الصحافة الدولية

تأثير التوترات الأمريكية الإيرانية على أسعار الذهب والنفط

ارتفعت الأسبوع الماضي وتيرة التوترات بين الولايات المُتحدة وإيران في العراق، على خلفية استهداف الولايات المُتحدة كُلًا من “قاسم سُليماني” قائد فيلق القدس –زراع العمليات الخارجية في الحرس الثوري الإيراني-، و”مهدي المُهندس” نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي ضمن عدد أخر من قادة الحشد، بطائرات مُسيرة أسفرت عن مقتلهم، مع تهديد إيران بأن أي استهداف للقوات الأمريكية سيؤدي إلى قيام الولايات المُتحدة لضرب عدد كبير من الأهداف الإيرانية، لكن إيران لم تستجب لتلك التهديدات وردت انتقامًا لـ”سليماني” بإطلاق عدد من الصواريخ البلاستكية –اختلفت تقدير عددها- على قاعدتي “عين الأسد” و”حرير” التي تشغلهما الولايات المُتحدة دون أن تُسفر تلك الصواريخ عن أية إصابات بين الأمريكيين أو العراقيين، على إثر هذه التوترات تحركت بسرعة شديدة أسعار الذهب والنفط، في ظل التوقعات بارتفاع التوترات في منطقة الشرق الأوسط بشكلٍ كُلي. من هنا يهدف هذا المقال إلى تتبع حركة أسعار هذه السلع الأساسية في الأسواق العالمية، لتقديم صورة سريعة عن انعكاسات التوترات السياسية على الاقتصاد العالمي.

أولًا – أسعار الذهب

يُعتبر الذهب مخازن القيمة في العالم وأحد أهم طُرق الاستثمار الآمن، وذلك لسببين أساسين أساسي وهو قبوله الكبير في التعامل سواء بين الدول أو الأفراد، وثانيًا لاحتفاظه بالقيمة بشكل أفضل من العُملات، حيث يتأثر بشكل أقل بالتذبذبات السياسية والاقتصادية التي تضرب الاقتصاد العالمي، ولذلك يُتوقع ارتفاع أسعاره في ظل عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي العالمي بسبب زيادة الطلب عليه، وخاصة إذا كان ذلك التوتر من المتوقع أن يضرب الاقتصاد الأمريكي، تنطبق القواعد السابقة على التوتر الذي حدث الأسبوع الماضي بين الولايات المُتحدة وإيران في الشرق الأوسط، كما يوضح الشكل التالي:

يُظهر الشكل استقرار أسعار الذهب عند مُستويات 1520 دولار للأونصة قبل بدء التوترات في 1 يناير، وعند اتخاذ التوتر شكل الصراع عقب اغتيال “سُليماني” بدأت أسعار الذهب في الارتفاع لتبلغ مُستوى 1550 دولار/ أونصة بحلول 3 يناير، ومع انتظار الرد الإيراني في ظل التهديدات الإيرانية، واصلت الأسعار الارتفاع لتغلق في السادس من يناير عند مُستوى 1560 دولار، وتستمر في السابع من يناير على ذات اتجاهها لتبلغ 1574 دولار/ أونصة، وتستمر على ذات الوضع في الثامن من يناير الذي ردت فيه إيران بإطلاق الصواريخ لتصل إلى مستوى 1600 دولار، لكنها تتجه إلى الانخفاض في ذات اليوم لتبلغ عند الإغلاق مُستوى 1560 دولار، بسبب عدم جدية الرد الإيراني، وتطمينات الرئيس الأمريكي للمُجتمع الدولي بعدم وجود إصابات، وبعد مُخاطبة الرئيس الأمريكي للعالم في مساء الثامن من يناير، أدرك المُستثمرين أن هناك اتجاهًا للتهدئة في الشرق الأوسط مما خفف الطلب على الذهب الأمر الذي أدى إلى اتجاه الأسعار للانخفاض لتبلغ بحلول العاشر من يناير 1555 دولار للأونصة، وفي حال استمر الأوضاع على حالها ستتجه أسعار الذهب إلى مزيد من الانخفاض لتصل إلى مستوياتها قبل التوتر.

ثانيًا – أسعار النفط

يُشكل النفط المصدر الأساسي للطاقة في العالم، حيث استهلاك العالم منه ما يقرب من 4.6 مليار طُن في 2018 بما نسبته 33% من إجمالي مصادر الطاقة في العالم، ويُنتج جزء مُعتبر من هذا النفط على جانبي الخليج العربي بشكل عام، مما يعني أن صراعًا في هذا الخليج يُهدد بشكل كبير إمدادات النفط إلى العالم، عبر تهديده أولًا مناطق الإنتاج في دول الخليج والعراق وإيران بالإضافة إلى تهديد ممراته عبر الخليج وبشكل خاص عبر مضيق هُرمز، لذلك فإنه مع بدء التوتر في المنطقة ارتفاع الطلب على النفط بشكل كبير خوفًا من تأثر الإمدادات كما يوضح الشكل التالي:

يُظهر الشكل استقرار أسعار خام برنت عند مُستويات 66 دولار/برميل قبل بدء التوترات في 2 يناير، وعقب اغتيال “سُليماني” بدأت الأسعار في الارتفاع لتبلغ مُستوى 68.6 دولار/برميل بحلول 3 يناير، ومع انتظار الرد الإيراني في ظل التهديدات الإيرانية، واصلت الأسعار الارتفاع لتغلق في السادس من يناير عند مُستوى 68.9 دولار، وتنخفض جُزئيًا في السابع من يناير في انتظار الرد الإيراني لتبلغ 68.2 دولار للبرميل، وفي بداية الثامن من ارتفعت الأسعار لتبلغ أعلى مستوى لها في ثلاثة أشهر عند 71.75 دولار للبرميل، لكنها ما لبثت أن اتجهت إلى الانخفاض في ذات اليوم لتبلغ عند الإغلاق مُستوى 65.44 دولار/ للبرميل، بعد الرد الإيراني وتطمينات الرئيس الأمريكي، وهو ما أدى إلى مزيد من الانخفاض على أسعار النفط لتبلغ في التاسع من يناير 65.37 دولار، وتواصل الانخفاض لأدنى من مستوياتها في 2 إلى 65 دولار/برميل، بسبب الهدوء المُتوقع في الشرق الأوسط، وما أعلنته عنه وكالة إدارة معلومات الطاقة الأمريكية من تخمة في المخزون لدى الولايات المُتحدة، مما سيُسفر عن طلب قليل في المُستقبل القريب وهو ما سيؤدي إلى مزيد من الانخفاضات تحت مستوى 65 دولار خلال الشهر الجاري.

الخلاصة إذًا أن أسعار الذهب تتأثر لحظيًا بالتوترات السياسية والأمنية في العالم وخاصة في الولايات المُتحدة أهم مصدر وسوق للاستثمار في العالم، وكذلك تتأثر أسعار النفط بما يجري من توترات في الشرق الأوسط بشدة، كثيرًا ما أسفرت التوترات السياسية في الإقليم عما يُعرف بصدمات النفط التي ضربت الاقتصاد العالمي بشدة في الماضي.  

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى