
فورين بوليسي .. السفير الإسرائيلي السابق بجنوب افريقيا يشبه خطة ترامب للفصل بـ “العنصرية”
مازالت خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسلام تثير التحليلات والتشبيهات، وفي مفارقة جديدة نشرتها صحيفة “فورين بوليسي” على لسان السفير الإسرائيلي بجنوب إفريقيا من الفترة 1992 إلى 1994، بأن خطة الفصل وتقسيم الأراضي من أجل حل دولة فلسطين ووضع خطة بالحدود المستقبلية لفلسطين وإسرائيل بأنها تشبه إجراءات الفصل العنصري الذي اعترفت به إسرائيل في جنوب إفريقيا من قبل.
بدأت الصحيفة بوصف خطة ترامب بشأن فلسطين بأنها تشبه الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، والذي قاومت الحكومة الاسرائيلية طويلاً هذا الوصف؛ إلا أن دعم الحكومة الأمريكية لضم الأراضي الفلسطينية لإسرائيل يجعله حقيقة.
البانتوستونات ونظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا
أشارت الصحيفة أنه في ذروة نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، كانت قد خططت حكومة الأقلية البيضاء في البلاد لإنشاء عشر مما يطلق عليه “الأوطان” والمعروفة أيضًا باسم “البانتوستانات”، وتهدف هذه المدن للفصل العنصري بين شعب جنوب إفريقيا من سود البشرة عن الجنس الأبيض لابعادهم عن مدن البيض، والتي كانت تأمل في الحفاظ عليها بيضاء، بحسب الصحيفة، وذلك تحت مظلة أسماها النظام “تنمية منفصلة” في محاولة لصرف الانتباه عن الاضطهاد العنصري في البلاد ورسم صورة مزيفة بالزعم بأن السود قد حققوا استقلالهم في موطنهم ولم يكونوا “مواطنين من الدرجة الثانية” في جنوب إفريقيا.
ويأتي هذا النظام من الفصل العنصري بدعوى التنمية ليكون امتدادا لقانون “الاجتياز” الذي أوجده الاستعمار البريطاني في مقاطعة الكيب وناتال، والذي هدف لتقييد حركة السكان الأفارقة الأصليين من ذوي البشرة السمراء في قبائلهم وعدم حركتهم لـ”مدن البيض” والتي اطلق عليها البانتوستانات، ولكن تحت دعوى الانفصال والاستقلال.
وقامت الحكومة في تلك الفترة بإقامة أربع بانتوستانات فقط هم “بوبوتتسوانا وفندا وسيسكي وترانسكي” وستة أقاليم يُفترض أنها تتمتع بالحكم الذاتي ظاهرياً، لقد رفضت الحكومات الأجنبية في معظمها تلك الدول باعتبارها “دمية” في يد الحكومات العنصرية، ولكن كانت جنوب إفريقيا هي الدولة الوحيدة بجانب إسرائيل في العالم اللتان اعترفتا رسميًا بالبانتوستانات ، واتخذت جنوب إفريقيا القرارات الرئيسية المتعلقة بشؤونهم حصريًا في بريتوريا وهي العاصمة الإدارية للبلاد.
الدعم الإسرائيلي للفصل العنصري بجنوب افريقيا
قامت اسرائيل بجانب جنوب إفريقيا بالاعتراف بتلك الدول أو”الدمى” كما تطلق عليها الصحيفة، بل ساهمت في اقتصاد تلك البانتوستانات، كما قال السفير الإسرائيلي في جنوب إفريقيا في الفترة من 1992 إلى 1994، والذي عمل موظفاً بالخارجية الإسرائيلية خلال فترة الفصل التي وصفها “بالعنصري” أثناء فترة انتقال البلاد للمراحل الديمقراطية، واستكمل قائلاً أنه لم توجد دولة أكثر من إسرائيل لتساهم في اقتصاد البانتوستانات.
وفي محاولة اسرائيلية لإضفاء الشرعية على تلك الفصل العنصري فقد بنى الإسرائيليون المصانع والأحياء والمستشفى وحتى ملعب كرة القدم ومزرعة التماسيح بها، وذهبت إسرائيل إلى أبعد من ذلك من خلال استقبال ممثل دبلوماسي من “بوفوتاتسوانا” في تل أبيب، وكان اسرائيل ملاذاً لاستقبال زعيمها لوكاس مانجوب، وهو شخصية منبوذة بحسب وصف السفير الإسرائيلي من العالم بأسره، وذلك من أجل التقدم وإضفاء الشرعية على أسماه بالفصل العنصري بجنوب إفريقيا.
وعندما قاطع العالم بأسره دول البانتوستانات، حشدت إسرائيل قواها لدعم نظام الفصل العنصري، وذلك بدافع ورغبة لتعميق التعاون الأمني واعتبار تلك الدول سوقاً لتصدير الأسلحة الخاصة بها، وبدأ التعاون الأمني الإسرائيلي مع جنوب إفريقيا عام 1974 ولم ينته إلا بانتخاب نيلسون مانديلا في عام 1994.
اتسمت تلك العلاقة والتي استمرت لمدة عقدين بالتعاون الواسع في كافة المجالات، كما شملت التطوير المشترك للأسلحة بين البلدين والإمداد الإسرائيلي بالتدريب العسكري والأسلحة لجنوب إفريقيا، وذلك لأن جنوب إفريقيا في أحيان كثيرة هي المشتر الأكبر للأسلحة الإسرائيلية، والتي كانت تتم بالتنسيق مع وزارة الدفاع بدلاً من وزارة الخارجية، وبالتالي لم يطلع عليها السفير الإسرائيلي بجنوب إفريقيا، وبالتالي أصبحت إسرائيل واحدة من أقرب حلفاء جنوب إفريقيا “اقتصاديًا وعسكريًا ودبلوماسيًا”.
خطة السلام الأمريكية ونظام الفصل العنصري للفلسطينين
وأشارت الصحيفة من خلال تصريحات السفير الإسرائيلي بجنوب إفريقيا، إن محاولات القضاء على نظام تمييز قمعي عن طريق إنشاء دول وهمية ذاتية الحكم يسكنها أشخاص لم يتمتعوا بالحقوق السياسية الحقيقية كما في تلك الدول، لم تنجح وبالتالي لن تنجح في أي مكان آخر.
وأضافت أن هذا الأمر يتم اختباره في خطة السلام الأمريكية، من خلال السعي الإسرائيلي بالدعم الأمريكي إلى تقديم صيغة قديمة لسياسة جنوب إفريقيا القديمة “المؤسفة”، بحلة مختلفة تتناسب والألفية الجديدة، والتي تم وصفها بأنها هدية من الرئيس ترامب إلى صديقه المقرب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل الانتخابات التي ستجري في 2 مارس المقبل في إسرائيل.
وأشارت تفاصيل الخطة المقترحة والخطاب الذي استخدمه كل من ترامب ونتنياهو، أن هذا لم يكن صفقة بل تنفيذ خطة طويلة الأمد لنتنياهو لزيادة ترسيخ سيطرة إسرائيل على الضفة الغربية عن طريق إعطاء سكانها جيوب منفصلة الأراضي دون منحهم حرية حقيقية أو حقوق سياسية أساسية، وهو ما يمثل هدف سياسة بانتوستان القديمة لحكومة جنوب إفريقيا.
كما تمثلت الخريطة المرفقة بخطة ترامب بمثابة تقليداً لنموذج البانتوستان، حيث تحيط بقايا الأراضي الفلسطينية بأرض خاضعة بالكامل للسيطرة الإسرائيلية، مما يجعل السيطرة الدائمة لمجموعة عرقية أو دينية على أخرى، مما يمثل انتهاكاً لمبادئ النظام الدولي، مما دفع ترامب للاعتقاد أنه يمكن أن يتجاهل القانون الدولي ويضفي الشرعية على نموذج جديد للفصل العنصري في القرن الحادي والعشرين، وهو ما يجب أن يواجهه إجابة ورفض واضح.
دور المجتمع الدولي في مواجهة الخطة الأمريكية وسلسلة الامتيازات الإسرائيلية
أضافت الصحيفة أن خطة ترامب لم تهدف فقط تسليم إسرائيل قرابة ثلث الضفة الغربية، ولكنه سعي نحو أن يحظى نتنياهو بطريق غير مباشر بقبول دولي على غرار اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان وانتقال سفارتها إلى القدس، ويواصل ترامب الإشارة إلى أنه يستطيع حذف واسقاط سياسات المجتمع الدولي. وهي ما يعد بمثابة خبر سئ لملايين الفلسطينيين.
وعلى مر السنين، أثبتت الأمم المتحدة أن تقسيم الأرض بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط إلى دولتين مستقلتين هو الحل الوحيد والمستدام. ويستند هذا الحل إلى الاعتقاد بأن الـ 14 مليون شخصاً الذين يعيشون حاليًا على تلك الأرض لهم الحق في الاستقلال والحصول على المساواة والكرامة وأن أفضل طريقة لضمان هذه النتيجة هي إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، الموجود الآن لأكثر من نصف قرن، والتقسيم على أساس الحدود ما قبل عام 1967. فمنذ ثلاث سنوات فقط ، تبنى مجلس الأمن الدولي القرار رقم (2334)، مؤكدًا أن المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة غير قانونية ولن يتم الاعتراف بأي تغييرات من جانب واحد على حدود ما قبل عام 1967.
وقد أعرب الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية مرارًا وتكرارًا عن دعمهما لهذا القرار الدولي والتزامهما بها، وهو ما فعلته الإدارات الأمريكية السابقة بقيادة الجمهوريين والديمقراطيين، إلا أن إلتزام المجتمع الدولي المعلن بحل الدولتين لم يظهر بشكل واضح حتى الآن، وهو الأمر الذي دفع نتنياهو وترامب إلى استنتاج أن المجال فاض أمام رؤيته؛ مما يتطلب رداً واضحاً من القادة الإقليميين والغرب والمؤسسات الدولية الكبرى ضد إعلان نتنياهو الأخير عن خطط ضم الأراضي في غضون بضعة أشهر.
وأضافت الصحيفة أنه لا ينبغي لأحد أن يعطي موافقة ضمنية حتى على هذا الشكل الجديد من الفصل العنصري والإيديولوجية التي تقوم عليه، وإن القيام بذلك لن يخون فقط إرث وفعالية المقاومة الدولية للفصل العنصري في جنوب إفريقيا بل وأيضًا مصير ملايين الأشخاص الذين يعيشون في إسرائيل والحق الفلسطيني في الاستقلال.
وفي النهاية ، أنه كما سقطت دول البانتوستانات وما يحيط بها من نظام الفصل العنصري بفضل النظام الدولي وعدم الاعتراف بها، واتخاذ سياسات الضغط والمقاطعة، فيجب أن تقوم به الدول أمام خطة السلام الأمريكية.
باحثة بالمرصد المصري