الصحافة الدولية

الإيكونوميست البريطانية: الفوضى في أفغانستان تكشف السياسة الأمنية البريطانية الحمقاء

عرض – نسرين الشرقاوي

نشرت مجلة “إيكونوميست البريطانية” في عددها الصادر يوم السبت 28 أغسطس تقريرًا بعنوان “صخرة في مكان صعب” يتناول التقرير كيف أظهرت الفوضى في أفغانستان ضحالة السياسة الأمنية البريطانية.

وافتتح تقرير الإيكونوميست بالحديث عن كواليس ما تم من مناقشات داخل البرلمان البريطاني، حيث استخدم نواب بريطانيون ووزراء ومسؤولون لغة وإيجازات معينة لوصف انسحاب أمريكا من أفغانستان، مثل: كان الانسحاب “مخزيًا” و”عار” و”كارثيًا”، وكان الرئيس جو بايدن “ساذجًا” و”عاطفيًا”. وقد كتب توني بلير، رئيس الوزراء الذي أرسل قوات بريطانية إلى أفغانستان بأمر من أمريكا في عام 2001، مقالًا وصف فيه الانسحاب بـ “المختل”. وزعمت تقارير أخرى، سرعان ما نفت، أن رئيس الوزراء الحالي، بوريس جونسون، أشار إلى بايدن بالازدراء الذي صاغه سلفه، دونالد ترامب.

وكما هو معروف أن “العلاقة الخاصة” بين بريطانيا وأمريكا قد مرت بالعديد من المشاكل الصعبة على مر السنين إلا أن التنفيس اليوم يشير إلى أن الضغط أصبح شديدًا الآن عما كان في أي وقت مضى، يعكس ذلك جزئيًا فوضى الانسحاب، وفشل أمريكا في إبقاء حلفائها على اطلاع بمجريات الأمور. كما يلمح إلى مشاكل الحكم البريطاني التي هي أكثر خطورة من المشاجرة عبر المحيط الأطلسي. التي ينبغي إذا أرادت بريطانيا حلها أن تصلح العلاقة مع جيرانها الأوروبيين التي أصبحت متوترة بسبب إهمالها.

وتؤكد الإيكونوميست أن الانسحاب من أفغانستان كان جزءًا من تحول في خطط أمريكا لتوجيه قوتها نحو الصين الصاعدة، وهذا يعني التركيز على منطقة المحيطين الهندي والهادئ، حيث تتوقع بريطانيا أيضًا أن تكون نشطة – وقد أظهرت المراجعة الأخيرة للسياسة الخارجية والأمن نفس الشيء، وحتى مع استياء السياسيين من بايدن، كانت حاملة طائرات بريطانية محملة بطائرات أمريكية تبحر في جميع أنحاء آسيا، وربما تقوم قريبًا بمناورة “حرية الملاحة” التي استخدمتها السفن الحربية الأمريكية لمواجهة التأثير الصيني.

ومما يزيد الأعباء التي تتحملها بريطانيا هو تركيز أمريكا ومطالبتها للأوروبيين بتحمل المزيد من العبء الأمني ​​في جوارهم؛ حيث يُعد أحد التهديدات هو التوسع الروسي في شرق أوروبا، وتشمل فترات أخرى الحروب الأهلية في شمال إفريقيا التي جلبت اللاجئين عبر البحر الأبيض المتوسط ​​والشرق الأوسط الذين زادوا زعزعة الاستقرار بسبب سقوط أفغانستان في أيدي طالبان. هذه الأعباء تتحملها بريطانيا أيضًا.

فبعد عقود من الاحتماء خلف القوة الأمريكية، سيتعين على الأوروبيين إنفاق المزيد على الدفاع، فضلًا عن بناء القدرة العسكرية وتحسين التخطيط والتعاون. وتنتقد الإيكونوميست مواقف بريطانيا حيث أنه في الوقت الذي يتخذ فيه الأوروبيون خطوات متوقفة في هذا الاتجاه، فإن بريطانيا تقف بمعزل عن نفسها. وأيضًا عندما وُقعت استراتيجية الاتحاد الأوروبي لتحسين التعبئة العسكرية عبر الحدود مع أمريكا وكندا والنرويج، فإن بريطانيا لم تطلب الانضمام. كما أنه عندما بدأ أعضاء الناتو الأوروبيون في مناقشة اتخاذ المزيد من المبادرات داخل الحلف بشأن الأمور التي لا تشارك فيها مصالح أمريكا، وسقوط كابول الذي أحيا الدعوات لتشكيل جيش أوروبي، فإن بريطانيا كانت صامتة.

وترى الإيكونوميست أن هذا غباء! فبدون ثقل بريطانيا كقوة نووية، وعضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والإنفاق الكبير نسبيًا على الدفاع، فإن الأمن الأوروبي سوف يضعف. علاوة على أن فك الارتباط البريطاني مدفوع من قبل مؤيدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي داخل الحكومة، بما في ذلك جونسون، الذي يعتمد على الخلافات مع أوروبا باعتباره الفائز المؤكد، لكن مصالح حزب المحافظين تتعارض مع المصلحة الوطنية؛ حيث أن بريطانيا لا يمكن أن تكون آمنة إذا تعرضت أوروبا للخطر، كما سيؤدي وجود فجوة في السياسة الخارجية والدفاعية البريطانية إلى تعقيد المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي بشأن قضايا أخرى.

وتختتم الإيكونوميست تقريرها، بأنه على الرغم من أن دعاة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يرون بأن مستقبل بريطانيا خارج الاتحاد الأوروبي سيكون أقرب إلى أمريكا، فإن هذه المهارة المهددة بالانقراض لا ترضي أمريكا حتى؛ لأنها تريد من حلفائها عبر المحيط الأطلسي العمل معًا للدفاع عن مصالحهم الخاصة، وإفساح المجال أمامها للقيام بالمزيد في أماكن أخرى، إذ إن إحياء العلاقة الخاصة سيتطلب أولًا تعاونًا قاريًا.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى