
المجتمع المدني المصري في الولاية الرئاسية الجديدة.. خطوات نحو المأسسة
يتمثل دور المجتمع المدني في تنمية أي بلد في مساهمته في تعزيز الدولة، حيث يكون بمثابة معيار لتشكيل علاقات فعالة بين السلطات والمواطنين، وموائمة واستقرار العلاقات الاجتماعية والسياسية في المجتمع كونها صوتًا لمصلحة عموم الناس. وتصبح الأمة ديمقراطية مسالمة عندما تتعاون قيادتها السياسية مع منظمات المجتمع المدني ويعملا سويًا من أجل خدمة مصالحها، وعلى هذا النحو نجد تنسيق جاد بين الإدارة المصرية ومنظمات المجتمع المدني لتنظيم العمل الأهلي في مصر، حيث تثمن القيادة السياسية دور المجتمع المدني، وترى “المجتمع المدني كشريك أساسي مهم في عملية تعزيز وحماية حقوق الإنسان بكل أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية ونشر الوعي بحقوق الإنسان في المجتمع ونشر ثقافة العمل التطوعي، والإسهام في جهود مكافحة التطرف والتوجهات المناهضة لقيم المجتمع المصري”؛ وفي هذه الدراسة سنتطرق إلى خطوات المجتمع المدني نحو المأسسة في الولاية الرئاسية الجديدة 2024.
تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان
تُعد ديمقراطية المجتمعات والحكومات هي العامل الأهم في ضمان الحفاظ على العناصر الأساسية للديمقراطية مثل القضاء المستقل، والشفافية والمساءلة العامة، والدستورية، والانتخابات الدورية والحرة والنزيهة، والشرعية، وحماية الحق الأساسي للمواطنين في المساواة والتسامح السياسي وهو ما تسير فيه مصر بخطوات سريعة، من بين أمور أخرى منها، زيادة عدد مؤسسات المجتمع المدني والعمل الأهلي وموارده المالية، وعدد أعضائه ودرجة مشاركتهم الحقيقية في أنشطته.
فدائمًا ما تثمن وتشجع القيادة السياسية الدور الحيوي للمجتمع المدني في تعزيز الحقوق والحريات، وتحث على تكوين الجمعيات من أجل مجتمع مدني قوي نابض بالحياة، فنجد الدولة المصرية قد أعلنت عام 2022 عام “المجتمع المدني”، ثم بعد ذلك أعلن عن “التحالف الوطني للعمل الأهلي والتنموي”، ثم مناقشة الحوار الوطني لأوضاع العمل الأهلي في مصر من أجل إعطائه مزيدًا من الصلاحيات، وخلق ظروف مواتية لتعزيز المجتمع المدني، في ظل ظروف عالمية أثرت بشكل سلبي على مساحات المجتمع المدني في معظم أنحاء العالم، وهو ما يمكن التدليل عليه عبر إعلان البرلمان الأوروبي في مارس 2022 عن تقلص مساحة المجتمع المدني في أوروبا بشكل متزايد، ويقدم ملاحظات حول الانكماش العام لمجال المجتمع المدني في بعض دول الاتحاد الأوروبي، وهو ما يمثل تهديدًا خطيرًا لسيادة القانون والديمقراطية والحقوق الأساسية.
وقد أكدت وكالة الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية في عام 2020، أن وضع 57٪ من منظمات المجتمع المدني الوطنية والمحلية في الاتحاد الأوروبي “تدهور بشكل كبير”، مقارنة بالسنوات السابقة، لا سيما في سياق جائحة كورونا؛ وعلى العكس من ذلك شهدت الأعوام الأخيرة تزايدًا مستمرًا في أعداد الجمعيات الأهلية في مصر، إذ بلغ عدد الجمعيات الأهلية المسجلة في وزارة التضامن الاجتماعي عام 2012 قرابة 37.500 ألف جمعية أهلية، وظل العدد في الارتفاع حتى بلغ 43.500 ألف جمعية ومؤسسة أهلية في عام 2013. وفي عام 2019، ازداد العدد إلى 52.500 ألف جمعية. وفي مطلع عام 2021، أعلنت وزارة التضامن الاجتماعي أن مجموع الجمعيات الأهلية المسجلة في مصر قد وصل إلى 57.500 ألف جمعية ومؤسسة.
وتسعى الدولة المصرية إلى حماية وتعزيز حقوق الإنسان، ويعتبر المجتمع المدني شريك للحكومة المصرية ويقع على عاتقه جزء من مسؤولية حماية وتعزيز حق المواطن والوقوف والدفاع عنه على المجتمع المدني. وأملت الإدارة المصرية خلال العقد الماضي في وجود مجتمع مدني قوي يعمل على حماية الحقوق والحريات، ويوفر الخدمات الأساسية للأغلبية، كونه حاضنًا للمشكلات التي لم تتمكن الدولة من الوصول إليها، حيث يمتاز المجتمع المدني باللامركزية، مما يساعد الدولة على تحقيق رفع جودة الحياة للمواطنين في كافة أرجاء الجمهورية.
ومن هذا المنطلق عملت الدولة المصرية على خروج “الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان”، التي تَشارك في إعدادها كافة منظمات المجتمع المدني، والتي تضمنت زيادة التنسيق والتكامل بين ثالوث التنمية “الحكومة، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص” بالإضافة للجهات المانحة، وتوعية الجمعيات الأهلية بالأبعاد التنموية وفقا لرؤية مصر ۲۰۳۰، وتعزيز التواصل بين الحكومة ومنظمات المجتمع المدني العاملة في مجال حقوق الإنسان، إلى جانب تعزيز ثقافة العمل التطوعي والمشاركة المجتمعية، وتنمية القدرات الموسمية للجمعيات الأهلية، وعقد برامج تدريبية لتعزيز الثقافة المجتمعية بمبادئ وقيم حقوق الإنسان والتوعية بقضايا أخرى تهم الوطن والمواطن.
تعزيز المشاركة السياسية
يمكن للمجتمع المدني تعزيز المشاركة السياسية عن طريق تثقيف الناس حول حقوقهم وواجباتهم، وتشجيعهم على الاستماع إلى الحملات الانتخابية والتصويت في الانتخابات. كما يمكن للمنظمات غير الحكومية أن تساعد في تطوير مهارات المواطنين للعمل مع بعضهم البعض لحل المشاكل المشتركة، ومناقشة القضايا العامة، والتعبير عن آرائهم وخاصة في الانتخابات الدورية، وعلى هذا النحو وجدت مؤسسة حياة كريمة كوتة كبيرة من الشباب الناخبين يصوتون لأول مرة، فأطلقت مؤسسة حياة كريمة في منتصف عام 2023 البرنامج التدريبي لطلاب الجامعات “فاليو” من أجل إشراك الشباب وتشجيع مشاركتهم في الانتخابات الرئاسية بمجملها، والمساعدة في بناء جمهور ناخب أكثر استنارة ومشاركة وتعزيز المواطنة النشطة في مصر، وتعزيز دور العمل التطوعي بالتعاون مع الأكاديمية الوطنية للتدريب؛ والذي تخرج منه حتى الآن أكثر من 5000 طالب وانضمامهم لمتطوعي حياة كريمة. وقد أتي هذا البرنامج التدريبي سعيًا من المؤسسة لنشر ثقافة العمل التطوعي وأهمية تعزيز الوعي لدى الشباب والنشء ولا سيما طلاب الجامعات بدور المشاركة السياسية والمجتمعية، ودور مؤسسات المجتمع المدني في دعم المشروعات القومية في القطاعات والمجالات المختلفة، ورفع الإحساس بالمواطنة والعمل المجتمعي وإكساب الطلاب بالمهارات والخبرات اللازمة، وتشجيعهم على العمل التطوعي، بما يساهم في خطة الدولة للمشاركة في التنمية المجتمعية.
مراقبة سير الانتخابات
يحدد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والصكوك الدولية الأخرى شرطين أساسيين لإجراء انتخابات ديمقراطية، أولهما الاقتراع العام والمتساوي، وثانيهما الاقتراع السري. كما تحظر الاتفاقيات الدولية التمييز على أساس العرق أو الجنس مما يعزز الحق في المشاركة في الانتخابات على أساس “الاقتراع العام والمتساوي”.
وكما أن مشاركة المجتمع المدني المستقل كهيئة رقابية على جودة كل مرحلة من مراحل العملية الانتخابية أمر شائع في الديمقراطيات المختلفة، وتزامنًا مع بدء مجريات الانتخابات الرئاسية المصرية الأخيرة 2024، لم ترفض الهيئة الوطنية للانتخابات في مصر أي طلب لبعثات منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية، لمراقبة وتوثيق المخالفات أثناء تسجيل الناخبين، والتصويت، وفرز الأصوات وحتى إعلان نتائج الانتخابات. فتم قيد 24 سفارة أجنبية بعدد 67 دبلوماسي متابع للعملية الانتخابية. و14 منظمة دولية بعدد 220 متابعًا دولي، ووجود عدد 4 منظمات دولية مُتعددة الأطراف. هذا إلى جانب وجود عدد 109 وسيلة إعلامية أجنبية، من 33 دولة من مختلف قارات العالم، بعدد 526 مُراسلًا صحفيًا. بالإضافة إلى وجود 77 وسيلة إعلامية محلية بعدد 4218 متابع اعلامي.
وعلى المستوى المحلي تم قيد 62 منظمة مصرية بعدد 22540 متابع محلي. مثلت مؤسسة حياة كريمة وحدها بـ ١١ ألف متطوع في متابعة العملية الانتخابية ومراقبة مراكز الاقتراع طوال أيام الانتخابات، لضمان الامتثال للقانون والإبلاغ عن أي حالات من شأنها التأثير على نزاهة العملية الانتخابية. بالإضافة إلى ذلك، لعب المتطوعين دورًا حاسمًا في تعزيز مشاركة الناخبين، وساهموا في تنظيم ومساعدة الناخبين.
تعزيز جهود التنمية
سعيًا لدعم مبادئ الديمقراطية بالتنمية عن طريق توحيد الجهود والتنسيق والتعاون المستمر بين المؤسسات والجمعيات الأهلية، بعد معاناة المجتمع المدني من العشوائية، وغياب الرؤية والتخطيط الاستراتيجي؛ تم توقيع ميثاق التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي، في ١٣ مارس ٢٠٢٢، من خلال التعاون بين مؤسسات المجتمع المدني ومؤسسة حياة كريمة.
وانضم إلى التحالف حتى الآن 34 كيانًا وجمعية أهلية تختص بالعمل المدني، حيث وضعت المؤسسات والجمعيات الأهلية مجتمعة، اللبنة الأولى للتحالف، وما زالت ترحب بانضمام العديد من المؤسسات والهيئات بعد توفيق أوضاعهم لتوحيد الجهود؛ بحيث يتم تكوين قاعدة بيانات موحدة تعمل عليها جميع المؤسسات في التحالف، لضمان عدم تكرار المساعدات ووصولها لمستحقيها، في ظل وجود مشروعات قومية في الدولة وعلى رأسها المشروع القومي التنموي “حياة كريمة” الذي وحد جهود التنمية تحت مظلته.
ويستهدف التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي زيادة عدد الأسر المستهدف إخراجها من دائرة الفقر إلى الحال المتيسر بشكل نهائي ومستدام، واستكمال الجهود التنموية لتأمين مظلة حماية اجتماعية تسع الأكثر استحقاقًا بدون استثناء في السنوات المقبلة، وزيادة أنشطة وبرامج التحالف خلال الـ 5 سنوات القادمة لتحقيق الثلاثة أهداف الأساسية برأس مال يتجاوز الـ 200 مليار جنيه.
كما كان لمؤسسة حياة كريمة الدور الشريك والبارز في المبادرة الرئاسية لتطوير الريف المصري “حياة كريمة”، التي تخدم أكثر من 58 مليون مصري في قرى وريف مصر، وذلك بعد صدور قرار رئيس مجلس الوزراء الصادر برقم (٢٧٠٠) لسنة ٢٠٢٠ بضم مؤسسة حياة كريمة كمؤسسة المجتمع المدني الوحيدة ضمن لجنة إدارة المبادرة الرئاسية حياة كريمة والتي تضم ٢٠ وزارة وهيئة، لتقوم بالتسويق لكافة المشروعات التي تنفذ في المشروع القومي حياة كريمة. كما تساهم في تنفيذ وتمويل ومتابعة المشروع القومي بالتعاون مع الجهات الشريكة.
فقامت “مؤسسة حياة كريمة” أحد أبرز كيانات التحالف الوطني بالعديد من المبادرات التي استفاد منها ملايين من المواطنين الأكثر فقرًا واحتياجًا نجد منها: مبادرة “وصل الخير”، ومبادرة “راجعين نتعلم”، ومبادرة “التعليم حياة”، ومبادرة “أنت الحياة”، ومبادرة “يدوم الفرح”، ومبادرة “قطار الخير”، ومبادرة “ستر وعافية”، ومبادرة “كتف في كتف”، ومبادرة “خيرك سابق”، ونفذت مؤسسة حياة كريمة “مبادرة تقدر في 10 أيام” لكافة مواد الثانوية العامة بقسميها الأدبي والعلمي.
كما شاركت مؤسسة حياة كريمة ضمن المشروع القومي لتطوير الريف المصري في بناء 834 مدرسة، إلى جانب تطوير 1519 مدرسة، ولم تغفل المؤسسة العدد الكبير للأميين في القرى لذا تم محو أمية 74091 مواطنًا. كما شاركت في إنشاء 1101 وحدة طبية، وأُجريت 701 قافلة طبية، إلى جانب إنشاء 221 وحدة بيطرية، والقيام بـ 83 قافلة بيطرية. بالإضافةً إلى 353 نقطة إسعاف. والمشاركة في المبادرة الرئاسية 100 مليون صحة، ومبادرة سكن كريم، وتعاونت مع بعض مؤسسات المجتمع المدني في دعم 1200 مشروع تمكين اقتصادي، وكذلك فك كرب 2000 غارم وتمكينهم اجتماعيًا واقتصاديًا. كل هذا بجانب الاستجابة السريعة لمؤسسة حياة كريمة بالدعم المادي والعيني في الحماية الاجتماعية للفئات الأكثر احتياجًا جراء تأثر الوضع الاقتصادي نتيجة جائحة كورونا وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.
وفي إطار جهودها لبناء الإنسان المصري، وخدمة الأسرة والنشء؛ فتم المشاركة في إنشاء 213 مركزًا للأسرة والطفل، و31 حضانة، و62 مكتبة، وأجرت حياة كريمة 215 حوارًا مجتمعيًا لأهالي قرى المبادرة، و154 ندوة طلابية في الجامعات المصرية، بهدف تدريب الطلاب على المهارات الحياتية، من خلال ورش عمل ومسابقات ومناقشات وأنشطة ثقافية، وذلك لمساعدتهم على تحديد فرص العمل المناسبة لهم، والوصول إلى أهدافهم واتخاذ القرارات المهنية بشكل سريع وناجح. مع توفير جولات ميدانية لزيارة مشروعات حياة كريمة. ولم تغفل حياة كريمة كذلك القيام بندوات لتوعية الفلاحين والمزارعين.
وإلى جانب الجهود الحكومية؛ شاركت الجمعيات الأهلية في المبادرات الرئاسية مثل 100 مليون صحة، وفي التوعية والمساعدات والتجهيزات وفتح مقار للمبادرات وضخ بعض التمويلات، وتمت المشاركة في مبادرة سكن كريم، كما أسهمت بـ 200 مليون جنيه لتوفير السكن في أكثر من 5 محافظات بالصعيد. كما أن نسبة مساهمة المجتمع المدني في القضاء على الفقر تخطت 5 مليارات جنيه سنويًا أثناء جائحة كورونا. علاوة على استجابة منظمات المجتمع المدني بسرعة بالدعم المادي والعيني في الحماية الاجتماعية للفئات الأكثر احتياجًا جراء تأثر الوضع الاقتصادي نتيجة تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية.
الدبلوماسية الإنسانية
انتفضت مؤسسات المجتمع المدني منذ عملية طوفان الأقصى التي تمت في السابع من أكتوبر 2023، وقامت بعرض المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة للفلسطينيين في قطاع غزة؛ حيث قامت مؤسسة حياة كريمة والتحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي بإدخال مساعدات بلغت أكثر من 337 شاحنة مساعدات بحمولة 4760 طنًا، ضمت 6700 متطوع في تجهيز الشاحنات، بإجمالي ساعات تطوعية تعدت 422 ساعة، هذا إلى جانب تقديم الدعم النفسي للمصابين بمنفذ معبر رفح البري، ومساعدة المصابين الفلسطينيين ومرافقيهم أثناء تلقي العلاج، وأيضًا القيام بأعمال التفريغ والتحميل للمساعدات وتسليمها للهلال الأحمر الفلسطيني.
كما دشنت مؤسسة حياة كريمة بالتعاون مع التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي، ووزارة الصحة وبنك الدم، أكبر حملة للتبرع بالدم تحت شعار “قطرة دماء تساوى حياة”، بكافة محافظات الجمهورية، فضلًا عن تخصيص حساباتها في البنوك المصرية للتبرع لدعم الشعب الفلسطيني والوقوف بجانبه في ظل العدوان الإسرائيلي.
وقبل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، كان العديد من مؤسسات المجتمع المدني متضامنة وحاضرة لمساعدة شعب السودان الشقيق، بعد اندلاع الاشتباكات والحرب الدائرة بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع وعملت على تقديم المساعدات الطبية والعلاجية والإغاثية، والمشاركة في استقبال اللاجئين السودانيين الفارين من الحرب هناك، حيث استقبلت مصر أكثر من ٣٠٠ ألف سوداني عبر منفذي قسطل وأرقين فرارًا من الحرب الدائرة في السودان، وتم تقديم الدعم النفسي لهم.
المشاركة في العمل العام التطوعي
تُعرِّف منظمة العمل الدولية التطوع بأنه “عمل غير إلزامي وغير مدفوع الأجر: أي الوقت الذي يمنحه الأفراد دون أجر للأنشطة التي يتم أداؤها إما من خلال منظمة أو مباشرة للآخرين خارج منازلهم أو أفراد الأسرة المرتبطين بهم”. لذا أدركت الدولة المصرية أهمية الدور الذي يقوم به المتطوعون فشجعته وثمنت دورة؛ لما له من دور مهم في مواجهة تحديات التنمية. ويبلغ عدد المتطوعين في مصر أكثر من نصف مليون متطوع من الشباب في كافة مجالات العمل الأهلي وفي مراكز الشباب وفي أروقة الجامعات، منهم نحو 76 ألف متطوع داخل مؤسسات التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي، وإجمالي عدد المتطوعين المسجلين داخل قاعدة بيانات مؤسسات التحالف 251 ألف متطوع مشارك موزعين على 27 محافظة بمتوسط عدد 3 ساعات تطوعية أسبوعيًا، وبإجمالي عدد ساعات 39.200.000 ساعة تطوع سنويًا، بالإضافة إلى المتطوعين بالقطاع الخاص وبالمجتمعات المحلية غير معلوم أعدادهم بدقة.
تشريعات داعمة
يهدف الهدف السادس من أهداف أجندة التنمية المستدامة 2030؛ إلى حوكمة مؤسسات الدولة والمجتمع، حيث تحقق حوكمة مؤسسات الدولة والمجتمع الكفاءة والفاعلية لأجهزة الدولة الرسمية ومؤسسات القطاع الخاص والمجتمع المدني، لذا فرؤية مصر للمستقبل تضع الحوكمة والالتزام بالقوانين والقواعد والإجراءات في ظل سيادة القانون والأطر المؤسسية، ضرورة لتحقيق الشفافية والمساءلة ومحاربة الفساد.
وفي عام 2017 تم إقرار القانون رقم (70) لسنة 2017؛ وأدى إلى حالة من التخبط نتيجة بعض المواد التي يتضمنها، وطالبت بعض منظمات المجتمع المدني بعدم تفعيله وإعادة النظر فيه، وكان القانون محور نقاش في منتدى شباب العالم عام 2018، حيث استجاب الرئيس عبد الفتاح السيسي لمطالب المجتمع المدني، وأعلن عدم تفعيل هذا القانون وفتح حوار مجتمعي لإعداد قانون يشارك فيه الجمعيات والمؤسسات الأهلية والشباب، وتم الانتهاء من قانون (149) لسنة 2019، الذي جاءت بنوده متوافقة مع نص دستور 2014 في المادة (75) والتي تنص على أن “للمواطنين حق تكوين الجمعيات والمؤسسات الأهلية ويكون لها الشخصية الاعتبارية بمجرد الإخطار”.
وبهذا فقد جاءت التشريعات داعمة لمنظمات المجتمع المدني والعمل الأهلي، حيث يحقق قانون (149) لسنة 2019 بشأن تنظيم العمل الأهلي، عددًا من المكاسب المهمة تتمثل بالأساس في معالجة الإشكاليات القانونية والدستورية التي صاحبت عملية تشريع وإصدار قانون (70) لسنة 2017، ومنها السماح بتأسيس الجمعيات الأهلية بمجرد الإخطار، والسماح للأجانب بعضوية الجمعيات الأهلية المصرية بنسبة 25% من مجموع أعضائها، وإيجاد إطار أفضل لتنظيم عمل المنظمات الأجنبية في مصر، فضلًا عن إجازته للجاليات الأجنبية إنشاء جمعية تعني بشؤون أعضائها، وإعادة الاختصاص بالرقابة على الجمعيات لأجهزة الوزارة، والسماح بالحصول على التمويل الأجنبي بشرط إخطار السلطات وعدم انتهاك المنظمة أي من القوانين القائمة، وإلغاء عقوبة الحبس والعقوبات السالبة للحريات عند مخالفة أحكامه والاكتفاء بالغرامات المالية.
ولم يقف الأمر عند صدور قانون (149) لسنة 2019، ولكن في خطة تعد نقلة نوعية لإعادة صياغة العلاقة بين الدولة ومنظمات المجتمع المدني على أساس من الثقة المتبادلة بين الطرفين، ودعم خطط التنمية المستقبلية، وافق مجلس النواب خلال الأسابيع الماضية من حيث المبدأ على مشروع قانون مُقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام القانون رقم (149) لسنة 2019.
ويهدف مشروع القانون إلى تعديل بعض أحكام القانون رقم (149) لسنة 2019 بإصدار قانون تنظيم ممارسة العمل الأهلي، إلى منح جميع الجمعيات والمؤسسات الأهلية وغيرها من المنظمات والكيانات الخاضعة لأحكام قانون تنظيم ممارسة العمل الأهلي المشار إليه “مهلة مؤقتة إضافية لتوفيق الأوضاع”، لمنح الفرصة كاملة لمؤسسات المجتمع الأهلي للتمتع بكافة ما تضمنه القانون من مزايا وتسهيلات، وعدم حرمانها من تلك المزايا والتسهيلات؛ حيث إن اللائحة التنفيذية كانت قد صدرت بتاريخ 11 يناير عام 2021، وبدأ العمل بها في اليوم التالي للنشر، مما يستتبع أن تنتهي مهلة توفيق أوضاع الجمعيات والمؤسسات الأهلية الخاضعة لأحكام القانون رقم (149) لسنة 2019 في تاريخ 11 يناير 2022. كما وضع ملف العمل الأهلي على رأس أولويات الحوار الوطني، والذي تم البدء في تنفيذ توصياته والتي منها بعض التعديلات التشريعية والتي يستمد منها صلاحيات أكثر.
ومؤخرًا نشرت الجريدة الرسمية قرار رئيس مجلس الوزراء، الدكتور مصطفى مدبولي، بشأن تشكيل لجنة مؤقتة لتأسيس التحالف الوطني للعمل الأهلي، وتضمن القرار 12 مادة بشأن التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي، بإعتباره كيان غير هادف للربح، وله الشخصية الاعتبارية، ويتمتع بالاستقلال الفني والمالي والإداري، كما يولي الرئيس عبد الفتاح السيسي اهتمام بالغ ولقاءات دورية مع وزير العدل للاطلاع على إجراءات تفعيل قانون التحالف الوطني للعمل الأهلي رقم 171 لعام 2023، والجهود الجارية لاستحداث آليات للتنسيق في إطار القانون، بهدف تعميق مفهوم التطوع في العمل الأهلي وتنمية القيم الإنسانية والمجتمعية، وحشد الجهود الوطنية من أجل التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ودعم تنفيذ المبادرات الاجتماعية التنموية، وذلك من خلال التنسيق بين أجهزة الدولة والمجتمع المدني المعنية.
ختامًا؛ يتضح أن المجتمع المدني في مصر يسير بخطوات ثابتة وقوية نحو المأسسة، حيث هيأت له الدولة بيئة قانونية وسياسية تمكينية؛ من منطلق دوره المهم في توضيح التطلعات الموجودة في المجتمع، وتمثيل صوت الضعفاء والمهمشين، لأنه ركن ثابت وداعم أساسي لمثلث التنمية والحماية الاجتماعية مع القطاع الخاص والحكومة، بجانب دوره في توفير الخبرة في صنع السياسات، وتعزيز المواطنة النشطة، وتعزير الديمقراطية، وسيادة القانون والحقوق الأساسية.