
وكذلك في عام 2018، تم التوقيع على 12 مذكرة تفاهم وبرنامجًا تنفيذيًا لتعزيز التعاون بين البلدين في العديد من المجالات، بما في ذلك: بروتوكول تنفيذي لإنشاء مزرعة نموذجية مشتركة لإنتاج المحاصيل البستانية، ومذكرة تفاهم لتبادل الخبرات الحكومية، وعدد من البرامج التنفيذية للأعوام 2018-2020. فضلًا عن توقيع اتفاق ميثاق الشرف الإعلامي، وبرنامج تنفيذي للأعوام 2018 – 2020 في مجال الإذاعة والتليفزيون.
بالإضافة إلى ذلك، وُقعت عام 2020 مذكرة تفاهم بين الهيئة القومية للإنتاج الحربي ومنظومة الصناعات الدفاعية السودانية في مختلف مجالات التصنيع. وكذا شهد عام 2021، من بين اتفاقات أخرى، توقيع اتفاق عسكري بين البلدين لترسيخ الروابط والعلاقات مع السودان في كافة المجالات خاصة العسكرية والأمنية، بالإضافة إلى مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون في مجال الربط الدولي بين مصر والسودان؛ من أجل تحقيق الاستغلال الأمثل للشبكة الأرضية التي تربط البلدين وتطويرها بأحدث التقنيات لدعم نقل الحركة الدولية. وفي أبريل 2021، اتفقت مصر والسودان على تأسيس الشركة المصرية-السودانية للتنمية والاستثمارات المتعددة برأس مال قدره 500 مليون جنية بمساهمة مصرية تبلغ 60%
وفي عام 2022، وقعت الدولتان على اتفاقية لتطوير وتأهيل الملاحة النهرية بين ميناء السد العالي وميناء وادي حلفا، وإعادة تشغيل الخط الملاحي لهيئة وادي النيل للملاحة النهرية وهي هيئة مشتركة بين البلدين، بجانب مذكرة تفاهم لشراكة اقتصادية في النقل الجوي.
ثانيًا: العلاقات السياسية بين مصر والسودان
على الصعيد السياسي، تعد العلاقات بين البلدين ترجمة لتاريخ مشترك وعوامل جغرافية وروابط بين الشعبين لا يمكن القفز عليها. وعلى الرغم من مرور العلاقة بين القاهرة والخرطوم بمراحل من الصعود والهبوط على مر السنين، فإن العلاقات السياسية بين البلدين شهدت تحسنًا ملحوظًا منذ الإطاحة بالبشير، ونوجز فيما يلي أبعاد ومحددات العلاقات السياسية بين الدولتين، والموقف المصري من الأزمة السودانية الحالية.
* مرتكزات الموقف المصري تجاه السودان: على مدار السنوات الماضية، أكدت الدولة المصرية أن سياستها تجاه السودان تقوم على مرتكزات ثابتة، يأتي في مقدمتها الإيمان بأن استقرار السودان وأمنه هو جزء لا يتجزأ عن أمن مصر القومي، فضلًا عن ضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة السودانية، ودعم استدامة السلام والتنمية والاستقرار في السودان، والحفاظ على وحدة أراضيه، ومساندة الإرادة الحرة لخيارات الشعب السوداني في صياغة مستقبل بلاده. وهي المرتكزات التي صاغت بشكل كبير الموقف المصري تجاه القضايا السودانية على مدار سنوات عديدة.
* التنسيق في القضايا المشتركة: تتميز العلاقات بين البلدين في المجال السياسي بتنوع وتعدد الملفات المشتركة التي تتطلب تنسيقًا دائمًا بين البلدين، في مقدمتها: ملف سد النهضة الإثيوبي وملف مياه النيل، وملف الأمن والاستقرار في حوض البحر الأحمر والقرن الافريقي، ومكافحة الإرهاب والتطرف، فضلًا عن تنسيق المواقف بشأن القضايا الأفريقية سواء من خلال الاتحاد الأفريقي أو الكوميسا أو المنظمات القارية والإقليمية الأخرى.
* الزيارات المتبادلة: عكست الزيارات المتبادلة بين المسؤولين في القاهرة والخرطوم الحرص على التعاون والتنسيق بين البلدين، حيث حظي السودان بأولوية على أجندة الرئيس عبد الفتاح السيسي الخارجية تُرجمت هذه الأولوية إلى كونه كان الوجهة الأولى لزيارته الخارجية عقب انتخابه رئيسًا للجمهورية في عامي 2014 و2018، وشهدت الفترة الأولى من رئاسة الرئيس السيسي (2014 -2018) ما يقارب 40 لقاءً على المستوى الرئاسي، شملت 4 زيارات للرئيس السيسي إلى السودان، و6 زيارات للرئيس السابق عمر البشير إلى مصر، وحوالي 30 لقاءً على هامش الفعاليات الدولية والإقليمية المختلفة. وعلى مدار تسع سنوات شهد البلدين زيارات متبادلة كثيفة من الجانبين على مختلف المستويات لدفع وتعزيز التعاون بين البلدين وتنسيق المواقف في القضايا ذات الاهتمام المشترك.
- الموقف المصري من الأزمة السودانية:
انطلاقًا من رغبتها في أن تكون حاضرة دائمًا لدعم الملف السوداني، وفي إطار دعم مصرَ الكامل لأمن واستقرار السودان في ظل الأزمة الحالية، ومنذ اندلاع الثورة السودانية في ديسمبر 2018، ضد حكم الرئيس السابق عمر البشير؛ أكدت مصر على احترام خيارات الشعب السوداني وتطلعاته لواقع أفضل، ولعبت القاهرة دورًا في تقريب وجهات النظر وتقليل الفجوة بين الأطراف المختلفة في السودان، حيث تقف القاهرة على مسافة واحدة من جميع أطراف الأزمة السودانية دون الانحياز إلى طرف بعينه.
وبادرت مصر باستضافة قمة تشاورية بين أطراف الأزمة في السودان في أبريل 2019، بعد الإطاحة بالبشير؛ بهدف رأب الصدع وحلحلة الخلافات بين المجلس العسكري وقوى المعارضة آنذاك، تبعتها سلسله من الاجتماعات بين أطراف الأزمة، وصولًا إلى التوقيع على اتفاق تقاسم السلطة بين المجلس العسكري الانتقالي وممثلي المعارضة في أغسطس 2019، بحضور رئيس الوزراء المصري الدكتور مصطفى مدبولي. وكذلك دعمت مصر الاتفاق السياسي الإطاري بشأن الفترة الانتقالية بوصفه خطوة مهمة ومحورية لإرساء المبادئ المتعلقة بهياكل الحكم في السودان، ودعم الدولة السودانية لإنجاح الفترة الانتقالية وضمان استقرار السودان.
في سياق متصل، أكدت مصر مرارًا على احترام خيارات الشعب السوداني، فبعد تنفيذ اتفاق تقاسم السلطة، أظهرت مصر الدعم الكامل للحكومة السودانّية الجديدة، وحرصت مصر على نقل خبراتها إلى السودان فيما يخص إدارة المرحلة الانتقالية، ودعمت مصر موقف السودان في المحافل الدولية، ودفعت نحو إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
وفى مارس 2022، استضافت القاهرة فعاليات إعلان الوحدة الاتحادية التنسيقية، الذي نظمته الفصائل الاتحادية السودانية، تحت شعار القوة في الوحدة، واحتضنته مصر في إطار الجهود الرامية لتعزيز أمن واستقرار السودان.
وفي ظل حالة الجمود بين قوى الاتفاق الإطاري وباقي المكونات المدنية في السودان، دعت القاهرة أطراف الأزمة إلى عقد ورشة لدعم “الحوار السوداني-السوداني”، وتم عقدها خلال الفترة من 2-7 فبراير 2023، تحت عنوان “آفاق التحول الديمقراطي نحو سودان يسع الجميع” وكان من أهم نتائجها التأكيد على ضرورة تنفيذ اتفاق سلام جوبا، مع اعتماد مبدأي المسؤولية والمحاسبة في المستقبل؛ لتحقيق “سلام شامل في السودان” بالقضاء على مسببات النزاعات المسلحة، وتهيئة الظروف لإحداث السلام.
- التعاون الأمني والعسكري
تُعد الخرطوم عمقًا استراتيجيًّا للقاهرة، وبوابتها الجنوبية على القارة الأفريقية، وهو ما يتطلب تكثيف التعاون المشترك بين البلدين في كافة المجالات، خاصة في المجال الأمني والعسكري، وهو ما دفع إلى توقيع اتفاقية للتعاون العسكري بين البلدين، في مارس 2021؛ بهدف تحقيق الأمن القومي للبلدين، وترسيخ الروابط والعلاقات مع السودان في كافة المجالات خاصة العسكرية والأمنية، والتضامن كنهج استراتيجي تفرضه البيئة الإقليمية والدولية. ذلك إلى جانب مذكرة التفاهم التي تم توقيعها في نوفمبر 2020 بين الهيئة القومية للإنتاج الحربي ومنظومة الصناعات الدفاعية السودانية في مختلف مجالات التصنيع.
في سياق متصل، أقامت الدولتان عددًا من المناورات العسكرية المشتركة؛ بهدف تبادل الخبرات العسكرية، وتعزيز التعاون، وتوحيد أساليب العمل للتصدي للتهديدات المتوقعة للبلدين، وتمثلت أبرز هذه المناورات والتدريبات في:
- “نسور النيل 1”: وهو تدريب جوي مشترك بين وحدات الجيش المصري والسوداني، تم لأول مرة بين البلدين، وبدأ يوم 14 نوفمبر 2020 واستمر حتى السادس والعشرين من شهر نوفمبر 2020.
- “سيف العرب”: وهو تدريب مشترك تم في قاعدة محمد نجيب في مصر في الفترة من 22 حتى 26 نوفمبر 2020، بمشاركة كل من: مصر، والسعودية، والإمارات، والأردن، والبحرين، والسودان.
- “نسور النيل 2”: استكمالا لنسور النيل 1، وانطلقت فعالياته في قاعدة مروي الجوية بالخرطوم خلال الفترة من 31 مارس حتى 5 ابريل 2021.
- “حماة النيل”: وتأتي مناورة حماة النيل كامتداد للتعاون التدريبي المشترك بين البلدين، حيث انطلقت في السودان خلال الفترة من 26 ـ 31 مايو 2021، بمشاركة عناصر من كافة التخصصات بالجيشين السوداني والمصري، وتضمن التدريب إلى جانب الطلعات الجوية المشتركة، عقد مجموعة من المحاضرات النظرية والعلمية لتوحيد المفاهيم القتالية وتبادل الخبرات التدريبية.
- “حارس الجنوب1”: والذى نفذته عناصر حرس الحدود المصرية وعناصر المشاة السودانية المدربة على مهام تأمين الحدود على مدار عدة أيام بقاعدة محمد نجيب العسكرية، خلال الفترة من 19 إلى 27 اكتوبر 2021.
ختامًا، تعد العلاقات المصرية السودانية علاقات تاريخية راسخة وقوية. ويقدم التطور الذي تشهده العلاقات في الآونة الأخيرة أساسًا يمكن البناء عليه في المستقبل لتحقيق التكامل الاقتصادي المنشود. الأمر الذي يقتضي بذل مزيد من الجهد لتعزيز العلاقات التجارية بين البلدين، وتعظيم الاستفادة من الاتفاقيات الموقعة بينهما. بالإضافة إلى ذلك، تظل القاهرة على موقفها الداعم للاستقرار في السودان، والمساند للخرطوم في مواجهة التحديات المختلفة للعبور بالمرحلة الانتقالية بسلام.