
تأتى زيارة الرئيس الإريتري ” أسياس أفورقي” إلى القاهرة اليوم السبت الموافق 24 فبراير 2024، في توقيت بالغ الدقة والتعقيد، في ظل مجموعة من التحوّلات الإقليمية والدولية في منطقة القرن الأفريقي، وتصاعد اضطرابات أمن إقليم البحر الأحمر وخليج عدن. بجانب استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. ضمن هذا السياق سيتم توضيح السياق العام للزيارة وأبرز دلالاتها، ومجالات التعاون والشراكة بين البلدين على النحو التالي:
أولاً- سياق مضطرب
يشهد إقليم البحر الأحمر وخليج عدن، توترات متصاعدة وعدم استقرار متزايد جراء هجمات جماعة الحوثيين الأخيرة، وتصاعد التوترات الإقليمية، وتفاقم انعدام الأمن في منطقة القرن الأفريقي وشرق أفريقيا. فضلاً عن التحديات القارية في قضايا السلم والأمن والتنمية، ويمكن توضيح ذلك تاليًا:
• تنامي مخاطر وتهديدات أمن البحر الأحمر: تشهد هذه المنطقة لحظة غير مسبوقة من انعدام الأمن، والتوترات المتصاعدة وعدم استقرار متزايد جراء هجمات الحوثيين الأخيرة على السفن البحرية، مما أفرز تهديدات أمنية لحركة الملاحة البحرية، والتجارة الدولية، وتعطيل سلاسل الإمداد والتوريد العالمية في هذا الممر البحري الحيوي، بجانب الارتدادات الخطرة على مصالح الدول المشاطئة والدول الإقليمية والدولية الأخرى، ويعتبر تأمين هذا الممر البحري في غرب المحيط الهندي مسؤولية عالمية، لتداعيات الاضطرابات المستمرة على المصالح الاستراتيجية الإقليمية والدولية، وقد أثرت هجمات الحوثيين المتمثلة في الضربات الصاروخية والهجمات بطائرات بدون طيار على العديد من السفن التجارية في البحر الأحمر، وتسببت هذه الهجمات في تغيير مسار العديد من شركات الشحن التجارية وتجنب هذه المنطقة، لصالح طرق أطول وأكثر تكلفةً ولكنها أكثر أمانًا نسبيًا حول القارة الأفريقية، مما زاد الوقت والتكلفة، وتباطؤ حركة التجارة الدولية.
• تفاقم انعدام الأمن في منطقة القرن الأفريقي: تُواصل حركة الشباب الإرهابية تنفيذ هجمات متفرقة في جميع أنحاء الصومال، بما في ذلك الأماكن العامة، حيث أدى هجومها الأخير في 10 فبراير 2024 داخل قاعدة “الجنرال جوردون” العسكرية في العاصمة مقديشو إلى مقتل أربعة جنود إماراتيين وضابط عسكري بحريني. ضمن هذا السياق، تعتبر حركة الشباب أكبر فروع تنظيم القاعدة وأكثرها فتكًا في العالم، ويُصنف مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2023 حركة الشباب كواحدة من أكثر الجماعات الإرهابية دموية في العالم. ولاتزال هذه الحركة تُسيطر على نصف أراضي الصومال، وخاصة ولايتي جوبالاند الجنوبية والجنوب الغربي. وقد مكّنت العملية التي شنتها الحكومة الصومالية في عام 2022، وهي عملية غير مسبوقة من حيث نطاقها، الحكومة في مقديشو من استعادة موطئ قدم في ولايتي غالمودوغ وهيرشبيلي بوسط البلاد، لكن هذه النجاحات العسكرية أدت إلى أعمال انتقامية دموية من قبل حركة الشباب. ويأتي ذلك، في الوقت تقوم فيه بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال (أتميس-ATMIS)، بتقليص وجودها من البلاد، ومن المقرر انسحابها بشكل نهائي في ديسمبر 2024. ويظل التحدي في ضمان الأمن في المناطق التي ستتركها هذه القوات. بالإضافة إلى ذلك، عودة نشاط القرصنة البحرية انطلاقًا من سواحل الصومال لتعود ظاهرة القرصنة بشكلها التقليدي كما حدث خلال أعوام 2009، 2010، ومخاوف هذا المشهد الأمني المضطرب على إنتاج مساحة لنشاط بحري ساحلي للتنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها الجماعات التابعة لتنظيمي القاعدة وداعش.
• تصاعد التوترات الإقليمية: أدى إعلان رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد” في الأول من يناير 2024 عن مذكرة تفاهم مع أرض الصومال إلى إحداث توترات في العلاقات بين الصومال وإثيوبيا جراء ذلك، ويعتبر ميناء بربرة الممر البحري البديل لإثيوبيا، ويعتبر موقع هذا الميناء استراتيجي على خليج عدن، وهذه المنطقة خالية من مشاكل القرصنة وتُغطي أيضًا مدخل باب المندب، وهو ممر يستخدم ثلث التجارة العالمية، حيث يمنح الاتفاق إثيوبيا حق الوصول إلى 20 كيلومترًا (12 ميلا) من الساحل، بما في ذلك ميناء بربرة من خلال عقد إيجار مدته 50 عامًا، ووفقًا لمستشار الأمن القومي لآبي أحمد، “رضوان حسين”، فإن الاتفاق لا يتضمن وصول إثيوبيا التجاري إلى البحر فحسب، بل تضمن أيضًا قاعدة عسكرية مستأجرة. وفي المقابل، تعترف أديس أبابا بأرض الصومال، وحصول الأخيرة على حصة في الخطوط الجوية الإثيوبية “شركة إثيو تيليكوم”، وكذلك تطوير البنية التحتية بين القاعدة والميناء وإجراء مزيد من المناقشات حول مجالات التعليم والصحة والتعاون العسكري بين البلدين. ضمن هذا الإطار، تعتبر هذه المذكرة انتهاكًا لسيادة ووحدة الأراضي الصومالي، وقد تُسبب نقطة في إعادة إشعال عدد من الصراعات الداخلية المحتدمة، وتصاعد النزعة الوحدوية الصومالية، مما يُشعل حرب عصابات مع حشد القوات الصومالية الموحدة ضد إثيوبيا، وربما تأكيد المطالبات بالمنطقة الصومالية داخل إثيوبيا.
• تعقد مسارات الأزمة السودانية: دخلت هذه الأزمة منعطفًا حرجًا، في ظل اتخاذ الصراع عدة تطورات ميدانية متلاحقة، واتسعت رقعته إلى مناطق جديدة وتحديدًا منذ منتصف ديسمبر 2023 مع وصول قوات الدعم السريع لمدينة ود مدني في ولاية الجزيرة بوسط البلاد، مع غياب الحسم العسكري، وتفاقم الاحتياجات الإنسانية غير المسبوقة، وتردى الأوضاع الاقتصادية، وسيولة المشهد الأمني، واختلاط البعد القبلي في الصراع بتصاعد حدة العنف القبلي والانقسامات الداخلية في إقليم دارفور، مما شكّل ارتدادات خطرة على دول الجوار المباشر بما في ذلك، تأثير مُضاعف للأزمات الإنسانية وتصاعد تدفقات اللاجئين، وتفاقم الأزمات الأمنية، مع تراجع اهتمام القوى الفاعلة في المجتمع الدولي بالأزمة.
ثانيًا- تنسيق مُشترك وتوطيد العلاقات بين القاهرة وأسمرة:
تُضيف زيارة ” أفورقي” في هذا التوقيت لتراكم إرث العلاقات بين البلدين الممتدة إلى عقود التي اتسمت بمجموعة من التفاهمات وتوحيدّ الرؤى والمواقف تجاه التحديات والقضايا المشتركة، والاهتمام المتبادل بين الجانبين بشأن تطوير وتعزيز العلاقات على المستوى الثنائي، لتشمل شراكات أوسع في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والعسكرية والأمنية. في ضوء هذا الصدد، يمكن الوقوف عل هذه السمات والملامح العامة للعلاقات، وتوضيح القضايا محل الاهتمام المشترك كما يلي:
• تنويع مجالات الشراكة الاستراتيجية: ركزت المباحثات على تنشيط التبادل التجاري بين البلدين، وتعزيز التدفق الاستثماري عبر دعم تواجد الشركات المصرية في السوق الإريترية في القطاعات ذات الاهتمام والأولوية للجانبين، والتي تتمتع فيها الشركات المصرية بميزات نسبية وخبرات متراكمة. كما توجد مجالات تعاون أخرى بين البلدين على مدار التاريخ سواء التعاون الثقافي وبرامج التبادل الثقافي والأكاديمي، والتعاون الطبي وتبادل المعرفة والتقنيات الطبية، ومجالات بناء الكوادر.
• تعزيز التنسيق الإقليمي: شملت المباحثات تناول تطورات الأوضاع في الإقليم، وفي مقدمتها التطورات الأمنية الخطيرة في البحر الأحمر من خلال تأكيد الرئيسان على أهمية عدم التصعيد واحتواء الموقف. كما تم التشديد على ضرورة التوصل لوقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، بشكل يمهد للنفاذ الإنساني الكامل والمستدام للقطاع، وإطلاق مسار حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وفقًا للمرجعيات الدولية المعتمدة.
• توافق وتوحيدّ الرؤى في قضايا القرن الأفريقي: تم التوافق بين الجانبين على ضرورة احترام سيادة دولة الصومال، ودعمها في رفض كافة الإجراءات التي من شأنها الانتقاص من هذه السيادة، كما تم التطرق إلى الأوضاع في السودان وتم تأكيد أهمية استمرار العمل المشترك بين مصر وإريتريا، في إطار مسار دول الجوار من أجل التوصل إلى حلول جادة للأزمة تفضي إلى وقف إطلاق النار، بما يضع حدًا للمعاناة الإنسانية التي يمر بها الشعب السوداني الشقيق، ويُلبي تطلعاته وآماله في تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية.
حاصل ما تقدم، أكدّت زيارة ” أفورقي” للقاهرة على عمق وقوة العلاقات الراسخة بين البلدين، وتوحيدّ وتنسيق الرؤى المشتركة بينهما، في ظل تفاقم التحديات وتصاعد التهديدات الإقليمية، التي لها تداعيات على البلدين والإقليم ككل، بما يجعل التعاون المشترك لمواجه واحتواء هذه التهديدات والتحديات مسؤولية مشتركة وضرورة مُلحّة.