
زيارة الرئيس المصري لجيبوتي: أهمية الزيارة وأهدافها
تحرص القيادة المصرية على استمرار التواصل والتنسيق مع دول القرن الأفريقي، وهو ما أتضح جليًا في الزيارة الرسمية رفيعة المستوى التي قام بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لجيبوتي في الثالث والعشرين من أبريل 2025، وإبرام مباحثات مع الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيله. وقد تم مناقشة جملة من الملفات المُتعلقة بتعزيز العلاقات الثنائية، وتطورات الأوضاع الإقليمية في البحر الأحمر والقرن الأفريقي.
آفاق التعاون الثنائي
تُعد زيارة الرئيس المصري لجيبوتي مهمة في إطار الرغبة المُشتركة في الارتقاء بالشراكة بين البلدين إلى مستوى من التعاون الاستراتيجي الشامل، وهو ما يمكن استعراضه على النحو التالي:
- العلاقات السياسية: ترتبط مصر وجيبوتي بعلاقات قوية على الصعيد السياسي، وهو ما يتضح من خلال الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لجيبوتي في مايو 2021، وكذلك الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيله لمصر في فبراير 2022. وفى أبريل، التقى الرئيسان في جيبوتي لمناقشة العلاقات الثنائية والقضايا المشتركة. تعكس هذه الزيارات الرسمية رفيعة المستوى عن الرغبة المستمرة في التنسيق المستمر لتعزيز العلاقات الثنائية، والتشاور في القضايا محل الاهتمام المشترك. كما هناك حرص على التنسيق بين البلدين على صعيد المنظمات الإقليمية والدولية، فقد قام الرئيس السيسي بتهنئة جيبوتي بفوز وزير خارجيتها السابق محمود علي يوسف بمنصب رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي. علاوة على ذلك، هناك دعم جيبوتي لمرشح مصر وجامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي الدكتور خالد العناني لمنصب مدير عام منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونسكو” خلال الانتخابات المقرر عقدها في أكتوبر ٢٠٢٥.
- التعاون الاقتصادي واللوجستي: هناك اتفاق بين البلدين لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية، وحرص على العمل لزيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين. وفى سبيل ذلك، تم تأسيسمجلس الأعمال المصري الجيبوتي، كما تم الاتفاق على تخصيص ١٥٠ ألف متر مربع في المنطقة الحرة بجيبوتي لتستخدمها الشركات المصرية كمركز لوجستي لتدعيم التبادل التجاري بين السوق المصري والسوق الجيبوتي. علاوة على ذلك، تم التوافق على أهمية الاستفادة من الاتفاقيات التجارية التي تجمع البلدين؛ مثل الكوميسا واتفاقية التجارة الحرة القارية. كما نجد أن هناك تعاون في مجال البنية التحتية، لاسيما في قطاع الكهرباء والطاقة الجديدة والمتجددة. ونجد أن هناك تنسيق بين وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة المصرية ووزارة الطاقة والموارد الطبيعية الجيبوتية، وهو ما يمكن توضيحه من خلال اللقاءات التي تمت بين الجانبيين. ففي أغسطس 2024، استقبل وزير الكهرباء والطاقة المتجددة المصري محمود عصمت نظيره من جيبوتي يونس علي القيدي وزير الطاقة والموارد الطبيعية لبحث سبل تعزيز التعاون بين البلدين في قطاعي الكهرباء والطاقة المتجددة. وقد أكد الوزير المصري على أن وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة المصرية مستعدة لتقديم الدعم الفني لجميع الدول الأفريقية وخاصة جيبوتي، وكذلك التأكيد على رؤية مصر لفتح أسواق جديدة للشركات المصرية في الخارج، كما تم تسليط الضوء على خبرة مصر في مجال الطاقة المتجددة وقدرتها على تقديم برامج تدريبية متخصصة لجيبوتي، كما أكد الوزير المصري على أن هناك استعداد لتوفير برامج تدريبية في مجالات مثل الهيدروجين الأخضر، وذلك على اعتبار بأنه أمر وثيق الصلة بشكل خاص باحتياجات جيبوتي.
- التعاون الأمني: تنشط حركة الشباب الإرهابية في الصومال، وتحاول هذه الحركة التمدد وتنفيذ هجمات إرهابية في الدول المجاورة. وفى هذا الصدد، نجد أن هناك تعاون بين مصر وجيبوتي في مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف. والجدير بالذكر أن، مصر تتبنى مقاربة شاملة لمحاربة الإرهاب لا تقتصر على الجانب الأمني فحسب، بل ترتكز على معالجة جذور الظاهرة، وتنشط مؤسسة الأزهر الشريف في هذا المجال، حيث يعمل الأزهر على نشر مبادى الإسلام الصحيحة، ودحض الأفكار المتطرفة.
- الدعم التنموي: تقدم مصر دعمًا للكوادر الطبية في جيبوتي، وهو ما يتضح مظاهره في إرسال قوافل طبية مصرية لجيبوتي للكشف عنضعاف السمع بين الأطفال والكبار، وتركيب وصلات شريانية لمرضى الغسيل الكلوي. كما أن هناك تعاون بين البلدين لتطوير المنشآت الرياضية في جيبوتي. كما تم توقيع خمس اتفاقيات ثنائية تغطي مجموعة من المجالات من التعليم العالي إلى الإعلام والاتصالات والشباب والرياضة.
أهم القضايا ذات الاهتمام المُشترك
ساهمت القمة المصرية الجيبوتية في تبادل الرؤى حيال عدد من الملفات الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، والتي يمكن تناولها، وذلك على النحو التالي:
- أمن البحر الأحمر: يُعد أمن البحر الأحمر مسالة هامة في ضوء التوترات التي تشهدها بعض دول المنطقة، فقد تم التوافق على التأكيد على مسئولية الدول المشاطئة عن صياغة كافة السياسات الخاصة بذلك الممر المائي، من منظور متكامل يأخذ في الاعتبار كافة الجوانب الأمنية والاقتصادية والتنموية. ويحقق أمن البحر الأحمر لمصر مصالح حيوي، حيث يتعلق الأمر بحركة الملاحة عبر قناة السويس. وهناك توافق بين البلدين لتعزيز الأمن والاستقرار وحماية التجارة وحركة الملاحة، والحيلولة دون سيطرة الجماعات الإرهابية على الممرات الملاحية وتهديد أمن الطاقة. والجدير بالذكر أن، هناك خطط لإنشاء منطقة لوجستية مصرية داخل جيبوتي لتعزيز التبادل التجاري بين البلدين.
- استقرار الدول المجاورة: نجد أن هناك تقارب في الرؤى لتحقيق الاستقرار الإقليمي في منطقة القرن الأفريقي وكذلك منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يمكن استعراضه، وذلك على النحو التالي:
- الصومال: تدعم مصر وجيبوتي استقرار الصومال، ووحدة أراضيه وسلامته الإقليمية، كما يدعم البلدان المؤسسات الأمنية في الصومال، وتعزيز قدراتها لمكافحة الإرهاب. وفى هذا الصدد، نجد أن مصر تقدم دعمًا للحكومة الصومالية، بما في ذلك نشر 5,000 جندي كجزء من بعثة الاتحاد الإفريقي للدعم والاستقرار.
- السودان: هناك تأكيد بين مصر وجيبوتي على رفض أي محاولة من شأنها أن تهدد وحدة السودان، وعدم الاعتراف بهياكل سياسية موازية للمؤسسات الرسمية السودانية. ويحاول البلدان بذل المساعي الدبلوماسية الحميدة لتوحيد الرؤى بين القوى السياسية السودانية، وهو ما يساهم في استقرار السودان.
- جنوب السودان: هناك توتر بين الرئيس سلفا كير ونائب الرئيس الأول السابق رياك مشار، مما أسفر عن مواجهات عسكرية مباشرة. وفى هذا الصدد، أعرب الرئيسان عن القلق من تدهور الأوضاع السياسية والأمنية في جنوب السودان، كما دعا الرئيسان جميع الأطراف المعنية لتفادي التصعيد، وحل الخلافات بالطرق السلمية والدبلوماسية، حفاظًا على أمن واستقرار جنوب السودان، والمنطقة.
- القضية الفلسطينية: جدد الرئيسان الالتزام المشترك بشأن القضية الفلسطينية، كما أشادت جيبوتي ب “قيادة مصر الشقيقة” ودعت إلى الوحدة لدعم حقوق الشعب الفلسطيني. كما أدان الرئيسان تجدد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بما يعد خرقًا صارخًا لاتفاق وقف إطلاق النار، وأدان الرئيسان القرارات الإسرائيلية المتعلقة بوقف إدخال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة وغلق المعابر المستخدمة في أعمال الإغاثة، وطالبا إسرائيل بالتوقف عن خرق اتفاق إطلاق النار، والعودة لمائدة المفاوضات للاتفاق على ترتيبات المرحلة الثانية، وضرورة السماح باستئناف دخول المساعدات الإنسانية. كما تم التأكيد على تحقيق السلام العادل والشامل على أساس حل الدولتين الذي يلبي حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، بما في ذلك حقه في الحرية وإقامة الدولة المستقلة ذات السيادة على حدود ٤ يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية.
مُجمل القول، تحمل زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لجيبوتي، أبعادًا استراتيجية مُهمة في ظل توقيت حرج تعيشه منطقة القرن الأفريقي. كما تعكس الزيارة رفيعة المستوى الرغبة المصرية في بناء شراكة دائمة مع جيبوتي، ترتكز على أساس الاحترام المتبادل والتضامن والتنسيق بشأن التحديات الإقليمية.
المصادر:
- البيان المشترك المصري الجيبوتي بمناسبة زيارة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى جيبوتي، الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية المصرية، 23 أبريل 2025، متاح على الرابط التالي: https://www.presidency.eg/ar/%D9%82%D8%B3%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1/%D8%A3%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1-%D8%B1%D8%A6%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9/news23042025-5/
- زيارة الرئيس السيسي إلى جيبوتي، الهيئة العامة للاستعلامات، 23 أبريل 2025، متاح على الرابط التالي: https://www.sis.gov.eg/Story/307385/%D8%B2%D9%8A%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A6%D9%8A%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%B3%D9%8A-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%AC%D9%8A%D8%A8%D9%88%D8%AA%D9%8A?lang=ar
- Egypt, Djibouti strengthen cooperation in energy sector, Daily News Egypt, 24August 2024, available at: https://www.dailynewsegypt.com/2024/08/24/egypt-djibouti-strengthen-cooperation-in-energy-sector.
- Les Présidents Guelleh et Sissi insufflent une dynamique nouvelle aux relations entre les deux nations, Agence Djiboutienne d’Information, 23 April 2025, available at: https://adi.dj/index.php/site/Plus/13010.
باحثة ببرنامج العلاقات الدولية