
مواجهة مفتوحة: معارك مستمرة ووضع إنساني مأزوم في السودان
لا تزال العاصمة السودانية تشهد معارك مستمرة بين القوات المسلحة و”الدعم السريع” في نطاق مدن العاصمة الثلاث، مع تفاقم الوضع الإنساني، وتعثر المبادرات الدبلوماسية ومحدودية قدرتها على حمل طرفي الصراع على الالتزام بمساعي وقف إطلاق النار.
معارك مستمرة
تستمر الاشتباكات بين الطرفين في جنوب الخرطوم، في أحياء: مايو، والأزهري، والسلمة، وجبرة، والصحافة، وكذلك شهدت مدينة شمبات بحري شمال الخرطوم اشتباكات عنيفة في أحياء: كافوري، والكدرو، والحلفايا، وشمبات، ما أدى إلى تضرر منازل مدنيين إثر قصف عشوائي. ولا تزال مدينة أم درمان غرب العاصمة تشهد قصفًا مدفعيًا أدى إلى نزوح السكان لمناطق آمنة، وسقوط حوالي 30 قتيلًا في أم درمان يوم 8 أغسطس، حيث تشتد الاشتباكات في أحياء: بيت المال، وود نوباوي، والعمدة، والدباغة، وود أرو، وأبو روف، والكبجاب، والصهريج بأم درمان.
وعلى مدار أسبوعين، تدور المعارك بين الجيش وقوات “الدعم السريع” حول سلاح المدرعات في منطقة الشجرة جنوب العاصمة الخرطوم، وسلاح المهندسين في مدينة أم درمان؛ بوصفهما آخر المراكز الحيوية التي تسيطر عليها القوات المسلحة، إذ يتمتع سلاح المدرعات بأهمية استراتيجية لكونه يفصل بين مناطق تمركز “الدعم السريع” ومصادر الإمدادات، وبالمثل فإن سلاح المهندسين يتحكم في إغلاق الطرق والجسور، ويحول دون وصول الإمدادات من أم درمان. وقد شن الجيش كذلك ضربات جنوب وغرب مدينة أم درمان ومنطقة سوبا جنوب الخرطوم.
ورغم سيطرة “الدعم السريع” على 70% من الخرطوم، يسيطر الجيش على سلاح المدرعات بعدما سيطرت “الدعم السريع” على معسكر اليرموك وقيادة الاحتياطي المركزي في جنوب الخرطوم، بينما يسيطر الجيش على 60% من أم درمان بما في ذلك قاعدة وادي سيدنا. واستعاد الجيش الكثير من المواقع في شرق وشمال الخرطوم بحري، بينما تسيطر “الدعم السريع” على وسط وجنوب الخرطوم بحري؛ إذ تسيطر على 60% من الخرطوم بحري، بينما تبقى معسكر الكدرو الذي يسيطر عليه الجيش وتدور حوله معارك طاحنة. ومن بين ولايات البلاد الثمانية عشر، لا تزال 9 ولايات خارج الصراع، بينما فرضت “الدعم السريع” سيطرتها على نحو 70% من ولايات دارفور الخمس، بما في ذلك ولاية وسط دارفور الحيوية.
ويتقاسم الجيش والدعم السريع السيطرة على الجسور السبع الرابطة بين مدن العاصمة الثلاثة، فيما تتفوق “الدعم السريع” نسبيًا في السيطرة على المنافذ حيث يتحكم في مدخلي العاصمة من ناحيتي ولاية الجزيرة في الجنوب ومنطقة النيل الأبيض، كما يتقاسم مع الجيش السيطرة في مداخل مناطق شرق النيل التي تدور حولها معارك مستمرة. ويسيطر الجيش على المنفذ القادم من شندي في الشمال عبر جسر المتمة ويؤدي إلى وادي سيدنا والكلية الحربية وبقية المعسكرات الواقعة في منطقة كرري.
حشد المدنيين
أعلنت “الدعم السريع” انضمام قوات درع السودان لها في 8 أغسطس، وقد تشكلت هذه القوات في أعقاب اتفاق جوبا للسلام للتعبير عن الرفض والمظالم التي تعرض لها مسار الوسط والشمال والشرق في الاتفاق؛ إذ لا تعبر الجبهة الثورية عن تلك المناطق، وتنتشر هذه القوات في ولايات: كردفان الكبرى، والنيل الأبيض، وسنار، وجبل موية، والقضارف، وكسلا، وبورتسودان، والبطانة، والخرطوم، وأم درمان، وبحري، والنيل الأبيض؛ بهدف إعادة التوازن الاستراتيجي للبلاد، وتصحيح مظالم اتفاق جوبا، ويبلغ عددها وفق بعض التقديرات 75 ألف.
كذلك، دعا التحالف الديمقراطي للعدالة الاجتماعية، بقيادة مبارك أردول وعلي عسكوري، الشباب والقادرين على حمل السلاح إلى التحرك والاستجابة لنداء الجيش والالتحاق بمعسكرات التدريب، وأعلن تشكيل لجنة عسكرية من قدامى الضباط لتدريب الحشد والاستنفار الطوعي للشباب.
وتسبب الاستقطاب المجتمعي في مزيد من الصراع والعنف، على غرار العنف الجاري بين قبائل دارفور على خلفية صراع على الأرض من جهة والانحياز للمعارك من جهة أخرى، مثل المواجهات الأخيرة بين قبيلة السلامات والبني هلبة في جنوب دارفور بعد رفض الأولى الانضمام إلى “الدعم السريع” على غرار الثانية التي انضمت في 4 يونيو الماضي.
وقد أعلنت قيادات الإدارة الأهلية بمحلية الجبلين بولاية النيل الأبيض جاهزيتها لحمل السلاح جنبًا إلى جنب مع القوات المسلحة، حيث أكد العمد والمشايخ استعدادهم لدعم القوات المسلحة بالشباب للمشاركة في المعارك، كمثال على الاستقطاب المستمر بين فئات المجتمع.
معاناة إنسانية
حذرت المنظمات الإغاثية من تفشي الأمراض نتيجة تحلل جثث القتلى في شوارع الخرطوم؛ نتيجة لعدم سعة المشارح لحفظ الجثث من ناحية، وتأثير انقطاع الكهرباء المستمر على نظم التبريد من ناحية أخرى؛ مما قد يعرض المواطنين لمخاطر انتشار الأمراض والأوبئة، مع نقص المياه الحاد وتعطّل خدمات النظافة والصرف الصحي، وخروج عدد كبير من المرافق الطبية من الخدمة، وتوقف أنشطة التلقيح، وبدء موسم الأمطار في يونيو مما يساعد على انتشار الأمراض، وهو الوضع الذي يعكس مزيدًا من المعاناة للمواطنين الذين لا تُدفن جثث موتاهم.
وصدر بيان يوم 4 أغسطس عن اليونيسيف ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أكدا خلاله على احتياج 24 مليون شخص للغذاء لكن تلقى منهم 2.5 مليون فقط المساعدات بسبب القتال ونقص التمويل وصعوبة دخول العاملين في المجال الإنساني. وقد أسفر القتال على مدار أربعة أشهر عن مقتل 3900 وفرار 4 ملايين شخص.
وقالت منظمة اليونيسف إن تفشي مرض الحصبة في السودان يهدد حياة العديد من الأطفال، خاصة الأصغر سنًا، وأوضحت أنهم نفذوا حملة للتطعيم من الحصبة بمخيمات اللاجئين بولاية النيل الأبيض؛ للمساعدة في حماية الأطفال من الأمراض القابلة للوقاية. ووفقًا للمدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية الدكتور أحمد المنظري، فإن السودان معرض لارتفاع نسبة سوء التغذية بمقدار 39% نظرًا لتأثير المعارك على تقديم الخدمة الصحة والحد من وصول الإمدادات الطبية والكهرباء والمياه. فضلًا عن أن التكدس في المعسكرات ومراكز الإيواء يعرض الأطفال للأمراض والأوبئة، مع انتشار مرض الحصبة وعدم توفر الدواء.
ومع دخول موسم الخريف والأمطار، وصعوبات تجميع المياه الراكدة، وانتشار البعوض والذباب؛ انتشرت أمراض الحمى والملاريا والكوليرا والالتهابات التي تصيب الأطفال. هذا في الوقت الذي خرج في الكثير من المستشفيات عن الخدمة، والضغوط المستمرة على النظام الصحي في الولايات التي لا تشهد حربًا، ويشكو العاملون في المجال الإنساني من صعوبة وصول المساعدات الإنسانية للجمارك، فضلًا عن عرقلة منح السلطات لتأشيرات دخول الطواقم الطبية.
وقد تسببت السيول يومي 7 و8 أغسطس الجاري في تدمير وتضرر أكثر من 400 منزل بالولاية الشمالية في السودان؛ إذ تعرضت أجزاء واسعة من محليات: دنقلا، ومروي، والدبة، والقولد، والبرقيق، وحلفا، إلى أمطار وسيول أدت إلى حدوث بعض الأضرار والخسائر في المنازل والمزارع.
وهناك معاناة غذائية مع نفاد المخزون الغذائي وانتشار الأوبئة، مع عدم وجود ممرات آمنة لدخول المواد الغذائية/ وتدمير البنية التحتية والأسواق، وتهدد الموسم الزراعي؛ مما دفع الفاو إلى الدعوة لتمويل المزارعين، إذ حددت المنظمة أن 20 مليون سوداني يعانون من الجوع بما يمثل 40% من السكان، وجرى استهداف 18.1 مليون شخص للحصول على مساعدات إنسانية، وفقًا لخطة الاستجابة الإنسانية المنقحة التي أُطلقت في مايو 2023.
وقد حذّر المسؤولون في ولاية جنوب كردفان من نذر مجاعة بسبب القتال الدائر في الولاية والذي عطل موسم الزراعة؛ بسبب رفض عدد كبير من المزارعين في محليات: الدلنج، وأجزاء من كادقلي، وبرام، وهبيلا، علاوة على مناطق واسعة في محلية أبو جبيهة ورشاد ودلامي؛ العمل بسبب غياب الأمن وانتشار المسلحين التابعين للجيش الشعبي في تلك المناطق.
ذلك بالإضافة إلى انتهاء المخزون الاستراتيجي في الولاية، وإغلاق الأسواق بعد أربعة أشهر من الحرب، وكذلك إغلاق المعابر والطرق البرية التي يتم عبرها الاستيراد؛ إذ تم إغلاق الطرق والمعابر المؤدية إلى كادقلي من “الدعم السريع” والجيش الشعبي التابع للحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو؛ إذ تمنع “الدعم السريع” وصول القوافل التجارية منذ سيطرتها على مدينة الدبيبات حاضرة محلية القوز، وأغلقت القوات التابعة للحركة الشعبية قيادة عبد العزيز الحلو الطريق الرابط بين كادقلي والدلنج عند معبر بلدة “الكرقل” بعد سيطرتها على حامية الجيش في المنطقة.
جهود دبلوماسية
جهود عديدة بذلها الوسطاء والشركاء الإقليميون والدوليون، كان أبرزها مباحثات جدة؛ إذ أبرم طرفا الصراع أكثر من اتفاق هدنة بوساطة من الولايات المتحدة والسعودية، لكنها لم تصمد؛ نظرًا إلى افتقادها آليات التنفيذ وكيفية إخراج “الدعم السريع” من مناطق السيطرة، مما أدى إلى مغادرة الوفود لجدة وتجميد المباحثات. وكذلك أخفقت مبادرة “الإيجاد” بعدما رفض السودان ترؤس كينيا للجنة الوساطة الرباعية والمقترح المتعلق بتشكيل قوة من شرق أفريقيا للتدخل.
وأخيرًا بلور دول جوار السودان مبادرة دول جوار السودان، بعدما استضافت مصر القمة الأولى لدول الجوار في 13 يوليو الماضي، وعقدت اجتماعات وزراء خارجية دول الجوار بتشاد يوم 7 أغسطس؛ إذ خرج الاجتماع بتوصيات تؤكد ضرورة تسهيل المساعدات الإنسانية من خلال دعم خطة الأمم المتحدة للاستجابة، وإنشاء مستودعات في دول الجوار تيسر تمرير المساعدات الإنسانية، والعمل على استكمال الآليات القائمة للاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية، والتي تتضمن ثلاثة أجزاء هي: تحقيق وقف إطلاق نار نهائي، وتنظيم حوار شامل بين الأطراف السودانية، وإدارة القضايا الإنسانية.
وقد تزامن هذا الاجتماع مع تلقي الرئيس عبد الفتاح السيسي اتصالًا هاتفيًا من نظيره الكيني للتباحث بشأن تطورات الأوضاع، وكذا استضافت مصر اجتماعات قوى الحرية والتغيير في القاهرة يومي 24 و25 يوليو. وقد أعلنت قوى الحرية والتغيير عن تشكيل الجبهة المدنية من أجل وقف الحرب والتحول المدني الديمقراطي؛ إذ تجري مشاورات مع القوى المدنية المختلفة لتوحيد الصف، بناءً على وعودها بالانفتاح على كافة القوى المدنية ومن شاركوا في ورش القضايا الانتقالية قبل اندلاع الصراع. وقد التقى وفد من الكتلة الديمقراطية بممثلي الاتحاد الأفريقي بإثيوبيا في 8 أغسطس الجاري، إذ جرى النقاش حول التحالفات المدنية التي يتم تشكيلها كأساس للحوار الوطني الشامل.
وكذلك أطلقت قوى مدنية وأهلية بشرق السودان مبادرة لإحلال السلام وضمان المساعدات الإنسانية وجبر الضرر، ضمت موقعين من النظار والقيادات الأهلية، من بينهم نظار: البشاريين، والجميلاب، والبني عام،ر والحباب، والبرقو الصليحاب في القضارف، ومك البوادرة. وضمت كذلك 17 من الأحزاب السياسية والمنظمات و83 من الفاعلين، فيما خلت المبادرة من الناظر محمد الأمين ترك ناظر الهدندوة ورئيس المجلس الأعلى لنظارات البجا الذي أعلن في وقت سابق عن تشكيل جبهة مؤيدة للجيش، وكذلك نظار الشكرية والأمرار والحلنقة.
باحثة ببرنامج العلاقات الدولية