الصحافة الدولية

لقاء ميركل وأردوغان ..تهديد جديد بنشر الفوضى

إشارات وتلويح تركي نحو زيادة الضغط والتهديدات بنشر “الفوضى” في البحر المتوسط، في حال عدم الوصول إلى حالة التهدئة في ليبيا، مع استمرار إعلانه بدعمه الواضح لحكومة السراج، فلم يبرح اردوغان بالتلويح بملف المهاجرين، وفتح الحدود على الدول الأوروبية، حتى يلقى الدعم المطلوب من الاتحاد الأوروبي لتنفيذ طموحاته في البحر المتوسط، جاء ذلك خلال لقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، الذي جاء بعد أيام من انعقاد مؤتمر برلين حول ليبيا.

لم يقتصر اللقاء على تنفيذ التهدئة في ليبيا، بل امتد لمناقشة أهم القضايا الخلافية بين تركيا والاتحاد الأوروبي والمتمثلة في ثلاثة محاور وهي الانضمام للاتحاد الأوروبي، والعلاقات القبرصية والدعم الأوروبي للاجئين في تركيا، في محاولة لتقويض أطر الفوضى التي يلوح بها دائما أردوغان في وجه الإتحاد الأوروبي، والتي يزيدها بالضغط على أكثر الملفات ضغطاً على الاتحاد الأوروبي وهم المهاجرون غير الشرعيين واللاحئين، فبعد أن كانت مقتصرة على اللاجئين من سورياـ أصبح انتشار المرتزقة ذو الدعم التركي، ونقل الميلشيات المسلحة من أجل محاولة استعادة الوضع في يد السراج في طرابلس بعد سيطرة الجيش الوطني الليبي عليها بقيادة خليفة حفتر، وذلك من أجل زيادة عنصر التهديد نحو فتح ملف المهاجرين عبر البحر المتوسط أمام الاتحاد الأوروبي إذا لم تدعم رغباته الطامعة في البترول الليبي، وحلم السيطرة من جديد.

ميركل وأردوغان وأزمة اللاجئين

تناول لقاء المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس التركي رجب طيب أردوغان المنعقد مؤخراً في مدينة إسطنبول، استجابة لدعوة أردوغان، في إطار تولي ألمانيا رئاسة دورة الاتحاد اعتبارا من يوليو المقبل ولمدة 6 أشهر، وإلى جانب مناقشة العلاقات الثنائية بين البلدين، وإشارة ميركل إلى ضرورة حفاظ تركيا على حرية البحث العلمي، في إشارة إلى الانتهاكات التي تجريها حكومة أردوغان ضد أساتذة الجامعات والبحث العلمي عقب الانقلاب الفاشل، كما وصفه موقع “دويتش فيليه” الألماني.

تبادل الطرفان وجهات النظر حول عدد من القضايا الإقليمية والدولية وفي مقدمتهما ليبيا وسوريا، واشارت ميركل لدور تركيا في استقبال اللاجئين على مدى تاريخها، وخاصة فيما يخص استقبال تركيا لملايين اللاجئين السوريين، هذا في الوقت الذي أعلنت فيه ميركل عن تقديم الاتحاد الأوروبي دعماًجديداً لتركيا باستثناء حزمة الستة مليارات يورو المتفق عليها سابقًا، مشيرة إلى إمكانية عقد اجتماع جديد حول سوريا، بين زعماء تركيا وألمانيا وروسيا وفرنسا خلال الربع الأول من هذا العام.

وعلى النقيض لم يتبع الاتحاد الأوروبي سياسة التعامل بالمثل في تعامل الأردن على سبيل المثال، أعرب الملك عبد الله الثاني، ملك الأردن خلال لقائه مع الإعلامي مارك بيرلمان، والذي أذاعته قناة فرانس 24، أن الاتحاد الأوروبي يقدم الدعم المادي لتركيا لإبقاء اللاجئين في تركيا، عكس الأردن التي لا تهدد بالدفع بهم تجاه أوروبا، بالرغم من وجود نحو 1.3 مليون سوري في الأردن أي نحو 20 % من السكان في الأردن؛ مما يعد انهاكاً للاقتصاد الأردني للإلتزام بقضية اللاجئين، التي تلقى الدعم الأقل عكس ما يصل إلى تركيا.

وهي الورقة التي تقوم تركيا باستخدامها مراراً للحصول على الدعم الأوروبي، على الرغم من أن نسبة تواجد اللاجئين السوريين في تركيا، طبقاً لتصريحات ياسين أقطاي مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في إحدى مقابلاته الإعلامية أن يوجد نحو أربعة ملايين ونصف لاجئ، أي نحو 10% ممن يعيشون في تركيا؛ فيما نشرت إدارة الهجرة والجوازات التركية في يناير 2019 بأنهم نحو 3,663 ألف مهاجر أي 4,6% من إجمالي الشعب التركي، واتبعت تركيا سياسة التضييق عقب سياسة الباب المفتوح التي اتبعتها تركيا منذ عام 2011، في نظرة ضيقة من أن النظام السوري سيسقط سريعاً، فغيرت تركيا من سياستها، والتي وصفتها ميركل بأنه تعامل جيد؛ إلا أن الواقع يشير إلى بداية غلق الحدود أمام استقبال السوريين، إلى جانب تصدير العديد من الازمات التي يعاني منها السوريين في تركيا، وإشارة العديد من التقارير الصحفية إلى قيام السلطات التركية بإغلاق العديد من مخيمات اللاجئين، واتباع سياسات الضغط من أجل العودة تحت شعار “العودة إلى أرض الوطن” طواعيةً أو ترغمهم على التوقيع على أوراق يقرون فيها أن عودتهم “طوعية”.

أردوغان وسلسلة التهديدات للأوروبين من سوريا إلى ليبيا:

 يبدو أن تركيا مازالت تستخدم ورقة اللاجئين لاستنزاف الموارد الأوروبية، والتأييد في بعض قضاياها، فقد هدد الرئيس التركي، وحكومته بالتصريح نحو فتح الحدود في حال عدم الحصول على التمويل الأوروبي، فنشر موقع “دويتش فيليه” في أكتوبر الماضي، عن تهديدات أردوغان بفتح الأبواب أمام اللاجئين نحو أوروبا، والتي قابلها أيضاً وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر بكلمات شكر حول التضامن التركي مع مشكلة الهجرة خلال زيارته إلى أنقرة، ويبدو أنها السياسة التي يتبعها الألمان لوقف التهديدات التركية،

ونفذ أردوغان تهديده جزئيا وفقا لتصريحات السلطات اليونانية فقد وصل نحو 50 ألف شخص بطرق غير شرعية عبر الحدود التركية إلى اليونان العام الماضي، وهو ما لم تشهده اليونان منذ دخول اتفاقية الاتحاد الأوروبي وتركيا حيز التنفيذ عام 2016.

سبق ذلك تصريحات أردوغان حول ضرورة “تقاسم أعباء” اللاجئين “غير العادل”، وقال أردوغان إن تركيا أنفقت أكثر من 40 مليار دولار على اللاجئين وانتقد الاتحاد الأوروبي لعدم تنفيذ وعوده، وهى واحدة من التصريحات التي عادة ما يصف بها الإتحاد الأوروبي بعدم الالتزام بوعوده في قضية اللاجئين.

 فقد لوَح أردوغان مراراً بالقضية، وانتقل الوضع من قضية إنسانية، بالرغم من تبنيه “سياسة لباب المفتوح” أمام اللاجئين، إلى “ورقة ضغط سياسي”، ويحاول أن يلعبها الآن في القضية الليبية، ولكن الآن من أجل تأكيد تدخله في ليبيا وليس الدعم الماضي.

ففي لقاء أردوغان الأخير والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في اسطنبول، صرح بما وصفه “انتشار حالة الفوضى” في حال لم يتم تحقيق التهدئة في ليبيا، والتي من شأنها أن تؤثر على دول حوض البحر المتوسط بأكمله، مؤكداً على دعمه لحكومة السراج، والتي على إثرنها نقل ألاف المرتزقة السوريين إلى ليبيا.

وبدورها ناشدت ميركل نحو ضرورة بذل مزيد من الجهود نحو ترسيخ اتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا، الذي وصفته بـ “الهش”، مشيرة إلى أن الصراع في ليبيا تراجع منذ مؤتمر برلين، وأعربت عن أهمية انعقاد اللجنة العسكرية المشتركة قريبًا، مضيفة أنه سيتم المصادقة على المواد المعتمدة خلال مؤتمر برلين حول ليبيا في مجلس الأمن الدولي.

وسبق ذلك تصريحات وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو حول تهديد استقرار المنطقة في حال عدم الالتزام بوقف اطلاق النار، ويأتي هذا في الوقت الذي أشار إلى وجود استشاريين عسكريين لتنفيذ التدريب في ليبيا بجانب السراج، وأوضح أوغلو أن رئيس حكومة الوفاق فائز السراج، وافق على البيان الختامي لمؤتمر برلين، وعلى البند الإضافي الذي ينص على امتناع جميع الأطراف المعنية عن إرسال قوات إلى ليبيا إذا استمر وقف إطلاق النار.

يبدو أن الجانب التركي أخذ راية الحديث عن موقف حكومة الوفاق من القضية الليبية، وذلك في محاولة للظهور في الصورة مرة أخرى، من خلال محاولة تقويض الاتحاد الأوروبي من خلال حدوده البرية مع اليونان، والتهديد بفتح باب اللجوء غير الشرعي ودعم الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، أو من خلال الوجود في البحر المتوسط من خلال اتفاقيته مع السراج الأمنية التي شرعن بها لنفسه التواجد في ليبيا البعيدة جغرافيا عن تركيا، والتلويح الدائم بنشر الفوضى في إشارة ضمنية لضرورة تحقيق مطالبه، وإلا سيتم فتح الحدود البحرية، مما يجعل الخيار أمام الأوروبين نحو تقديم مزيد من الدعم لتقويض التواجد العسكري التركي في ليبيا، ووقف نقل المليشيات والمرتزقة المسلحة إلى ليبيا، ومساعدة الجهود الرامية إلى ذلك والمتمثلة في الممثل الشرعي المنتخب من الشعب الليبي وهو البرلمان، والجيش الوطني الليبي بقيادة اللواء خليفة حفتر.

+ posts

باحثة بالمرصد المصري

رحمة حسن

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى