أفريقيامصر

استكمال الجهود الحثيثة: العلاقات المصرية الأفريقية ومسارات التعاون في الولاية الرئاسية الجديدة

حرصت القيادة السياسية المصرية منذ يونيو عام ٢٠١٤ على انتهاج سياسة خارجية نشطة تجاه القارة الأفريقية، وظهر ذلك جليًا خلال رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي عام ٢٠١٩، وما قامت به مصر من الدفاع عن قضايا وهموم ومصالح الدول والشعوب الأفريقية في كافة المحافل الإقليمية والدولية. وقد شملت هذه القضايا والمشكلات: السلم والأمن الأفريقي، ومكافحة الإرهاب، والتداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا، وتداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية، وموضوعات التغير المناخي، والأمن الغذائي. فضلًا عن جهود مُعالجة الأزمات السياسية والاقتصادية، وحلحلة العديد من الصراعات والنزاعات في دول الأفريقية، وتعزيز سُبل تحقيق التكامل والاندماج القاري.

في هذا السياق، تمثل الدائرة الأفريقية بعدًا رئيسًا في توجهات واهتمامات السياسة الخارجية المصرية لعدة اعتبارات، في مقدمتها الأمن القومي والمصالح المصرية، وأبعاد العلاقات التاريخية، والروابط الجغرافية، وهُوية مصر الأفريقية. حيث ترتكز الرؤية والمُقاربة المصرية تجاه القارة الأفريقية على رؤية شاملة لمجالات التعاون المشترك في كافة الأصعدة والمستويات الثنائية والإقليمية والقارية والدولية، وأهمية العمل الجماعي الأفريقي، وإقامة الشراكات التنموية المتوازنة الشاملة مع الدول الأفريقية، والدفع في مسار نهضة أفريقيا من خلال تفعيل أجندة أفريقيا ” ٢٠٦٣ ” (أفريقيا التي نُريدها)، التي تتمثل أهدافها في تحوّيل أفريقيا إلى قوة عالمية، وتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، وتعزيز جهود الوحدة الأفريقية.

من هذا المنطلق، سيتم توضيح أهم أبعاد العلاقات المصرية الأفريقية من خلال رصد تحركات الجهود الدبلوماسية والمساعي السياسية لتعزيز الرؤى المشتركة، ومحورية قضايا السلم والأمن الأفريقي، وأهمية التكامل الاقتصادي وتحقيق الاندماج القاري، من أجل استكمال حالة الزخم والبناء في مسار هذه العلاقات خلال الولاية الرئاسية الجديدة للرئيس “السيسي”.

أولًا- الجهود الدبلوماسية والمساعي السياسية لتعزيز الرؤى المشتركة:

تتسم العلاقات المصرية الأفريقية على المستويين الرسمي والشعبي بالقوة والمتانة، في ظل تنوع مجالات التعاون، والزيارات السياسية والدبلوماسية المُتبادلة، وعقد اللقاءات والمباحثات المشتركة؛ بهدف تعزيز سياسات التنسيق في كافة القضايا، ومُعالجة الأزمات المشتركة. وقد تجلت ثمار هذه العلاقات الوطيدة في أهمية التوافق حيال قضايا وأزمات القارة الأفريقية، ويمكن توضيح أبرزها تاليًا:

• التأكيد على ثوابت السياسة المصرية: فهي تقوم على دعم وحدة وسيادة الدول الوطنية في القارة الأفريقية، وأهمية الاستعانة بمبدأ “الحلول الإفريقية للمشكلات الأفريقية”، وضرورة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وأهمية فهم طبيعة التفاعلات الداخلية وتحديدًا في الدول التي تمر بمراحل انتقالية، وأهمية تسوية الصراعات والنزاعات الأفريقية بالطرق السلمية وإيجاد الحلول الدائمة لها. علاوة على دعم حقوق التنمية في الدول الأفريقية.

تمثيل أصوات الدول الأفريقية في المحافل الدولية: عملت مصر على تمثيل الدول الأفريقية في العديد من الفعاليات والقمم الإقليمية والدولية، ونظمت وشاركت في مجموعة من المؤتمرات من أجل جذب فرص الاستثمار الأجنبي، ومنها على سبيل المثال، منتدى الحزام والطريق في أبريل ٢٠١٩، والقمة الصينية الأفريقية في يونيو ٢٠١٩، وقمة الدول السبع الصناعية (G7) وأفريقيا، وقمة “تيكاد7” في أغسطس ٢٠١٩، وقمة روسيا- أفريقيا في أكتوبر ٢٠١٩، وقمة مجموعة العشرين وأفريقيا في نوفمبر ٢٠١٩، وقمة الاستثمار البريطانية الأفريقية في يناير ٢٠٢٠.

دعم قضايا القارة الأفريقية: حرصت مصر على الدفاع عن مصالح القارة في منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، ووضع القضايا الأفريقية على أجندة التنمية الدولية، مع التأكيد على أهمية التمثيل العادل للدول الأفريقية في المؤسسات الدولية، والتي تم تتويجها في فبراير ٢٠٢٣ بانضمام الاتحاد الأفريقي رسميًا لمجموعة العشرين الذي يُمثل نقطة تحوّل في مسار القارة الأفريقية، ولحظة محورية في مشهد الحوكمة الدولية وإعادة تشكّيل السياسات العالمية من خلال تعزيز مُشاركة أفريقيا في عمليات صنع القرار بشأن القضايا العالمية، وتعزيز مبادئ الحوكمة العالمية الرشيدة، وانخراط أفريقيا في خطط الانتقال العادل للطاقة، وقضايا العدالة المناخية. بجانب جهود مصر في مؤتمر “COP 27” نوفمبر ٢٠٢٢، في إصدار القرار التاريخي بإنشاء صندوق الخسائر والأضرار المناخية من أجل تعويض الدول الأكثر تضررًا، وفي مقدمتها الدول الأفريقية.

• تنسيق المواقف المشتركة: تقتضي التحديات والأزمات التي تشهدها مختلف دول وأقاليم القارة الأفريقية، وفي مقدمتها تنامي تهديدات ومخاطر أمن البحر الأحمر، وتصاعد التوترات الإقليمية في منطقة القرن الأفريقي، وتعقد مسارات الأزمة السودانية، وتفاقم الأزمات السياسية والتحديات الأمنية، واتساع رقعة نشاط الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي؛ ضرورة التنسيق المشترك والتشاور السياسي بين مصر والدول الأفريقية حيال هذه القضايا والأزمات محل الاهتمام المشترك ومنها: ضرورة احترام سيادة ووحدة الدولة الصومالية، وأهمية عدم التصعيد واحتواء الموقف في القرن الأفريقي، وأهمية التوصل إلى حلول جادة للأزمة السودانية تفضي إلى وقف إطلاق النار، وكذلك دعم عملية المصالحة الوطنية في جنوب السودان، ودعم جهود الدول الأفريقية التي تُعاني من ويلات الإرهاب، والظواهر ذات الصلة من الجريمة المنظمة، ونشاط الجماعات المتمردة المُسلحة، من أجل تحقيق الأمن والاستقرار في أفريقيا.

ثانيًا- محورية قضايا السلم والأمن الأفريقي:

تحظى قضايا السلم والأمن بأهمية كبيرة في أبعاد العلاقات المصرية الأفريقية، في ضوء قدرات مصر في دعم منظومة وهيكل السلم والأمن الأفريقي، وأهمية عضوية مصر في مجلس السلم والأمن الأفريقي للفترة (٢٠٢٤-٢٠٢٦)، بعد تحقيقها نجاحات كبيرة في دعم وتعزيز بنية السلم والأمن في القارة الأفريقية، في ظل تصاعد تهديدات الجماعات الإرهابية، وتنامي نشاط الجماعات المسلحة، ويمكن رصد هذه الجهود وطبيعة التعاون مع الدول الأفريقية في هذا المجال كما يلي:

المساهمة النشطة في تسوية النزاعات وبعثات حفظ السلام الأممية: تعد مصر من أكبر عشر دول مساهمة بقوات في بعثات حفظ السلام في أفريقيا كما في: جنوب السودان، ودارفور، وأفريقيا الوسطى، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وأنجولا، وغيرها من الدول. بالإضافة إلى ذلك يلعب مركز القاهرة الدولي لتسوية النزاعات وحفظ وبناء السلام (CCCPA) دورًا في دعم جهود تسوية النزاعات والأزمات على مستوى القارة، وتعزيز أطر الدبلوماسية الوقائية، والمساعدة في التدابير العملية لتطبيق مبادرة إسكات البنادق في أفريقيا. علاوةً على ذلك، طرحت مصر مبادرة “دول جوار السودان“، لبحث سبل إنهاء الأزمة السودانية وتسويتها بالطرق السلمية، واحتواء التداعيات السلبية للصراع على دول الجوار والمنطقة ككل.

تعزيز جهود مُكافحة الإرهاب والتطرف العنيف: تعمل مصر على دعم جهود الدول الأفريقية فيمُكافحة الإرهاب من خلال تقديم الرؤية والخبرة المصرية لمواجهة التنظيمات الإرهابية بالتنسيق مع هذه الدول،وقد استضافت مصرالمركز الإقليمي لمكافحة الإرهاب لتجمع دول الساحل والصحراء، وقامت في يونيو ٢٠١٨ بافتتاح مركز قيادة عمليات مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء بهدف صياغة استراتيجيات مكافحة الإرهاب. وكذا استضافت عددًا من التدريبات لقوات هذا التجمع، وكذلك استضاف فعاليات متعددة لتنسيق الجهود وتعزيز قدرات الجيوش الأفريقية على مواجهة تحدي الإرهاب.

تعزيز الآليات الأفريقية لإعادة الإعمار والتنمية بعد الصراعات: يُمثل استضافة مصر المركز الأفريقي لإعادة الإعمار والتنمية بعد الصراعات(PCRD) رسميًا في ٢١ ديسمبر ٢٠٢١، خطوة إيجابية في تعزيز الجهود الأفريقية لتفعيل أطر وسياسات إعادة الإعمار والتنمية المعتمدة في قمة بانجول عام ٢٠٠٦ من خلال تقديم الدعم الفني، وتنفيذ ورصد وتقييم برامج ومشروعات إعادة الإعمار والتنمية في دول ما بعد الصراعات، وتعزيز مهام المركز في تلبية احتياجات السكان المتضررين، ومنع تصعيد النزاعات، وتجنب الانتكاس إلى العنف، ومُعالجة الأسباب الجذرية للصراع، وتوطيد السلام المستدام. يضاف إلى ذلك ما تمثله مقاربة الأمن والتنمية في أفريقيا من أهمية والتي تُجسدها مخرجات منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامة.

ثالثًا- أهمية التكامل الاقتصادي وتحقيق الاندماج القاري:

تسعى مصر في علاقاتها الاقتصادية مع الدول الأفريقية إلى تحقيق التنمية المشتركة وتعزيز فرص التجارة والاستثمار؛ إذ تعد رئاسة مصر لمبادرة الشراكة الجديدة لتنمية أفريقيا (النيباد) خلال (٢٠٢٣- ٢٠٢٥) بمثابة فرصة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في القارة الأفريقية، ودفع مسار مشروعات البنية التحتية وتمويلها بالقارة. وتستخدم مصر مجموعة من الأدوات، وتقوم بالعديد من المبادرات والمشروعات المشتركة لتحقيق هذه الأهداف التنموية، وسيتم توضيح ذلك على النحو التالي:

• دور الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية (EAPD): تعمل كذراع تنموي للسياسة الخارجية المصرية من خلال دعم المشروعات التنموية الكبرى في أفريقيا في مجالات: النقل، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والخدمات الصحية، والزراعة، والطاقة. وتعمل الوكالة كذلك على تعزيز التعاون جنوب – جنوب، وتدعم جهود الدول الأفريقية في تنفيذ أجندة أفريقيا ٢٠٦٣. ومن أهم أنشطة ومهام الوكالة: بناء القدرات وتأهيل الكوادر، وإيفاد الخبراء، وتقديم المعونات والمساعدات الإغاثية الطارئة. بالإضافة إلى ذلك، تقوم بتبادل الخبرات المصرية في مجالات الزراعة، والأمن الغذائي، والصحة العامة مع الدول الأفريقية؛ بهدف المساعدة في القضاء على أزمات الجوع وسوء التغذية، وتعزيز الممارسات المستدامة في مجال الزراعة، وتبادل الخبرات في القطاع الطبي ومجال الرعاية الصحية، وتقديم الخبرات الفنية لعدد من مستشفيات القارة الأفريقية.

• دفع مسار مشروعات البنية التحتية المشتركة: توجد مجموعة من المشروعات بين مصر والدول الأفريقية من أجل تعزيز التكامل الإقليمي والقاري في مجالات البنية التحتية، وتسهيل انتقال حركة الأشخاص والبضائع، ومنها مشروعات الربط الكهربائي والسكك الحديدية مثل مشروع “القاهرة – كيب تاون”، ومشروع الممر الملاحي النهري بين بحيرة فيكتوريا والبحر المتوسط تحت شعار “قارة واحدة – نهر واحد – مستقبل مشترك”، بهدف ضمان نفاذ البضائع الأفريقية إلى العالم. ذلك علاوةً على التعاون مع عددٍ من الشركات المصرية مثل: المقاولون العرب، وأوراسكوم، والسويدي إليكتريك، وغيرها؛ من أجل تنفيذ العديد من مشروعات البنية التحتية، وأعمال الطرق الكبرى، والمشروعات السكنية، والصحية، وحفر العديد من الآبار الجوفية وإقامة السدود ومحطات توليد الكهرباء في الدول الأفريقية، ومنها مشروع سد روفيجي في تنزانيا.

• أهمية دور مصر في التجمعات الاقتصادية الإقليمية والقارية: استضافت مصر العديد منمنتديات ومؤتمرات الاستثمار والتجارة البينية الأفريقية، ومنها: منتدى الاستثمار في أفريقيا، والمؤتمر الاقتصادي الأفريقي، والمعرض الأفريقي للتجارة البينية. وأسهمت مصر في إنشاء صندوق ضمان مخاطر الاستثمار في أفريقيا، وفي إطلاق منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (AfCFTA) في يوليو ٢٠١٩؛ بهدف تعزيز الاستثمارات المصرية من القطاع الخاص ورجال الأعمال والشركات المصرية، وتسهيل دخول المنتجات المصرية للأسواق الأفريقية، في ظل فرص الاستثمار الواعدة في الأسواق الأفريقية، وإمكانية الاستفادة من المواد الخام، والثروات الطبيعية في أفريقيا. بالإضافة إلى ذلك، أهمية تجمع السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا (الكوميسا) بالنسبة لمصر، في ضوء ارتفاع حجم التبادل التجاري بين مصر ودول الكوميسا ليصل لنحو ٦٠٪ من حجم تجارة مصر مع أفريقيا.

حاصل ما تقدم، تشهد العلاقات المصرية الأفريقية نقلة نوعية في مسار التعاون والتنسيق المشترك في كافة المجالات ومختلف الأصعدة، في ظل تنامي الدور المحوري لمصر في أفريقيا، والتجاوب الإيجابي من الدول الأفريقية مع الرؤية المصرية حيال العديد من القضايا والملفات، ومن المنتظر خلال الولاية الرئاسية الجديدة للرئيس “السيسي” استكمال مسار الجهود الحثيثة وحالة الزخم من أجل توسيع آفاق ومسارات التعاون الجديدة مع دول القارة الأفريقية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى