السودان

سد النهضة مقام على منطقة زلازل وأديس أبابا تنظر للحدود السودانية نظرة استعمارية.. أبرز ما جاء في المشهد السوداني

تشهد الفترة الحالية توترات بين الجانبين السوداني والإثيوبي على أكثر من خلفية. فما حدث على الحدود السودانية- الإثيوبية وأدى إلى تعامل عسكري بين الطرفين خلف حساسية من نوع جديد واتهامات من الخرطوم لأديس أبابا بخلط الأوراق.

كما أن التعنت الإثيوبي أمام ملف سد النهضة والإصرار على البدء في ملء السد في الأول من يوليو المقبل على الرغم من الضرر البالغ الذي سيتركه ذلك على دولتي المصب فتح المجال أمام السودان لمخاطبة مجلس الأمن للمرة الأولى منذ أزمة.

ونرصد في هذا التقرير تغطية الصحافة السودانية للأزمتين. 

بعنوان كَيْفَ نَحْمي السُّودان من أخطار سد النهضة ؟ نقلت صحيفة الراكوبة تصريحات الدكتور فيصل عوض حسن والتي ضمنها في مقاله المنشور على الموقع والتي جاء فيها أن تصريحات وزيرة الخارجية السودانية لقناة العربية في الخامس من يونيو الجاري كانت ضمن العناية الإلهية حيث أنه وللمرة الأولى يتحدث مسئول سوداني ربما عن غير قصد حول أهمية وجود دراسات فنية على التأثيرات الخطرة لسد النهضة على السودان بعد أن أمضى نفس المسئولين سنوات طوال يسلطون فيها الضوء على المنافع فقط.

  وأوضح أن آخر تلك الأكاذيب حول السد هو بيان وزارة الرَّي بتاريخ 28 مايو 2020، الذي نَفُوا فيه ما نَشَرَته بعض الصُحُف، بشأن اتساع الخلاف حول استئناف المُفاوضات عموماً، و(تَمَسُّك) وزير الرَّي الإثيوبي بمضامين اتِّفاق المبادئ المُوقَّع، بين الدول الثلاث عام 2015 . 

ومضى الكاتب ينتقد النهج السوداني في التعامل مع ملف سد النهضة قائلًا  أنَّ السُّودان (الأرض/الشعب) في ورطة حقيقيَّة بسبب هذا السد. ففي الوقت الذي يَسْتَدِلُّ فيه الإثيوبيُّون بالنُّصُوص، والاتِّفاقيَّات المُوثَّقة و(المُلْزِمَة) دولياً وإقليمياً، يتعامل حُكَّام السُّودان ومُمثِّلوه بـ(حُسنِ النَوَايا)، وغيرها من العبارات الفضفاضة غير المُعترَف بها على الصعيدين الدولِي والإقليمي! وذلك ضمن بنود الاتفاقية الإطارية في 2015  التي وصفها بالضبابية   لأنها خَلَت تماماً من أي نُصوص (تُلْزِم) إثيوبيا أو تُؤكِّد مسئوليتها، عن تأمين وسلامة السد والتعويض عن مخاطره، أو حجم الكهرباء وأسعارها وغيرها من المُتطلَّبات! 

وأشار الكاتب إلى وجود إشكالية أخرى تتمثل في حجم التخزين بسدِّ النَّهضة والبالغ (74) مليار متر، والذي يتناقض وآراء الكثير من المُختصِّين، الذين أوصوا بتخفيضها لنحو (11) مليار، وهو الحجم الذي وضعته إثيوبيا في استراتيجيتها القوميَّة منذ أوائل الستينات! كما يتناقض هذا الحجم مع الأضرار المُتوقَّعة لتخزين الـ(74 مليار)، تبعاً لرأي اللجنة الثلاثيَّة المدعومة بخُبراء دوليين في مايو 2013، خاصَّة مع عدم التأكُّد من (سلامة) السد.

وفي ملف الوساطة الأمريكية نشرت الصحيفة تقريرًا بعنوان سد النهضة.. هل تأتي “وساطة” أوروبا على حساب مرجعية واشنطن؟ عرضت خلاله بعض  وجهات النظر حول الوساطة الإثيوبية بعد عودة الدول الثلاث  إلى طاولة المفاوضات  الأمر الذي ربما  يشجع الاتحاد الأوروبي على الوساطة أو دعم عملية التفاوض. وما يرجح هذا الاحتمال أنه بتاريخ 28 مايو الماضي  هاتف نائب رئيس المفوضية الأوروبية ومفوض شؤونها الخارجية، جوزيب بوريل مفوض السلم والأمن في الاتحاد الإفريقي، إسماعيل شرقي. تركزت المكالمة على تبادل الآراء حول آخر مستجدات قضية سد النهضة. جاء ذلك في بيان صدر عن الاتحاد الأوروبي وشدد على أن “حل الخلاف مهم للاستقرار في كل المنطقة”. وختم البيان بتأكيد “استعداد” الاتحاد الأوروبي لدعم الأطراف في مسعاها وتبادل خبرات الاتحاد الأوروبي معها. وفي هذا الإطار نقلت الصحيفة تصريحات بعض المتخصصين مثل الدكتور خطار أبو دياب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة باريس، والذي يرى أن الدخول الأوروبي على الخط مجدداً “استطلاعي”، وقد لا يكون بالضرورة “ناسخاً” للوساطة الأميركية.   أما الخبير السياسي والباحث في جامعة برلين الحرة، الدكتور تقادم الخطيب، يذكّر بوساطة الاتحاد الأوروبي في نفس الملف عام 2014 ويتسأل عن أسباب فشل الجهود الأوروبية آنذاك.  بينما ترى بعض الاتجاهات أن أوراق الضغط الأوروبية  قد تكون مجدية كقضية الشركة الإيطالية وعلاقات برلين القوية بأديس أبابا للضغط على أثيوبيا، وخاصة في المشاريع التنموية لتحديث الري هناك. وحسب الصحيفة فإن تجربة أدوار الاتحاد الباهتة في المنطقة لا تبشر بالخير. حيث لم يستطع من خلال الرباعية الدولية، التي شُكلت عام 2002 في مدريد من الولايات المتحدة وروسيا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي للمساهمة في عملية السلام بين العرب وإسرائيل، أن يترك أي بصمة تبقى في ذاكرة التاريخ.

وفي ذات السياق نشر موقع الوكالة تقريرًا آخر تعرض خلاله  أن  إثيوبيا نافست في نهاية القرن التاسع القوى الاستعمارية الأوربية في التوسع في منطقة القرن الإفريقي حتى ضمت إليها عن طريق القوة والمناورات مع تلك القوى الاستعمارية أراضي بلغت ضعفي مساحة الحبشة التاريخية. كانت الأراضي السودانية من ضمن المناطق التي كانت تتوسع فيها إثيوبيا .وعقب محاولة اغتيال الرئيس المصري الراحل حسني مبارك في يونيو 1995، توترت العلاقة بين الخرطوم وأديس أبابا. وفيما يبدو إنه كان رد انتقامي من إثيوبيا على تلك المحاولة التي جرت على أراضيها، احتلت قوات من الجيش الإثيوبي أراضي سودانية بما فيها جزء من منطقة الفشقة. وتلى ذلك تقدم السودان في 1996بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي حول هذا الأمر. 

وفي مرحلة تالية وبعد الحرب الإثيوبية- الإريترية نفى ملس زيناوي   اتهامات معارضيه التي جاء فيها أن إثيوبيا تنازلت عن جزء من أراضيها للسودان وقال في حديث أمام البرلمان الفيدرالي الإثيوبي في نوفمبر 2008ان الأرض التي انسحب منها الجيش الإثيوبي هي أراضي سودانية كان قد احتلها في 1996 ويبدو أن هدف زيناوي من ذلك كان كسب التأييد السوداني لمشروع سد النهضة. وبعد التغيير الذي تم في إثيوبيا أبريل 2018 تبلور موقف إثيوبي أكثر وضوحاً تجاه موضوع الحدود مع السودان. أعلن رئيس الوزراء الجديد ابي أحمد أمام البرلمان الإثيوبي أن أية اتفاقية ما عدا المذكرات المتبادلة بين حكومتي هيلي سلاسي وجعفر نميري في 1972 غير مقبولة. هذا إقرار ضمني بأنه كانت هناك اتفاقية ما بخصوص الحدود مع السودان وثانياً هو يعني بوضوح رفض إثيوبيا للاتفاقية السرية والتي قد شملت الانسحاب من الأراضي التي احتلها الجيش الإثيوبي 1996 واعتراف إثيوبيا بخط قوين.

وللكاتب تاج الدين بشير نيام نشر موقع الوكالة مقالًا في نفس السياق تناول خلاله الإدانة الشديدة للاعتداء على الحدود الشرقية تحديدا في منطقة (الفشقة) والتي تعتبر من اخصب المناطق.  حيث أنه ليس هناك اي خلاف حول تبعية أراضي( الفشقة) للسودان حتي الان ، ولن تدعي الحكومة الإثيوبية ملكيتها. والخلفية التاريخية لعلاقة المزارعين السودانيين بالأثيوبيين معروفة ،وهو ان الأولى يؤجرون للثانية مقابل ( اجرة متفق عليه بين الطرفان)، وظلت هذه الطريقة والعلاقة في التعامل منذ السبعينات من القرن الماضي. ولذلك فإن ما قامت بها وزارة الخارجية السودانية هو حق طبيعي  وهو استدعاء القائم بالأعمال للسفارة الإثيوبية لدي السودان، و أبلغه احتجاج حكومة السودان على الاعتداء.

وبالعودة إلى ملف سد النهضة فقد ركزت عليه صحيفة سودانيل ونشرت مقالًا بعنوان واقع سد النهضة ضمن التحديات الدولية للقرن الأفريقي جاء خلاله أنه في الوضع الذي تعيشه منطقة القرن الأفريقي تحاول بعض الدول التقليل من أثار التدافع الدولي على المنطقة بالحفاظ على مكتسباتها القومية، في حين توظف دول أخرى كاريتريا وجمهورية ارض الصومال ودولة جيبوتي موقعها الاستراتيجي. في منح امتيازات لدول أخرى في إنشاء قواعد عسكرية وهي تحقق من وراء ذلك اهداف متباينة سواء في خلقها لمصادر مالية هي في امس الحاجة اليها كما هو الحال بالنسبة لأريتريا ، او محاولاتها لخلق شرعية لا تزال تفتقدها على المستوى الدولي كما هو الحال بالنسبة لصومالاند.، و أن إثيوبيا على وجه الخصوص نجحت في كسب العديد من الدول كالصين، وتركيا الى جانب خططها التنموية.  وبالنظر إلى مشروع سد النهضة في سياق الوضع في القرن الأفريقي فإنه لن يقود الى نهضة حقيقية إلا اذا امتلكت دول وادي دول النيل قرارها وبنت استراتيجية تعاون على المدى الطويل بعيدا عن التدخلات الدولية ،وذلك بتقديم حسن النوايا، وخلق شفافية تنظر للمصالح المحلية ضمن المصلحة الاقليمية، والاقتداء بالتجارب الاوربية التي أخرجت أوربا من العصور الوسطى الى عصور التعاون الاقليمي الذي ادى الى نهضتها. ولذلك فإن اثيوبيا مطلوب منها إزالة جميع مخاوف الأطراف المتفاوضة (مصر والسودان) عبر توافقات، وتنازلات متبادلة مع تلك الاطراف.أما مصر فمطلوب منها  إعادة سياساتها في المنطقة الاقليمية، خصوصًا أنها دولة ذات  بعد حضاري مشهود وذات تاريخ عطاء للدول الافريقية بدء بالسودان مرورا بإثيوبيا، والصومال، واريتريا وجميع دول القرن الافريقي إضافة إلى  تجديد نظرتها للمنطقة بواقع المصالح المتعددة للدول .

وفي سياق فني نشرت الصحيفة مقالًا بعنوان زلازل سد النهضة وزلازل السد العالي تناولت خلاله أنه ورداً على القول بعدم حدوث زلازل في منطقة سد النهضة،  فإن تقرير مكتب الاستصلاح الأمريكي الذي قام بأول دراسة لإمكانية بناء سدود في منطقة حوض النيل الأزرق في اثيوبيا ومن تلك السدود السد الحدودي أو ما يعرف الآن بسد النهضة ذكر  في الملحق الثاني الصادر عام 1964 بعنوان الأرض ومصادر مياه النيل الازرق في إثيوبيا صفحة 51: “أن منطقة حوض النيل الأزرق منطقة زلازل، وهذه الحقيقة يجب أن تؤخذ في الاعتبار عند تصميم الأعمال الهندسية”. أي أن منطقة حوض النيل الأزرق والتي تضم منطقة سد النهضة منطقة زلازل والقول بانها ليست منطقة زلازل قول غير صحيح. حيث أنه  قد أصبح من المسلمات في علم الزلازل الحديث أن البحيرات التي تكون خلف السدود تسبب زلازل، وهذه الظاهرة تسمي الزلازل بفعل الانسان (Induced Seismicity). وتنشأ هذه الأنواع من الزلازل بسبب تسرب كمية من المياه من بحيرة السد الي داخل القشرة الأرضية عن طريق الفوالق والصدوع الموجودة في داخل القشرة الأرضية. ترسب هذه المياه يساعد الفوالق والصدوع على الحركة إضافة إلى أن خريطة توزيع الزلازل في منطقة حوض النيل، توضح بجلاء حدوث زلازل متوسطة الي كبيرة (بقوة تساوي أو أكبر من 4.0) درجات على مقياس ريختر في منطقة حوض النيل الأزرق والتي عادة يتم رصدها من قبل المحطات الاقليمية والدولية لرصد الزلازل، وذلك لخو منطقة حوض النيل الأزرق من محطات رصد وتسجيل الزلازل.أما بالنسبة للسد العالي: فإنه و بعد اكتمال بناء السد العالي ضرب زلزال بقوه (5.3) بقياس ريختر في عام 1981م جنوب منطقة السد العالي، وبعد هذا الزلزال قامت الحكومة المصرية بتركيب عدد من محطات رصد الزلازل في محيط السد العالي. وقد لاحظت جميع الدراسات العلمية المنشورة في موضوع زلازل السد العالي ان حوالي 70% من زلازل بحيرة السد العالي تحدث في أعماق سطحية (أي اقل من 10 كيلومتر). 

وعزت معظم الدراسات ارتباط الزلازل ببحيرة السد العالي إلى زيادة وزن البحيرة الضخم على الجزء العلوي من القشرة الأرضية. وحسب الصحيفة   فإن السد العالي لم ينهار   لأن القشرة الأرضية في منطقة السد العالي   تتصف بأنها قديمة وسميكة وصلبة لأنها جزء مما يسمى جيولوجياً بصحاري ميتا كريتون . Saharan Meta Craton وبمقارنة القشرة الأرضية في منطقة السد العالي، مع القشرة الأرضية في منطقة سد النهضة فإن هذه الأخيرة تتسم بأنها أقل سمكا وصلابة، وأنها غير مستقرة، لذلك تحدث فيها الزلازل.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

نيرمين سعيد

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى