الصحافة الدولية

بوريس جونسون في مقال في التايمز: لن نكون آمنين أبدًا إذا أدرنا ظهورنا لأوكرانيا الباسلة

نشرت صحيفة “ذا تايمز” البريطانية، يوم السبت الموافق 18 يونيو 2022 مقالًا لرئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، تحت عنوان “لن نكون آمنين أبدًا إذا أدرنا ظهورنا لأوكرانيا الباسلة“. وفيما يلي نص المقال: 

“هل يمكنك أن تتخيل ولو لحظة أن يتحقق حُلم فلاديمير بوتين بخصوص المجد؟! لنفترض إنه نجح في إبقاء جميع الأراضي الأوكرانية تحت سيطرة القوات الروسية الآن. ماذا لو لم يكن يوجد هناك أحدًا على استعداد لتحريك إصبع أثناء ضمه لهذه الأراضي المحتلة وشعبها الخائف إلى دولة روسيا الكبرى؟! هل سيجلب هذا السلام؟ هل سيكون العالم أكثر أمانًا؟ هل ستكون أنت أكثر أمانًا؟ 

في قلوبنا، نحن نعرف الجواب. إن أمرًا كهذا يعتبر مهزلة، سيكون ذلك، هو أكبر انتصار للعدوان في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. نعلم أن بوتين لن يتوقف عند تقطيع أوصال أوكرانيا. في الأسبوع الماضي فقط، قارن نفسه ببطرس الأكبر واغتصب لروسيا حقًا أبديًا في استعادة أي أرض كانت في وقتٍ من الأوقات مسكونة من قِبل الشعوب السلافية، وهي عقيدة من شأنها أن تسمح بغزو مساحات شاسعة من أوروبا، بما في ذلك حلفاء الناتو. 

في هذه الأثناء، في جميع أنحاء العالم، سيشعر كل ديكتاتور بالجرأة لتحقيق طموحاته بالقوة، ولن تكون أي دولة في العالم آمنة. هل هذا حقًا ما يريده أي شخص في أي بلد؟ بعد ما يقرب من أربعة أشهر من غزو بوتين لأوكرانيا، وشن أكبر حرب في أوروبا منذ عام 1945، اتخذت المملكة المتحدة وحلفاؤها عزيمة حديدية موحدة على عدم قبول أيًا مما سبق. 

ما الذي يجب أن يكون الآن بينما تدخل حرب بوتين في مرحلة جديدة؟ أبدأ بالحقيقة الأكثر أهمية في هذه المأساة؛ إنها البطولة والتضحية الأوكرانية التي أنقذت كييف من هجوم المدرعات الروسية، وحافظت على الدولة مع بقاء الرئيس زيلينسكي على رأسها. قد لا يدرك بوتين ذلك، لكن مخططه الإمبراطوري الكبير لإعادة احتلال أوكرانيا بالكامل خرج عن مساره. لا تجعل فكرة أن القوة النارية الروسية الكبرى تخدعك لتصدق أن هذه القوى قد تترجم إلى مكاسب روسية ثابتة. لا تجعل التقدم الروسي البطيء والمؤلم في إقليم دونباس أو التحرك التكتيكي الروسي ذهابًا وإيابًا في سيفيرودونيتسك، يخدعك. 

لطالما كان الاستيلاء على إقليم دونباس بالكامل هدفًا لبوتين منذ عام 2014، عندما أشعل تمردًا انفصاليًا، وأطلق أول غزو له. الآن، بعد ثماني سنوات وآلاف من الأرواح، ما زال يسعى وراء هذا الهدف. للأسف لا تعني إخفاقات بوتين أنه سيكون لديه الحكمة الكافية للتراجع. في عزلته الحالية، قد لا يزال يعتقد أن الغزو الكامل شيء جائز إتمامه. أخشى أننا بحاجة إلى تقوية أنفسنا لخوض حرب طويلة، حيث يلجأ بوتين إلى حملة استنزاف، في محاولة لسحق أوكرانيا بالقوة المطلقة. يجب على المملكة المتحدة وأصدقاؤنا الرد من خلال ضمان أن أوكرانيا لديها القدرة الاستراتيجية على البقاء والانتصار في نهاية المطاف. 

الوقت هو العامل الحيوي. سيعتمد كل شيء على ما إذا كان بإمكان أوكرانيا تعزيز قدراتها على الدفاع عن أراضيها بشكل أسرع من قدرة روسيا على تجديد قدرتها على الهجوم. مهمتنا الوحيدة هي حشد الوقت لصالح أوكرانيا. وعلى العكس من كل ذلك، ربما يعتقد بوتين، أن الوقت هو حليف روسيا. إنه يعتقد أن المنطق الوحشي للقوة النارية الساحقة سوف يسود في النهاية، بينما سيثبت الغرب المتقلب أنه غير قادر على التمسك بأي مسار صعب. لكن سيفشل بوتين، بعد ذلك، في معالجة الأسباب المقنعة للاعتقاد بأنه مخطئ والساعة تدق بلا هوادة ضد روسيا. 

يومًا بعد يوم، تتناثر الهياكل المتفحمة للدبابات والدروع الروسية في الحقول والمدن الأوكرانية. سيستغرق استبدال هذه الأجهزة سنوات، وربما عقودًا. وساعة بساعة، تنفق القوات الروسية المعدات والذخيرة بشكل أسرع مما تستطيع مصانعها إعادة انتاجه. في غضون ذلك، يحاولون علانية تجنيد المرتزقة منالشرق الأوسط وإفريقيا، إنها خيانة يائسة لسد الثغرات التي تمزقت في الجيش الذي فقد حوالي ربع قوته القتالية.

وبينما يفكر بوتين في أوهامه، يتعين على بريطانيا وحلفائها اتخاذ أربع خطوات حيوية لتجنيد الوقت لقضية أوكرانيا؛ 

  • أولًا: يجب أن نضمن استقبال أوكرانيا لأسلحة ومعدات وذخيرة، وبناء قدراتها على استخدام هذه المساعدات العسكرية بشكل أسرع من مثيله لدى القوات الغازية. ومن الجدير بالذكر، أنه مدربينا البريطانيين قاموا، قبل هذا الهجوم، بتدريب أكثر من 22000 جندي أوكراني، وهو إنجاز حدث على مدار سبع سنوات. الآن، نحن بحاجة إلى التحرك بشكل أسرع، تدريب هذا العدد على هذه الأنواع من الأسلحة يحتاج شهور. لذلك تخطط المملكة المتحدة للعمل مع أصدقائنا لإعداد القوات الأوكرانية للدفاع عن بلادهم، مع إمكانية تدريب ما يصل إلى 10000 جندي كل 120 يوم. 
  • ثانيًا: يجب أن نحافظ على قابلية الدولة الأوكرانية على البقاء. يتعين على حكومة الرئيس زيلينسكي دفع الأجور، وإدارة المدارس، وتقديم المساعدات، والبدء في إعادة الإعمار حيثما أمكن ذلك. سيتطلب ذلك تمويلًا مستمرًا ومساعدة فنية، ينبغي أن نخطط لاستمرارها لسنوات قادمة. للاتحاد الأوروبي دور حيوي في ذلك وأنا أحيي قادة فرنسا وألمانيا وإيطاليا ورومانيا لزيارة كييف يوم الخميس.
  • ثالثًا: فرضت روسيا قبضتها على الاقتصاد الأوكراني من خلال إغلاق طرق التصدير الرئيسية عبر البحر الأسود. نحن بحاجة إلى جهد طويل الأجل لتطوير الطرق البرية البديلة الموجودة بالفعل وضمان استمرار الاقتصاد الأوكراني في العمل. والأهم من ذلك كله، أن الحصار الروسي لموانئ أوديسا وغيرها من الموانئ الأوكرانية يمنع تصدير المواد الغذائية التي تمس الحاجة إليها لأفقر الناس. أثناء كتابتي هذا المقال، يتم تكديس حوالي 25 مليون طن من الذرة والقمح -الاستهلاك السنوي الكامل لجميع أقل البلدان نموًا- في صوامع في جميع أنحاء أوكرانيا، كرهينة لروسيا.

هذا يقودنا إلى النقطة الرابعة: نحن بحاجة إلى إخراج هذا الطعام. تدعم المملكة المتحدة جهود الأمم المتحدة للتفاوض بشأن ممر آمن للصادرات عن طريق البحر، وتعد موانئ أوكرانيا حيوية لإمدادات الغذاء العالمية وسنواصل توريد الأسلحة اللازمة لحمايتها. لن تسفر أي من هذه الخطوات عن نتائج فورية، على الرغم من أن الحاجة إلى استعادة الصادرات الغذائية قد تكون بالكاد أكثر إلحاحًا. 

لكن كل ذلك سيتطلب جهدًا حازمًا من قبل المملكة المتحدة وحلفائنا، يستمر لأشهر وسنوات. وكلها تخدم هدفًا واحدًا، يجب علينا تقوية أيدي أصدقائنا الأوكرانيين لإنهاء هذه الحرب بالشروط التي وضعها الرئيس زيلينسكي. يجب أن يكون هذا هو تعريف النجاح، لقد أوضح الشعب الأوكراني أنه لن يجبر على قبول أقل من ذلك. من خلال القيام بذلك، سنقوم نحن وحلفاؤنا بحماية أمننا بقدر حماية أمن أوكرانيا وحماية العالم من الأحلام القاتلة لبوتين وأولئك الذين قد يسعون إلى تقليدها.” 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى