مقالات رأي

حديث الإصلاح في مصر

القضية الأهم في أي مجتمع صحي هي قضية “الإصلاح الشامل”، والإصلاح هنا معني به تبني أفكار واستراتيجيات وترجمتها عمليًا على الأرض؛ بغية تغيير حياة الناس نحو الأفضل، وهو يوازي فكرة التقدم، وغير مرتبط بأزمنة بعينها، ولا تقوم عليه المجتمعات لمرة واحدة، بل عملية مستدامة ومستمرة.

أحاديث الإصلاح في مصر كثيرة ومتشعبة، وكلها تقر بأن ما تشهده مصر ليس إصلاحًا شكليًا وصوريًا، بل هو إصلاح جذري وعميق لكل الملفات والقضايا التي تمس حياتنا كمصريين وظلت لعقود بعيدة عن تدخلات الحكومات والأنظمة السياسية المتعاقبة، لدرجة أننا وقت استفاقتنا وشروعنا في التغيير شعرنا جميعا بالذهول من حجم التحديات والأزمات التي كنا نعيش فيها، وتساءلنا كيف قبلنا أن نترك هذا الواقع المرير دون تغيير!؟.

الرئيس عبد الفتاح السيسي هو من يقود عملية الإصلاح الجذرية في مصر، وهو بلا شك قائد إصلاحي، أثبتت السنوات الماضية أن لديه أفكارًا تقدمية مبهرة لنهضة مصر ووضعها على الطريق الصحيح في سلم التنمية المستدامة. وإيمانه الحقيقي بالإصلاح كان دافعه الدائم لاقتحام الملفات والأزمات التي كانت في الماضي من “التابوهات” التي يخشى أي حاكم مصري الاقتراب منها، لكن السيسي كان يعلم أن تجاهل التعامل وعدم الانخراط بكل شفافية وحزم لإزالة هذه التحديات ستكون فاتورته كبيرة على مصر وشعبها مستقبلًا.

لم تكن مسيرة الإصلاح في مصر والتي بدأت في 2014، سهلة، بل واجهتها معوقات ضخمة وتحديات ومخاطر إقليمية ودولية، وحروب إعلامية سوداء من تنظيمات وجماعات معادية لمصالح المصريين، سعت طوال الوقت إلى التشكيك في رؤى الإدارة السياسية وفي قدرتها على جعل ما تقدمه من خطط وأهداف واقع ينفذ على الأرض. ولا ننكر أنه كانت هناك مقاومة داخلية لثورة الإصلاح الشامل، لكن الشفافية والوضوح الكامل الذي كان ولا يزال يتحدث به الرئيس السيسي مع الشعب كان عاملًا حاسمًا في تغيير اتجاهات قطاعات كبيرة من الرأي العام لتقتنع بحتمية الإصلاح وتحمل تداعياته على حياتهم المعيشية، وهو ما عجز الرئيسان الراحلان السادات ومبارك عن فعله، واضطروا وقتها أن يقدموا شعبيتهم على حساب مصالح المصريين الحقيقية، وتركوا لنا أزمات وكوارث اقتصادية ومجتمعية دفعنا الكثير من الجهد والعرق والمال لمواجهتها.

لا تقتصر عملية التحديث والإصلاح في مصر على ملف واحد، فكل الملفات تم اقتحامها والتعامل معها سواء بشكل كامل أو جزئي، بدءًا من إصلاح الاقتصاد للبنى التحتية والإسكان والزراعة لملف التعليم والصحة والبحث العلمي والتصنيع وقطاع الاتصالات والتكنولوجيا والقدرات العسكرية وملف الخدمات، والإعلام والثقافة والإبداع، وملف الإصلاح الإداري والتشريعي والقانوني، وحتى إصلاح الملف السياسي، وصولًا إلى ملف إصلاح الخطاب الديني وتنقية التراث من القصص والتفسيرات التي تناقض القرآن والسنة وتنافي الفطرة الإنسانية. ولا نقول هنا أن قطار الإصلاح توقف لمجمل هذه الملفات، فهو كما ذكرنا في الأعلى عملية مستمرة ومستدامة.

رغم وضوح عملية الإصلاح والتحديث والتنمية الشاملة والتي تتم وفقا لرؤية “مصر 2030″، إلا أننا ما زلنا في حاجة إلى تسويقها بشكل أوسع، وخلق فلسفة ورؤى واضحة تكون جزءًا رئيسيًا من حديث المصريين اليومي في كل ربوع مصر عن شكل مستقبلهم الجاري بناؤه؛ فهذه ليست مهمة ومسؤولية الإدارة السياسية بمفردها، بل تشمل أيضا مسؤولية الأحزاب السياسية والنقابات والمجتمع المدني والصحافة والإعلام. فالرئيس حين يفتح بجرأة ملف بعينه يحتاج إلى إصلاح وحلول، فهو يلقي الكرة في ملعب كل القوى المجتمعية لتتناقش حوله ويعقدوا الاجتماعات والمؤتمرات والندوات ويتحدثوا في الصحافة والإعلام ويقدموا الأطروحات والبدائل والرؤى والأبحاث لكيفية التعاطي مع القضية المثارة، لا أن يقتصر التفاعل من بعضهم على مجرد الإشادة فقط، والتنظير السطحي والتملق بهدف تحقيق أهدف شخصية، فهذا سيجعل الرئيس في النهاية يقود بمفرده قطار الإصلاح والتحديث لمصر الجديدة دون وجود قوى مجتمعية وتنفيذية حقيقية مساندة له ومشروعه الإصلاحي. وعليه فإن الفجوة الموجودة بين خطاب الرئيس والكتل الحرجة في المجتمع يجب أن يتم ملؤها بجسور للتواصل وبفاعليات وحراك اجتماعي واسع يثري الحياة العامة في مصر.

حين تحدث الرئيس في مداخلته الهاتفية مع صدى البلد عن دعمه للإبداع والثقافة والفنون ودعمه تحديدًا لكل الأعمال الدرامية والفنية التي تعالج أزمة تجديد الخطاب الديني، هو بشكل مباشر يعطي إشارات ورسائل لأدباء ومثقفي مصر ولكل شركات الإنتاج والمؤسسات القائمة على إنتاج المحتوى الصحفي والإعلامي والثقافي، أن المجال العام مفتوح أمامهم لتقديم أعمال متنوعة تعالج قضايا المجتمع بكل حرية دون خوف من قضايا حسبة أو إزدراء أديان، هو يؤكد أن إصلاح الخطاب الثقافي هو الأساس لإصلاح أي مجتمع وبناء وعيه على أسس سليمة يتم استخدام فيها التفكير النقدي فيما هو قائم وموروث.

مصر أمام أكبر عملية تحديث وإصلاح في تاريخها منذ عصر محمد علي، وتحتاج تعاوننا جميعا دولة ومجتمع لاستكمالها، لأنها بالفعل تمتلك كل المقومات لتقود إقليمها وتعود لتكون نموذج لكل البلدان النامية الحالمة في التنمية والرخاء والاستقرار، فهي قوة خير وسلام.

محمد مرعي

مدير المرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى