أفريقيا

مكاسب مُتبادلة: انضمام الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين

في خطوة طال انتظارها للعديد من الدول الأفريقية بشأن الانضمام إلى مجموعة العشرين (G20)، أعلن رئيس الوزراء الهندي “ناريندرا مودي” السبت الموافق (9 سبتمبر 2023)، خلال افتتاحه القمة رقم (18) للمجموعة في نيودلهي، -تحت شعار” أرض واحدة، عائلة واحدة، مستقبل واحد”-، انضمام الاتحاد الأفريقي رسميًا للمجموعة، في ظل أهمية القارة الأفريقية المتصاعدة لإعادة تشكّيل التحالفات الدولية في السياق الدولي المتغير والتحديات العالمية المشتركة مثل: قضايا الأمن الغذائي، والتغير المناخي، والإرهاب، والهجرة، وأمن الطاقة، وغيرها.

من هذا المنطلق، سيتم توضيح الدلالات والمكاسب المُتبادلة لانضمام الاتحاد الأفريقي لمجموعة العشرين التي ستصبح مكونة من 19 دولة + الاتحاد الأوروبي+ الاتحاد الأفريقي، وستُعرف اختصارًا باسم مجموعة (G21)، وما سيترتب على ذلك من التحوّلات الكبرى في النظام العالمي الجديد، وضرورة تمثيل الصوت الأفريقي في مؤسسات الحوكمة الدولية، بما في ذلك مجموعة العشرين، والطموحات الأفريقية بشأن إصلاح مجلس الأمن الدولي. 

دلالات محورية 

يُمثل انضمام الاتحاد الأفريقي رسميًا إلى مجموعة العشرين لحظة محورية في مشهد الحوكمة الدولية وإعادة تشكّيل السياسات العالمية، وتعزيز مُشاركة أفريقيا في عمليات صنع القرار بشأن القضايا العالمية، حيث تم اعتماد قرار الانضمام في فبراير 2023 خلال قمة الاتحاد الأفريقي، برئاسة “ماكي سال”، رئيس السنغال ورئيس الاتحاد الأفريقي آنذاك، وقد سبق ذلك محاولات أفريقية عديدة للانضمام، باعتبار الاتحاد الأفريقي مُمثلًا للاهتمامات الأفريقية الجماعية. وفي الآونة الأخيرة، دعا العديد من القوى العالمية أيضًا إلى انضمام الاتحاد الأفريقي للمجموعة. ضمن هذا السياق، سيتم توضيح دلالات الانضمام كما يلي: 

• تصاعد مكانة أفريقيا في مُقاربات القوى الكبرى: أيدّ العديد من القوى الدولية عضوية الاتحاد الأفريقي في مجموعة العشرين لأسباب جيوسياسية ودبلوماسية؛ فالولايات المتحدة مهتمة بمُواجهة نفوذ الصين المتزايد في أفريقيا، وتحرص الهند على ضم الاتحاد الأفريقي إلى المجموعة أثناء رئاستها لإثبات دورها كمدافع عن دول الجنوب العالمي. في حين تعمل الصين أيضًا لإظهار دورها كمؤيد لدول الجنوب العالمي، وخاصة بالنسبة لأفريقيا، وقامت بالعديد من الاستثمارات في البنية التحتية والتعدين في إطار “مبادرة الحزام والطريق”. فيما عززت روسيا جهودها لكسب دعم الدول الأفريقية لدورها المتزايد مع معارضة الدول الغربية لروسيا منذ الحرب الأوكرانية.

• التأكيد على دور الهند المتنامي في أفريقيا: منذ تولي “مودي” رئاسة مجموعة العشرين، حرص على تعزيز دور الهند كمُدافع عن مصالح دول الجنوب العالمي ومنها أفريقيا، وما ظهر جليًا في عقد الهند قمة “صوت الجنوب العالمي” في يناير 2023. وتمنح هذه الجهود الهند نفوذًا دبلوماسيًا هائلًا في أفريقيا، مع تخطيط الهند للمشاركة بنشاط مع أفريقيا في مسائل التخفيف من آثار التغير المناخي والتجارة والتكنولوجيا وتطوير البنية التحتية. وتأتى دوافع اهتمام الهند بأفريقيا من ضرورة تأمين مصالحها الحيوية في القارة، حيث يعد الساحل الشرقي لأفريقيا الذي يمتد على غرب المحيط الهندي ذا أهمية كبيرة للبعد الأمني والمصالح الاقتصادية، وطموحات الهند البحرية. لذلك، أقامت روابط بحرية وثيقة مع دول مثل مدغشقر وكينيا وموريشيوس.

• تعزيز قدرة أفريقيا على الانخراط في حل القضايا العالمية (التغير المناخي وأمن الطاقة): ستمكّن العضوية الاتحاد الأفريقي من مُعالجة قضية التغير المناخي والتخطيط بشكل كبير لتنفيذ خطط الانتقال العادل للطاقة، وزيادة الاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة، من أجل الوصول إلى صافي صفر من انبعاثات الكربون، وجعل القارة الأفريقية خضراء مستدامة، وتمكين وزراء الطاقة وصناع السياسات في أفريقيا من التوصل إلى سياسات شاملة مُتعلقة بالاستدامة البيئية للتغلب على ظاهرة الاحتباس الحراري التي تحوّلت إلى ظاهرة الغليان العالمي في ظل تزايد تداعيات التغير المناخي المتسارعة في وقت زمني قصير جدًا، ليُزيد من تحديات الانهيار المناخي الذي أصبح التكيف مع آثاره بالغ الصعوبة، مع نقص التمويل المناخي، وتعرض أفريقيا بشكل أكبر لتداعياته الكارثية.

في هذا الصدد، تحتاج أفريقيا إلى خطة انتقالية قابلة للتطبيق في مجال الطاقة، وستساعد مجموعة العشرين في حصولها على الدعم العالمي من شركاء المناخ الدوليين، وضرورة عقد شراكات بين معاهد أبحاث سياسات الطاقة في أفريقيا وأوروبا لإدارة إزالة الكربون في الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة والكهرباء والنقل في أفريقيا. بالإضافة إلى مساهمات المؤسسات المالية الدولية بالتعاون مع أعضاء مجموعة العشرين لتحوّيل تمويل طاقة الوقود الأحفوري إلى دعم المصادر المتجددة للطاقة الشمسية وطاقة الرياح في أفريقيا. 

فوائد مُتبادلة 

يعد انضمام الاتحاد الأفريقي لمجموعة العشرين بمثابة فائدة مزدوجة للجانبين، في ظل تشابك تأثيرات القضايا الاقتصادية العالمية، وتحديدًا على الدول الأكثر فقرًا في أفريقيا، مع اتساع المفارقة الأفريقية في ظل امتلاك الدول الأفريقية العديد من الموارد المعدنية والبشرية، فمن المتوقع أن يتضاعف عدد سكانها الشباب البالغ 1.3 مليار نسمة بحلول عام 2050، لتشكيل ربع سكان العالم، وتضم أكبر منطقة للتجارة الحرة في العالم. في حين تعد مجموعة العشرين المنصة الرئيسية متعددة الأطراف للتعاون الاقتصادي والمالي العالمي، ويمكن توضيح المكاسب المُتبادلة على النحو التالي: 

• استفادة مجموعة العشرين من موارد القارة الأفريقية: تعد إمكانيات وموارد القارة الأفريقية نقطة حاسمة للمجموعة؛ إذ تمتلك الدول الأفريقية موارد رئيسة لتعزيز الاقتصاد العالمي، وتشمل موارد الطاقة والمواد الخام الحيوية المستخدمة لتصنيع السلع التكنولوجية المتنوعة (الهواتف الذكية، وبطاريات السيارات الكهربائية، والأقمار الصناعية). فضلًا عن الموارد الوفيرة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وبشكلٍ خاصٍ في جنوب أفريقيا والمغرب الرائدتين في مجال الطاقة المستدامة. 

وتمتلك أفريقيا كذلك المواد الأساسية اللازمة لتكنولوجيا الطاقة المستدامة والتحوّل الأخضر مثل: الكوبالت، والمنجنيز، والبلاتين، وتجعل هذه العوامل من أفريقيا لاعبًا حاسمًا في تحقيق أهداف مجموعة العشرين، مع امتلاك القارة 60% من أصول الطاقة المتجددة على مستوى العالم وأكثر من 30% من المعادن الأساسية للتكنولوجيات المتجددة والمنخفضة الكربون، وتستحوذ جمهورية الكونغو الديمقراطية وحدها ما يقرب من نصف الكوبالت في العالم. 

• تعزيز بنية الاقتصاد العالمي والتحوّل الرقمي: يلعب الاتحاد الأفريقي دورًا كبيرًا في هيكل التجارة العالمية مقارنةً بالسنوات السابقة منذ قيام منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (AfCFTA) التي دمجت اقتصادات القارة في سوق واحدة منذ يناير 2021، ويُصنف الاتحاد الأفريقي على أنه ثامن أكبر كتلة اقتصادية في العالم. على هذا النحو، فإن إدراجه في مجموعة العشرين أمر بالغ الأهمية لتعزيز الحلول الهيكلية التي تعود بالنفع على القارة بأكملها. 

ومن ناحيةٍ أخري، تستفيد مجموعة العشرين من خلال المقومات الأفريقية بشأن بنود جدول أعمال المجموعة الرئيسة مثل المدفوعات الرقمية، حيث تعد دولة كينيا أول من بدأ بنظام المدفوعات المحلية الرقمية من خلال مخطط (M-Pesa) المتقدم، والتي توسعّت لتشمل دولًا مثل جنوب أفريقيا، ومصر، وغانا، وتنزانيا، وموزمبيق، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وليسوتو. 

ارتباطًا بالسابق، حضر الاتحاد الأفريقي لأول مرة قمة مجموعة العشرين في تورونتو بكندا في يونيو 2010. ومنذ ذلك الحين، تتم دعوة الاتحاد وبرنامجه للتنمية الاقتصادية، المعروف باسم الشراكة الجديدة من أجل تنمية أفريقيا (النيباد)، بانتظام لحضور مؤتمرات قمة مجموعة العشرين. وأولت قمم مجموعة العشرين المزيد من الاهتمام بشكل متزايد للقضايا الأفريقية. 

وخلال رئاسة الصين لمجموعة العشرين عام 2016، ركزت على دعم الإنتاج في أفريقيا. وفي عام 2017، اقترحت ألمانيا، التي ترأست مجموعة العشرين، مُبادرة “الاتفاق مع أفريقيا” وعرضتها في منصة رؤى مجموعة العشرين بعد اختتام القمة في هامبورج. وكانت فكرتها ربط رؤية الاتحاد الأفريقي لعام 2063 مع استراتيجية الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030، بالإضافة إلى زيادة التعاون وتعزيز الشراكة بين مؤسسات الفكر والرأي التابعة للاتحاد الأفريقي ومجموعة العشرين، وتحفيز الاستثمارات الأجنبية في أفريقيا.

• توحيد الصوت الأفريقي بشأن أجندة واضحة لإصلاح البنية المالية العالمية: في ضوء تسارع الأزمات المُتشابكة بما في ذلك، التغير المناخي، وانعدام الأمن الغذائي والطاقة، وحالات الطوارئ المتعلقة بالصحة العامة، وتفاقم الصراعات الداخلية، مع نقص التمويل، حيث لا يغطي النظام المالي الدولي سوى حصة صغيرة من احتياجات التنمية المستدامة في أفريقيا، والتي تُقدر بنحو 1.3 تريليون دولار سنويًا حتى عام 2030.

ومن عام 2016 إلى عام 2019، تلقت القارة 3% فقط من تدفقات تمويل المناخ العالمي. وتبلغ هذه التدفقات إلى أفريقيا 30 مليار دولار سنويًا، وهو أقل بكثير من 2.7 تريليون دولار المطلوبة بحلول عام 2030 لتنفيذ المساهمات المحددة وطنيًا بموجب اتفاق باريس للمناخ. لذا، ستُسهل عضوية الاتحاد الأفريقي في مجموعة العشرين من الحصول على قروض ميسرة أو منخفضة الفائدة والمساعدة في إلغاء ديون الدول الأفريقية الفقيرة.

• المساهمة في تشكّيل أجندة تنمية عالمية متوافقة مع الأجندة القارية (2063): تسعى الدول الأفريقية من أجل تعبئة وحشد التمويل الخارجي للتكيف مع التغير المناخي، والانتقال العادل للطاقة، وتطوير البنية التحتية، والاستفادة أيضًا من تعزيز العلاقات مع الشركاء التقليديين، وعلاقاتها الاقتصادية المتنامية مع مجموعة البريكس لزيادة تدفقات تمويل التنمية. ضمن هذا الإطار، قد أولت مجموعة العشرين اهتمامًا متزايدًا للشواغل الأفريقية والقضايا العالمية ذات الصلة بأفريقيا. وفي الآونة الأخيرة، سعت إلى مساعدة الدول المنخفضة الدخل والمثقلة بالديون في جميع أنحاء العالم، وشملت الدول الأفريقية من خلال تغطية لقاح كوفيد-19، ومُبادرة تعليق خدمة الديون والإطار المشترك لمعالجة الديون.

حاصل ما تقدم، يُمثل انضمام الاتحاد الأفريقي لمجموعة العشرين نقطة تحوّل في مسار القارة الأفريقية في إعادة تشكّيل السياسات العالمية، في ظل الثقل الاقتصادي والديموغرافي لأفريقيا، وأهمية مشاركتها في ابتكار نظام مالي عالمي أكثر عدلًا وشموليًا، وإيجاد حلول متعددة الأطراف للتحديات العالمية المُلحّة، وتعزيز مكانة أفريقيا في السياسة العالمية، وإيجاد حلول شاملة للتنمية العالمية المستدامة، وتعزيز مبادئ الحوكمة العالمية الرشيدة.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى