أفريقيا

ماذا يعني حصول الاتحاد الأفريقي على مقعد دائم في مجموعة العشرين؟

احتلت أفريقيا مكانة بارزة على جدول أعمال القمة السنوية الثامنة عشر لمجموعة العشرين “G20” المنعقدة في الهند خلال يومي 9 و10 سبتمبر، بحضور رؤساء دول المجموعة وعدد من الرؤساء المدعوين، إلى جانب رئيس جزر القمر “غزالي عثماني” بصفته رئيس الاتحاد الأفريقي، والرئيس “عبد الفتاح السيسي” بصفته رئيس الشراكة الجديدة من أجل تنمية أفريقيا “نيباد”.

وشهدت القمة خلال جلستها الإفتتاحية الإعلان عن منح “الاتحاد الأفريقي” العضوية الدائمة في مجموعة العشرين لأكبر الاقتصادات في العالم، كنِتاج لمجموعة من الجهود الدبلوماسية الأفريقية المكثفة خلال السنوات الماضية، للدفع بالقارة الأفريقية للعب دور أكثر أهمية على المسرح العالمي، بما يتناسب مع قدراتها وإمكاناتها الكبيرة، وكجزء من خطة أكبر للدفع نحو إصلاح المؤسسات العالمية لتكون أكثر إنصافًا وعدالة.

تاريخ ممتد من العلاقات

أنشئت مجموعة العشرين في عام 1999 كمنتدى لإدارة النظام المالي والاقتصادي العالمي، يجمع وزراء مالية أكبر عشرين اقتصاد في العالم (الولايات المتحدة الأمريكية، والصين، والهند، وألمانيا، وبريطانيا، وفرنسا، وروسيا، والأرجنتين، والبرازيل، وأستراليا، وكندا، والمكسيك، واليابان، وتركيا، وإندونيسيا، وكوريا الجنوبية، والمملكة العربية السعودية، وجنوب أفريقيا، وإيطاليا، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي)، قبل أن يُرفع إلى مستوى قمة رؤساء الدول في عام 2008، وتوسع نطاقها إلى ما هو أبعد من القضايا الاقتصادية.

وظهرت أفريقيا على أجندة مجموعة العشرين لأول مرة في عام 2010، بعد عامين فقط من تحولها إلى قمة رؤساء، عندما أنشأت مجموعة العشرين مجموعة عمل دائمة للتنمية، ومنذ ذلك الحين تم إدراج المواضيع ذات الصلة بالقارة الأفريقية، مثل الأمن الغذائي والبنية التحتية والصحة والهجرة، بانتظام على جدول أعمال مجموعة العشرين.

وفي محاولة لإدراج المزيد من وجهات النظر الأفريقية، منحت مجموعة العشرين صفة “مراقب” لرئيس الاتحاد الأفريقي، ورئيس اللجنة الحكومية للشراكة الاقتصادية الجديدة لتنمية أفريقيا (نيباد)، وممثل عن رؤساء دول الاتحاد الأفريقي، إلا أن حضورهم كان يقتصر فقط على القمم الفعلية، ولا يمتد إلى الاجتماعات التحضيرية ومجموعات العمل، حيث يتم تنفيذ معظم الأعمال الموضوعية، وبالتالي استبعادها كمشارك على قدم المساواة من المداولات بشأن تغير المناخ، ومستقبل العمل، والنظام التجاري العالمي، وغيرها من القضايا الضخمة التي تؤثر على دولها بشكل مباشر. 

وتزايد اهتمام المجموعة بأفريقيا في عام 2014 عندما اجتاح وباء الإيبولا غرب أفريقيا، وتضاعف هذا الاهتمام مرة ثانية في عام 2017 أثناء رئاسة ألمانيا للمجموعة عندما تم إطلاق مبادرة الاتفاق مع أفريقيا (CWA)، التي تركز على جذب المزيد من الاستثمارات الخاصة إلى أفريقيا، وخاصة لمشاريع البنية التحتية.

ومنذ إطلاقها أثارت (CWA) اهتمامًا كبيرًا. وحتى الآن، انضمت اثنتا عشرة دولة أفريقية إلى المبادرة، هي: بنين، وبوركينا فاسو، وكوت ديفوار، ومصر، وإثيوبيا، وغانا، وغينيا، والمغرب، ورواندا، وتونس، وتوجو، والسنغال. واجتذبت مصر الجزء الأكبر من استثمارات مجموعة العشرين من الدول الموقعة على اتفاقية (CWA) خلال الفترة من عام 2014 حتى عام 2020 كما هو موضح بالشكل.

تركزت معظم هذا الاستثمارات في مجالات الطاقة الجديدة والمتجددة، والتصنيع (خاصة المواد الكيميائية، والأغذية والمشروبات، والسيارات، والتعبئة والتغليف)، والبنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وخدمات الأعمال.

ومع ذلك، وعلى الرغم من تزايد الاهتمام بالقارة الأفريقية، لم تتعامل مجموعة العشرين بشكل منهجي مع أفريقيا، ولم يتم اتخاذ خطوات كافية لدمج وجهات النظر الأفريقية داخل المنتدى، حيث لا يوجد سوى صوت أفريقي واحد (له مقعد دائم) داخل المجموعة وهي دولة جنوب أفريقيا، ومن الصعب أن تتحدث باسم القارة بأكملها، وهو ما جعل الدول الأفريقية تضغط خلال السنوات الأخيرة للمطالبة بمقعد دائم للاتحاد الأفريقي في مجموعة العشرين أسوة بالاتحاد الأوروبي، وهو الأمر الذي لآقى ترحيبًا من معظم أعضاء المجموعة.

ثم جاءت القمة الثامنة عشر المنعقدة في نيوديلهي برئاسة الهند لتشهد دعوة الاتحاد الأفريقي للعضوية الدائمة في مجموعة العشرين، ليمثل انتصارًا جديدًا للدبلوماسية الأفريقية، بعد توسع عضوية البريكس لتشمل دولتين أفريقيتين أخريين هما مصر وإثيوبيا، لنشهد انطلاقًا لمرحلة جديدة ستلعب فيها الدول الأفريقية دورًا أكبر على الساحة العالمية.

الهند تمنح أفريقيا أولوية في القمة

كجزء من خطة الهند لرئاسة مجموعة العشرين، ركزت بشكل خاص على دمج أولويات الدول الأفريقية في جدول أعمال المجموعة، وأرسلت خطابًا إلى زعماء مجموعة العشرين في شهر يونيو 2023 تقترح فيه منح الاتحاد الأفريقي “العضوية الكاملة” في القمة الثامنة عشر لمجموعة العشرين، بناء على طلب الدول الأفريقية، وهو الأمر الذي رحب به قادة المجموعة، وتُرجم إلى فعل حقيقي في القمة المنعقدة الآن. 

يتزامن ذلك أيضًا مع تطلع الهند للحصول على العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي، والتي تحرص نيودلهي على حشد دعم أفريقيا التي تمتلك 55 صوتًا لها، ويتزامن ذلك مع اتجاه دول البريكس، التي تعد الهند واحدة منهم، لتوسيع عضوية المجموعة في قمتهم التي عقدت في أغسطس الماضي بجنوب أفريقيا، ودفعهم إلى نظام عالمي أكثر عدلًا تلعب الدول الأفريقية فيه دورًا أكبر يتناسب مع قدرات وأهمية القارة الأفريقية، وفي ظل وجود أعضاء البريكس الأساسيين الخمس (البرازيل، وروسيا، والصين، وجنوب أفريقيا، والهند “الرئيس الحالي لمجموعة العشرين”) داخل مجموعة العشرين، ما ولّد زخمًا للدفع بمطالب الدول الأفريقية في الحصول على العضوية الدائمة بمجموعة العشرين.

ماذا يعني ذلك لأفريقيا؟

تمثل العضوية الدائمة للاتحاد الأفريقي في مجموعة العشرين اعترافًا قويًا بأهمية أفريقيا التي تسعى إلى لعب دور أكبر على المسرح العالمي؛ في ظل مطالبتها بإصلاح النظام العالمي والمؤسسات العالمية التي مثلت لفترة طويلة نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية المتلاشي، بما في ذلك مجلس الأمن وصندوق النقد والبنك الدولي ومجموعة العشرين، لتكون أكثر عدالة، بما يتناسب مع المعطيات الجديدة للدول النامية عامة ودول القارة الأفريقية خاصة، التي من المتوقع أن يتضاعف عدد سكانها البالغ 1.3 مليار نسمة بحلول عام 2050، وأن يشكلوا ربع سكان الكوكب.

ونظرًا إلى كون دول مجموعة العشرين أهم الشركاء التجاريين للقارة الأفريقية، من المنتظر أن تؤدي العضوية الدائمة للاتحاد الأفريقي في مجموعة العشرين إلى تعزيز التعاون التجاري بين الدول الأفريقية ودول المجموعة، ولعب دور أكبر في صياغة اتفاقيات تجارية أكثر عدالة وإنصافًا من دول القارة بوصفها شريكًا تجاريًا حقيقي وليست مصدرًا للمواد الخام فقط.  فضلًا عن ذلك، تسعى أفريقيا على نحو متزايد إلى جذب مزيد من الاستثمارات في المجالات ذات الأولوية بالنسبة للقارة وفقًا لأجندة أفريقيا 2063، ويسمح الوجود الأفريقي الأوسع في مجموعة العشرين بتوجيه الاستثمارات إلى المجالات ذات الأولوية.

وتعطي العضوية الدائمة لأفريقيا كذلك فرصة أوسع للدول الأفريقية في المشاركة في صنع القرارات التي يقوم عليها الاقتصاد العالمي، والقضايا المهمة ذات التأثير المباشر على الدول الأفريقية، بما في ذلك التغير المناخي، والهجرة، والأمن الغذائي، والطاقة، فضلًا عن القضايا المتعلقة بمنح مزيد من القروض للدول النامية من قبل المؤسسات المتعددة الأطراف، وإصلاح هيكل الديون الدولية، وهو أمر له أهمية خاصة في ظل معاناة العديد من الدول الأفريقية من أزمة ديون. 

وبالتالي ستكون أفريقيا فاعلًا في صنع هذه القرارات ولن تكون مجرد متفرج بعد الآن، وإن كانت الدول الأفريقية في حاجة إلى مزيد من التمثيل في المجموعة لتكون أقوى تأثيرًا، لكنها القطرة التي قد تنذر بالغيث فيما بعد. من جهة أخرى، يعد منح عضوية دائمة للاتحاد الأفريقي في مجموعة العشرين خطوة سياسية مهمة حيث تمثل اعترافًا من الدول الغنية بالقارة الأفريقية كقوة عالمية في حد ذاتها.

ماذا يعني ذلك لمجموعة العشرين؟

تعد أفريقيا مصدرًا مهمًا لكثير من المواد الخام؛ إذ إنها من أغنى قارات العالم بالموارد التي يحتاجها العالم لمكافحة التغيرات المناخية، حيث تمتلك القارة الأفريقية 60% من أصول الطاقة المتجددة على مستوى العالم، وأكثر من 30% من المعادن الأساسية للتكنولوجيات المتجددة والمنخفضة الكربون، بما في ذلك معادن مثل الليثيوم المستخدم في إنتاج السيارات الكهربائية، واليورانيوم المستخدم في إنتاج الكهرباء.

فضلًا عن امتلاكها للأراضي الصالحة للزراعة بالشكل الذي يساعد على حل أزمة الأمن الغذائي في العالم، ولكن التحديات التي تمنع الاستخدام الأمثل لهذه الموارد إلى جانب رفض الدول الأفريقية لمزيد من استنزاف الموارد من الدول الغربية، خاصة ذات التاريخ الاستعماري؛ تقف عائقًا أمام الاستفادة من هذه الموارد.

وفي ظل وجود الاتحاد الأفريقي كعضو دائم في المجموعة، ستصل دول المجموعة إلى تفاهمات أفضل بشأن هذه القضية، فضلًا الوصول إلى تفاهمات بشأن التعاون في إطار منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، والاستفادة من السوق الأفريقية الكبيرة، بالشكل الذي يخدم مصالح الطرفين. 

من جهة أخرى، يعطي منح عضوية دائمة للاتحاد الأفريقي في مجموعة العشرين مؤشرًا على حسن النوايا والتزامًا حقيقي من جانب دول المجموعة وخطوة مهمة نحو إصلاح المؤسسات الدولية الذي تطالب به الدول النامية، بما في ذلك الدول الأفريقية، ما يعني أن النظام الاقتصادي العالمي وطريقة صنع السياسات المالية والاقتصادية العالمية قد تشهد تغيرات في السنوات المقبلة.

ختامًا، يمثل حصول الاتحاد الأفريقي على مقعد دائم في مجموعة العشرين خطوة مهمة بالنسبة للقارة الأفريقية للعب دور أكبر على الصعيد العالمي، وسيجعل من الصعب تجاهل مطالب أفريقيا. لكن ومع ذلك، ستحتاج أفريقيا إلى بذل مزيد من الجهد لتوحيد صوتها في المجموعة إذا كانت تأمل في التأثير على عملية صنع القرار، فضلًا عن أنها ستحتاج إلى الدفع نحو مزيد من التوسع في العضويات لدول أفريقية أخرى ليكون لها دور متناسب مع قوتها الحقيقية.

هايدي الشافعي

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى