تأمين الحلفاء: أبعاد اتفاقية الدفاع المشترك بين مصر والصومال
وافق مجلس الوزراء الصومالي على اتفاقية للدفاع المشترك مع مصر خلال جلسته الاستثنائية المنعقدة في 20 يوليو الجاري، استنادًا إلى ما تم الاتفاق عليه في يناير الماضي، في سياق التوتر الدبلوماسي بين مقديشو وأديس أبابا منذ مطلع العام الجاري، على خلفية مذكرة التفاهم الإثيوبية مع أرض الصومال، التي أثارت التوتر الإثيوبي الصومالي، على نحوٍ قد يسهم في إعادة تشكيل التحالفات والسياسة الخارجية الصومالية، في الأمد المنظور.
وتأتي تلك الاتفاقية المعلنة بين مصر والصومال، في سياق خطوات متتالية لإعادة الانخراط المصري المكثف في منطقة القرن الأفريقي بشكل عام، وفي الصومال بشكلٍ خاص، بعد سنوات من الجفاء بين البلدين، على نحوٍ ساهم في غياب الحضور المصري التقليدي في الصومال.
السياق الراهن
لعل جمع مجلس الوزراء الصومالي بين القرار القاضي بالموافقة على اتفاقية الدفاع المشترك مع مصر، والقرار المرتبط بإغلاق القنصليتين الإثيوبيتين في البلاد، يعكس السياق المصاحب للتطورات القوية الأخيرة التي تشهدها العلاقات المصرية الصومالية، إذ صاحب الإعلان الأول عن تلك الاتفاقية في يناير الماضي، التأييد الدبلوماسي المصري للصومال، في أزمته مع إثيوبيا، التي عبرت عنها القيادة السياسية المصرية، خلال استضافة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود بالقاهرة في 20 يناير الماضي، برفض القاهرة لتهديد أمن الصومال، والتأكد على حقها في الدفاع المشترك، وفق ميثاق جامعة الدول العربية، في أعلى التزام دبلوماسي مصري تجاه دول المنطقة.
- إغلاق القنصليات الإثيوبية
مثلت التحركات الإثيوبية الرامية نحو النفاذ للبحر الأحمر، عبر توقيع مذكرة تفاهم مع أرض الصومال في الأول من يناير من العام الجاري، يتم من خلالها منح إثيوبيا الوصول إلى البحر عبر شواطئ أرض الصومال، بطول 20كم لمدة تصل إلى 50 عامًا، بما يسمح لإثيوبيا بإقامة قاعدتين بحرية وعسكرية على البحر الأحمر، فضلًا عن إقامة ميناء تجاري، مقابل منح الأخيرة حصة في الخطوط الجوية الإثيوبية، ووعود الاعتراف بأرض الصومال الانفصالية، على نحوٍ يهدد مستقبل الوحدة الصومالية؛ الشرارة الأولى لاشتعال التوتر الدبلوماسي بين إثيوبيا والصومال، ودفع الأخيرة للتوعد بتبني كافة الوسائل والسبل التي تدافع عن أمنها، بما في ذلك مناشدة الدعم الدبلوماسي من المنظمات والدول الحليفة.
وفي اليوم التالي على توقيع مذكرة التفاهم، ألقى الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خطابًا أمام البرلمان، اعتبر فيه تلك الاتفاقية غير مشروعة وانتهاك صارخ للقوانين الدولية، وفي السادس من يناير الماضي، أي في خلال إسبوع من توقيع الاتفاق، وقّع الرئيس شيخ محمود اتفاقًا يقر ببطلان الاتفاق الإثيوبي مع صوماليلاند، جنبًا إلى جنب مع عدد من الخطوات الشعبية والدبلوماسية الأخرى.
فإلى جانب تصدي المؤسسات الصومالية الرسمية لتلك الخطوة على المستوى القانوني والرسمي، بما في ذلك إعلان مجلس الوزراء الصومالي في جلسة استثنائية (4 إبريل 2024)، إغلاق القنصليتين التابعتين لإثيوبيا بولاية بونتلاند ومدينة هرجيسيا بإدارة أرض الصومال، ردًا على زيارة ممثليها وإبلاغ وزارة الخارجية بنفاذ تلك القرارات وإبلاغ السفير الإثيوبي بمغادرة البلاد للتشاور مع بلاه.
وتوازت تلك الاستجابات السياسية، مع مساعي استقطاب الدعم الدبلوماسي، إذ نادت الصومال كافة الدول والمنظمات بإدانة التحركات الإثيوبية المزعزعة للاستقرار، وهو الأمر الذي لاقى استجابة من كافة المنظمات والدول الشريكة، والتي كان من بينها تركيا والولايات المتحدة ومصر، التي اتخذت خطوات متتالية على كافة مستويات التأييد والدعم.
- استمرار التقارب التركي
في ضوء ما تحظى به كل من تركيا والصومال من علاقات وطيدة، انخرطت أنقرة دبلوماسيًا في الأزمة، إذ أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في الخامس من يناير الماضي، خلال اتصال تليفوني بنظيره الصومالي، أن التوتر المثير للقلق بين الصومال وإثيوبيا ينبغي أن ينتهي على أساس وحدة أراضي الصومال.
وفي الثامن من فبراير الماضي، وقّعت كل من تركيا والصومال على الاتفاق الإطاري للتعاون الدفاعي والاقتصادي ومكافحة الإرهاب، في تأكيد للتعاون المستمر بينهما في هذا الصدد، مما يعكس استمرار ارتفاع تكلفة التعاون الاستراتيجي مع الصومال، في ظل تعدد المنافسين الاستراتيجيين لها.
وعلى الرغم مما عكسته الخطوة السابقة من انحياز تركي للمصلحة الصومالية، في سياق التعاون الوثيق بين البلدين في مختلف المجالات، بما في ذلك التعاون الأمني ومكافحة الإرهاب، عرضت تركيا في الثاني من يوليو الجاري، التوسط بين إثيوبيا والصومال، بعد زيارة أجراها رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد لتركيا في مايو الماضي، في تحرك يعكس المساعي التركية لتأكيد وموازنة مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، في ضوء العلاقات الوثيقة التي تجمع تركيا بإثيوبيا.
تزامنت خطوة توقيع البرلمان الصومالي على اتفاقية التعاون الدفاعي مع مصر، مع إعلان وكالة الأناضول التركية الرسمية بأن الرئيس رجب طيب أردوغان قدم اقتراحا إلى البرلمان، يطلب فيه الحصول على إذن بنشر قوات من الجيش التركي في الصومال، بما يشمل المياه الإقليمية الصومالية. وتأتي تلك الخطوة بعد يوم من إعلان وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي ألب أرسلان بيرقدار، أن بلاده تعتزم التنقيب عن النفط والغاز في 3 مناطق قبالة السواحل الصومالية.
ويأتي ذلك في سياق بعدين، الأول: توقيع تركيا والصومال هذا العام اتفاقًا للتعاون الدفاعي والاقتصادي المشار إليه سابقًا، في أعقاب التأييد التركي للصومال في أزمته مع إثيوبيا، مما أعتبر حينها بأنه تعاون تركي مع الصومال في مواجهة إثيوبيا. لكن مؤخرًا، مع إعلان تركيا الدخول على خط الوساطة بين الصومال وإثيوبيا، في ظل العلاقات الاقتصادية الوثيقة بين الأخيرة وتركيا، وفي ظل المصالح التركية في المنطقة، والتي تستدعي أهمية تثبيت الأمن والاستقرار من ناحية أخرى، مما يشير إلى احتمالية تنسيق تركيا لإعادة التقارب الإثيوبي الصومالي مرة أخرى. أما البعد الآخر، يتعلق بالدور التركي الأمني والعسكري في تدريب الجيش الصومالي، وفي دعم مقديشيو في استعادة الأمن، وهو ما يفسره الاتفاق الدفاعي من جهة، ومحاولة الرئيس أردوغان انتزاع موافقة برلمان بلاده لنشر قوات تركية في الصومال، خاصة مع تصاعد مخاوف مقديشيو من فقدان السيطرة الأمنية عقب انسحاب بعثة حفظ السلام ” أتميس”.
الأبعاد حاكمة
رغم ما تمثله السياسة الإثيوبية إزاء منطقة القرن الأفريقي بشكل عام وإزاء الصومال بشكل خاص من تهديد حيوي بالنسبة للمصالح الاستراتيجية المصرية في المنطقة، إلا إنها مثلت في الوقت ذاته فرصة لإعادة النظر في السياسة المصرية إزاء المنطقة ورصد التحديات ومكامن الخطورة والضعف، في ظل تراجع الحضور المصري في أعمق دوائر أمنها القومي، وابتعادها عن المناطق التي كانت في بؤرة الاهتمام المصري، مثلما كان الحال من الأزمة الصومالية منذ سقوط حكومة سياد بري في 1991.
وخلال السنوات الأولى من حقبة الرئيس السيسي، كان الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو على سدة الحكم، مما ساهم في استمرار الفتور والفجوة بين البلدين، خاصة مع ميل فرماجو حينها للجناح الإقليمي المناوئ للمصالح المصرية، إذ وصلت سياساته إلى حد مطالبة البعثة التعليمية المصرية بمغادرة مدرسة 15 مايو، في مارس 2020.
ومع وصول الرئيس الحالي حسن شيخ محمود، كان الفرصة سانحة لإعادة التقارب المصري الصومالي مرة أخرى، والذي يستلزم بالضرورة، إعادة الالتزام المصري بقضايا أمن الصومال، في ظل التهديدات الوجودية التي تحدق بالدولة الصومالية، سواء على مستوى التهديدات الداخلي، أو على مستوى التهديدات الإقليمية، وفي مقدمتها رغبات الهيمنة الإقليمية واستغلال الهشاشة الصومالية. وكانت هناك مظاهر لاستئناف التقارب المصري مع الصومال، منذ صعود شيخ محمود لسدة الحكم، والتي تمثلها أبرزها في التالي:
- التأييد الدبلوماسي للصومال
كشفت مصر عن أعلى تأييد دبلوماسي للصومال، في أزمته مع إثيوبيا حول أرض الصومال، وخلال لقاء الرئيس السيسي بنظيره الصومالي شيخ محمود، أكد على عدد من الرسائل المصرية، التي تبرز وضع الصومال كحليف استراتيجي بالنسبة للسياسة المصرية، في إطار إعادة صياغة مصر لسياستها في منطقة القرن الأفريقي. وتضمنت الرسائل، تأكيد مصر على عدم السماح بتهديد الصومال أو المساس بأمنها، باعتبارها عضو في جامعة الدول العربية، ولها حق في الدفاع العربي المشترك. وأكدت الرسائل المصرية على رفض محاولة السيطرة على الأراضي بما يهدد تماسك الدولة الوطنية.
ومنذ توقيع ذلك الاتفاق، اتخذت مصر والصومال عدد من الخطوات الرامية إلى مواجهة مساعي الهيمنة الإثيوبية، والتي جاءت في مجملها على النحو التالي:
- اتصال تليفوني جمع الرئيسي الصومالي بنظيره المصري، في اليوم التالي على إعلان مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وأرض الصومال، تطرقا خلاله للأوضاع الإقليمية وسبل تعزيز العلاقة بين البلدين. وجاء ذلك في إطار حملة دبلوماسية صومالية شملت الدول الصديقة والمنظمات بما في ذلك جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي وتركيا والولايات المتحدة.
- إعلان الخارجية المصرية عبر بيان رسمي، ضرورة الاحترام الكامل لوحدة وسيادة جمهورية الصومال الفيدرالية على كامل أراضيها، ومعارضتها أية إجراءات من شأنها الافتئات على السيادة الصومالية، مشددةً على حق الصومال وشعبه دون غيره في الانتفاع بموارده.
- قيام وفد دبلوماسي مصري رفيع المستوى، عقب توقيع مذكرة التفاهم بأسبوع، بزيارة الصومال (7 يناير 2024)، استقبله الرئيس حسن شيخ محمود، حيث نقل إليه الوفد دعم الرئيس عبد الفتاح السيسي الثابت لسيادة ووحدة الأراضي الصومالية، مؤكداً معارضة القاهرة لأي إجراءات من شأنها التعدي على تلك المبادئ.
- زيارة الرئيس حسن شيخ محمود للقاهرة (20 يناير 2024)، وقال الرئيس السيسي خلال المباحثات: “إن مصر تدعم الصومال وترفض التدخل في شؤونه والمساس بسيادته، مؤكدًا أن الاتفاق بين أرض الصومال وإثيوبيا غير مقبول لأحد”، مشددًا على دعم مصر للصومال في محاربتها للإرهاب والعمل على تطوير العلاقات، باعتبار أن الصومال دولة عربية ولها حقوق طبقا لميثاق الجامعة العربية في الدفاع المشترك لأي تهديد له “، وكانت هناك عدد من الرسائل من القيادة السياسية المصرية في هذا الشأن كالتالي:
- رفض مصر الاتفاق بين أرض الصومال وإثيوبيا ورفض المساس بوحدة واستقلال الأراضي الصومالية.
- رفض محاولة القفز على أي أرض من أراضي الدول الشقيقة للسيطرة عليها بشكل أو بآخر.
- عدم السماح بتهديد الأشقاء، حال طلبوا التدخل.
- التأكيد على عروبة الصومال وأحقيته في الدفاع المشترك، من منطلق عضويته في جامعة الدول العربية.
- إبداء الاستعداد للتعاون مع الصومال في كافة المجالات.
- · التأكيد على أهمية استقرار وتماسك الدولة الوطنية.
- قيام وزير الخارجية والهجرة وشؤون المصريين بالخارج، الدكتور بدر عبد العاطي، في (12 يوليو 2024)، في أولى زياراته الخارجية، بزيارة كل من جيبوتي والصومال، عبر خط الطيران المصري المباشر الرابط بين الدول الثلاث، في خطوة رامية نحو تعزيز التعاون بين البلدان الثلاثة.
- موافقة مجلس الوزراء الصومالي خلال اجتماع استثنائي مساء الجمعة (19 يوليو 2024)، على اتفاقية دفاعية بين الصومال ومصر تم توقيعها في يناير الماضي.
- إعادة التموضع الإقليمي
تأتي تلك التحركات المصرية في إطار إعادة النظر في سياساتها الإقليمية تجاه منطقة القرن الأفريقي، والتي تطلبت إعادة النظر في السياسات التقليدية والبحث عن أدوات جديدة، في ظل التحديات المتصاعدة وغير التقليدية، فضلًا عن تصاعد حدة المنافسة على المنطقة، بما يرفع تكلفة الفرصة لتعزيز الحضور المصري في المنطقة، رغم ما توفره التحديات المتشابكة من مداخل لإعادة صياغة الدور ورفع مستوى الحضور المصري في القرن الأفريقي. ورغم أن تطوير ملامح وأدوات السياسة الخارجية، يتطلب بداية تعبيرًا وتعريفًا من القيادة السياسية، لأهمية قضية أو منطقة محددة، على نحوٍ يتطلب معه إعادة وضع تلك المنطقة في مستويات عليا، ضمن قائمة أولويات ومرتكزات السياسة الخارجية للدولة، على نحوٍ يمكن معه حشد كافة أدوات وأدوار مؤسسات الدولة لخدمة الأهداف العليا لتلك السياسة الخارجية؛ فإن التحركات الخارجية
وفي الحالة الصومالية، لسنوات مضت أعقبت الانشغال المصري بالتحولات الداخلية التي أعقبت أحداث يناير 2011، كان هناك تراجع ملحوظ في مستويات الحضور المصري، بما سمح لملء هذا الفراغ بلاعبين جدد، كانت تركيا في مقدمتهم التي رفعت من مستويات حضورها في الصومال منذ عام 2011، لكن مع نجاح مصر في تجاوز تحدياتها الداخلية وشروع إدارة الرئيس عبد الفتاح السيسي في استعادة النفوذ والتأثير في دوائر الأمن القومي المصري المختلفة، بدأت القاهرة تستعيد الحضور الناعم في منطقة القرن الأفريقي، ومثل عودة الرئيس الحالي للحكم، فرصة لإعادة صياغة الصومال لتوازنات سياستها الخارجية، مما يوفر فرصة لإعادة صياغة العلاقات المصرية الصومالية، خاصة مع شمل مصر ضمن قائمة الدول التي توجه إليها شيخ محمود، عقب توليه الحكم، بعد أن قام رئيس الوزراء المصري، الدكتور مصطفى مدبولي، بحضور حفل تنصيب الرئيس شيخ محمود، مما مهد لمرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين.
ومثلت الأزمة الصومالية الأخيرة، مدخلًا لرفع مستوى الحضور المصري، الذي يتطلب حالة من الاستمرارية وتنوع مداخل التعاون، فضلًا عن أهمية ربط البعد العروبي بالأفريقي في سياسة مصر إزاء المنطقة، خاصة مع ما فرضته سياسات المنطقة العربية من انعكاسات على التفاعلات في منطقة القرن الأفريقي.
ولعل وضع عضوية جامعة الدول العربية كأحد أسس التعاون، كما تمت الإشارة أثناء القمة التي جمعت الرئيسين المصري والصومالي، الذي عبّر حينها عن أحقية الصومال في الدفاع عن أمنه، انطلاقًا من عضويته في جامعة الدول العربية، واستنادًا إلى اتفاقية الدفاع العربي المشترك؛ تسلط الضوء على أهمية اقتران السياسات الأمنية بأخرى اقتصادية، تضمن الاستدامة وتعزز الارتباط.
في الأخير، فإن اقتران معاهدة الدفاع العربي المشترك بالتعاون الاقتصادي بين جامعة الدول العربية، يضع الأساس للربط بين السياسات العسكرية والاقتصادية، كما وضح بشكلِ جلي في اتفاقية التعاون الدفاعي والاقتصادي الأخيرة بين تركيا والصومال، على نحوٍ يعزز من حضورها في الصومال، مما يشير إلى أهمية اقتران السياسات الأمنية المصرية بأخرى اقتصادية وتنموية، هذا فضلًا عن أهمية إعادة صياغة البعد العربي الأفريقي في سياساتها تجاه المنطقة.